عزيزي القاريء

  عزيزي القاريء
        

ضرورة تحصين الجيل القادم 

          سنوات طويلة من التوتر ظلت منطقتنا العربية ترزح فيها - ومازالت - فالأحداث كبيرة والتداعيات مؤلمة, والشعور بالسكينة مفتقد. أحداث كثيرة متتالية, حتى أنها كان يمكن أن تتوزع على أجيال عدة وتفيض, لا أن تلقى - كما حدث - على كاهل جيل واحد, شهدها كلها, وعانى في النهاية أوجاعها الأليمة.

          ليست هذه التداعيات منفصلة عما تمر به منطقتنا هذه الأيام والذي هو في بدايته ومنتهاه واحد من مشاهد متعددة الفصول, ما إن  يسدل الستار على واحدها حتى يكون التالي قد تأهب لصعود الخشبة. وإذا كانت المأساة قد بدأها الاحتلال الاستيطاني العنصري الصهيوني لفلسطين. ولايزال يواصل صب المزيد من الزيت على نيرانها - فإن أخطاء كارثية ارتكبت بأيدي البعض منا, ممن رفعوا الشعارات العريضة لتحرير القدس, ثم وجهوا سيوفهم إلى صدور أشقائهم. أخطاء كثيرة ومريعة كانت وراء مآسي جيلنا, وتداعيات أشد مأساوية نخشى منها على أجيالنا القادمة.

          من هنا فإن هذا العدد من (العربي) يعنى بالتطلع إلى المستقبل, مؤكداً ضرورة تحصين الجيل القادم ثقافياً وعلمياً, ومعرفيا وتكنولوجيا, من أي أخطاء ارتكبها جيل سبق, أو تهاون في معالجتها. ولعل حديث الشهر لرئيس التحرير يعني ذلك حين يؤكد فكرة إنه إذا كان الماضي يصنعنا فإننا نصنع الغد, وحين يلامس وجعا يمر بنا فنتجاهله (مَنْ من الآباء أهدى أطفاله كتبا في المناسبات السعيدة عوضا عن الألعاب التي أغرقت الأسواق بثقافتها العدوانية? ومَن منهم شجعهم على الذهاب إلى المكتبات العامة? ومَن منهم صحب أطفاله إلى المتاحف التي تسجل تاريخ الوطن?) ولعل الإجابة قد تكون مثيرة للحزن والشفقة, بل والغضب أيضا.

          في هذا السياق أيضاً يأتي استطلاع المجلة لهذا الشهر والذي يحذّر من إهمال قد يؤدي إلى إسقاط واحدة من أروع الشواهد التراثية العربية من قائمة التراث العالمي, قاصدا هنا عمارات صنعاء العجيبة, في الوقت الذي ظلت فيه دالة على زمن طويل لحضارة عربية مدهشة يقف العالم أمامها مذهولا, ويعتبرها واحدة من أهم ما خلفته الإرادة البشرية طوال تاريخها.

          هكذا, يظل من واجبنا التواصل مع هذا الجانب الرائع من التوجه العالمي, فنحن أيضا - رغم بؤس الحاضر - صنّاع حضارات مجيدة, مازالت شواهدها تؤكد أننا قادرون - إذا عدنا لامتلاك الإرادة - على الإسهام مجدداً في بناء الحضارة الإنسانية, حتى ولو كانت في ظل التيار العولمي الطاغي, فثمة ضرورة ملحة تدعونا إلى التواصل مع ثقافات الآخرين وحضاراتهم, حتى وإن كانت الحرائق التي مرت بنا, أصابت أصابعنا بحروق.

 

المحرر