أغنيات صغيرة للبيئة

أغنيات صغيرة للبيئة
        

(1) الأرض بيتنا!

الأرض بيتنا

هي كل حياتنا

نعيش عليها

وتعيش, هي, معنا!

           الشاعر الصغير: راؤول - 9 سنوات - من فلوريدا, الولايات المتحدة الأمريكية. 

(2) البحر

رشّاش البحر الصاخب يغطَّى الصخور

يروح ويجيء مسرعاً

كأنه يلعب لعبة

والأشجار تصفّر في الريح

كأنها تقول: اقترب

والبحر يزحف فوق الأشجار

وهناك, في البعيد

يمكنك سماع صراخ النورس:

لا!... لا!

بينما السماء تقول: نعم..

يصك جناحا النورس صفحة السماء

تتفجَّر عيونها المحتقنة

تذرف دموعاً

فريدة في حجمها

ويعود البحر ليزحف مقترباً

تتهامس الأشجار

وهناك, في البعيد

تعود النوارس تصيح:

الرحمة!... الرحمة!

           الشاعرة الصغيرة: لانا - 9 سنوات - من كندا. 

(3) أشجار

البتولا

الإسفندان

البلّوط

الصنوبر

أشجار ضخمة, وأخرى نحيلة رشيقة

منها القصير ومنها العالي

بعضها يغطي سقيفة بيتنا!

           الشاعر الصغير: إريك - 7 سنوات - من ولاية ويسكونسين الأمريكية. 
 

انتبهوا!

           دعت هيئة مختبرات البحرية الأمريكية ستين عالماً, اختيروا من تسع دول, لحضور حلقة بحث ودراسة, حول واحد من أهم الموضوعات ذات الطابع الاستراتيجي, التي تشغل بال المهتمين بالطاقة ومصادرها وسياساتها, في عالمنا المعاصر. عُقدت الحلقة بمدينة واشنطن في نهاية سبتمبر 2002, وكانت حول اكتشافات تمت لمصدر جديد للطاقة, هو (الميثان هيدرات), وهو عبارة عن رسوبيات تتكون عند قاع البحر, في مواقع عدة من الكرة الأرضية, وهذه الرسوبيات هي ناتج تفاعل فيزيقي - كيميائي, بين كل من الغاز الطبيعي (الميثان), والماء, في وجود البكتيريا, مع توافر ضغوط عالية. وهو مصدر للطاقة معروف منذ عقود عدة من الزمن, غير أن الاهتمام به قد تزايد في الآونة الأخيرة, في سياق البحث المحموم عن مصادر جديدة للطاقة, بعد أن أوشكت المصادر التقليدية, التي عاشت عليها البشرية حتى الآن, أن تنفد. وهو مصدر مبشّر, بكل المقاييس, فالسنتيمتر المكعب الواحد من رسوبيات الهيدرات يعطي - بعد معالجته وتهيئته للاستهلاك - مائة وخمسين ضعفا من الغاز الطبيعي. وثمة تقديرات تفيد بأن مواقع تجمع هذه الرسوبيات, التي تم رصدها حتى الآن, يمكن أن تنتج 270 مليون تريليون قدم مكعبة من الهيدرات, في السنة, وتشير التقديرات أيضاً إلى أن المخزون العالمي من هذا الوقود الجديد يكفي لإمداد العالم بالطاقة, لمئات السنين.

           وقد تنوعت اختصاصات المشاركين بتلك الحلقة: علوم حياة - علوم بحار - كيميائيين - خبراء حاسوب - تكنولوجيين - اقتصاديين - خبراء في القانون الدولي, وغيرهم. وكان أحد علمائنا العرب, وهو الدكتور سيد حسن شرف الدين, أستاذ الأوقيانوغرافيا الفيزيقية بجامعة الإسكندرية, واحداً ممن دعوا إلى هذه الحلقة, وقدم بحثاً عن احتمالات وجود رسوبيات الهيدرات في مياه البحر المتوسط, وهي احتمالات شبه مؤكدة, وبخاصة في منطقة مصب نهر النيل, عند عمق حوالي 500 متر, على المنحدر القاري, في المسافة بين دمياط ورشيد, وقد تمتد شرقاً إلى العريش.

           ويهمنا, هنا, أن نشير إلى أن إسرائيل لديها نشاط علمي في هذا المجال, وهي تتكتمه, ولابد أنها اكتشفت هذه الرسوبيات السحرية في مياهها, فلها نفس الطبيعة الجيولوجية لقاع البحر المتوسط.

           هاهو أفق جديد يتفتح للبشرية, من أجل مصدر جديد للطاقة, يدعم حضارتها في القرن الواحد والعشرين. وعلينا ألا نتأخر, فنسارع بإجراء الدراسات التمهيدية, وأعمال الاستكشاف الضرورية, لرصد رسوبيات الهيدرات في كل مياهنا العربية. وينبغي أن يتم ذلك بأسرع ما يمكن, حتى لا نتراجع إلى الصفوف الخلفية, ويستمر احتياجنا للخبرات والتكنولوجيا الأجنبية.. ينبغي أن نبدأ من الآن في تحصيل الخبرات, وإنتاج تكنولوجيا عربية لاستخراج ونقل الهيدرات.. طاقة المستقبل. لقد اكتشف اليابانيون في سواحلهم مخزوناً ضخماً من الهيدرات, وتنشط مراكز التكنولوجيا اليابانية حالياً لإيجاد وسائل آمنة واقتصادية لاستخراج ونقل هذا الوقود الجديد, والمتوقع أن تسبق اليابان العالم كله في هذا المجال.ويجري الآن, في الإسكندرية, الإعداد لإنشاء مركز عربي لدراسات الهيدرات, مهمته تجميع البيانات والدراسات المتصلة بالهيدرات, وتحليلها, وتهيئتها لتكون بمتناول متخذي القرار والجهات التنفيذية, حتى إذا حانت ساعة العمل, وجدنا قاعدة معلومات داعمة, فلا نبدأ من فراغ. 

يقول أنصار حقوق الحيوان...

           هذه طائفة من أقوال وآراء نفر من العلماء والزعماء والمفكرين, شغلت حقوق الحيوان جانباً, قلَّ أو كبر, من اهتماماتهم الفكرية والعملية, وهي أقوال وآراء جديرة بالتأمل.

           يقول الزعيم الهندي (المهاتما غاندي): (يمكننا تقدير مدى عظمة الأمة, ورقيها الأخلاقي, من أسلوبها في معاملة الحيوانات)!

           ويقول الزعيم الديني الطائفي (أغاخان): (إن فكرة التضحية بمخلوقات, نضعها نحن البشر في مرتبة أدنى, ونقوم بتشريحها للأغراض العلمية, لا تختلف كثيراً عن فكرة معسكرات الاعتقال, أو تجارة العبيد)!

           ويقول الفيلسوف الأسترالي (بيتر سينجر), في كتابه عن (تحرير الحيوان): (هل يجرؤ عالم بمختبر أن يستخدم في تجاربه وليداً بشرياً?!.. إذن, فإقدامه على استخدام الكائنات غير البشرية يكشف عن ظلم بيِّن, وضرب من التمييز العنصري, على أساس النوع. إن كائنات تجارب المختبرات, من (الرئيسات), والقردة, والكلاب, والفئران, وغيرها من اللبونيات, تدرك - على نحو ما, وبدرجة أو بأخرى - ما يجري لها في تلك التجارب. إنها, على أي حال, ليست أقل إدراكاً من الوليد البشري, كما إن درجة إحساسها بالألم لا تقل عنه, إن لم تماثله)!

           وتستمر حماسة (سينجر), في دفاعه عن حقوق الحيوان, فيستطرد قائلاً: (إن حركة تحرير الحيوان تفرض على البشر التزامات أكثر من أي حركات تحرير أخرى عرفوها, وذلك لأن الحيوانات - بطبيعتها - تعجز عن المطالبة بتحريرها, وعن إبداء معارضتها لما تتعرض له من انتهاكات, فلا أصوات انتخابية لها, ولا هي تستطيع تنظيم التظاهرات, أو استخدام المفرقعات!

           إننا - نحن البشر - نملك القدرة على الاستمرار في جورنا على غيرنا من أنواع الكائنات الحية,واضطهادها, وذلك أمر كفيل بأن يحول الأرض إلى كوكب غير صالح للحياة. فهل نستمر في الجور والطغيان, لنثبت أننا - حقاً - طغاة أنانيون, كما وصفنا الشعراء والفلاسفة التهكّميّون?, أم ترانا نتسامى إلى مستوى قبول التحدي, وإثبات مقدرتنا على التمسك بفضيلة الإيثار, بوضع حد لما نمارسه على الأنواع الأخرى من اضطهاد, وأن يكون ذلك بإرادتنا, وليس بضغوط من حركات متمردة أو إرهابية)!!

           أما (ريتشارد رايدر), مؤلف كتب: (ثورة الحيوانات), و(حقوق الحيوان), و(ضحايا العلم - استغلال الحيوانات في البحث العلمي), فإنه يتساءل:

           (هل لكون أحد أنواع الكائنات الحية هو الأكثر مهارة, يعطيه الحق في احتباس وتعذيب الأقل مهارة من الأنواع الأخرى?! وهل يحق لفرد منَّا, حباه الله قدرات استثنائية, أن يستغل غيره ممن تقل قدراتهم عن مستوى قدراته? إذا وافقنا على ذلك, فإننا نقرّ ما استقر لدى الفاشيست من أنه يحق للقوي أن يستغل الضعيف, وأن يسحقه, وفي هذه الحال, يسود الأقوياء, عديمو الرأفة, الأرض)!

           وأخير أن يكتفي جرّاح القلب العالمي الشهير (كريستيان برنارد) بحكاية هذه الوقائع المؤثرة, يقول: (اشتريت قردين ذكرين من مزرعة لتربية (الرئيسات) في هولندا, ووضعتهما بقفصين متجاورين, عاشا فيهما لشهور عدة, قبل أن أستخدم أحدهما في جراحة تجريبية لزرع قلب. وعندما كنا نعيده إلى قفصه لينام, بعد إجراء بعض الفحوص عليه, لإعداده للجراحة, كانت أسنانه تصطكّ, ويأخذ في البكاء, دون انقطاع! ولم نكن نلتفت لذلك كثيرا, ولكن يبدو أن رفيقه في القفص المجاور قد تأثر كثيرا, فعندما حان موعد إجراء الجراحة, ونقلنا القرد إلى غرفة العمليات, راح الرفيق ينوح, وقد فشلت جهودنا في تهدئته, واستمر على هذه الحال لأيام عدة)!

           وينهي كريستيان برنارد حكايته, قائلاً: ولقد تركت هذه الواقعة أثراً عميقاً في نفسي, حتى أنني قررت ألا أعود لاستخدام هذه المخلوقات الحسّاسة في تجاربي! 

ضفدع باسم الدكتور القصاص

           الضفدع (قصّاص), وتسميته العلمية هي: Bufo kassasii, وقد أطلق عليه اسم واحد من روّاد العلوم البيئية العرب, هو الأستاذ الدكتور محمد عبدالفتاح القصّاص, أستاذ علم النبات, وخبير التصحّر العالمي, تقديراً لجهوده العظيمة في مجال الدراسات البيئية, واهتماماته بأعمال صون التنوع الأحيائي.

           وهذا نوع من الضفادع ينتشر بوفرة في مستنقعات الدلتا - والدكتور القصاص من أبناء وسط الدلتا, وهو حفيِّ بمسقط رأسه, وقد أسهم بجهده وماله الخاص في تحسين الظروف البيئية في موطنه الأصلي. وهذا الضفدع, الذي يحمل اسم العالم الكبير, صغير الحجم, فلا يتعدى أقصى طول معروف له 4 سم, وللذكر نقيق مميز. ويسهل العثور عليه في المستنقعات, وفي حقول الأرز المغمورة, كما يمكن مصادفته في وادي النيل, حتى الأقصر, جنوباً. ومن الناحية التطورية, يمت هذا النوع من الضفادع بصلة قرابة لأنواع أخرى ذات منشأ أفريقي/استوائي. 

الأطفال... ضحايا التلوث!

           يعاني الأطفال, في العالم كله, وبصفة عامة, تدهور أحوال البيئة كأشد ما تكون المعاناة, وتتعرض أجسامهم الغضّة لأضرار أنواع كثيرة من التلوث, كما تقول مجموعة من التقارير, نعرض لجانب منها في هذا المجال.

           وقد يتبادر إلى أذهان البعض أننا نقصد بالأطفال الذين يتعرضون لأضرار التلوث الأطفال الفقراء, في العالم الثالث, فقط, ولكن الحقائق والإحصائيات تقول بأن التلوث لا يفرق بين طفل في بلد فقير وآخر في موطن متقدم غني, فحتى في أكبر وأغنى دولة في عالمنا المعاصر - الولايات المتحدة الأمريكية - لا يتمتع كل الأطفال بهواء نقي!

           وكانت وكالة حماية البيئة الأمريكية (إيبا) قد أصدرت بيانات إحصائية عن تأثير البيئة على الأطفال, منها إحصائية تقول بأن حوالي 4 % من الأطفال الأمريكيين, في العقد الأخير من القرن العشرين, كانوا يعيشون في مدن معدلات التلوث بها أعلى من الحد المسموح به, وأن 10% من الأطفال تحت سن 7 سنوات معرضون - بشكل مؤثر - لدخان السجائر, وأن حوالي 11% من الأطفال يعيشون في مناطق لا توجد بها مياه شرب صالحة للاستخدام الآدمي. كما أوضحت الإحصائيات زيادة ملحوظة في معدلات الإصابة بالأزمات الصدرية, وأشارت إلى أن هذه الأزمات تتركز في الأطفال السود المنتمين لعائلات تعيش تحت مستوى خط الفقر. الأكثر من ذلك, اكتشاف أن مليوناً  ونصف المليون من الأطفال الأمريكيين الذين تقل أعمارهم عن 17 سنة, في النصف الأول من العقد الأخير من القرن العشرين, يحملون في دمائهم تركيزات عالية من الرصاص, تفوق المعدلات المسموح بها, وأن الأطفال السود هم الأكثر إصابة بهذه المستويات المرتفعة من هذا العنصر السام. ومن الحقائق المؤسفة التي تؤكدها الإحصائيات, أن معدل إصابة الأطفال بمرض السرطان في تزايد مستمر بالرغم من انخفاض معدل الوفيات في الأطفال المصابين بهذا المرض اللعين, منذ العام 1972, ويرجع انخفاض معدل الوفيات - بطبيعة الحال - إلى تقدم طرق العلاج لأنواع كثيرة من السرطان.

           وقد اهتم الخبراء بإثبات أن للتلوث دخلاً كبيراً بهذه الأحوال المرضية في الأطفال. ويقول مدير مركز ولاية كولومبيا لصحة بيئة الطفل إن الأمراض التي تصيب الأطفال مرتبطة بتلوث البيئة, بدرجة أو بأخرى, بالاشتراك مع عوامل أخرى منها الجانب الوراثي ونوع وكمية الغذاء.

           والثابت, أن الملايين من سكان جنوب ولاية كاليفورنيا الأمريكية يتنفسون هواء ملوثا, يفوق مستوى الملوثات به مستويات التلوث في مناطق عدة, كما يتجاوز تلك التي حددتها هيئة حماية البيئة الأمريكية لمختلف المواد الملوثة للهواء, والتي يُحظر تجاوزها, مما دعا عديدا من الأمريكيين المهتمين بصحة البيئة إلى المطالبة بضرورة مراجعة هذه المستويات وتعديلها, خصوصا بعد ظهور دراسات تؤكد خطورة الحياة في بيئات هواؤها ملوث, مثل هذه الدراسة التي أجراها بعض الباحثين المتخصصين بالطب الوقائي, في لوس أنجلوس, في الشهور القليلة الماضية, وخضع فيها للفحص 110 أطفال في سن المراهقة (من 13 إلى 19 سنة), لدراسة مدى تأثير التلوث على رناتهم, مقارنة بأقرانهم في مناطق أخرى بشرق الولايات المتحدة.

           وقد أثبتت الدراسة, التي نُشرت نتائجها أخيراً في إحدى المجلات الطبية الأمريكية, أن التعرض لتلوث الهواء يؤثر على نمو رئات الأطفال وكفاءتها, كما يؤثر, في المدى البعيد, على صحة الرئة عند الأطفال, وأن نقاء الهواء له تأثير قياسي على صحة الصغار, فالأطفال الذين يعيشون في مناطق ذات معدلات منخفضة من تلوث الهواء يُظهرون نمواً طبيعياً للرئة, بل وزيادة في معدلات وظائفها, مقارنة بالأطفال الذين يعيشون بمناطق تعاني من معدلات تلوث هواء عالية, لذلك - تقول نتائج الدراسة - فإن الهواء النقي مهم جداً لنمو الرئة ووظائفها.

           وكان جانب آخر من الأبحاث, حول التلوث وصحة الأطفال, قد أجري في 12 منطقة متفرقة بجنوب ولاية كاليفورنيا, منذ العام 1993, حيث سُجلت بيانات عن صحة أكثر من 6000 طالب في تلك المناطق. وبناء على نتائج وخلاصات هذه الدراسات, أصدرت الجمعية الأمريكية لأمراض الرئة, في لوس أنجلوس, بياناً أعلنت فيه أن الولاية لا تتمتع بهواء نقي, وأن ذلك يفسر ارتفاع معدلات التردد على عيادات الطوارئ.

           وقد ورد بتلك الدراسات المشار إليها فيما سبق, أن الرئة قد تستطيع تحمل هواء به تراب وحبوب لقاح, ولكن الهواء المحمل بالملوثات الغازية يعتبر بمنزلة عامل مؤثر إضافي على دفاعات جسم الإنسان. وتوضح الجمعية الأمريكية لأمراض الرئة أن حجم جزيئات بعض المواد الملوثة يكون صغيراً جداً, حتى أنه يستطيع اختراق أنظمة دفاع الرئة.

           كما تبين للباحثين أن المستويات العالية لتلوث الهواء تعمل بقوة على إبطاء النمو الطبيعي لرئات الأطفال, فقد قام فريق من هؤلاء الباحثين بدراسة تتبّعيّة لتأثير التلوث على 110 أطفال في جنوب ولاية كاليفورنيا. بدأت تلك الدراسة بالعام 1990, بفحص هذا العدد من الأطفال, وكانوا - وقتها - في سن 10 سنوات, ثم أعيد فحصهم مرة أخرى عند بلوغهم 15 سنة, وبعد انتقالهم إلى أماكن أخرى. وتقول النتائج إن الأطفال الذين انتقلوا للإقامة في مناطق خالية من - أو منخفضة - التلوث حققوا زيادة في نمو الرئة وتحسناً في أدائها الوظيفي, أما أولئك الذين ذهبوا إلى مناطق هواؤها ملوث, فقد انخفض معدل نمو رئاتهم, وقلت كفاءتها. ويظهر هذا الفارق, بصورة ملموسة, عند أولئك الأطفال الذين ابتعدوا عن المواقع ملوثة الهواء, لأكثر من ثلاث سنوات قبل الفحص.

           إن اهتمام الباحثين بوظائف الرئة خلال فترة المراهقة قائم على أساس أن هذه المرحلة تشهد نمواً سريعاً وكبيراً لرئاتهم, وترتفع خلالها كفاءة الرئة إلى أعلى مستوى. الجدير بالذكر, أن الرئة لدى البنات تنمو بسرعة واضحة, حتى نهاية فترة المراهقة (19 سنة), وفي الأولاد, تستمر الرئة في نموها حتى نهاية السنة العشرين من أعمارهم, ثم تشهد انخفاضا في وظيفتها بمرور الأعوام. لذلك فإن أحوال الرئة خلال فترة المراهقة لها تأثيرها المهم جداً فيما بعد. ويأمل هؤلاء الباحثون متابعة هؤلاء الأطفال بعد سن المراهقة (20 سنة), لعلهم يحصلون على نتائج أكثر, تمكنهم من فهم تأثير التلوث, في المدى البعيد, على صحة رئات البشر ووظيفتها.

           إن مثل هذه الأبحاث والدراسات يجب أن تكون دافعاً لنا لحماية الهواء في مدننا من التلوث, صوناً لصحة أطفالنا, ولكن - مع الأسف - فإن خطط السيطرة على التلوث, في كثير من المواقع بالعالم, تتعارض تماما مع خطط المصانع, التي تسعى إلى تحقيق مزيد من الإنتاج, وبالتالي, مزيد من الملوثات التي تطلقها مداخنها في الهواء الذي يتنفسه الناس. وفي كثير من الأحوال, فإن الجهات الإدارية المسئولة عن صحة البيئة تجد نفسها - بالرغم مما تملكه من قوانين جيدة الصنع - عاجزة عن مواجهة الموقف, بل الأكثر من ذلك, فإن مكتب حماية البيئة في بلد يتولى زعامة العالم - الولايات المتحدة الأمريكية - يسمح لرجال الصناعة بأن يزيدوا من الملوثات المنبعثة من مصانعهم بالتوسع في مشروعاتهم, دون مراعاة للاعتبارات البيئية. وثمة من يقولون بأن مكتب حماية البيئة الأمريكي - تحت تأثير ضغوط من رجال الصناعة وهيئة الطاقة - يقوم بتدبير ثغرات في قوانين البيئة, تسمح للمصانع بزيادة معدلات الانبعاثات الغازية وغيرها من ملوثات الهواء, التي تتسبب في الإضرار بصحة الأطفال, والكبار, بل وكل الكائنات الحية, وإلحاق التغيرات الحادة بمناخ الأرض, بما يتبعها من كوارث طبيعية.

           ويبدو أن الأطفال مطاردون, تلاحقهم أشكال من التلوث, أينما ذهبوا, حتى أنهم أصبحوا يتعرضون للمبيدات الحشرية في حجرات الدرس!

           لقد تبين لبعض المهتمين بصحة البيئة أن بعض الإدارات المدرسية, في كثير من بلدان العالم, تلجأ إلى استخدام المبيدات الحشرية لمقاومة الحشرات, متجاهلة ما تجلبه هذه المبيدات من أذى للتلاميذ. وقد حدث فعلاً في الآونة الأخيرة, بأماكن متفرقة من العالم, بينها مواقع داخل الولايات المتحدة الأمريكية, أن تعرض الآلاف من الأطفال والمدرسين والعاملين في المدارس لأمراض عدة, نتيجة التعرض للمبيدات الحشرية. وقد أضيف هذا النوع الجديد من الخطر البيئي إلى قائمة ما يتعرض له الأطفال من مخاطر بيئية أخرى, مثل التدخين, والرصاص في عادم السيارات, وهي ملوثات يمكن - إلى حد ما - تقليل عدد مرات وزمن التعرض لها, بعدم التردد على المواقع التي تلوثها, أما أن يتم التعرض للملوثات بين جدران حجرة الدراسة, فهذا هو وجه الخطورة في مسألة استخدام المبيدات الحشرية بالمدارس!

           وقد اهتمت بعض دراسات الصحة البيئية بدراسة تأثير المبيدات الحشرية على صحة الأطفال, وكان من نتائج هذه الدراسات التنبيه إلى العديد من الأمراض الخطيرة التي لها علاقة بتعرض الأطفال للمبيدات الحشرية في مدارسهم. من أهم تلك الأمراض: الصداع, الدوار, ضيق التنفس, الغثيان, التهاب الحلق, حساسية الجلد, بالإضافة إلى حالات من التسمم وفرط الحساسية واضطراب ضربات القلب.

           ومن أهم وجوه الخطورة في المبيدات أنها تستمر موجودة, عالقة بالهواء لمدة أسابيع, وربما لسنوات, كما أنها تظل كامنة في وبر السجاد وعلى مختلف الأسطح, في حجرات الدراسة وغرف المنزل, لشهور عدة. وقد اكتشف الباحثون أن بعض المبيدات المستخدمة في حدائق المدارس, للتخلص من بعض الأعشاب التي تعوق نمو النبات, يدوم بقاؤها في التربة مدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات.

           يصاب الأطفال بالأمراض من جراء تعرضهم لهذه الملوثات سواء أكانت أبخرة تم رشها حالا, أو بقايا من مبيدات كانت قد استخدمت في المنزل, أو بالمدرسة, منذ ساعات, أو أيام, أو حتى أسابيع, وتؤثر المبيدات على الأطفال بطرق عدة, عبر تنفس أبخرتها, أو امتصاص جلودهم لها, أو من خلال الجهاز الهضمي, عند ملامسة اليد الملوثة بالمبيد للفم. وقد تبين أن الأطفال ومدرّسيهم طالهم أذى المبيدات, بالرغم من اتباعهم تعليمات تأمين استخدامها. تحكي مديرة مدرسة ابتدائية بولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية تجربتها الشخصية مع المبيدات, تقول إنها كانت إحدى ضحاياها, فقد قامت, في عطلة نهاية الأسبوع, برش بعض حجرات المدرسة بمبيد للقضاء على النمل, فأصيبت بقرح في اللسان واللثة, كما أصيب أحد المدرسين بأزمة فور دخوله المدرسة, بينما أصيب بعض العمال بالغثيان والتهاب العين وحساسية وصداع والتهاب في الأحبال الصوتية, وأخيراً, وفي منتصف الأسبوع, ظهرت على الأطفال في حجرات الدرس أعراض مرضية, وأصيب بعضهم بالتهاب في الزور.

           وثمة حقيقة طبية تقول إن الأطفال هم الأكثر تأثراً عند التعرض للمبدات, فأجهزة أجسامهم لا تستطيع معادلة أو إزالة مفعول السم أو إخراجه عن طريق البول, كما يحدث عند البالغين, ولعل هذا يفسر لنا لماذا يعطي الأطباء للأطفال جرعات أقل من الأدوية.

           وتصيب المبيدات العديد ممن يستخدمونها بتسمم الأعصاب, الذي إذا حدث في مراحل حرجة من النمو, فقد يترك أثراً مستديماً على وظائف المخ. كما أوضحت الدراسات الحديثة أن ثمة علاقة بين المبيدات التي يشيع استخدامها في المنازل والحدائق, وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان عند الأطفال.

           وتوصي إحدى الهيئات المهتمة بالصحة البيئية بعدم استخدام المبيدات الحشرية والحشائشية إلا في حال الضرورة القصوى, وما لم تتوافر طرق أخرى للمقاومة, مع الأخذ في الاعتبار أن حجرات الدراسة وأفنية وملاعب المدارس ليست هي الأماكن المناسبة لاستخدام مثل تلك الكيماويات, وأن النظافة العامة هي الوسيلة المناسبة والآمنة, وليس المواد السامة الملوثة للبيئة. كما تدعو تلك الهيئة إلى أن الأولوية يجب أن تكون لصحة الأطفال وأمنهم, وليس لإزالة حشائش ضارة نبتت بجوار شجيرات الحديقة.

           ويرى البعض أنه يجب إعلام أولياء أمور التلاميذ عند استخدام المبيدات الكيميائية في المدارس, وتوضيح مدى خطورتها لهم فهذا حق طبيعي لهم, ويعطيهم الفرصة لتأمين أولادهم, وقد يفكرون في إبعادهم عنها في الفترة التالية لرشها بالمبيدات, أو الانتقال بهم إلى مدارس أخرى, حتى يتيقنوا من زوال خطر التأثر بهذه السموم الكيماوية الفتاكة.

 

رجب سعد السيد   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




(1) الأرض بيتنا!





(2) البحر





(3) أشجار





د. سيد شرف الدين.





فأر أبيض... ما أكثر ما خدم بالمختبرات!





ضفادع... مئات الآلاف تروح ضحايا التجارب العلمية كل عام





من الرئيسات.





خبير البيئة وعلوم التصحر العالمي الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص





الضفدع قصاص





أثبتت الدراسات الطبية تأثر نمو رئات الأطفال بتلوث الهواء