الحب الجنوني للساحرة المستديرة لماذا?!

  الحب الجنوني للساحرة المستديرة لماذا?!
        

          في كرة القدم شيء خاص يؤكده أن مباريات كأس العالم الأخيرة خطيت باهتمام ومتابعة ما يقرب من 50 مليار متفرج, أكثر من مليارين منهم (أي أكثر من ثلث سكان العالم) كان من نصيب المباراة النهائية!!

          قبل أي مباراة مهمة بعدة أيام لا يكون لكثير من الناس شاغل يضاهي انشغالهم بها. ومع صبيحة يوم المباراة يروح الكل من الغفير إلى الوزير يرتب وقائع يومه استعدادا لمشاهدتها, سواء في الملعب أو أمام الشاشة الساحرة, ومع بدء المباراة يكون التوتر قد بلغ مبلغه. وطوال الوقت لا يكف من يشاهد في الملعب عن التشجيع والتصفيق والصفير والصراخ, بل وتحل لحظات تبلغ فيها الإثارة مبلغا فتنقطع الأنفاس ويهب الجميع على أطراف أصابعهم قبل أن ينفجر الهتاف.

          ولا يكاد حكم المباراة يطلق صفارة النهاية حتى ترتفع الزغاريد وتنطلق الصواريخ والأعيرة النارية. وسرعان ما يتجمع الناس في الشوارع معبرين عن فرحتهم في مواكب صاخبة, بعضهم يهتف ويرقص, وبعضهم يقيم (زفة) وفق الطقوس المتبعة في أفراح البنات والأبناء. وذلك فضلا عن ظواهر لها دلالاتها مثل أصحاب المقاهي أو مرتاديها الذين يقدمون المشروبات لزبائنهم بالمجان, وأصحاب محلات الحلوى الذين ينثرون بعضها على رءوس الهاتفين في مواكب الفرح, التي يسهر فيها الناس حتى الصباح!

          وليست مثل هذه المظاهر مقصورة على بلد دون غيره فقد شهدت احتفالات شبيهة مدن في البرازيل ومصر وإيطاليا وتركيا والكاميرون والسعودية وسلوفاكيا و...

          والثابت أن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في عالمنا, ويكفي للدلالة على ذلك أن تكون الشغل الشاغل للجزء الأكبر من سكانه طوال الشهر الذي تستغرقه مباريات كأس العالم مثلا, بالإضافة إلى ما تضفيه من مظاهر خاصة على الحياة, مثل إعادة توزيع ساعات الذروة في المدن الكبيرة والصغيرة, وإعادة توزيع أحمال الكهرباء مع المباريات المذاعة, ناهيك عن خلو شوارع المدن خلالها, ومواكب الفرح والغضب التي تحتاج اليها فور انتهاء المباريات, وإعادة توزيع الصحف لصفحاتها والإذاعات المسموعة والمرئية لخريطة عملها, بما يتيح المجال الأكبر لكرة القدم ومشجعيها.

          والثابت أيضا أن ظاهرة تشجيع كرة القدم لم تعد وقفا على قطاع معين من الجمهور, فبين المشجعين رؤساء دول ومسئولون ومفكرون ومثقفون كبار, ناهيك عن الجماهير العادية.

          وأن يزيح نصف سكان الكرة الأرضية همومهم مع السياسة والاقتصاد والعمل والأسرة جانبا ليتابعوا حدثا ما أمر يستحق وقفة تأمل في محاولة لفهم ما يحدث. فما هي يا ترى التأثيرات الخاصة للعبة كرة القدم التي تجعل لها هذه الشعبية الهائلة? أي إشباع تأتي به الكرة للناس كي يحبوها هذا الحب الجنوني?

القتل وتسجيل الأهداف

          عاش أسلافنا طويلا كصيادين للحيوانات, حتى أن حقبة الصيد تشكل معظم تاريخ الإنسان. وفي هذه الحقبة كان عمل الإنسان هو ملاحقة الفريسة بما ينطوي عليه ذلك من جري ووثب وتصويب ورمي ومناورة ومخاطرة وصراخ وانفعال, ثم احتفال صاخب بالصيد والصياد.

          لم يكن الأمر مجرد رياضة بل كان مسألة حياة أو موت. ورغم أن المسألة كفت عن أن تكون كذلك, مع التطور الاقتصادي والاجتماعي, منذ أن ودعت البشرية مجتمع الصيد, فإنه بقي في دمائنا - في غرائزنا وأجهزتنا الوراثية والنفسية - كثير من مخلفات حقبة الصيد الطويلة هذه, وراح هذا الكثير يطلب تعبيرا سلوكيا عن نفسه. ولما كانت هناك استحالة لإعادة الناس إلى الصيد, حتى على بعض الفترات, كان لا بد من معادل موضوعي لعمليات الصيد يشبع الرغبات التي ارتبطت بها.

          ومع الاهتمام والتشجيع اللذين راحت تلاقيهما بعض المشاحنات الدموية بين البشر, ومع تأكد لعبة التوحد بين المتفرج وشخص المصارع, والتي تتجلى في تعبيرات مثل (هزمناهم) بصيغة (نحن) التي تتضمن (الأنا), أي أنا هزمت العدو. مع ذلك - وغيره طبعا - وجدت البشرية المعادل الموضوعي لعملية الصيد في (الرياضات الدموية), التي شاعت وزاد الإقبال عليها, حتى أن الرومان راحوا يجرون (مبارياتها) وسط حلبة محاطة بعشرات الآلاف من النظارة. ذلك أن الإقبال الرهيب سرعان ما كشف أو أكد ميزة كبيرة ينطوي عليها هذا التمثيل.

          إن ممارسة (عملية الصيد) ذاتها تنطوي على مخاطرة كبيرة قد يروح الممارس ضحيتها, لكن المتفرج الذي يمارس الصيد بالتوحد مع المصارع لا يتعرض لمثل هذه المخاطرة, ذلك إضافة إلى أن باب التنصل من المسئولية مفتوح على مصراعيه أمامه, فحتى إن قتل المصارع الذي يشجعه (ويتوحد معه) سرعان ما يجد لنفسه حتى على المستوى المعنوي, مبررات وجيهة للتنصل من فداحة النتيجة, بأسباب تتعلق بالمصارع نفسه, كأن يقول إنه (لم يستعد جيدا هذه المرة), (لم ينهض بسرعة عندما سقط), لم...

          هكذا كانت اللعبة الجديدة لعبة مريحة تعفي المتفرج من المسئولية, وتضمن له كل الميزات! فحين ينتصر المصارع يزهو المتفرج انتصرنا بصيغة (نحن). وحين ينهزم المصارع ويقتل يجيء دور صيغة (انهزم), أي هو ولا دخل لي أنا.

          وهكذا ازدهرت (الرياضات الدموية) التي يشارك فيها بشر ازدهاراً كبيراً, لكن مع زوال المجتمع العبودي لم يعد ممكنا أن تدار عمليات قتل الإنسان, على النحو السابق, ولذا حلت الحيوانات محل المقتول في الرياضات الدموية (من الثيران إلى الديوك). ومع تحضر المجتمع والتمدين وزيادة وقت الفراغ بات انتشار هذه الرياضات الدموية يتعرض لأزمة محققة, ومع انتشار جماعات الرفق بالحيوان وجماعات الرفق بالإنسان بات البحث عن بديل لا دموي لعملية القنص والصيد ضروريا.

الحرب الكروية الجميلة

          وهكذا تحول الإنسان من لعبة الجري والقفز والمناورة والتصويب والصياح من أجل صيد أو قتل فريسة, إلى لعبة تتضمن العناصر نفسها وتكتفي بتسجيل (الأهداف), وهكذا توافر معادل موضوعي جديد لعملية الصيد يكفل عملية توحد الجمهور مع اللاعب أو الفريق بإتاحة إشباع رغبات الصيد لأكبر عدد من المتفرجين. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد مع (اختراع) لعبة كرة القدم.

          لقد فرضت الحياة الاجتماعية والرقي المستمر على سلم التمدين أن يتحكم الإنسان في كثير من رغباته, حتى أبسطها, مثل ألا يرفع صوته أو يصيح عند الحديث, وأن يبدو دائما ذلك الكيان الرقيق الخير الذي لا يعتدي على أحد, وأن وأن... ولم تعد هناك منافذ مشروعة لإرضاء رواسب احتياجات قديمة يدين الإنسان ببقائه لها, كالعدوان وتأكيد الذات الجمعية, وتأكيد الذات الفردية.

          وفي الواقع فإن هذا عبء كبير على الإنسان لأنه يتعارض مع عناصر أساسية تدخل في تكوينه الحيوي (البيولوجي) والنفسي. وجاء عدد كبير من الرياضات - أبرزها لاعتبارات كثيرة كرة القدم - ليلبي بطريقة مشروعة مهذبة مثل هذه الرغبات والغرائز. فما هذه الرغبات يا ترى?

احتفال للتوتر والقلق

          لقد فرضت طبيعة العصر والتخصص على معظم الناس أعمالا ووظائف تكرارية رتيبة, وبات من اللازم لهؤلاء حتى يعيشوا حياة سوية, وحتى لا يقتلهم الاكتئاب, أن يجدوا ما يحرك هذه الرتابة وهذا الملل. ويساعدهم على معاناة الترقب واللهفة والانتظار والتمني.. أن يجدوا مايدفع بقلوبهم إلى الدق بعنف أو حتى الخفقان, وغددهم إلى إفراز العرق والهرمونات, وكل ما تعودوه في عملية الصيد الحقيقية. أي أن يعاني الإنسان نوعا من القلق يختلف عن ذلك الذي يعانيه من مشاكل الحياة المعقدة التي لا يسهل الوصول إلى حلول واضحة باترة لها, نوع من القلق المحاط بدرجة معقولة من الأمان.

          وتشجيع كرة القدم في التحليل الأخير هو إثارة للتوتر ثم خفض له, وهذه الإثارة والتفريغ, هذا التوتر المشروط يختلف كثيرا عن التوتر الذي يعانيه الناس دون إشباع, فيكون مدخلا للقلق المرضي.

          ويعزز من احتفال القلق والتوتر الذي يتضمنه تشجيع كرة القدم كونه لا يتم في شروط آمنة فقط, بل عادة ما ينطوي على احتمالات الفوز والنصر. والإنسان في حاجة دوما إلى النصر وزهوه. ويمكن أن ندرك طبيعة ذلك في تشجيع كرة القدم, وإذا استعدنا لعبة توحد المتفرج مع المصارعة (اللاعب والفريق) في الحلبة, وإذا أضفنا إليها الاحتمال الدائم للنصر, فالهزيمة قابلة للاستئناف (ببعض التحايل) على الدوام. فحتى لو سجل الفريق المنافس هدفا, فإن فريقنا لا ينفك يحاول تعويضه قبل نهاية المباراة, وحتى لو فاز الفريق المنافس فنحن له بالمرصاد في المباراة أو البطولة المقبلة, في الأسبوع المقبل أو النصف الثاني من الموسم أو العام المقبل, أو حتى في الكأس المقبلة بعد أربع سنوات.

          هذا بالإضافة إلى أن مسابقات كرة القدم تتيح للإنسان المزيد من التحايل فهو عادة ما يختار تشجيع أحد النوادي التي تحقق كثيرا من الانتصارات, وحين يتعذر النصر على مستوى معين من الانتماء تكون هناك مستويات أخرى يمكن تحقيق النصر في إطارها (الكأس ودوري الدرجة الثانية, وكأس الأمم الإفريقية أو العربية و...).

          وهناك دائما مبررات للابتعاد عن المقارنة, وهناك أخيراً الصمام الذي يزيل التوتر والقلق المتمثل في لعبة (انهزم) (هو) من (انتصرنا) (نحن والمقصود أنا) التي فصلناها.

          ويتجلى عمق رغبة النصر في مظاهر الفرح التي تعم خلال إحراز الأهداف وبعد الفوز.. وصيحات الإعجاب والانتصار من الأمور التي بثها التطور التاريخي في كيان الإنسان, ثم جاء المتمدين ليستهجنها ويكبتها, فالرقص والصيحات الإيقاعية ترجع جذورها إلى المجتمعات البدائية والقبلية, والرغبة في الصياح والقفز غاية في الوضوح بين الأطفال الصغار, الذين يجيدون فعل ذلك حتى قبل أن يجيدوا الكلام.

          هكذا فالصراخ بين الجماهير ومعها فعل ممتع, والأهم من ذلك أنه -بعد قيود التمدين - ضرورة لصحة الإنسان, بما له من تأثير شاف, حتى أن الطب النفسي بات يعرف اليوم ما يسمى بعلاج الصرخة أو الصراخ.

          وناهيك عن أن الصراخ الجمعي استرخاء وتحرر من القيود, وإعلان للانطلاق وسط جماعة لا يفرق بين الغفير والوزير فيها شيء, مما يرفع الحواجز والتكلف, لتختلط المشاعر والأحاسيس, وتعبر عن نفسها دون حساب أو تردد, تجيء مشاعر الفرح المشتركة تعبيرا عن الانتماء.

          والانتماء من الاحتياجات الأساسية التي تحرك الإنسان منذ مولده, وهو الشعور الأولي من الإنسان لاستحالة عيشه من دون الناس والإحساس بوجودهم إلى جواره, والرغبة في الاحتماء بهم. وتبدأ حكاية الانتماء بالأم ثم الأب والإخوة والأخوات.. ومع الزمن يتسع شعور الانتماء ليشمل البلدة والوطن. وإضافة إلى أن الانتماء يحقق غاية سامية هي مشاركة الإنسان للإنسان فإن الحاجة إليه تزداد كلما أحاط الشوك بطرق الحياة, إذ إنه يؤكد الوجود الجمعي بل ويُكسب أفراد المجموعة الثقة من خلال لعبة (النحن والأنا).

          ومن الأمور المهمة هنا أن هناك علاقة بين الرغبة في الانتماء والرغبة في الانتصار, فكلما زادت الانتصارات زاد الانتماء, فالجمع المنتمي المنتصر يجتذب المزيد. ولو كان الانتماء يمضي في إطارات صحيحة بعيدة عن مجرد المشاعر القبلية لازدادت فرص تحقق الانتصار.

          والطريف أن بعض الباحثين يرون في نوادي كرة القدم عودة إلى مظاهر حياة القبيلة بشيوخها وحكمائها وأبطالها و... بصرخاتها المدوية وكرنفالاتها الملونة ورقصاتها وتعصبها لمصالحها.

تأكيد الذات الفردية

          ويجب الإشارة إلى أن تشجيع الكرة بتغذيته للوجود الجمعي يعمل في الوقت نفسه على إشباع الرغبة في تأكيد الذات الفردية, فالإنسان حين يزهو هاتفا لفريق بلده فإنه يزهو في الوقت ذاته بنفسه. وفيما يخص ما يحتاج إليه تأكيد الذات من تمايز, خشية ضياع الفردية وتهديد الكيان الفردي, يتفرق الأفراد على تشجيع نواد بعينها.

          ومن يحتجون على مشاعر التبعية بالانتماء لتجمع ما كبير, لا يطيق الواحد منهم الوقوف وحيدا في موقفه الساخط, وهو لا يلبث أن يجد لنفسه نادياً آخر يتفق مع اعتبارات خاصة به ليرتبط بحرارة الجمع في الوقت نفسه.

          ولعل العدوان أكثر الاحتياجات الغريزية سوءا للسمعة وإشكالية في الوقت ذاته, فهو الاحتياج الذي يحافظ به الإنسان على وجوده ككيان مستقل, إذ يستعمل عدوانيته ضد احتمال سحق ذاته وسط الآخرين.. وكرة القدم تنطوي على أوسع درجات الإشباع أو التنفيس جماهيرية (مقارنة بالتفوق أو التقدم في الحياة) لهذه الغريزة المدانة, لأن العدوان على الآخرين كما كان شائعا في المجتمعات البدائية أمر لا يمكن أن يقر به مجتمع متمدين.

          وتتجلى الرغبة في العدوان في فلسفة المباراة ذاتها. ففريق يحاول أن يهزم (يعتدي) على فريق آخر. كما تتجلى في جزئيات كثيرة من سلوك اللاعبين (إمعان لاعب في ترقيص الآخر وإضحاك المتفرجين عليه) ومن سلوك الجمهور مثل تسخيف (عدوان) جمهور أو لاعبي الفريق المضاد, بل وربما التشفي في مصائبهم.

          وتنبغي الإشارة إلى خاصية إيجابية هنا في التنفيس عن العدوان, تساعد عليها طبيعة لعبة كرة القدم, ذلك أن جمهور أي فريق كثيرا ما يلجأ في التو واللحظة خلال المباراة إلى محاسبة فريقه على التقصير والهتاف ضده, وإعلان السخط عليه. وذلك خلافا لما درجنا عليه في مصائب هائلة, اعتدنا أن نعالجها بأسلوب (الجايات أكثر من الرايحات) أو (معلهش) لعدم وضوح الأمر بصددها بالدرجة التي تكون عليها الحال في مباراة كرة القدم, أو لعدم وجود ظروف لمثل هذا التعبير الصريح, أو...

خطورة المغالاة

          وربما تقف تلبية الرغبة في العدوان مثلا عند الضحك على لاعب الفريق المضاد الذي يبالغ لاعبنا في ترقيصه, أو عند مظاهر الفرحة بهزيمة الغريم. ولكن التعصب (وله أسباب كثيرة) قد يحث انفعالات لتبلغ درجة غير صحيحة تتمثل في الهوس اللاواعي. ويحدث ذلك إذا زاد التوتر واشتعل الحماس حتى أعمى البصيرة, فللمبالغة الانفعالية تأثير على التفكير والحكم على الأشياء, فنجد المرء يتابع الكرة في أرجل دون أخرى, وينتبه إلى ألعاب فريقه أو الفرص التي لاحت له أضعاف ما ينتبه إلى ألعاب (الخصم), ويختلط عليه الأمر فيرى التسلل هدفا, والهدف تسللا, ويصدر أحكاما فورية وسريعة وحاسمة دون تردد أو مساءلة.

          وقد يمتد حبل الانفعال فيطلق العنان لعدوانه ويصل إلى ما هو معروف بشغب وعنف الملاعب. وجدير بالذكر أن المجتمعات المتحضرة لا تخلو من هذا العنف, لأن التمدين ينطوي في جانب منه على مزيد من كبت الرغبات غير المستحبة مثل رغبة العدوان.

          ودرجة الانفعال عند تلبية الرغبة تزداد كلما كان الكبت (الانضباط) كبيراً, وكلما كان الاحتياج هائلاً, والبدائل المتاحة لتلبية الرغبة في الواقع قليلة. فمظاهر التعبير عن الرغبة في الانتماء تتزايد كلما وهن حال الانتماء, ومظاهر تلبية الرغبة في النصر تتزايد كلما عزت الانتصارات.

          هكذا فعلى الرغم من الآراء التي تدين مضيعة الوقت والمال في التحلق حول المستطيل الأخضر, بينما تحوط الإنسان مشاكل هائلة من كل جانب, ليس غريبا أن تكون الكرة شغلا شاغلا للعالم طوال أيام وأسابيع, فكما يقنّن الزواج تلبية غريزة الجنس تقنن لعبة كرة القدم تلبية احتياجات أخرى, لكن التوسط في تلبية كل الانفعالات والغرائز من خير الأمور.

          وهذا ليس إلا بعض مغزى لعبة كرة القدم على المستوى الفردي والاجتماعي, فالأمر لا يقف عند ذلك, إذ إنها تشبه (لعبة الحياة) في جماعيتها, وفي محاولات الناس التي تتكرر لتحقيق هدف من أهدافهم, لينجحوا مرة, ويفشلوا عشرات وربما مئات المرات. لكنهم, على كل حال, يواصلون السعي دون يأس, آملين في الاستئناف فيما يلحق من (مباريات). كما أن اللعبة تنفس عن كثير من الضغوط مثل حالة الرجل صاحب السطوة والنفوذ الذي يشجع ناديا ما فتجد كل مرءوسيه, وحتى زوجته وأطفاله يشجعون النادي المضاد, ويمعنون في إظهار تشفيهم بالذات حين ينهزم النادي الذي يشجعه المسئول, وحبذا إن كان على يد النادي الذي يشجعونه, وكذا الحال مع الدول وليس الأفراد فقط.

 

محمد فتحي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات