عزيزي القاريء

عزيزي القاريء
        

طاقة من الأمل

           يتفتح الربيع, وتتفتح معه زهور الأمل, وسط وهدة اليأس المطبق لابد من طاقة من النور, فالحياة لا تستقيم, ولا يتواصل الوجود إلا بالإيمان بأننا ننتظر ما هو أفضل, وكما يقول ناظم حكمت شاعر الأتراك العذب: أجمل أطفال العالم لم يولد بعد, لذا فنحن رغم كل شيء في انتظار مولد هذا الأمل, ويبدو الأمل في المستقبل واضحا في المقال الافتتاحي لرئيس التحرير (ضوء في نفق التعليم العربي) فهو يتحدث عن تجربتين جديّتين ربما تكونان أملا جديدا بالنسبة لمستقبل التعليم في العالم العربي, التجربة الأولى تجيء من وسط ظلمات القهر والعسف في الأرض الفلسطينية المحتلة, لتبين مدى إصرار الشعب الفلسطيني على مواصلة التعلم رغم كل الحصار القاتل الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على شباب هذا الشعب, والتجربة الثانية تأتي من دمشق حيث أطلقت الجامعة الافتراضية السورية. وهذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها رئيس التحرير لتجربة موقع (رتاج) الذي أطلقته جامعة بيرزيت الفلسطينية, فقد سبق له أن حكى هذه التجربة باختصار في حديث إلى الأطفال العرب من قرّاء العربي الصغير, ويوضح هذا مدى انشغاله بهذه الفكرة بشكل خاص وعلى سيطرة قضية التعليم في العالم العربي على ذهنه بشكل عام.

           والاهتمام بالمستقبل لا يتجلى في هذا المقال الافتتاحي فقط, ولكنه يمتد للعديد من محتويات (العربي) لهذا الشهر, ولعل أبرز القضايا التي تُثار في هذا المجال هي قضية الاستنساخ التي أثيرت هذه الأيام بمناسبة إعلان جماعة دينية غامضة عن قيامها باستنساخ أول طفل بشري, وتطرح (العربي) سؤالا قلقا حول مدى السماح باستنساخ البشر, وهي قضية ملتبسة, يدور فيها الصراع بين مقتضيات التقدم العلمي والمتطلبات الأخلاقية التي يجب أن تضع معايير محددة لهذا التقدم, فلمن تكون الغلبة? وهل ينتصر صانعو الأعضاء أم معتنقو الأخلاق?

           وبقدر ما تتطلع (العربي) للمستقبل فهي لا تنسى أن تغوص خلف بعض الجذور الممتدة للثقافة العربية, وهي تقدم محوراً صغيراً عن الشاعرة العراقية نازك الملائكة, تلك القيثارة الحزينة التي تعتبر واحدة من أهم روّاد الشعر العربي المعاصر الذين أعطوا للقصيدة شكلاً وطعماً مغايراً, كما تلقي الضوء على ذكرى الكاتب العربي العملاق عباس محمود العقاد الذي مازالت دراساته الإسلامية تحتل جانبا مهما من الثقافة العربية.

           ولا تكف (العربي) عن الرحيل, فتفتح صفحاتها للشاعر أشرف أبو اليزيد الذي أصبح واحداً من أسرة تحريرها ليقوم برحلة عذبة الكلمات يختلط فيها الشعر بالحنين إلى صحراء مدينة (دوز) التونسية التي تحتفل بمهرجان نادر يتعدّى عمره الآن التسعين عاما, وبرغم أنه مثل بقية المهرجانات الصحراوية قام على أثر أخفاف الجمال, فإنه رسخ وتواصل ليجمع بين فعالياته كل صنوف فنون الصحراء.

           إن (العربي) وهي تحتفي بربيع هذا العام, لا تكف عن الأمل, وكل ما ترجوه هو ألا يكف العقل العربي عن التفكير, ولا القلب العربي عن الوجيب, وأن ندرك أن الإبداع والمعرفة وأخذ الدرس من كل تجربة هو السبيل الوحيد للنجاة من كل فخاخ اليأس

(المحرر)