الحلي الأثرية في المتاحف السورية

 الحلي الأثرية في المتاحف السورية
        

          الحلي ميراث الآباء, هي تحكي الكثير, ليس فقط باعتبارها كنوزا مادية وفنية, بل لكونها وثائق تاريخية, ويعرض الكاتب لبعض منها في المتاحف السورية.

          تعتبر سوريا بحكم موقعها الجغرافي, ملتقى الشعوب والحضارات على مر العصور. وهي من أغنى بلاد العالم بالمواقع الأثرية, وعلى أرضها قامت حضارات متعددة, تفاعلت مع بعضها البعض, وأعطت العالم أروع المنجزات الحضارية, وما اختراع الأحرف الأبجدية والزجاج وصناعة السفن, وصناعة الحلي والمجوهرات, إلا بعض مظاهر هذه المنجزات.

          ويوجد في سوريا اليوم ما يزيد على ثلاثين متحفا, تضم الآثار التاريخية, والصناعات والتقاليد الشعبية وغيرها... ويقوم بعض هذه المتاحف في أبنية قديمة تم ترميمها, وبعضها الآخر في مبانٍ متحفية نموذجية, ومن أهم هذه المتاحف المتحف الوطني بدمشق, الذي أنشئ عام 1929, وقد شيد بناؤه الجديد وتوسعاته بين عامي 1936-1963. ومتحف حلب الذي أنشئ عام 1928, ويعود البناء الحالي إلى عام 1966, ويعتبر المتحف الوطني بدمشق - على صغره - من أبرز متاحف العالم لاحتوائه على كنوز لا مثيل لها, وآثار حقب عدة من التاريخ والحضارات.

          وتتوزع الحلي الأثرية في سوريا من أساور وخواتم وأقراط وعقود جميلة في المتاحف السورية, وخاصة في المتحف الوطني بدمشق, ومتحف حلب, وفي عدد من متاحف العالم الكبرى, وخاصة متحف اللوفر في باريس. حيث توجد مجموعات متنوعة ونادرة من الحلي, تثير الإعجاب بجمالها وأناقتها ودقة صنعها, ولهذه الحلي قيمة جمالية ومادية وفنية, كما أن لها دلالات حضارية متعددة, منها كون جمال هذه الحلي ودقة صنعها, يدل على المستوى الفني الراقي, في صناعة المعادن الثمينة والحجارة الكريمة, كما أن هذه الحلي والجواهر والأحجار الكريمة المنقوشة كآثار فنية, هي وثائق تاريخية تزود الباحثين والعلماء بأسماء الملوك والأمراء والفنانين, أو صورهم ومعتقداتهم.

          وتدل كثرة عدد القطع المكتشفة على الغنى, والمستوى الاقتصادي الرفيع, الذي كان يعيشه سكان سوريا القدماء. وكان العالم الفرنسي (كلود شيفر) الذي رأس عمليات التنقيب الأثري في أوغاريت, لعقود عدة من السنين, قد تعجب من كثرة الحلي المكتشفة في هذه المدينة.

          كما يدل وجود الحجارة الكريمة المتنوعة في صناعة الحلي, على سعة التبادل التجاري بين سوريا والبلدان الأخرى, في تلك العصور البعيدة. وأخيرا تعد خير دليل على اهتمام السوريين القدماء بالحلي والجواهر, وحرصهم على اقتنائها والتجمّل بها, وهذا ما نجده واضحاً في النقوش والتماثيل الرائعة, التي اكتشفت في شتى المواقع الأثرية في سوريا, كالرأس العاجي لإحدى أميرات أوغاريت, والتماثيل الحجرية المكتشفة في تدمر, وهي مزدانة بالحلي والمجوهرات.

          ويتبدى هذا التقدم والتنوع في صناعة الحلي في سوريا القديمة, فيما تم اكتشافه منها, في مدن أوغاريت وإيبلا وماري, وفي مدينة تدمر وحوران, وضفاف نهر الفرات وغيرها...

مدينة أوغاريت

          بلغت الحضارة أرفع مستوياتها في هذه المدينة, الواقعة على الساحل السوري, في العصر السوري الوسيط, بين عامي (1500-1200ق.م). وفي أوغاريت, اكتشفت أقدم أبجدية في العالم, إضافة إلى آلاف الألواح الفخارية, التي دوّنت عليها آداب ومعتقدات وأساطير الأوغاريتيين. وإلى هذه الحقبة تعود معظم المكتشفات من الحلي, المصنوعة من الذهب والفضة والحجارة الكريمة والعاج ومنها:

          * قلادة ذهبية وجدت في منطقة المرفأ في أوغاريت عام 1929, مع بدء عمليات الحفر والتنقيب الأثري. وفي هذه القلادة تظهر الخطوط اللينة جدا ملامح الجسم والتفاصيل, وتقارن هذه الصورة بعشتار, كما تقارن بعناة, وهي تمسك بكل يد شعاراً رمزياً عليه زهور, وهي الآن في متحف حلب. وقد ظهر في أوغاريت العديد من مثل هذه القلادة.

          * قلادة ذهبية تشبه ثمرة الأجاص, يبرز عليها الرأس والصدر, وعلى حافاتها, صف من النقاط المخرمة, وقد حزت في الصفيحة شجيرة للتزيين. وتختلف هذه النقوش بخطوطها السطحية البسيطة, عن الوجه المنقوش والمصوغ بدقة وعناية, وهي الآن في متحف حلب.

          * خاتم للطبع: عثر على هذا الخاتم المصنوع من الفضة في أحد قبور أوغاريت, وهو يعود إلى أحد أتباع الملك (أميشتامرو الثاني) (1260-1230ق.م) واسمه (ربعانو) وقد نقش عليه تزيين سعفي وعنزة (متحف حلب).

          * حلية ذهبية على هيئة حلق: وهي من الذهب, يعتقد مكتشفها أنها حلقة للأنف, إلا أن شكلها يرجح أن تكون قرطاً للأذن. صنعت هذه الحلقة من طبقة ذهبية سميكة, وزيّنت بحبيبات ذهبية صغيرة (متحف حلب).

مدينة ماري أو تل الحريري

          فوق تل واسع, يبعد قليلاً عن نهر الفرات, ظلت منسية قرابة أربعة آلاف عام, حتى بعثتها التنقيبات الأثرية إلى النور منذ عام 1933. إنها مدينة (ماري) التي كانت عاصمة لمملكة كبيرة ومزدهرة, ومن أهم ما اكتشف فيها هو قصرها الملكي, وهو أكبر قصر أثري, تم اكتشافه في الشرق, من حيث الاتساع, وأكثر من 22 ألف رقيم طيني مكتوب, والعديد من قطع الحلي الرائعة, التي يكفي أن نشير إلى بعضها:

          * طوق: يعود هذا الطوق إلى أواسط الألف الثالثة قبل الميلاد (3000-2500ق.م) وهو مصنوع من حجر لازورد, وعقيق أحمر.

          يتألف هذا العقد المنظوم حديثا من أحجار كروية محززة من اللازورد. وهذا النوع من الحجارة الكريمة غير موجود في سوريا أو بلاد الرافدين, وهي مستوردة بالتأكيد من مكان بعيد (وادي بادخشان في شمال أفغانستان, أو من شمال إيران) ومن أحجار كريمة متطاولة من العقيق الأحمر, المستورد من سيناء, أو من إحدى المناطق الواقعة حول البحر الأحمر, وهذا يدل على وجود محطات ومراكز تجارية وسيطة, سهّلت انتقال هذه الأنواع من الحجارة الكريمة, وهو الآن في متحف دمشق.

          * تمثال نسر برأس أسد: (2500 ق.م) وهو من حجر اللازورد والذهب, ويعد هذا التمثال أحد أثمن قطع الكنز, الذي عثر عليه في القصر الملكي في مدينة ماري (كنز أور) ويعتقد مكتشفه العالم الفرنسي (أندريه بارو) أنه كان يعلق على الصدر. وثمة ثلاثة ثقوب في الجناحين والجسم, وثقب رابع خلف الرقبة, كانت تستخدم لتثبيته في مكان ما, وعلى قطعة مسطحة من اللازورد, حززت خطوط الجسم الأساسية, وريش الجناح على نحو مبسط, ومزخرف بنقوش وترقيشات. أما الرأس والذيل فمكسوان بطبقة من الذهب, ومزيّنان بأشكال زخرفية تنم عن تفاصيلهما, وهما مثبتان بالجسم بواسطة سلك نحاسي. أما محجرا العينين فمحشوان بالقار, ولكن من الممكن أن تكون قد طعمت بمواد ثمينة, ويسمى هذا الطائر الأسطوري بالسومرية (أنزو), وهو موجود في متحف دمشق.

          * عقد (1300-1200 ق.م): من ذهب ولازورد وعقيق بني وعقيق أحمر وحجر أزرق, وهو من أثمن ما عثر عليه في ماري, وهو عقد تتناوب فيه أشكال لولبية, وأقراص رقيقة من أحجار مختلفة الألوان (متحف حلب). ويدل اللازورد هنا على مدى اتساع العلاقات التجارية, التي أقامتها الدولة الآشورية الوسطى مع الشرق.

حوران

          تقع حوران في جنوب سوريا. وهي منطقة غنية جدا بآثارها, التي تعود إلى عصور متعددة, لاسيما العصر الروماني, ومما وجد فيها من الحلي:

          * زوج من الأقراط: وجد في (دير حجر) ويعود إلى القرن الأول الميلادي, وهو من الذهب, مع حجر أحمر شبه كريم (البجادي الرماني).

          إن هذين القرطين المصنوعين من صفائح الذهب, على هيئة الياقة, مزيّنان بالكرات الذهبية الصغيرة, وعلى كل من الجهتين الضيقتين البارزتين إلى الأمام, يرقد طائر صغير, صنعت عينه من حجر البجادي الرماني (متحف دمشق).

منطقة الفرات

          منطقة تزخر بالتلال والمدن الأثرية التي تعود إلى شتى العصور التاريخية, ومن أهم الحلي التي عثر عليها في هذه المنطقة:

          * سوار ذهبي: عثر عليه في الرقة عام 1939, وهو يعود إلى العصر الإسلامي (القرن 11-12م) وهو مكون من صفيحة ذهبية مطروقة, وعلى قرص القفلة خيوط ذهبية مبرومة, ومشبكات ذهبية, أما فصوص الأحجار الكريمة فقد فقدت. وهناك قطعة مماثلة, موجودة في الوقت الحاضر في متحف (فرير) بواشنطن. وفي داخل السور زخرفة على هيئة حراشف, وعلى السوار كتابة بالخط الكوفي هي: (النعمة الشاملة البركة, العظمة الدائمة, الشرف) مع وجود زخرفات نباتية تجريدية (متحف دمشق).

حلي أثرية مجهولة المنشأ

          إضافة لما تقدم, يوجد في متاحف سوريا عدد كبير من قطع الحلي مجهولة المنشأ, ومنها على سبيل المثال مشبك للملابس, يعود إلى القرن (1-2 للميلاد) كان يوضع فوق منطقة الكتف, لتثبيت الرداء الملفوف على الكتف, على نحو فضفاض, ويوجد في الحافة السفلى المزينة لهذا المشبك حبيبات ذهبية صغيرة, تتدلى منها ثلاث سلاسل مضفورة, تنتهي بوريقات على شكل القلب, وهو الآن في متحف دمشق, وقد وجدت مشابك أخرى أسخى زينة, وأرقى عملاً في مدينة تدمر, تعود إلى أواخر القرن الثاني.

          إن الحلي أجمل من كل الألوان التي نراها, لأنها ليست من أشعة الشمس, ولا من بهاء الشفق, ولا من الزنابق, التي تضحك لمداعبات ندى الصباح, هي فقط ميراث الآباء, والآباء يعرفون الكثير

 

حسني حنا   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





قلادة ذهبية وجدت في أحد القبور





طوق من حجر اللازورد يعود للألف الثالثة ق.م





حلية ذهبية على هيئة حلق





عقد من ذهب ولازورد وعقيق بني (1300 ـ 1200 ق.م)





زوج من الأقراط من الذهب مع حجر أحمر شبه كريم (القرن الأول الميلادي)





تمثال نسر برأس أسد من حجر الأرورد والذهب (2500 ق.م)





سوار ذهبي عثر عليه في الرقة عام 1939 يعود إلى العصر الإسلامي