حول الإسلام والديمقراطية

حول الإسلام والديمقراطية

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الديمقراطية، هذا المصطلح القديم في نشأته والجديد في واقعنا الراهن بدأ يغزو البيت العربي وأوجد لنفسه مساحات كبيرة في النشاط الإعلامي والثقافي خاصة في المنتديات الفكرية والمحاضرات السياسية، فقد لاقت الفكرة بريقًا قويًا خاصة بالنسبة للشعوب التي ترزح تحت وطأة القهر والاستبداد مما جعلها تتحول من نظرية فكرية تمارس على الساحة السياسية إلى ثقافة متكاملة تقوم على مبدأ صيانة الحريات الفردية الأساسية.

ففي كل مرة تلقي مجلة العربي بظلالها على موضوع في غاية الأهمية. وقد جاء هذه المرة في فترة حساسة تمر بها منطقتنا العربية لذا سوف نعرج على الديمقراطية في ظل المشروع الإسلامي خاصة وما انبثق عنه من اشتقاقات كان لها الوقع الكبير على أرضية الواقع وأقصد هنا وطننا العربي بصفة عامة.

لقد عاش المجتمع العربي قبل بزوغ فجر الحرية تراجعًا ملحوظًا في جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن بين مؤشرات التراجع وأبرزها سياسة التطرف الديني وتفاقم أزمة البطالة والفساد بكل أشكاله إلى ضعف دور الإعلام في غياب الحريات بالإضافة إلى انعدام شبه كلي للتنمية وتدهور المنظومة التربوية ورداءة التعليم.

كل هذه المؤشرات كانت الدافع الأساسي لانهيار الديكتاتورية وبروز الديمقراطية محلها على الرغم من أننا في الوطن العربي نكاد لا نجد تيارًا سياسيًا إلا ويستخدم في أهدافه المرحلية مصطلح الديمقراطية كشعار، وفي المقابل لا نجد نظامًا واحدًا يطبق مفاهيم الديمقراطية الحقيقية في مجتمعه، وهذا ما أدخل على المفهوم السائد كثيرًا من التشوهات إلى أن فقد معناه الحقيقي في المجتمع.

يقول عالم السياسة برنارد كريك «إن كلمة الديمقراطية هي أكثر الكلمات اضطرابًا وغموضًا، فهي مصطلح قد يفيد شيئًا بالنسبة لكل شخص بحيث تكون هناك خطورة في أن تصبح الديمقراطية كلمة من دون معنى».

في المقابل نجد بعض المفكرين الإسلاميين العقلانيين ينوهون بالفكر الديمقراطي الذي لا يختلف عن الإسلام وأن القيم الديمقراطية قد نادى بها الإسلام بينما هاجم البعض الآخر من المتطرفين الديمقراطية حيث اتهموها بأنها نظام يدعو إلى الكفر والإلحاد، وهذه الفئة ترى أن الإسلام إيديولوجيا سياسية بقدر ما هو دين سماوي، وغايتها السباق على السلطة السياسية لا غير، بينما يرى أهل الحل والعقد أن الديمقراطية تعتمد على المعيار الأخلاقي بدرجة أولى وأن المجتمع الطاهر لا يحتاج إلى سياسة أو مؤسسات سياسية فكل فرد فيه يعرف واجباته. وفي السياق نفسه عرفها مصطفى صادق الرافعي حين قال: «الديمقراطية حالة طبيعية يتم الوصول إليها بمجرد الوصول إلى درجة من توازن القوى يتم بموجبها قبول الآخر طوعًا وكرهًا».

من هنا يتبادر إلى أذهاننا عدة أسئلة قد تخرجنا من المأزق الذي قد نقع فيه، منها: ما هي الإشكالية القائمة بين الإسلام والديمقراطية؟ وما موقف الإسلام من هذا الفكر السياسي؟

تعتبر الدولة ركنًا أساسيًا من أركان بناء الديمقراطية، من هنا شكلت الدولة أبرز ظاهرة في الحياة الاجتماعية المعاصرة وتميزت بمؤسساتها السياسية والاقتصادية، فهي تقوم على العناصر التالية: الأمة، القانون والسلطة والسيادة.

من هنا نتبين أن الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام حيث يقول الله في كتابه الكريم كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ «الآية 213 من سورة البقرة»، من هنا نتبين أن الإسلام حث على قيام الدولة لتركيز نظام يحمي الفرد والمجموعة.

والديمقراطية الحديثة نادت بالحرية والمساواة، وقد أكدها جان جاك روسو أحد الفلاسفة المتنورين حين قال: «الأفراد يولدون ويعيشون أحرارًا»، وقد قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!».

وإذا كانت الديمقراطية الحديثة قد نادت بالمساواة أمام القانون فإن الإسلام قد سبقها في هذا الميدان حين حدد واجب توزيع الموارد بين الأفراد وألزم الغني مساعدة الفقير، وفي القرآن الكريم ذكر الله عز وجل مصارف الزكاة حين قال: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، الآية 60 من سورة التوبة.

وإذا كانت الديمقراطية الحديثة تقوم على فكرة فصل السلطات في الدولة كوسيلة ناجعة لمنع هيمنة سلطة على أخرى فالإسلام قد فصل السلطة التنفيذية عن السلطة التشريعية حين مكّن الخليفة من السلطة التنفيذية وسلطته محصورة في تنفيذ ما جاءت به الشريعة.

الديمقراطية تقوم على مبدأ «الانتخاب» والإسلام عرف الانتخاب، والتاريخ شاهد على اجتماع السقيفة فقد كان مؤتمرًا سياسيًا يشبه حوار الأحزاب في البرلمان بين المهاجرين والأنصار.

كل هذه الأدلة وإن كانت في مجملها مختصرة تؤكد أن الديمقراطية تستطيع التكيف مع الفكر الإسلامي والتعايش معه في ظل نظام سياسي متوافق الأبعاد خاصة أننا في الوطن العربي نطمح إلى بناء حياة ديمقراطية بعد الثورة الشبابية لتساهم في بناء مجتمع واسع الآفاق بعيد عن الصراعات العرقية والمذهبية والتطرف الديني.

وأخيرًا، إذا كانت الديمقراطية توفر آليات لتحقيق المساواة وحماية حقوق الفرد وتضمن حق المشاركة في الحياة السياسية، فإن الإسلام يمتلك المشروع التحديثي حينما تتجلى قيمه في الفكر والعمل الفردي والجماعي، وفي النهاية يبقى الإسلام غاية والديمقراطية مطمحًا والحرية هدفًا ننشده.

شهاب جوادي - تونس

------------------------------------

وكأنَّ سعدى إذْ تودعنا
وقَدِ اشْرَأبَّ الدَّمعُ أنْ يكِفَا
رشأٌ تواصينَ القيانُ بهِ
حتى عقدنَ بأذنهِ شنَفَا
فالحبّ ظهْرٌ أنْتَ راكِبُهُ
فإذا صرفْتَ عِنانَهُ انْصَرَفَا

أبو نواس