وثيقة نادرة.. بعد غرناطة... جاء دور القدس

وثيقة نادرة.. بعد غرناطة... جاء دور القدس
        

هكذا صرخ كريستوفر كولمبس مكتشف أمريكا الشهير وهو يستحث الملكين الإسبانيين فرديناند وإيزابيلا للاستيلاء على القدس الشريف والثأر لهزيمة الصليبيين. هذه سطور مجهولة من التاريخ تكشف عنها وثيقة نادرة.

          ظلت فكرة الاستيلاء على القدس مسيطرة على أذهان رجال الكنيسة الكاثوليكية منذ نجح صلاح الدين الأيوبي في استرداد المدينة بعد معركة حطين 1187م, وعلى الرغم من اعترافهم المتأخر - والاضطراري - بنجاح الإمبراطور فريدريك الثاني في الحصول على القدس بمقتضي اتفاقية يافا  1229م, فإن نجاح الجنود المسلمين الخوارزمية في استعادة المدينة 1244م, أوقد مرة أخرى شعلة الاستيلاء على القدس لدى الكنيسة الكاثوليكية, والتي ظلت مشتعلة طوال القرن الخامس عشر الميلادي, ذلك القرن الذي شهد بزوغ ثلاثة أحداث أثرت بشكل كبير على تاريخ أوربا في نهايات العصور الوسطى.

          الحدث الأول كان نجاح الأتراك العثمانيين المسلمين في القضاء تماماً على الإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية وسقوط القسطنطينية تحت سنابك خيل السلطان العثماني محمد الثاني الذي لقب بالفاتح 1453م . وأحدث وقع سقوط القسطنطينية زلزلة كبرى في أوساط الكنيسة الكاثوليكية الغربية, وفي أوساط الملوك والحكام العلمانيين الأوربيين. ففي الوقت الذي بدا فيه أن المسيحيين الإسبان قد قاربوا على استعادة باقي أراضي الأندلس من قبضة المسلمين, فإن العثمانيين نجحوا في التوغل داخل أراضي البلقان وشرقي القارة الأوربية, واتخذوا من القسطنطينية عاصمة جديدة لهم, وبدا أن رياح حركة الجهاد الإسلامي قد أخذت تهب بقوة على أوربا المسيحية.

          ولابد أن التاريخ سيتوقف طويلاً أمام عدم استجابة العثمانيين, وكذلك المماليك في مصر والشام لنداءات المسلمين الأندلسيين, بتقديم المساعدة الإيجابية التي تسهم في تخفيف الضغط عليهم والقيام بهجمات بحرية قوية ضد المسيحيين الإسبان, فضلاً عن تقديم يد العون عبر المساعدات العسكرية والمادية.

سقوط الأندلس

          أما الحدث الثاني فكان نجاح الملك فرديناند الكاثوليكي ملك أراجون (1479-1516م) وزوجته الملكة إيزابيلا ملكة قشتالة  (1474-1504) في ضرب المعول الأخير في ملك المسلمين بالأندلس, عبر الاستيلاء على مملكة غرناطة 896 هـ/1492م, بعد أن انهمك المسلمون في حروب داخلية, دون أن يحسبوا حساب اتحاد مملكتي أراجون وقشتالة, وبلغت حال العداء بين أفراد البيت الإسلامي بالمدينة حداً دفع بأبي عبد الله الزغيبي للارتماء في أحضان فرديناند وإيزابيلا, اللذين كانا في ذلك الوقت يعدان العدة للهجوم النهائي  على المسلمين.

          بدأ الهجوم المسيحي على غرناطة في العام 1481, ونتيجة لحال التردّي الإسلامي, فقد اجتاحت الهجمات المسيحية المدن والقلاع الإسلامية, واستخدم المسيحيون الإسبان أسلحة جديدة كالبارود والأسلحة النارية, ونجحوا في الاستيلاء على حصن لوره 1484, وعلى لوشة 1486م, كما استطاعوا الاستيلاء على ملقة التي قاومت ببسالة بقيادة حامد الزغيبي, لكن حصار المسيحيين الإسبان لها, وعدم تقديم المساعدة لها اضطرها للاستسلام 1487م.

          وفي العام التالي قام الملك فرديناند بمهاجمة بسطة Baza التي قاومت الحصار لستة أشهر, لكنها سقطت أخيراً في العام 1489م, بعد أن كبدت المسيحيين الإسبان خسائر فادحة.

          وهكذا لم يبق أمام فرديناند وإيزابيلا سوى مدينة غرناطة, وعلى رأسها حليفهم أبو عبدالله الأحمر, الذي كان أضعف من أن يواجه حركة المد المسيحي الإسباني, وقرر أهل غرناطة المقاومة بقيادة موسى بن الغسان, لكنهم اضطروا إلى إلقاء السلاح في نهاية العام 1491م, بعد أن أصبحت مدينتهم وحيدة وسط أمواج المسيحيين الكاثوليك وبعد أن طال انتظارهم لنجدة - لم تصل أبداً - من جانب العثمانيين والمماليك, وهكذا قام عبدالله المشئوم آخر أمراء بني الأحمر بتسليم مفاتيح مدينة غرناطة لفرديناند ملك أراجون وإيزابيلا ملكة قشتالة فوق سفح جبل الريحان 896 هـ -1482 م, وترجع الأسباب الرئيسية لسقوط غرناطة في أيدي المسيحيين الإسبان إلى عوامل عدة, أهمها الانقسام الذي حدث بين أمراء بني الأحمر وصراعاتهم الداخلية, بالإضافة إلى تدهور المساعدات التي كان يقدمها مسلمو المغرب لغرناطة بسبب زوال دولة بني مرين في القرن الخامس عشر الميلادي, وكذلك حال الاتحاد السياسي المسيحي التي حدثت بين فرديناند ملك أراجون وإيزابيلا ملكة قشتالة, اللذين كانا على رأس المسيحية الصليبية في إسبانيا, وخاصة بعد الزواج الذي تم بينهما.

          هكذا كان الجو العام في أوربا في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي يطفح بالعداوة تجاه المسلمين سواء في إسبانيا, أم في شرقي أوربا حيث الفتوحات العثمانية الإسلامية.

اكتشاف أمريكا

          أما الحدث الثالث فكان نجاح الملاح والمغامر الجندي كريستوفر كولمبس Christopher Columbus (1451-1506), بدعم من الملكين فرديناند وإيزابيلا في اكتشاف العالم الجديد 1492, على الرغم من أن كولومبس ظن أنه وصل إلى جزر الهند الغربية Indies عبر الإبحار غرباً, مما ساهم في زيادة إيرادات الخزينة الإسبانية المسيحية, فضلا عما أحدثه هذا الاكتشاف الجغرافي المثير من ثورة في علم الخرائط, وفي الطرق الملاحية والتجارية, وفي المعرفة الإنسانية بشكل عام, كما كان تكريساً لبداية مرحلة استعمارية قامت بها الكنيسة الكاثوليكية - وخاصة بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح قبل ذلك بسنوات - في أرجاء عدة من العالم القديم والجديد, عبر استخدام ما عرف بحركة الكشوف الجغرافية.

          كان كريستوفر كولمبس ابناً باراً لهذا العصر, وتلك الأجواء, فقد تحدر من أسرة متواضعة من مدينة جنوه الإيطالية, التي أحرزت شهرة عالمية في الملاحة والتجارة البحرية, وساهمت مع البندقية قبل قرون عدة في أحداث الثورة التجارية في أوربا العصور الوسطى.

          ونتيجة لنجاح الرحلات المتتابعة لكريستوفر كولمبس, فقد حظي إبان السنوات 1493-1502م بمكانة متميزة في بلاط الملكين فرديناند وإيزابيلا, وكذلك بتأييد الكنيسة المسيحية الكاثوليكية, وهو الأمر الذي دعاه إلى كتابة خطاب إلى الملكين الإسبانيين يطالبهما فيه بشن حملة صليبية من أجل الاستيلاء على مدينة القدس 1501م.

          وفيما يلي نص الخطاب/الوثيقة, والذي ينشر باللغة العربية لأول مرة:

          (صاحبي السمو الأكثر تديّناً... والأعلى مرتبة...

          إن فهمي وإدراكي لمسألة استرداد الضريح المقدس بمدينة القدس لصالح الكنيسة المقدسة عسكرياً سوف أقوم بتوضيحه فيما يلي:

          صاحبي السمو الملكي.. لقد بدأت ركوب البحر منذ حداثة سني, ومازلت حتى اليوم أمارس الملاحة, وفن الإبحار يغرس ويطبع في أذهان أولئك الذين تؤرقهم الرغبة في اكتشاف أسرار هذا العالم. وعلى امتداد ما يزيد على أربعين سنة, كنت ومازلت حتى الآن ملاحاً وبحاراً.

          لقد ارتحلت إلى كل مكان يمكن الإبحار إليه حتى الآن. وكانت لي معاملات وأحاديث مع أناس يتصفون بالحكمة, كرجال الكنيسة, والعلمانيين, واللاتين واليونانيين, واليهود, والمسلمين Moors ومع آخرين عديدين من مختلف الطوائف والملل. وباركني الرب, وأيّدني لتحقيق رغبتي هذه, وساعدني على الفهم والإدراك اللازمين لذلك, ووهبني مهارة كبيرة في فن الملاحة, ومهارة وافية في علم التنجيم, وعلم الهندسة, والحساب, والمسائل الروحية, وبراعة عملية مطلوبة في رسم الكرة الجغرافية للعالم, تظهر فيها المدن والأنهار والجبال والجزر والمواني, كل في موقعه الصحيح والمناسب.

          وخلال ذلك الوقت شاهدت ودرست كل المخطوطات المتعلقة بالوصف العام للعالم والكون Cosmography, والتاريخ, والمزمنات والحوليات, والفلسفة, والأدب والفنون الأخرى.

          وبإلهام من الرب, أبحرت من بلادي إلى الهند Indies, حيث زرع في نفسي الإرادة لكي أقوم بهذا العمل, كما ألهمني الرب أن أمثل أمام جلالتكم.

          إن جميع أولئك الذين اطلعوا على مشروعي البحري المثير للجدل (مشروع الإبحار إلى الهند) رفضوه بسخرية, ولم تشفع لي معلوماتي ومعرفتي أمامهم, كما تجاهلوا كل خبراتي والحجج التي قمت بتقديمها.

          لقد تجسد الدين والإيمان والإخلاص في جلالتكم, ومن ذا الذي يستطيع أن يشك في أن هذا الإلهام قد جاء من الروح القدس Holy Spirit ومني? وأنه الرب الذي يشعرك بالراحة عبر النور المدهش, والوضوح المستمد من خلال كتابه المقدس, والسامي, الذي يتصف بالطهارة والصفاء, مع كتبه الأربعة والأربعين للعهد القديم, والأناجيل الأربعة, وثلاثة وعشرين رسالة إنجيلية Epistles للحواريين المقدسين, كل ذلك ألهمني بأن أتقدم وأتابع عملي, كما قام بتشجيعي لأن أثابر على هذا العمل, وأن أقوم به بهمة وسرعة كبيرة دون توقف.

          وأراد ربنا Our Lord أن يكشف المعجزة الأكثر وضوحا في تلك الرحلة البحرية باتجاه الهند Indies من أجل أن يواسيني, وآخرين, عن المسألة المتعلقة باسترداد الضريح المقدس بمدينة القدس.

          لقد مكثت سبعة أعوام في بلاطكم الملكي, مناقشاً الأمر مع العديد من الرجال أصحاب السلطات والنفوذ الكبير, درست فيها كل الفنون والآداب, وفي النهاية خلصوا بأن ذلك المشروع كان مجرد تخمين وتأمل, وتوقفوا عن مناقشته.

          وعلى الرغم من ذلك, فإن ما حدث هو الذي سبق أن قال به يسوع المسيح المخلص Redeemer, وذكره من قبل عبر رسالة المقدسين. ولهذا فيجب علينا أن نؤمن بأن أمر القيام بحملة صليبية لاستعادة مدينة القدس, لهو أمر سوف يتحقق بالفعل. وكشاهد على ذلك, وإذا كان ما ذكرته غير كاف, فإنني أسأل العون من الإنجيل المقدس Holy Gospel, الذي يذكر أن كل شيء سوف ينقضي ويمر ما عدا كلمة الرب الرائعة, بمعنى أنه من الضروري أن يحدث كل شيء ذكره الرب, وحواريوه.

          لقد قلت إنني سوف أتحدث عن فهمي وإدراكي لمسألة استعادة الضريح المقدس بمدينة القدس إلى أحضان الكنيسة الكاثوليكية, ولهذا فيجب علي تنحية جميع رحلاتي البحرية منذ حداثة سني, وكذا الأحاديث التي أجريتها مع أناس من ملل وطوائف متباينة, في أراض مختلفة, وأن أضع جانباً كل الفنون والآداب التي ذكرتها من قبل. وأن أشير فقط إلى الكتاب المقدس Holy Scripture, وإلى آياته التنبؤية التي قال بها أشخاص يتصفون بالقداسة, والذين - عبر الوحي والإلهام - ذكروا أشياء حول هذا الأمر.

          ولابد أن جلالتكم, وجميع الذين يعرفونني, واطلعوا على هذه الوثيقة, سوف تلومونني, سواء أكان ذلك سرّاً أم علانية, مع توجيه التوبيخ لي بشكل أكيد بدعوى أنني مجرد بحار عادي, ولم أتلق تعليمي بشكل جيد, ورجل مادي يهتم كثيراً بالأمور الدنيوية... إلخ.

          ويأتي ردي على ذلك عبر الاستشهاد بالقديس متى St.Matthew, (أيها الرب, لقد أخفيت بعض الأمور عن المتعلمين, وأعلنتها للبسطاء), كذلك استشهد مرة أخرى بالقديس متى (عندما دخل يسوع إلى القدس, كان الأطفال ينشدون, أوصانا Hosanna ابن داود), ومن أجل أن يقوموا باختباره سأله الكتبة إذا كان يستطيع سماع ما ينشدونه, أجابهم قائلاً (ألا تعرفون أنه من أفواه الأطفال والبسطاء تأتي الحقيقة).

          وإنني أستشهد أيضاً بالرسل والحواريين بشكل عام, الذين قاموا بأشياء صعبة تحتاج إلى تفكير عميق, وخاصة ما ورد لدى القديس يوحنا St John) في البدء كان الكلمة, والكلمة كان مع الله.. إلخ. فالكلمات والمعاني الكبرى والجليلة حقاً تأتي من لدن الناس الذين لم يكتسبوا العلم والمعرفة من الكتب).

          إنني أقول إن الأعمال الصالحة للروح القدس موجودة لدى كل المسيحيين, واليهود, والمسلمين, ولدى جميع الملل والطوائف الأخرى, وليست فقط لدى واسعي الثقافة والاطلاع, لكن لدى غير المتعلمين أيضاً. وإبان رحلة حياتي رأيت قروياً غير متعلم يقوم بحساب ما في السماوات ويعرف ويفسر النجوم وما تقوم به من حركة, أفضل من الآخرين المتعلمين الذين بذلوا الأموال لمعرفة ذلك.

          إنني أذكر بأن الروح القدس لا تقوم بكشف المستقبل للمبدعين العقلانيين فقط, لكنها تقوم بكشفه وإيضاحه لنا حسبما يروق لها, سواء أكان ذلك عبر علامات في السماء, أم لدى الحيوانات, كما في حال الثور الذي كان يستطيع أن يتحدث في مدينة روما إبان عهد يوليوس قيصر Julius Caesar وعبر طرق أخرى متعددة, سوف يكون أمراً يبعث على الملل والضجر أن نقوم بسردها, حيث إنها معروفة جيداً عبر أرجاء العالم كله.

          ويبين الكتاب المقدس, عبر الرسل والحواريين في العهد القديم, وعبر مخلصنا ومنقذنا يسوع المسيح في العهد الجديد, أن العالم سوف يصل إلى نهايته, وأن الإشارات والعلامات التي تذكر متى سيحدث هذا قد جاءت بواسطة القديسين متى مرقص ولوقا. وكذلك قام الرسل والحواريون أيضاً بالتبشير بذلك مراراً وتكراراً.

          كان القديس أوغسطين Augustine St., قد ذكر أن نهاية هذا العالم سوف تحدث في الألفية Millenium السابعة من وجوده. واتفق معه اللاهوتيون المقدسون حول هذا الأمر وخاصة الكاردينال بيير من آيللي Pierre d'Ailly في الفصل الحادي عشر من كتابه Vigintiloquium, وفي مواضع أخرى سوف أقوم بذكرها لاحقاً.

          وطبقاً لجلالة الملك الفونسو Alfonso, والذي يتميز تقريره بأنه الأكثر صدقاً, أنه منذ أن خلق العالم, أو منذ وجد آدم Adam على ظهر الأرض, إلى مجيء الرب يسوع المسيح, فإن هناك  5343 عاما و 318 يوماً وبإضافة 1500 عام, بالإضافة إلى العام الحالي الذي لم ينته بعد (1501م), سوف نصل إلى عدد من السنين يبلغ 6845 عاماً, طبقاً لهذا الحساب, يتبقى 155 عاماً فقط على العام 7000, الذي يقول العلماء والمفكرون إنه سيشهد نهاية العالم.

          قال مخلصنا يسوع المسيح, إن كل ما ذكره الرسل والحواريون سوف يتحقق قبل نهاية العالم, وقام الرسل والحواريون في كتاباتهم بمناقشة كل من المستقبل الذي حدث, والماضي الذي لم يأت بعد, إلى جانب الحاضر, بطرق مختلفة, وذكروا أشياء عدة بشكل عام, بعضها يقترب من الحقيقة, وبعضها صحيح بنسبة ضئيلة, وبعضها أكثر وضوحاً وصراحة من البعض الآخر, والبعض منها تمت كتابته بشكل جيد والكثير منها لم يكتب بأسلوب جيد.

          وكان النبي أشعيا Isaiah أكثر الذين تم امتداحهم بإفراط من قبل القديس جيروم St.Jerome والقديس أوغسطين, وعلماء اللاهوت البارزين Doctors في الكنيسة الكاثوليكية, وأبدى الجميع إعجابهم به, ووضعوه في مكانة مرجعية عليا, وقالوا عن أشعيا إنه كان أحد المبشرين بالإنجيل, بالإضافة إلى أنه رسول, حيث اجتهد بنفسه, ليس لوصف المستقبل فقط, لكن لدعوة كل شخص إلى حظيرة إيماننا الكاثوليكي المقدس.

          وكتب العديد من علماء اللاهوت البارزين المتميزين بالورع والتقوى حول النبوءات التي جاءت في الكتاب المقدس, وقاموا بتنوير عقولنا بشكل كبير حول بعض الأمور التي كنا نجهلها, على الرغم من أنهم لم يوافقوا على بعض الأمور التي لم تستطع عقولهم المستنيرة قبولها.

          إنني أقدم احتجاجي ورفضي مرة أخرى على ما تم بناؤه على افتراض النقص في معرفتي وعلمي, وإنني أشير بثبات وثقة ثانية إلى حديث القديس متى (أيها الرب, لقد أخفيت بعض الأمور عن المتعلمين وأعلنتها للبسطاء).

          هذا هو جوابي ورأيي, بالإضافة إلى الدليل الذي شهدته, (نجاح رحلاته البحرية نحو الهند كما كان يعتقد) فقد تحققت بالفعل نبوءات عدة للغاية, في الكتاب المقدس. لقد عبر هؤلاء (أعضاء اللجنة التي رفضت مشروعه البحري من قبل) عن أنفسهم, ولم تعلن الكنيسة ذلك بشكل متواصل, وليست هناك حاجة إلى دليل وبرهان أكثر من ذلك.

          سوف أقوم بالإشارة إلى أمر واحد بالذات لأنه ينطبق علي, وحينما أفكر فيه فإنه يقوم بتهدئة نفسي, ويجعلني أشعر بالرضا, إنني لخطّاء, ومذنب كبير للغاية, ولقد أنقذتني رحمة ربنا وشفقته من العذاب حالما ناشدته ذلك.

          لقد وجدت أكبر تعزية ومواساة في ترك نفسي إلى التأمل والتفكير في وجود الرب, ذلك الوجود الرائع والبهي. ولاحظت أنه عند تنفيذ مغامرة اكتشاف جزر الهند الغربية Indies, أن الرياضيات ومعرفة كيفية رسم خرائط العالم Mappae mundi لم تكن ذات فائدة لي: لأن ما قاله أشعيا قد تحقق تماما.

          هذا هو ما أردت أن أقوم بكتابته, لتذكير جلالتكم به, ولتشجيع سموكم على القيام بالحملة الأخرى,  المتعلقة باسترداد مدينة القدس, عبر الرجوع إلى الآيات التنبؤية نفسها بالكتاب المقدس.

          ومادام توافر لدى جلالتكم الإيمان الصادق, فلتكونوا واثقين من إحراز النصر في مسألة استعادة الضريح المقدس ومدينة القدس, ولابد أن سموكم تتذكرون الإنجيل, والعديد من الوعود التي بذلها لنا مخلصنا ومنقذنا, وقد تحققت جميعاً, لقد نزل القديس بطرس إلى البحر, ومشى على صفحة الماء لأن إيمانه كان قويا, إن من كان إيمانه وافرا وغزيرا كحبات الذرة سوف تخضع له الجبال. دع من لديه الإيمان يتوجه بدعوته, وسوف يلبي الجميع نداءه, ادفع فقط, وسوف يفتح الباب.

          يجب على أي شخص ألا يخشى القيام بأي أمر يتم تحت اسم مخلصنا وبرعايته ما دام العزم قويا, خاصة أن ذلك الأمر لهو أمر عادل, ويتم من أجل خدمة الرب المقدس. فقد قام الرب بإنقاذ القديسة كاترين St.Catherine, عندما رأى دليل إيمانها, ولابد أن جلالتكم تتذكرون أنكم شرعتم في حربكم مع مملكة غرناطة Granda المسلمة, دون أن يكون لديكم أموال وفيرة.

          لقد ترك ربنا الوسيلة التي تتم بها كل الأمور حسب الإرادة الحرة لكل شخص, على الرغم من أنه قام بتوفير العديد من سبل الهداية والإرشاد. فالرب لا يحتاج إلى قدرة البشر, يا له من رب عطوف, الذي يسمح للناس بأن ينفذوا ما يريدونه من خلال قدرته. ويجب على الناس أن يتوجهوا إليه بالشكر, بورع وتقوى, آناء الليل وأطراف النهار.

          لقد ذكرت سابقا أن العديد من النبوءات مازالت جاهزة لكي تتحقق. وأقول الآن إن هناك أموراً عظيمة في هذا العالم, وأن هناك إشارات وعلامات بأن ربنا يدفعنا للقيام بتحقيقها. كالتبشير بالإنجيل في أراض كثيرة ومتعددة في وقت زمني قصير.

          وقام الكاردينال بيير من آيللي Pierre d'Ailly بذكر الكثير عن نهاية المسلمين, ومجيء المسيح الدجال Antichrist في كتاب يحمل عنوان De Concordia astronomie Veritatis et narratiens, يتناول فيه أقوال العديد من علماء الفلك حول الثورات العشر لكوكب زحل Saturn, وخاصة في الفصول التسعة الأخيرة في نهاية الكتاب. كما أن الأب يواقيم الفيوري من كلابريا Joachim Calabria قد ذكر أن الشخص الذي سيقوم بإعادة بناء الضريح المقدس للمسيح, فوق جبل صهيون بالقدس, سوف يخرج من إسبانيا Spain)

 

حاتم الطحاوي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات