عزيزي العربي

 عزيزي العربي
        

من روائع العربي

          خلي هشام بن عبدالملك بن مروان إلى نفسه يوما بقصر الخلافة الأموية, راح يتأمل ملك الأمة التي دانت لها مشارق الأرض ومغاربها بالعدل الإسلامي, امتلأ قلبه بالسعادة, حمد الله, سبّحه تسعا وتسعين مرة, فجأة اقتحم خلوته زيد بن علي, اعتدل هشام في جلسته ثم هتف في صوت جهور: بلغني يا ابن علي أنك تحدث نفسك بالخلافة ولا تصلح لها... أنسيت أنك ابن أمة.

          أجاب زيد في هدوء ووقار: أما قولك يا ابن عبدالملك أنك تحدث نفسك بالخلافة فهذا غيب ولا يعلم - الغيب إلا الله, وأما قولك أنني ابن أمة فإسماعيل عليه السلام ابن أمة أخرج الله من صلبه خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم.

          واسحق ابن حرة أخرج الله من صلبه يعقوب, ومن يعقوب أخرج الله بني إسرائيل يحملون شرور العالم إلى يوم الدينونة.

          ونترك هشاما وزيدا ونتوقف أمام الأحنف بن قيس في قلب الجاهلية فنراه يحكم قبيلته كما لو كان في عصر - الدولة الإسلامية فها هو يقف أمام قبيلته واعظا وكأنه أحد قادة المسلمين في غزواتهم وهو يقول: إنما أنا رجل منكم ليس لي فضل عليكم, لكن أبسط لكم وجهي, وأبذل لكم ما لي, وأقضي حقوقكم, وأحفظ حرمتكم. فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي, ومن زاد علي فهو خير مني, ومن زدت عليه فأنا خير منه. قيل له (يا أبا محمد ما يدعوك إلى هذا الكلام) قال: (أحضهم على مكارم الأخلاق) ومن أخلاق ابن قيس العربية إلى الخليفة الواثق ونشر الرعب في الرعية فها هو وقد اشتد عليه المرض... أصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت, علم ايتاخ مستشاره الخاص, طفق يسأل من بالقصر: هل مات الخليفة أم لا? بيد أنه آثر أن يراه بنفسه, اقترب من فراشه في خطوات مرتبكة خائفة, وما إن رآه الخليفة حتى سلط عليه نظرة كالسهم... ارتد ايتاخ إلى الوراء عشرات الخطوات, ارتفعت دقات قلبه.. ظل يتراجع متقهقرا بظهره, سقط على سيفه, اندق عنقه من أثر هيبة نظرة المفارق, مضت ساعة, شاع في الناس خبر وفاة الخليفة, عزل في أحد البيوت, تسللت إليه فأرة... أكلت عينه, عرف الناس أنها العين التي نظر بها على ايتاخ فأودت بحياته.

          ومن قصر الواثق طار بنا بساط الريح الذي تقوده عروستنا (العربي). طاف بنا فوق الصحاري والوديان ثم البساتين والجنان, هتفنا إلى أين تتجهين بنا يا عروستنا الآن? قالت: انظروا إلى أسفل, شدت انتباهنا مآذن الجزيرة العربية وهي تشع بالنور, وما هي إلا لحظات وإذا بنا في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم, وإذا بنا ضيوف في منزل ابن سيرين, طرق بابه رجل من أصحاب الحسن البصري, جلس أمامه, طفق يروي ما رآه في منامه كأنه عريان ويضرب بالعود على مزبلة, تطلع ابن سيرين في السماء لحظة ثم قال للرجل: يا أخي في الله هذه الرؤيا ليست لك, اذهب إلى صاحب الرؤيا وقل له لا تسأل الحاكة عن مثل هذا, وعندما علم الحسن البصري بهذا الحوار اغتم ثم قام من فوره, أمسك بيد صاحبه: ذهبا إلى ابن سيرين, تعاتبا عتابا طويلا, انتحر الخلاف الذي كان بينهما, قال الحسن البصري: أجل يا ابن سيرين إنك كيس فطن حقا, إن هذه الرؤيا ليست لصاحبي, إنها لي.

          أجاب ابن سيرين في هدوء: يا أخي يا بصري لا تشغل قلبك فالعري عري الدنيا ليس عليك منها علقة, والمزبلة هي الدنيا وقد انكشفت لك أحوالها, أما ضربك بالعود فإنه الحكمة التي تتكلم بها وينتفع بها الناس, دهش البصري, هتف: أستحلفك بالله يا أخي في الله كيف عرفت أنني صاحب الرؤيا, فقال ابن سيرين: فكرت عند سماعها فلم أر أحدا أصلح لها منك.

عبدالرزاق أبو زيد
سلامون - سوهاج - مصر

بداية المشوار

          مازلت أتذكر تلك الصدفة المقدرة التي صادفت فيها مع (العربي) عند أحد الإخوة الفضلاء فرأيتها وطالعت موضوعاتها وتصفحت صفحاتها وعناوينها فوجدتها ذات طابع ثقافي وعلمي مما حملني بعد ذلك بالسؤال عن كيفية الحصول عليها مع صعوبتها وعدم وجودها البتة في المنطقة التي أقطن فيها, وبفضل من الله عز وجل تمكنت من الحصول عليها, والحمد لله في كل شهر تصلني مجلتكم (العربي) فكانت هذه بداية مشواري مع (العربي).وأنا بدوري أشكر المجلة وأعضاءها على ما بذلوه من جهد وعناء من أجل تثقيف أبناء العالم وتعليمهم, ورجائي من المولى عز وجل أن يسدد خطاكم فجزاكم الله خير الجزاء.

مصطفى قمر الدين المكي
كلنتن - ماليزيا

نظرة الإسلام في القيم

          هل يعيش الإنسان بلا قيم? وما دور الدين في بناء القيم عند أتباعه? وما أولويات القيم? وما دور القيم في حياة المجتمع والإنسانية, وما مصير مجتمع يعيش بلا قيم? تلك أسئلة تخطر بذهن القارئ الكريم, ولابد له من أن يجد أجوبة نافعة تقنعه ولا تترك فراغا في تفكيره يشغله, وهذا ما سنحاول عرضه والإجابة عنه في هذا البحث, بشكل موجز ومكثف, بعيدا عن الإسهاب الممل أو الاختصار المخل! إن أدبيات القيم في الكتب السماوية كثيرة, وأغزرها وأوضحها وأبلغها نجده في القرآن الكريم, الذي أنزله ربنا تعالى على رسوله الصادق الأمين, الذي جمع الله فيه قمة الأخلاق: وإنك لعلى خلق عظيم وأرسله رحمة للعالمين, ليتمم الأخلاق, ويعلّم الناس هذه القيم الرفيعة التي لا غنى لأي إنسان عنها البتة, ولا لأي تجمع ديني أو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي, ولو انتصر بعض الوقت, أو نجح في بعض مشاريعه لفترة من الزمن, أو حالفه الحظ في مرحلة من مراحل الحياة المختلفة, قال عليه الصلاة والسلام: إنما بعثت معلما, إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.

راتب أحمد عبدالواحد
دمشق - سوريا

من غرناطة إلى سبتة

          قرأت في العدد 525 مقالا للدكتور (محمد سيد عوض) عن المدينتين المغربيتين سبتة ومليلة المحتلتين من إسبانيا, وقد ورد في مقال الباحث أن البرتغاليين احتلوا مدينة سبتة عام 818هـ-1415م بعد سقوط غرناطة. ولعل الأمر سقط سهوا, لأن الحقيقة أن احتلال مدينة سبتة من البرتغاليين جاء قبل سقوط غرناطة التي دخلها الإسبان عام 897هـ-1492م بعد اتفاق أبرموه مع آخر أمير غرناطي: (أبو عبدالله الصغير) ولذلك قصة.

          فبعد سقوط دولة الموحدين أخذ النفوذ الإسلامي بالأندلس يتراجع وانحصر منذ عام1232م في مملكة بني الأحمر التي كانت عاصمتهم غرناطة, وقد كان ملوك بني مرين أيام عزتهم يناصرون غرناطة ضد هجمات مملكة قشتالة وانتصروا على المسيحيين في معركة الوادي الكبير, وقد توحدت مملكة البرتغال مما جعل ملوكها وتجارها يطمحون إلى توسيع تجارتهم بالاستيلاء على أراض خارج حدود مملكتهم وقد تأتى لهم ذلك بعد ضعف الحكم المريني لما استولوا على مدينة سبتة عام 1415م ثم استولوا بعد ذلك على طنجة عام 1417م وتخلوا عنها للإنجليز عام 1561 كما احتلوا مدينة الجديدة عام 1502م وأغادير عام 1561م  وآنفا عام 1469 ثم أزمور 1508م وآسفي عام 1513م أما الإسبان فقد احتلوا بلدة مليلة عام 1479م وهي السنة نفسها التي عرفت وحدة مملكة أراغونا وقشتالة بزواج ملكيهما فيردناند الثاني وإيزابيلا, وهكذا تحققت الوحدة السياسية الإسبانية التي كان من نتائجها القضاء على الوجود الإسلامي نهائيا بالأندلس عام  1492, كما كان من نتائجها اكتشاف الرحّالة الإيطالي كريستوفر كولومبس أمريكا في السنة نفسها بوساطة أسطول إسباني, غير أن المغاربة لم يتخلوا أبدا عن المطالبة بالثغور المحتلة, فقد شن ثاني ملوك العلويين المولى إسماعيل هجوما كاسحا أواخر القرن 17 وبداية القرن 18 تمكن من خلاله من استرجاع مدينة طنجة من يد الإنجليز وعدد من الموانئ الأخرى, إضافة إلى استرجاع ميناء البريجة (الجديدة حاليا) من أيدي البرتغاليين عام 1181هـ على أيدي السلطان سيدي محمد بن عبدالله, وبذلك خلع المغاربة عنهم السواد الذي ارتدوه حدادا على الشواطئ المغربية المحتلة, وقد حاصرت القبائل المغربية طويلا - مدعومة بجيش من المخزن - مدينة سبتة ومليلة اللتين كادتا تسقطان من أيدي الإسبان لولا تدخل الأسطول الإسباني لفك الحصار عنهما, ولولا بعض الخلافات الداخلية التي كانت تسري بين الحين والآخر بين أفراد القبائل.

          وقد ورد في المقال نفسه أن مدينة مليلة (المغاربة يسمونها مليلية) تبعد عن بلدة الناظور, والحقيقة أن الناظور ليست بلدة, بل هي مدينة عامرة يتجاوز عدد سكانها المائتي ألف حسب آخر إحصاء.

صخر المهيف
أصيلة - المغرب

سياسات متكاملة

          طالعت في مجلة العربي العدد 527  أكتوبر 2002م مقالا بعنوان: (الظاهرة الاغترابية في السينما الجزائرية) , وفي رأيي أنه لا يمكن الكتابة عن أزمة السينما الجزائرية في تسعينيات القرن العشرين, من دون التوقف عند ما تعانيه مجمل السينما العربية, لجهة المآزق الإبداعية والفنية, تماما كعجزنا عن الكتابة عن تاريخ هذه السينما ونتاجاتها المختلفة.

          هذه الصورة القاتمة لواقع السينما العربية تنسحب أيضا على غالبية الإنتاجات البصرية في الأعوام القليلة الفائتة.

          على الرغم من كل شيء, وفي مواجهة العدد الكبير من الأعمال الهابطة, لا يمكن تعميم نتائج الأزمة السينمائية على كل النتاجات, أكانت في الجزائر, أو في مصر أو في أي دولة عربية أخرى. ومع دخولنا قرنا جديدا مليئا بالتطورات التقنية والحضارية والفكرية والعلمية, لا يسعنا إلا أن نتساءل عما يمكن أن تقدمه لنا (سينمانا) العربية: هل نتوصل إلى حل ما لأزماتنا المتنوعة? هل ستتفاقم أزمة الإنتاج والإبداع, أو أن التقنيات الحديثة المستخدمة في أوربا وأمريكا قادرة على منح السينما العربية بعضا من نبض جمالي ودرامي ما? تصعب الإجابة, فالخوف كبير من أن تتفاقم الأزمات في ظل غياب سياسات ثقافية متكاملة.

جميل أحمد محمد الهتار
رئيس رابطة إذاعة الصين الدولية - صنعاء

تحية عربية إلى (العربي)

          تحتل مجلة (العربي) الصادرة عن الكويت في الجزائر مكانة خاصة لدى القرّاء والمثقفين من مختلف الطبقات والميول, ذلك أنها المجلة الوحيدة التي جمعت ألوانا من الثقافات والمعارف والفنون والعلوم في نسق فني بديع, وقد تابعنا سيرها منذ سنوات, ورأينا رأي عين ورؤية بصيرة كيف تتناول مواضيعها, وقبل ذلك كيف تختار مواضيعها, ولا يخفى على العارفين في هذا المجال ما يعنيه اختيار المواضيع بالنسبة لأي عمل إبداعي, فعليه يتوقف انتشار العمل من عدمه, أما المعالجة, ونقصد بها المنهجية المتبعة في التعامل مع مختلف المواضيع, فهي الجناح الثاني للإبداع والثقافة, وبتحصيل الحاصل للانتشار والذيوع, وفي اعتقادنا الشخصي أن (العربي) قد نجحت أيما نجاح في صناعة هذين الجناحين وهما للحقيقة وللشهادة جناحان قويان, استطاعا أن يطيرا بهما ويحلقا إلى معارج السماوات, وهناك عنصر ثالث لا يقل أهمية عن سابقيه, وهو سياسة المجلة, فلقد لاحظنا أنها تحترم سياستها فيما يخص نشر المواضيع المختلفة مما أكسبها مصداقية لدى القارئ الجزائري, بل والعربي, وهذه العناصر مجتمعة صنعت مجد هذا العمل الثقافي الرائع, وأسست له وجعلته يتطور وينمو في اطراد وسرعة مذهلين.

          ولا يظن أن كلامنا هو من قبيل الإطراء المعهود وفي شعرنا وفي أخلاقياتنا الثقافية, ولكنه من قبيل الإنصاف ومن الإنصاف أن نقول للمحسن أحسنت. ولقد أحسنت مجلة (العربي) - فصار لزاما علينا بمكان سيما وأنا واحد من قرائها أن نصدع بهذه الشهادة, وأن نسمعها لعامة من يقرؤها, فمن أرض الجزائر الحبيبة المجاهدة الباسلة أحييكم طاقم المجلة تحية عربي يفهم ما تعنيه الثقافة ويعي دورها وتأثيرها ويقدر رجالها والقائمين على نشرها وتعميمها - فتحية معبّقة بالأريج, وسلاما ممتلئا ودّا ومحبة ووفاء بعثه لكم على صفحات مجلتنا (العربي) الغرّاء, وأشد على أيديكم, أعلن من مكاني هنا أنكم أخوة اللسان والدم والدين دائما في قلب كل جزائري, وأن مسعاكم هذا قد لقي قبولا حسنا وطيبا والاستحسان لدى الجميع.

بختي محمد الأمين
حاسي بحبح - الجزائر

* المحرر: والشكر موصول لكم ولكل قرّاء (العربي) الأعزاء

وتريات
رَعْشَة الأُقْحُوَانْ

لِعَيْنَيْكِ تَعْويذَةٌ ويَدَانِ

تَمُدَّانِ حبْلاً مِنَ النَّارْ

تمُدَّان جسْراً منَ الوَرْدِ

يهفُو بملء المكانِ

لعَيْنَيْكِ سرٌّ...

جحيمٌ من الهمسِ يدْنُو

أَغيبُ

يُغَيِّبُني الياسمينُ,

ومنتصفُ الأُقْحُوانِ

أَغيبُ...

ويفضَحُني في الغياب المُغِيبُ

أَغيبُ...

وفي شَطِّها الماءُ والظِّلُّ

والمُطلَقُ الفُلُّ

في نارها الرجَّةُ البِكْرُ

في شَذْوِهَا الشِّعْرُ والنَّثْرُ

يا رعْشَةَ الأقْحوانِ

وفي نارها جَنَّةٌ...

بل هُمَا جنَّتَانِ

ياسين افريد
ولاية جيجل - الجزائر