سماسرة الأخبار.. وكالات الأنباء الدولية ومناطق النفوذ

سماسرة الأخبار.. وكالات الأنباء الدولية ومناطق النفوذ
        

           أول خطوة على سطح القمر, مصرع الرئيس الأمريكي جون كنيدي, انتحار جوبلز وزير الدعاية الألماني, نزول قوات الحلفاء على شاطئ النورماندي, تأميم قناة السويس, وغيرها أطنان من الأخبار التي لم يكن العالم يعرفها لولا: وكالات الأنباء!

           وفي الكتاب الصادر عن وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في ديسمبر الماضي بعنوان (سماسرة الأخبار), يحرص مؤلفه الدكتور فريد أيار, الذي عمل في هذه المهنة أكثر من ثلاثة عقود على أن يكون موجها لأكثر من فئة:

           - فهو يخاطب القارئ العادي, حين يسرد - في غير تبسيط مخل أو تطويل ممل - نشأة أشهر الوكالات الدولية, باعتباره - أي القارئ - المتلقي الهدف الذي تسعى الوكالات لإرضائه, وتتمنى مؤسسات الأخبار شراء وده واهتمامه.

           - ثم إنه يخاطب أقرانه وتلاميذه, حين يبسط أمامهم خريطة التفوق والتحدي من جهة, والانكسار والانحسار من جهة أخرى, لبعض من الوكالات, مما يعد سيرة عملية للعاملين في هذا المجال, تؤهل للنجاح فيه.

           كما أنه - أخيرا - يواجه المسئولين وصانعي القرار, حول دور الوكالات - الوطنية والمحلية - التي لا تزال تحبو أسيرة مشكلات لم تتركها تذهب بعيداً عن حدودها, مما جعلها تحت تأثير الوكالات الدولية, التي لايفارقها الهوى بين حين وآخر.

           وكانت مشكلة الدكتور فريد أيار حين بدأ البحث حول هذا الموضوع أن الكتابة عن وكالات الأنباء الدولية وما لها من تاريخ طويل في مهنة الصحافة المتشعبة والمتحركة, تحتاج إلى تفرغ كلي للإلمام بتفاصيلها, وهذا الأمر لم يكن متاحاً له, إلى جانب أن سعيه للحصول على المعلومات التاريخية الدقيقة والإحصاءات الحديثة والمعاصرة عن هذه المؤسسات (العملاقة), جابهه كثير من الصعوبات, أقلها وأبسطها, أن بعض هذه المؤسسات الكبيرة لا تمتلك, لغاية الآن, سجلات محررة ومدونة لتطورها وتاريخها, رغم امتلاكها آلاف الوثائق عن ذلك.

           كما حاول المؤلف عدم حصر هذا البحث في الإطار التاريخي, بل تجاوزه لمناقشة الدور الإعلامي لهذه الوكالات, وتأثيره على وسائل الإعلام العالمية وعلاقات هذه المؤسسات بدولها وتاريخها الاستعماري, وكيفية توزيع الأنباء, ولا سيما, بعد إفلاس وكالة اليونايتدبرس إنترناشيونال وبدء لعب (وكالات الأنباء التكميلية) الدور المهم في عملية توزيع الأنباء خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية, إلى جانب وكالات أنباء أوربية, كوكالة الصحافة الألمانية ووكالة إيفي الإسبانية ووكالة أنسا الإيطالية.

           وقد اختار ثلاث وكالات دولية هي (الفرنسية) و(رويترز) و(الأسو شيتيدبريس) ليكون تعرضه لها سردا وإضاءة في الوقت نفسه لغيرها وبفضل ما لها من سطوة في مجال إعلام اليوم.

           والكتاب في مجمله يعد - كما يورد محمد أحمد العجيري رئيس مجلس إدارة (كونا) في تقديمه - إضافة حقيقية للمكتبة الإعلامية العربية, وللباحثين في مجاله.

نشأة وكالات الأنباء

           شهد عام 1825 ولادة أول وكالة أنباء في العالم, إذ قام شارل هافاس بتأسيس مكتب له في فرنسا لتوزيع الأخبار, فاعتبر هذا الحدث إيذانا بقيام وكالات الأنباء.

           ولم يكن تأسيس هذا المكتب نتيجة فكرة صرفة خطرت لهافاس, بل إن العوامل والظروف التي سادت ثلاثينيات القرن التاسع عشر, ومنها بالذات وضع الصحافة في أوربا, حتمت إيجاد مؤسسة إخبارية تعنى بجمع وتهيئة الأخبار الجديدة وإيصالها للصحف التي كانت بحاجة ماسة إليها.

           والبحث في الأسباب التي دعت إلى تأسيس وكالات الأنباء, يبقى مبتسرا دون البحث في وضع الصحافة الدورية Periodical Press الذي اعتبر وجودها العامل الرئيسي في بروز فكرة تأسيس وكالات الأنباء.

           وفي 1859 تأسست من قبل ملاك وممثلي الصحف في الولايات المتحدة وكالة الأسوشيتيدبريس, بداية تحت اسم (الويسترن) يسبق اسمها, قبل أن تستقر على الاسم الحالي في 1892, وبعد انتقالها من ألينوي إلى نيويورك مطلع القرن العشرين افتتحت أول مكتب لها في أوربا, وتسيطر الآن - ومنذ عضويتها المالكة للإذاعة والتلفزيون في 1974 - على قسم كبير من الأخبار. وتحقق الوكالة ربحها بطريقة فريدة, فبواسطة أخبارها المثيرة, تزيد من عدد الصحف المشتراة, وعدد مشاهدي التلفزيون, وبالتالي أسعار الإعلانات.

           أما وكالة (رويترز) فتبدأ حكايتها في 1849 حين قرر يهودي سمى نفسه بعد اعتناق المسيحية: بول جوليوس رويتر, أن يستخدم الحمام الزاجل الناقل للرسائل للحصول على سبق إخباري بسبع ساعات حول الأسعار اليومية للبورصة في أسواق باريس وبروكسل.. وبعد دراسته لامتداد الخطوط التلغرافية بين المدينتين.

           وحملت أول مجموعة من الحمام الزاجل أخبارها في أبريل عام 1850 وقدم رويتر لسماسرة البورصة المندهشين, نسختهم اليومية من أسعار الأسواق وذلك قبل سبع ساعات من وصول القطار. وفي بادئ الأمر, اعتراهم الشك, إلا أنهم تحمسوا له كثيراً بعد أن تأكد لهم ضمان وصول الأخبار بصورة منتظمة وسريعة.

           ويحكي الكتاب طرفا من الطرائف التي مرت برويتر, وبعضها عادي اليوم, لكنه قبل 100 عام كان يعتبر من الأعمال الكبيرة.

           أما وكالة الأنباء الفرنسية فهي وريثة وكالة هافاس, التي ظلت تعمل منذ 1835م وحتى دخول القوات الألمانية إلى فرنسا في 1940م.

           وقد ارتبطت الوكالة بالحكومة الفرنسية, مما ساهم في جعلها أداة سياسية واقتصادية قوية التأثير على الصحف الفرنسية, واعتمدت - مثل الوكالات الأميركية - على السوق الوطنية لتأمين القسم الأكبر من وارداتها, وخاصة من زبائنها في الدوائر الحكومية. وتعد نشرة الوكالة الفرنسية (آجانس فرانس برس) إحدى النشرات المهمة للأنباء باللغة العربية, فهي من بين المصادر الرئيسية للأخبار في الصحف العربية.

           ويرى الدكتورفريد أيار أن هذه الوكالة اضطرت إلى اتباع أساليب تعويض عن العوامل السلبية, رغم أنه ينصح بأن تركز قدراتها لتحقيق الهدف الرئيسي: البقاء وكالة أنباء عالمية, وعدم التورط في مغامرة مالية وألا تركن إلى الوهم النرجسي القائل بأن التاريخ يضمن لها البقاء إلى الأبد.

وكالات وحكايات

           تحاول الوكالات دائما الظهور بمظهر مصدر الأنباء المستقل, لكن هذه الاستقلالية كان يشوبها - وخاصة في الماضي - الكثير من الصور السلبية تمثلت في الاشتراكات/الإعانات, وهو الأمر الذي سرعان ما أخذ شكل الحظر, وأصبحت الحرفية والمهنية سبيلين للتفوق.

           هذه الحرفية, والمهنية, والسبق الصحفي, ترد في أكثر من حكاية لدى (سماسرة الأخبار), فقد حققت رويترز نصراً عالمياً, بنشرها خبر عرض هملر للاستسلام إلى قوات الحلفاء, كما حققت نصرا عالميا آخر, عندما نشرت خبر انتحار جوبلز, وزير الدعاية الألماني, وانتحر هتلر, بعد أن سمع بأن هملر يتفاوض مع الحلفاء, حسب ما نشرته وكالة رويترز, وكان هتلر يثق, دائما, بدقة أنباء رويترز. شكل نبأ اكتشاف جثة هتلر سبقا صحفيا لرويترز. وقصة تحقيق هذا السبق مثيرة. فقد وصل المراسلون الحربيون لوكالتي الأسوشيتيد برس واليونايتيد برس, قبل وصول مراسل رويترز إليها, وعرفوا أن الروس عثروا على جثة يعتقد أنها جثة هتلر, ونظراً لعدم وجود وسائل نقل إلى خارج برلين, قرر المراسلون السفر بطائرة عسكرية, إلى باريس, لإرسال النبأ من هناك. استغل مراسل رويترز هذه الفرصة, فاتفق مع أحد راكبي الدراجات النارية المتوجه إلى مدينة لوبيك التي تبعد مسافة 150 ميلا عن برلين, بنقل رسالته, ووعده بأن من يتسلمها منه في لوبيك, سيمنحه زجاجة ويسكي, وبعد أربع ساعات, وصلت القصة الإخبارية إلى مكاتب رويترز في لندن, وأذيعت من محطة الإذاعة البريطانية, بينما كان المراسلان الأمريكيان, لايزالان في الجو يحتفظان بهذا النبأ لأنفسهما.

           وكانت تعليمات رويترز إلى مراسليها بعدم المخاطرة بحياتهم من أجل تغطية حدث, ولكن المراسلين نادراً ما كانوا يتبعون هذه التعليمات.

           كانت رويترز في مقدمة الوكالات التي نقلت أخبار زوال استعمار الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية عن العديد من الدول, فقد غطت أخبار استقلال الهند في 15 أغسطس 1947 كما غطت نبأ مقتل المهاتما غاندي في 30 يناير 1948 وكان أحد مراسلي الوكالة الهنود قد طلب من مدير مكتب رويترز السماح له بالذهاب إلى أحد الاجتماعات الدينية في دلهي التي كان من المقرر أن يحضرها غاندي, فكان هناك عند إطلاق الرصاص على المهاتما, وحققت رويترز سبقاً إخبارياً, مدته سبع دقائق, عن وكالات الأنباء الأخرى.

           والمثير أن المهاتما غاندي حين وصل بعد إطلاق سراحه من السجن إلى مكان ناء في الثلاثينيات وجد أمامه شخصا وحيدا يقترب في الظلام نحوه. وكان ذلك الشخص مراسل الأسوشيتيدبريس: جيم ميلز...وعلق غاندي على هذا الحدث بدهشة كبيرة: أعتقد أني عندما أنتقل إلى العالم الآخر, وأقف أمام البوابة الذهبية سيكون أول شخص أقابله هو مراسل لوكالة دولية للأنباء.

           وأضيف إلى حكايات الكاتب والكتاب, حادثة أخرى كنت بطلها, قبل أن ألتحق بأسرة تحرير (العربي) وكنت مسئولا عن الأحداث الثقافية بوكالة أنباء رويترز في مصر, وأزعجني أن أجد (الجزيرة) على الإنترنت تنقل خبرا كتبته بالأمس وتضع توقيع رويترز عليه, لكنه يحمل ثلاثة أخطاء جسيمة. أرسلت محتجا بالبريد الإلكتروني فأجابني رئيس التحرير: عليك التأكد من مصدر الخطأ. في المكتب وجدت الخبر وقد بثته الوكالة كما كتبته سليما, وكانت الأخطاء من صنع (الجزيرة نت), وكان درسا في تحرّي الدقة, التي هي شعار الوكالات الدولية للأنباء. يقول مؤلف (سماسرة الأخبار): اتبعت رويترز مثال مؤسسها جوليوس رويترز, وظلت ملتزمة بالمعايير التي وضعها: الدقة والسرعة والتوزيع غير المتحيز, وكان المعيار الرابع, معيار الموضوعية, أصعب للتحقق نظرا لضرورة الانحياز إلى (الوطنية البريطانية) بالأخص خلال الحروب التي شاركت فيها بريطانيا, ولكن في عام 1956 خلال حرب قناة السويس, ابتعدت رويترز عن (الوطنية) وطلب شانسيلور رئيس مجلس إدارة الوكالة من المراسلين عدم الانحياز في تقاريرهم لأن رويترز فقط (بريطانية) وبذلك بدأت أخبار رويترز الصادرة من مصر تكسب لرويترز (موضوعية) من نوعية عالية, مما جعل الناس ينظرون إلى هذه الوكالة من وجهة نظر تتجاوز حدود الأوطان.

           في عام 1906 امتدح قارئ مواظب للصحف, هو مارك توين اتحاد ناشري الصحف الأعضاء في التعاونية قائلا: (هناك قوتان فقط تستطيعان نقل الضوء إلى كل أنحاء المعمورة: الشمس في قبة السماء, والأسوشيتيد برس على هذه الأرض.

الوكالات العربية

           يرى المؤلف أن العوامل التي ساهمت في إنشاء وكالات للأنباء في الدول العربية هي ضرورة وجود جهاز إعلامي يعمل بعد التحرر من التبعية على نشر مواقفه السياسية وبرامجه الاجتماعية الجديدة. تم الوصول بكل منجز خارج حدود الوطن, إضافة إلى مراقبة الوكالات الدولية, وهو ما جعل من هذه الوكالات وخاصة رويترز والصحافة الفرنسية للتعاون بعقود مع الوكالات الوطنية لضمان الاستمرار بالمنطقة. ويشمل التعاون التدريب الذي يراه المؤلف غير كاف لقصر الفترات التي لا تسمح بخلق أجيال صحفية في أسابيع هي مدة الدورات. أما مندوب الوكالة الفرنسية فيسرد الوجوه السلبية في الأخبار العربية التي يراها غير مكتملة العناصر حتى (الوقت والتاريخ) في بعضها غير موجودين, كما أن الموضوع المهم في الخبر غير موجود في مقدمته, والنقطة المهمة فيه تدفن عادة في التفصيلات وهذا ما يجعل الأمر غير سهل عند التعامل مع مثل هذه الأخبار, وهي غالبا ما تبدو وكأنها (ملء استمارة طلب سمة دخول), مثال ذلك, عند وصول شخصية مهمة للبلد يبدأ الخبر بـ400 كلمة حول الاستقبال, فيما لا يذكر في الخبر سبب الزيارة وهذا ما يدفع الوكالات الدولية إلى التوجه لمصادر أخرى لمعرفة ذلك, إضافة إلى عدم دقة الخبر.

           وقد تكون أخبارها منشورة قبلا بالراديو والتلفزيون, فيما الوكالات الدولية بحاجة إلى أخبار سريعة قبل إذاعتها من أي مصدر, بل إن بعض الوكالات تضع للخبر كلمة (يتبع) إلا أنها تبقيه كذلك إلى نهاية نشرتها مما يحير المتسلم هل انتهى الخبر? أم فيه إضافة? ويختتم بموضوع المصادر, إن انتقاد الوكالات العربية لاستعمال الوكالات الدولية لمصادر خاصة سببه عدم وجود مصادر في بلدها يمكن التوجه إليها لأخذ المعلومات واستكمال الأخبار.

           وإذا كانت تلك المثالب بهذا الوضوح, ألم يحن الوقت لتكون لدينا وكالة عربية واحدة للأنباء? وأن تصدر بأكثر من لغة, أم أن ذلك يبقى - مثل أفكار كثيرة - في خانة الأحلام?

 

فريد أيار   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب