أرقام

 أرقام
        

يهود الصفر!

           في نهاية القرن العشرين وبدايات قرن جديد بدت على الساحة الإسرائيلية حقائق ووقائع تلفت النظر.

           لقد برز - ولأول مرة - ما يسمى (اليهودي المزور) و(اليهودي المنتسب) و(اليهودي تحت الطلب), وكان ذلك كله بحثا عن حل للمشكلة السكانية, تلك التي تبرز من خلال حقيقة تقول إن نمو السكان اليهود في العالم قد أصبح صفرا (أو كاد).. وأن نسبة نمو السكان اليهود داخل إسرائيل لا تزيد على واحد في المائة (أو أكثر قليلا إذا تدفقت الهجرة) بينما يبلغ النمو السكاني للفلسطينيين (3) في المائة سنويا.

           ولم تستخدم إسرائيل كلمة (يهودي مزور), لكن هذه كانت الحقيقة عندما هاجر الكثيرون من الاتحاد السوفييتي السابق ومن دول أخرى ولم تكن لهم ديانة أو كانت لهم ديانات أخرى وادعوا اليهودية وتغاضت سلطات الهجرة عن ذلك, بل إنها كثيرا ما كانت تغفل بيان (الديانة) في إحصاءات الهجرة والسكان.

           أيضا, لم تكن إسرائيل تعترف بكلمة (اليهودي المنتسب) لكنها وعندما عدلت قانون العودة ليسمح لليهودي بأن يصطحب أسرته (غير اليهودية) فإنها قد أضافت لرصيد سكان إسرائيل غير العرب وغير المسلمين يهودا بالانتساب, أو بحكم المصلحة وهي تدخلهم مع آخرين مستهدفين من يهود الخارج تحت بند (يهود تحت الطلب) وهو أيضا طلب متنوع الأغراض يبدأ بفكرة الهجرة إلى إسرائيل ويمتد لفكرة غريبة جرى طرحها يوماً وهو التجنيد الاحتياطي لعناصر يهودية غير إسرائيلية وتقيم خارج حدود إسرائيل! أي أن الشخص قد يكون فرنسياً أو بريطانياً لكنه مسجل في الجيش الإسرائيلي!

           ولو أخذنا بوجهة النظر الإسرائيلية أو الصهيونية التي تعتبر (الكل - أي كل يهود العالم - في واحد), ولو أخذنا مقولة أول رئيس لوزراء إسرائيل عام 1949 وهو ديفيد بن جوريون (إن مهمتنا التالية لإقامة الدولة اليهودية لن تكون أسهل.. فهذه المهمة هي استقدام جميع اليهود إلى اسرائيل) لو أخذنا بهذا أو ذاك لأسقطنا ما نضعه من فوارق بين اليهودي والصهيوني, ولأصبح العدو كل يهودي في العالم.

           ومع ذلك فإن القضية الآن هي الخطط الإسرائيلية, فخطط المستقبل تحكم صراع اليوم الناشب بين العرب وإسرائيل والمشتعل في الأرض المحتلة.

في عام 2020

           كان الصراع على الأرض مشتدا, وكانت الانتفاضة الفلسطينية قد أكملت عامين من العمر حين أعلنت وكالة يهودية أن عدد اليهود في العالم كله لا يتجاوز (13.5) مليون نسمة.

           في الوقت نفسه, كانت تقديرات مراكز الأبحاث أن عدد اليهود - في العالم أيضا - عام(2020) سوف يدور حول الرقم نفسه (13 - 13.5) مليون نسمة, بل إن بعض السيناريوهات تهبط بالرقم إلى (12.8) مليون نسمة.

           الرقم - قياسا على أعداد المسيحيين أو المسلمين أو البوذيين - رقم ضئيل, ومع ذلك فهو البداية والنهاية في مشروع إسرائيل الكبرى بما يحمله من أخطار تجاه الوطن العربي الذي يقترب من الثلاثمائة مليون نسمة.

           والرقم الذي لا ينمو عالميا قد يطمئن البعض, ومع ذلك فهو الرقم الذي تبدأ منه إسرائيل لتكون الدولة الأولى سكانيا بالنسبة ليهود العالم, وليكون لليهود الغلبة في مواجهة الفلسطينيين الذين يهددون الوجود الإسرائيلي بكثافتهم السكانية, إن لم يكن اليوم ففي الغد القريب.

           وطبقا للدراسة المهمة التي قدمها الباحث المصري كارم يحيى نهاية (2002) تحت عنوان: (المليون السابع - اليهود والهجرة الصهيونية حتى 2020) طبقا لهذه الدراسة فقد مرت حركة الهجرة إلى فلسطين بين مد وجزر, لكن العصر الذهبي كان في التسعينيات حين تدفقت الهجرة من الاتحاد السوفييتي السابق.

           لم يتجاوز عدد المهاجرين وحتى عام (1919) سبعين ألفا من اليهود, ولم يتجاوز عددهم بعد هذا التاريخ وحتى حرب 1948 نصف المليون, ولكن وفي أعقاب ذلك شهدت إسرائيل تدفقا بلغ حوالي المليون وربع المليون بين عامي (49 - 67) ونحو المليون في تسعينيات القرن.

           وهنا نلاحظ أن الصعود والهبوط في حركة الهجرة يرتبطان بحالة الاستقرار والأمن, كما يرتبطان بامتلاء الوعاء أو نضوبه, أقصد وعاء السكان اليهود على مستوى العالم, ومن ثم فقد سجل عام (2001) أقل معدل للهجرة خلال عشر سنوات وهو (43) ألف مهاجر مقابل ضعف هذا الرقم في التسعينيات, كمتوسط سنوي. الأمن قضية أساسية, ولكن إذا كانت الهجرة (عرضا وطلبا) فإن المعروض - أو المتاح للهجرة - يتراجع بانتظام.

           الفرصة أصبحت أقل تحت ضغط ما يمكن أن نسميه (تركيبة اقتصادية) ليهود العالم, فقد هاجر معظم الذين يتوقون لمستوى معيشي أفضل في إسرائيل (مثلما هو الحال مع الروس والفلاشا وغيرهم), وبقي في الخارج من يعيشون في مستوى معيشي مرتفع, وليس لديهم حافز للهجرة لأن الهجرة بالنسبة لهم تعني مستوى معيشياً أقل, وأهم هؤلاء بطبيعة الحال: يهود الولايات المتحدة والبالغ عددهم مطلع هذا القرن (5.7) مليون يهودي وبما يفوق عدد يهود إسرائيل الذين لم يتجاوز عددهم حينذاك (5.1) مليون.

           الأمر الثاني فيما هو متاح أو معروض أو مرشح للهجرة واكتساب المواطنة الإسرائيلية جدل في الدوائر الصهيونية حول المفاضلة بين أن يكون اليهودي إسرائيليا ويدعم الكيان الإسرائيلي, وبين أن يكون أمريكياً أو فرنسياً أو ألمانياً أو روسياً ويلعب دور الدعم من الخارج, فالانسحاب من المجتمعات الغربية يمثل خسرانا للحركة الصهيونية خاصة تحت حقيقة أن النمو اليهودي في هذه المجتمعات قد أصبح صفرا, بل إن نمو هذه المجتمعات ذاتها بات في كثير من الدول: صفرا كذلك.

           هناك عوائق إذن أمام تدفق يهودي كبير على إسرائيل وبما يدعم خططها في مواجهة الوجود الفلسطيني, ومع ذلك فإن الخطط قائمة: لا بد من مليون آخر يضاف للزيادة الطبيعية لإسرائيل ليصبح عدد السكان عام (2020) حوالي سبعة ملايين.

المليون السابع

           تنظر إسرائيل, وتنظر الدوائر الصهيونية لخريطة اليهود في العالم لتنتقي منها - وكما تذهب دراسة كارم يحيى - ما يناسبها.

           وطبقا للإحصاءات وبعد أول دولتين في التعداد اليهودي وهما بالترتيب: الولايات المتحدة ثم إسرائيل... طبقا لهذه الإحصاءات فإن هناك ما يزيد قليلا على نصف مليون في فرنسا وما يقرب من هذا العدد في دول الاتحاد السوفييتي السابق, وما يربو قليلا على ثلث المليون في كندا ومائتي ألف في الأرجنتين ونصف هذا العدد في البرازيل, أما ما عدا ذلك فهو تحت المائة ألف.

           وفي تقدير الدوائر الإسرائيلية والصهيونية أنه في عام (2020) سوف تصل إسرائيل بالزيادة الطبيعية إلى ستة ملايين وتبقى المعضلة في جلب المليون السابع الذي يجعلها الدولة الأولى في استيعاب يهود العالم.

           تنظر إسرائيل إلى دول مختلفة, فإذا كان عدد اليهود الروس - وغيرهم في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق - نحو نصف المليون في بداية القرن الجديد, فإنهم يمكن أن يكونوا (مليونا) بعد إضافة الأقارب غير اليهود, ووفقا لنظرية (يهودي بالانتساب) أو (اليهودي المزوّر).... و... من ثم تصبح هذه الساحة مرشحة لتصدير المزيد من المهاجرين.

           تستهدف إسرائيل أيضا, وهو ما حاوله شارون حين أعلن - ثم فشل - استيعاب مليون مهاجر عام  (2020)... تستهدف الوصول إلى منابع أخرى (بخلاف روسيا), وهي: الأرجنتين - فرنسا - جنوب إفريقيا.

           الجهود - إذن - مستمرة لكي تحقق إسرائيل ثلاثة أهداف:

           الأول, وكما أشرنا أن تكون الدولة الأولى من حيث استيعاب اليهود حتى لو لم يصل عددهم إلى نصف يهود العالم.

           الثاني, أن تقفز وفي عام (2020) لأن تصبح دولة الأغلبية اليهودية.

           الثالث, أن تواجه النمو السكاني الفلسطيني وهو بيت القصيد بدرجة أكبر.

           وطبقا لدراسة جرى عرضها أمام (مؤتمر هرتزليا-2) فإنه من المتوقع أن تضم الأرض الفلسطينية المحتلة عام (48) والمحتلة عام (67)  تجمعا سكانيا في حدود (15-5ر15) مليون نسمة, والأغلبية فيه للفلسطينيين الذين سيبلغ عددهم تسعة ملايين, بينما يزيد عدد اليهود على الملايين الستة إن تحقق هدف (المليون السابع).

           تشير هذه الدراسة أيضا إلى أنه في هذا التاريخ القريب سوف يمثل اليهود حوالي (80) بالمائة من سكان إسرائيل (فلسطين 1948)... بينما يمثلون أربعين بالمائة فقط من مجمل سكان فلسطين بشطريها وهو ما يمثل خطرا من وجهة النظر الإسرائيلية.

           التحدي إذن قائم, وأحد أسباب انسحاب بيجن من سيناء كما قال في تصريح له إن سيناء تحتاج إلى ثلاثة ملايين نسمة, وهو رقم لم تملكه إسرائيل يوما كفائض يتم تصديره لأرض جديدة محتلة... ولكن, والآن ليست المشكلة هي سيناء وإنما هي فلسطين.

           يفسر ذلك عنف المواجهة مع الفلسطينيين, ففي التحليل النهائي وإذا لم تستطع إسرائيل أن تتسيّد الأرض بأغلبيتها السكانية عن طريق الهجرة, فإنها تستطيع أن تفعل ذلك عن طريق تهجير الفلسطينيين.

           إنها سياسة (الترانسفير) والتي بدت كشبح في الأعوام الأخيرة, فهل يفسر ذلك ما يجري في الأرض المحتلة, وما قيل عن أن إسرائيل سوف تفعلها يوما بالقوة فتنتهز نشوب حرب في العراق أو غيرها?

           الإجابة: نعم... فالخطوة الأولى: عنف غير مسبوق وحرب إبادة تدفع الفلسطينيين لهجرة اختيارية, فإذا لم ينجح ذلك (وهو ما حدث بالفعل) فإن الخطة البديلة هجرة إجبارية. إنها مأساة عام (48) تتكرر, والأرقام توضح لنا كل شيء, بل إنها توضح لماذا يقتلون الطفل الفلسطيني ويجهضون الفلسطينية الحامل?

... ورقم

شيء مختلف!

           أين تعمل? سؤال تطرحه على نفسك في بداية ما نسميه حياة عملية, وربما بعد ذلك أيضا...

           ولكن, وعلى مدى تاريخ البشرية كان السؤال مطروحا, وكانت طبيعة عمل الإنسان مرتبطة بحاجاته من قطع الأخشاب في الغابة إلى الضغط على أزرار (الكمبيوتر), ومن الرعي إلى الزراعة, ثم الصناعة حتى شهد العالم وفي الآونة الأخيرة ما نسمّيه (اقتصاد الخدمات).

           وقد ارتفعت الأهمية النسبية لاقتصاد الخدمات بعد أن انتشرت صناعة المعلومات, وصناعة المال, وصناعة السياحة, وبعد أن بات إشباع حاجة الإنسان من تعليم وصحة وثقافة يفوق في اهتمام الدول أي شيء آخر.

           وقد حاولت منظمة العمل الدولية أن ترصد حال سوق العمل في العالم من خلال تقرير أصدرته عن عام (2001-2002) فبرز هذا الجانب: الخدمات أولا, مع تراجع الزراعة والصناعة والتي كانت تستوعب تقليديا العدد الأكبر من اليد العاملة.

           و... وفقا للتقرير فقد انخفض الاستخدام في مجال التصنيع بألمانيا - على سبيل المثال - من (34) بالمائة عام (1980) إلى (24) بالمائة عام (2000), وانخفض هذا الاستخدام في الولايات المتحدة - وخلال الفترة نفسها - بنسبة الثلث, وتكرر الأمر في المملكة المتحدة.

           وكما حدث في الصناعة, حدث في الزراعة وبدرجة أكبر.

           في الوقت نفسه - وكما تقول منظمة العمل الدولية- فإن اقتصاد الخدمات قد استوعب سبعين بالمائة من العمالة في بلاد مثل هولندا والنرويج والسويد وسويسرا.

           إنها اقتصادات الدول المتقدمة يحكمها متغيران:

  • ارتفاع مستوى المعيشة باطّراد, وبما يعنيه ذلك من خدمات أكثر, وربما خدمات مبتكرة لم تكن قائمة منذ سنوات مثل: المحمول, أو التوسع في مجال الاتصال بشكل عام أو التوسع في السياحة والخدمات المالية.
  • التقدم التكنولوجي الذي جعل الإنتاج السلعي, صناعيا أو زراعيا, بحاجة إلى عمالة أقل.

           و... عكس ذلك في الدول النامية أو المتخلفة.

           والسؤال في الحالتين - حالة التقدم والتخلف - ما انعكاسات التغير في طبيعة الأعمال والمهن على سوق السياسة وما كنا نسميه يوما (النضال النقابي) أو (نضال الطبقة العاملة)?

           القرن الجديد شيء مختلف.

 

محمود المراغي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات