منصور الرحباني و... (ملوك الطوائف)

منصور الرحباني و... (ملوك الطوائف)
        

          من ذاك الزمان العذب والحزين, زمان الوصل في الأندلس, يستلّ الفنان الكبير منصور الرحباني موضوع مسرحيته الغنائية الجديدة (ملوك الطوائف) ليروي سيرة مرحلة من التاريخ تشبه في بعض ملامحها بعضا من أزمتنا الحالية.

          تبدأ مرحلة (ملوك الطوائف) بتمزّق الدولة الأندلسية واستقلال كل حاكم ولاية بولايته. فقد انفرط عقد الدولة الواحدة وتوزعتها نحو ستين دويلة تتفاوت فيما بينها صغراً وكبراً, وقوة وضعفا. دويلة تقوم ودويلة تسقط, وحدود في تغير مستمر, والقوي لا ينفكّ طامعاً في أرض جاره الأقل قوة ليستولي عليها حرباً أو صلحاً, أو يقتطع أجزاء منها, فيما الجيران المسيحيون في الشمال تتزايد قوتهم فيفرضون الجزية ويستولون على ما يستطيعون الاستيلاء عليه.

          كان الأندلسيون في هذه المرحلة في حال ضعف وتخاذل, وكان ملوكهم الذين عُرفوا في التاريخ باسم (ملوك الطوائف) (والطائفة هنا بمعنى الجماعة أو المنطقة) مثالا للأنانية والتباغض فيما بينهم. يكيد بعضهم للبعض الآخر, ويغدر به, ثم يرفع أمره إلى ألفونسو السادس ملك قشتالة المسيحي في الشمال طالبا الحماية منه ومقدماً له, بالإضافة إلى الولاء, الجزية المفروضة عليه.

الملك الشاعر

          تنطلق المسرحية من ظروف تمزق ا لأندلس هذه, ومن مدينة إشبيلية بالذات, ومن ملكها الشاعر المعتمد بن عباد, وهو ينتمي فيها إلى بيت من أهم بيوت الأرستقراطية العربية. دارت في ذهن المعتمد طموحات إعادة الأندلس إلى وحدتها السابقة, فتمكن بداية من التغلب على قرطبة وإضافتها إلى ملكه. ثم تطلع إلى ملك مرسية, فبعث وزيره أبا بكر بن عمار لكي يأخذها من يد ابن طاهر. فلما تحقق ذلك لابن عمار, أراد أن يغدر بالمعتمد ويستقل بحكمها. ولكن المعتمد قبض عليه لاحقا وقتله. بالرغم من سعة مملكة المعتمد, وغنى موارده, فقد وجد نفسه عاجزا عن صدّ هجوم ألفونسو السادس على مملكته. إزاء ذلك اضطر, اتقاء لشرّه إلى دفع جزية سنوية له, شأنه في ذلك شأن سائر ملوك الطوائف. وحينما استولى ألفونسو السادس على طليطلة سنة 478 هجرية, شعر جميع ملوك الطوائف بالخوف على عروشهم, فتزعم المعتمد بن عباد مشروع الاستنجاد بيوسف بن تاشفين أمير المرابطين في المغرب واشتركا معه في معركة الزلاّقة سنة 479 هجرية وأبلى فيها بلاء حسنا. ولكن عندما تبين ليوسف بن تاشفين لاحقا أن المعتمد بن عباد, ومعه ملك (طائفي) آخر هو المتوكل بن الأفطس يكاتبان ألفونسو ليطلبا حمايته لهما, وجّه ابن تاشفين جيشه إلى أشبيلية واحتلها بعد مقاومة عنيفة من المعتمد, وسيّر ملك أشبيلية المخلوع إلى بلدة (أغمات) بالمغرب حيث مات بعد ذلك بحوالي أربع سنوات.

          على أن منصور الرحباني, وإن استفاد من التاريخ, لا يغرق في لحجه ليجعل من مسرحيته الجديدة مسرحية تاريخية صرفة, أو مسرحية أندليسية لا غير. فهو يبدأ من التاريخ ليوظفه ويسقطه, على مرحلتنا الحالية, فالمسرحية بهذا المعنى أندلسية ولبنانية وعربية كثيرا ما تلوح في لقطاتها أطياف من عالمنا العربي الراهن, كما أن أبطالها لا ينطقون بالعربية الفصحى, بل بالمحكية اللبنانية. وبهذه المحكية اللبنانية يتناولون قضايا راهنة وساخنة. وكثيرا ما يعبّرون عن همومهم وقضاياهم بالزجل اللبناني, ومنه القرادي والمعنى. وفي بعض مشاهد المسرحية, وهو مشهد (قمة) عقدها ملوك الطوائف لتدارس شئونهم المصيرية, كان للقرادي جولة لافتة, والمعروف أن الأخوين رحباني: عاصي ومنصور, بدآ شاعرين زجالين, والزجل يلعب دورا مهما في المسرح الرحباني.

          ولكن منصور لا يوافق على القول بأنه قام بعملية إسقاط تاريخي على وضع العرب اليوم فهو, كما يقول, لم يقم بمثل هذه العملية أبدا. (صحيح أن ملوك الطوائف الأندلسيين كانوا يكيدون لبعضهم البعض, ويتنابذون ويتباغضون, ويلجأون إلى حاكم أجنبي يطلبون حمايته, بدلاً من أن يتوحّدوا ويتعاضدوا, إلا أن وضع الدول العربية اليوم وضع مختلف. فأولو الأمر فيها مثال التعاون والتعاضد والطهارة وما إليها ولا يمدّ أحد منهم يدا لأي ألفونسو, فهم لا يحبون الأجنبي ولا يتزلفون له). لذلك - يضيف منصور وأنت لا تدري إذا كان جادّاً أو غير جادّ - أنا لم أقصد شيئا من ذلك. حاشا أن  يدور في بالي ما دار أو يدور في بال سواي... ولكن قاتل الله المشاهدين الذين يفسرون على ذوقهم, أنا لا أستطيع أن ألحق بكل هؤلاء الذين يشاهدون المسرحية (وعددهم في الليلة الواحدة حوالي الألف), إلى بيوتهم لأقول لكل واحد منهم: إياك أن تفكّر بأنني قصدت هذا الأمر, وأن عليك أن تفكّر ببراءة. (ما بيصير هيك)...

مصادفات غير بريئة

          ولكن الذي يدعو إلى الريبة في كلام منصور أن عدد ملوك الطوائف في بعض حقبهم, كان في حدود الستين ملكاً, في حين أنه يتحدث عن 22 دولة أو دويلة, فيأتي جوابه سريعا: (أحداث مسرحيتي تدور في فترة زمنية بلغ فيها ملوك الطوائف 22 ملكا, أي أن عدد الدول, أو الدويلات, يومها كان 22 دولة), الأمر الذي يزيد في وسوسة المشاهد!

          ويجيب منصور: (إن من عجائب المصادفات! أن يوفقني الله أحيانا, وأذكر من هذه المصادفات, والتوفيقات الربانية أن مسرحيتي السابقة (آخر أيام سقراط) تحدثت عن ثلاثين وزيرا, وكانت الحكومة اللبنانية, زمن تقديمها على المسرح, تعدّ ثلاثين وزيرا, ومن المصادفات, فقط لا غير, أن عدد الدول العربية اليوم 22 دولة, ولكن المسرحية تتناول تلك الحقبة التاريخية في الأندلس: عصر دول الطوائف, أو عصر ملوك الطوائف, ولا تتناول عصرنا الراهن.

          وعندما قلت لمنصور إن دول الطوائف في الأندلس بلغت في بعض الحقب 66 دولة, أجاب: في أيام مسرحيتي, كان العدد 22.

          ويعود ليقول: أنا لا أحب عادة أن أفسّر النص الذي أكتبه, للمتلقي دور في هذا التفسير. بل إنه قد يكون للمتلقي, وهو يفسّره, عوالم أجمل من العوالم التي كنت أود أن أعطيه إياها, لو أردت أن أفسّر. للمتلقي فسحة في تأمّل النص من الغبن أن نحجبها عنه. ثم إن هناك متلقين كُثرا, وفي كل ليلة من ليالي المسرحية مئات يخترقون حُجُب هذا النص وأقنعته. فهل يجوز أن أسجنهم في تفسير واحد, وتأمل واحد? النص عندما يخرج من تحت يد مؤلفه يصبح ملكاً لمتلقيه. في الفن غموض, هامش كبير للخلق, والمتلقي يشارك في عملية الخلق هذه, الفنّ ليس بلاغا حزبيا أو عسكريا.

          يستمر عرض المسرحية كل ليلة ثلاث ساعات تقريبا, تتوالى خلالها مشاهد وديكورات وألبسة ومناخات تعيد تلك المرحلة الذهبية في التاريخ العربي إلى الذهن. المعتمد بن عباد, سليل أرقى أسر أشبيلية العربية يمرّ يوما قرب نهر فتلفته امرأة من عامة الناس تحترف غسل الثياب وتمارس هذه المهنة مع أتراب لها على ضفة النهر, وعندما يبدأ حوار بين الملك وهذه المرأة التي تُدعى اعتماد الرميكية, يكتشف أنها مثقفة وشاعرة, وينتهي الأمر بزواج المعتمد منها.

          وتتوالى الفصول التي تكشف عن اهتراء في الوضع السياسي داخل دويلات الأندلس, وعن تسابق ملوك هذه الدويلات لرضا ألفونس ملك قشتالة المتربص شرّا بهذه الدويلات, والمكتفي في البداية بفرض (الخوّة) عليها, تمهيدا للانقضاض عليها. وقد انقضّ فعلا على طليطلة أقرب الممالك إليه في الشمال, فاحتلّها وضمها إلى مملكته.

دعوة للخروج من التاريخ

          يرسم منصور الرحباني هذه الصورة المأساوية لوضع الأندلس في ظل ملوك الطوائف للذكرى والعبرة معا, داعيا للخروج من التاريخ والدخول في المستقبل, وقد ذكر في المسرحية أنه مع (عرب المستقبل) لا مع (عرب التاريخ) لا تهوينا من أمر هؤلاء الأخيرين, فقد ظلوا سادته وحاملي لواء الحضارة فيه فترة لا تقل عن ألف سنة, ومن رحم هذا التاريخ خرجت أضواء الحضارة الإنسانية الحديثة, وبنى الأوربيون - على الخصوص - ما يُعرف عندهم بعصر النهضة, ولكن منصور الرحباني يحرّض العرب على الخروج من أسر المعتقل, معتقل التاريخ, للدخول في أفق المستقبل ومن أجل المشاركة في صنعه. ولكثرة ما انتقد الخمول والتواكل والضعف والهشاشة والخنوع أمام ألفونسو, وأمام أي ألفونسو آخر, خاف أن يُحسب انتقاده على الشماتة بالعرب, من نوع ما تكتبه الشعوبية عادة, فأعلن بالفم الملآن في المسرحية, وفي أغنية من أغنياتها: (يا عرب أنا واحد منكم), وبذلك أكّد على انتمائه وعلى أصالة الظاهرة الرحبانية, وهي الظاهرة التي غنّت في سابق أيامها النضرات لفلسطين والقدس والشام, وليثرب ومكة ولكل قضية عربية شريفة.

          قال لنا منصور الرحباني: يهمني قبل كل شيء أمران: الإنسان والحرية. يهمني الإنسان الضعيف والمقموع والمظلوم, ويهمني أن أحرّضه على فك أصفاده والسعي للتقدم. ومن خلال هذا التوجه كتبت مسرحية أحداثها أندلسية - لاشك في ذلك - ولكنها رحبانية في مضمونها وتوجهها.

          وأضاف منصور:

          - لكن المؤلف لا يستطيع أن يكتب مسرحية تاريخية صرفة أو مجردة. لابد أن يضع نفسه, وأن يكون لآرائه وتطلعاته وجود في عمله. لم آخذ الكثير من الشعر من الأندلس, سواء من المعتمد أو من سواه. كتبت بنفسي أكثر شعر هذه المسرحية, والشعر في هذه المسرحية كثير لدرجة أنك تستطيع القول إنها مسرحية مرصودة للشعر. وعندما سألته: أليس فيها موسيقى أندلسية? صمت قليلا قبل أن يجيب: الموسيقى كلها رحبانية: مني ومن إلياس الرحباني. وقد اشترك في المسرحية ثلاثة رحابنة آخرون هم مروان وغدي وأسامة, وقد أخرجها إخراجا متميزا.

الموشحات الأندلسية... أين?

          وقلت لمنصور: وأين الموسيقى الأندلسية إذن?

          فقال:

          - هناك موشحات يغنيها الناس ويقال إنها موشحات أندلسية اسمها موشحات أندلسية. إنما, للحقيقة, هي مشرقية لا أندلسية, أنا سمعت في المغرب وفي الجزائر نوبات أندلسية. (غريب إنو ما فيها ربع صوت, كلها نصف صوت. بليبيا سمعت المألوف. كله من نغمة البيات فيها ربع صوت. لا أدري. لم يكن هناك تدوين حتى نعرف بصورة جازمة. لكن الذي أعرفه أن الموشحات التي ولدت عندنا في لبنان وحلب (وخصوصا في حلب) كانت من أهم الموشحات.

          وأضاف: أنا أعرف الموشحات معرفة قديمة ومعمقة. تأثرت كثيرا بها, ولحّنتها مراراً. والموشحات التي شاهدتها في المسرحية موشحات جميلة ورائعة. ألحان الأغنيات في المسرحية كانت تنحو قليلا نحو (الإسباني), إنما إسباني/رحباني معا. أنت لا تستطيع أن تكون إسبانيا وحسب, وتنكر شخصيتك, عندها تكون فنانا لا شخصية له. لا مبرر لوجودك إن لم تكن في عملك.

          وعندما قلت له إن الموسيقى في المسرحية كانت لافتة, قال إنه استعان بعازفين كبار قدموا من لندن للمساهمة في العزف, وذلك من أجل إتقان العمل, وكانت هناك آلات نحاسية وآلات نفخ.

          قلت لمنصور الرحباني إن المسرحي المصري الكبير الراحل الدكتور علي الراعي أشاد أمامي مرة إشادة كبيرة بالظاهرة الرحبانية, معتبرا إياها من أهم الظواهر الفنية العربية في القرن العشرين. وأشاد الراعي إشادة خاصة بالمسرح الرحباني الغنائي.

          أصغى منصور إلى ما قلته, قبل أن يقول, وكأنه يحدث نفسه:

          - الظروف هي التي تحكمك أحيانا, أنا وعاصي درسنا موسيقى شرقية وغربية في الوقت نفسه. أنا كنت متجهاً اتجاهاً سيمفونياً جاء عاصي وقال لي: (يا منصور! كيف بدنا نعمل موسيقى سيمفونية وما في أوركسترا بلبنان? بدنا نضلّ مجهولين. نفيد وطننا أكثر إذا عملنا مسرح غنائي. منكون اخترقنا واخترعنا شغلة جديدة).

          وهكذا كان, مسرحنا الغنائي يتفوق على المسرح الغنائي الأنجلوسكسوني بالتوتر, بحدة الموضوع, بالموسيقى. هم يتفوقون علينا بكل ما هو إبهار. يمكنهم أن يصنعوا ديكورات وملابس أحسن منا. ولكن الأمر اختلف الآن. أصبحنا أهم منهم. مروان درس الإخراج, وقد أثبت عبر إخراجه مسرحيات رحبانية عدة أن المسرحية الغنائية الرحبانية أهم من المسرحية الغربية الأنجلوسكسونية في كل شيء. مراقبون أجانب قالوا: (نحنا ما شفنا بمطرح اللي شفناه هون).

          ثم إننا صرنا ضمير الأمة, مواضيعنا رصينة وتشكل علامات على طريق نهضة لبنان والأمة العربية. ثلاثة أرباع كلماتنا ذهبت أمثالا. نحن نعيش مع الشعب والشعب يعيش في داخلنا. لم نكن يوما هامشيين. كنا أساسيين في معركة الحرية والمستقبل.

          مسرحيتنا هذه أحدث من الأوبرا. وتستطيع أن تقول عنها إنها أوبرا.

          مثلاً: صيف 840, جبال الصوان, فخر الدين, وآخر أيام سقراط, وملوك الطوائف, تستطيع أن تقول عنها إنها أوبرا كوميك, شو هيّ الأوبرا كوميك? أوبرا فيها غناء وفيها رقص وفيها حكي, وملحنة.

          نحن تماما حققنا ذلك, إنما لم نسمّ أعمالنا أوبرا. اعتمدنا عبارة المسرحية الغنائية لأنها أصرح وأحدث!

التاريخ..وهموم الناس

          هموم التعبير عن مشاعر الناس, والالتصاق بقضاياهم, هي هموم الفنانين والكتّاب والشعراء الكبار, وإلى هؤلاء ينتمي منصور الرحباني.

          عن هذه الهموم, يقول منصور:

          - أنت تعالج على المسرح مواضيع من مئات السنين, فإذا لم يجد المشاهد في هذه المواضيع نفسه, همّه, وجعه, فرحه, وتوقه إلى الحرية والعدالة, حصل انفصال بين الصالة والمسرح. لذلك, مهما كان موضوعك غائماً في التاريخ, عليك أن تجعل المشاهد يرى نفسه فيه. أنت تأتي بإنسان لكي يكون مرآة الآخر, وإذا لم تتحقق هذه المعادلة فلا لزوم للاستعاضة بشخصية تاريخية أو بحدث تاريخي, أو بأي شخصية أو حدث آخر.

          لقد توجهنا بأعمالنا وباستمرار إلى الشعب, لم نخاطب النُخَب فقط لا غير, بل خاطبنا النخب والناس العاديين البسطاء, لماذا أحرم المواطن العادي من الفن وأجعله وقفاً على المثقفين وحدهم مادام باستطاعتي أن أتواصل مع الفئتين معاً?

فيروز... الغائبة الحاضرة

          عندما أعلن منصور الرحباني عن مسرحيته (ملوك الطوائف) تساءل كثيرون عمّا إذا كان لفيروز دور فيها. في الماضي, وقبل رحيل عاصي, كانت فيروز حاضرة دائماً, في المسرحيات الرحبانية, وفي سواها من أعمالهم. فلماذا غابت عن هذه المسرحية? وعن بقية مسرحيات منصور بعد رحيل عاصي? وكيف يقيّم منصور فيروز كمغنية وكظاهرة?

          قال منصور:

          - ببساطة كلية, أي دور كان يمكن أن يُسند لفيروز في هذه المسرحية? هناك دور نسائي لاعتماد الرميكية لا يناسب فيروز. ولكن الصلة قوية بيننا وبينها. نلتقي في الأسبوع الواحد مرة على الأقل ونخطط للمستقبل ولأعمال مشتركة.

          وأضاف:

          - صوت فيروز حالة جمال. فيروز فنانة رائعة, وأعتقد أن من النادر أن يجود الزمان بصوت مثل صوتها. أضفْ إلى ذلك ذكاءها الحاد, وتجربتها الفنية الطويلة, وأركان الحرب الذين ساهموا في صقل هذه التجربة وصقلها: (الأخوين رحباني), سعيد عقل, جورج شحادة, عبدالله الأخطل, جورج سكاف, صبري الشريف وسواهم, هناك 40  سنة من التجارب الفنية في هذا الصوت.

          هذه التجربة الفنية التي خاضتها فيروز لن تتكرر لأسباب كثيرة, من الصعب إعداد مطربة كبيرة كما أُعدت فيروز. أعظم صوت وقع في أذني هو صوت فيروز. فيروز من أعظم المطربات في التاريخ.

          مسرحية (ملوك الطوائف) لمنصور الرحباني كتابة وموسيقى, وللياس وغدي وأسامة ومروان الرحباني في التلحين, ولمروان الرحباني في الإخراج, وغسان صليبا وكارول سماحة في البطولة الغنائية والأدائية. المسرحية مزيج من السلطة, والشعب, السلطة المتضخمة والشعب المقهور. وعنفوان السيطرة اللاإنسانية يسيطر. بنى منصور الرحباني حالة درامية في النص كانت تتصاعد تدريجيا, وجعل شخصياته تدور بين الخيانة والأمانة, والحب والكراهية, والواقع والخيال.

          بعض اللحظات في المسرحية أتت عالية النبرة في التعبير الإبداعي, بحيث قُدمت المعاني على شكل شهب نار متدفقة, بينما كانت بعض اللحظات الأخرى تبحث عن نبض يرفعها مما هي عليه من الشكل المألوف والمضمون المتداول. غير أن هذه اللحظات التي يتبادر إلى الذهن أن ثمة في الذاكرة ما يماثلها كانت تختفي بسرعة خاطفة بما يشير إلى أن منصور الرحباني كان لا يسمح لها بأن تأخذ راحتها. إنها عين الخبير الذي يعرف موقعه وموقع القلم بين يديه, والنوتة على أصابعه, والفكرة في رأسه, وعين المبدع

          في (ملوك الطوائف) مشهد ينتهي به الفصل الأول هو اجتماع مؤتمر قمة عربي من أجل نصرة قرطبة التي يحاصرها ملك أشبيلية, مداولات, مشاحنات, خلافات, والنتيجة حفلة زجلية!

          يبدأ الملوك بالغناء بأسلوب الزجل. يتوافد الخدم بالأطباق ويضعونها على الطاولة كما يحصل عادة في حفلات الزجل, ثم تُسحب الدفوف ويبدأ كل ملك من ملوك الطوائف إلقاء زجليته.

منقاطع شو جابرنا 

وشو هيّ الأسباب 

نحنا وألفونسو صرنا 

أهل وأحباب   



لشو نقاتل ما عنا 

خيل ولا سلاح

ألفونسو يقاتل عنا

 ونحنا منرتاح



 نحنا ضدو وفي معنا

بالحرب رماح

فتحنا لما تجمعنا

للعز بواب



قررنا وما تعلمنا

 لشو التقرير

في واحد أكبر منا

عامل تقرير



وناطرنا بقناطرنا

 يوم التحرير

نحنا العرب بينصرنا

 السيف الغلاّب



ألفونسو كيف بيرسي

 

فعلو ملموس

ومطرح ما بيرسي بيكسي

 

الشعب وبيسوس

وشعبو بيحب اللحسة

 

واللحسة فلوس

وكرسي وياما عالكرسي

 

مركّب ركّاب!



 

جهاد فاضل   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




منصور الرحباني





 





 





المخرج مروان الرحباني





كارول سماحة





غسان صليبا





مشهد من المسرحية