الغابة

الغابة
        

           تغنى الشعراء العرب بالنهر, والبحر, والصحراء... لكنهم لم يعرفوا إلا نادرا ما يمكن أن نسميه (أدب الغابة), فالغابات في الوطن العربي هي الاستثناء, فهي لا تمثل أكثر من واحد في المائة من غابات العالم.

           ولكن, وفي مناطق جغرافية أخرى تبدو الغابة حقيقة ماثلة, مصدر رزق ونشاط اقتصادي واسع, بل هي الأساس لتغيرات مناخية أفضل بعد أن أصبح التلوث يهدد البشرية, وباتت الغازات التي تزيد من حرارة الأرض خطرا يتوقع معه العلماء - وفي نهاية القرن - أن يكون هو الخطر الداهم لأن أربع درجات إضافية في الجو تعني أمطارا أكثر وارتفاعا في مستويات مياه البحر وبما يكفي لإغراق مدن ساحلية كبرى مثل الإسكندرية!

           الغابة هناك بعيدا عن عالمنا العربي, حقيقة مادية كبرى, فهي تحتل - وعلى مستوى العالم كله, وكما يقول تقرير منظمة الأغذية والزراعة عام 2001 عن الغابات, ثلاثين بالمائة من مساحة اليابسة, أي (3,9) مليار هكتار, لكن ذلك الرقم والذي تعرض للثبات النسبي طوال القرن العشرين بدأ يهتز في أواخر القرن, فالإنسان, والحيوان, والآفات, والحرائق... كل ذلك يلتهم أجزاء واسعة من الغابات وبما يهدد بتغير في البيئة, كما يهدد التنوع البيولوجي الضروري لاستمرار العالم.

           في تقديرات قدمتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن حرائق الغابات في إندونيسيا - وعلى سبيل المثال - قد أصابت ما يقرب من عشرة ملايين من الهكتارات, وبما أضر (75) مليون شخص كانت خسائرهم تتراوح بين (4,5 و1) مليارات دولار.

           حدث ذلك في إندونيسيا عامي (98,97) ثم تكرر في الاتحاد الروسي ومنغوليا وإثيوبيا وغرب أمريكا, وعادت الحرائق لإندونيسيا مرة أخرى في نهاية القرن, وبما فرض على الدول أن تبحث: كيف تقاوم الحرائق, وكيف تحتفظ بمساحة كبيرة من الغابات.

.. حقائق أساسية

           والغابات والتي تمثل مجرد مرفق سياحي عند البعض تحكمها مجموعة من الحقائق الأساسية, فقد ظلت صناعة الأخشاب هي أساس الحضارة الإنسانية لفترة طويلة من الزمان, وهي تتضافر في ذلك مع صناعة المعادن والتي تم اكتشافها أيضا في وقت مبكر.

           كانت أخشاب الغابة هي المنزل والقارب والسفينة, المأوى الذي يحتمي به الإنسان ضد ظروف الطبيعة, والوسيلة التي ينتقل بها ويعبر البحار والمحيطات, و... في فترة تالية ومع اختراع الورق باتت الشجرة هي أساس الطباعة والصحافة ونقل المعرفة.

           والذين يعيشون في الغابات أو على مقربة منها يعرفون لها فوائد أكثر, فبعض الثمار غذاء للإنسان والحيوان, والأخشاب مادة للوقود, أما الأوراق الخضراء فتلعب لعبتها مع الطبيعة التي تزايدت فيها - ومع التقدم الصناعي - انبعاث ما اصطلح العلماء على تسميته بغازات (الدفيئة) وهي الغازات التي تزيد من حرارة الجو, ففيها ثاني أكسيد الكربون, ويحتل وحده ثلثي المجموعة, وفيها أيضا: الميثان وأكسيد النتروز مما تنتجه حرائق الوقود وحرائق الغابات وصناعة الأسمنت, وتنفس الإنسان والحيوان.

           تنطلق هذه الغازات في الجو فتفسده, وتتقدم الغابات لتصلح ما أفسده الجو فتمتص الكربون وتختزنه.

           وبينما يستطيع العقل البشري أن يكتشف وقودا بديلا للأخشاب, وربما مادة بديلة لصناعة الورق أو الصناعات الأخرى التي تعتمد على الخشب, فإنه - وحتى الآن - عاجز عن أن يصنع دورة في الطبيعة تخرج معها الغازات الضارة ثم يجري امتصاص هذه الغازات من خلال غطاء نباتي أبرزه: الغابة والأشجار الحرجية.

           وربما يكون الانتباه للتغيرات المناخية التي تحدث في العالم قد بدأ في السبعينيات من القرن الماضي حيث بدأت مفاوضات دولية انتهت عام (1992) لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ, ثم بروتوكول كيوتو عام (1997) الذي أنشأ مجموعة من الالتزامات الدولية لتخفيض انبعاث هذه الغازات.

           كان الانتباه إذن لمعالجة مصدر القلق, ولكنه امتد وفي الوقت نفسه لوسائل العلاج الطبيعية بحثا عن مناخ وهواء أكثر نقاء عن طريق شجرة باسقة تمتص الكربون وتحيله داخلها إلى مادة تصلح للوقود, بينما تفرز غازات أخرى تنصلح معها المعادلة.

           وهكذا يستمر الصراع الذي نبّه له علماء المناخ منذ أكثر من ربع قرن حين تحدثوا عن ثقب الأوزون الذي أحدثه فساد الهواء والذي تتسرب منه أشعة كافية لقتل بعض الكائنات الحية ولإصابة الإنسان بسرطان الجلد.

           تحدثوا عن ذلك منذ ربع قرن, لكنهم يتحدثون الآن عن توقعات القرن الجديد والذي سوف يشهد أسرع تغيير في نظم البيئة منذ العصر الجليدي

           و... وفقا لتقرير الغابات الذي تصدره منظمة الأغذية والزراعة كل عامين (طبعة 2001), فإنه من المتوقع وعند نهاية القرن الواحد والعشرين:

  • أن يتضاعف تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو.
  • أن يزيد - ونتيجة لذلك - متوسط درجة الحرارة ما بين (1.5  و4.5) درجة مئوية.
  • وأن تزيد الأمطار بنسبة تتراوح بين (3 و5) بالمائة.
  • و... من ثم يرتفع مستوى سطح المياه في البحار بمقدار (45) سنتيمترا وبما يهدد الكثير من السواحل بالغرق.

           يطرح علماء البيئة والمناخ هذه التوقعات والتي تحدث لأول مرة في التاريخ, وبسرعة غير مسبوقة منذ أن بدأ الإنسان في قطع أشجار الغابة ومنذ بدأت الثورة الصناعية أيضا, بما صحبها من انفجار في استهلاك الوقود.

           أما وسائل التصدي, وكما قلنا, فهي عديدة بينها: الحفاظ على الغابات والتي تزيد في بعض الأماكن نتيجة تنمية متعمدة وتقل في أماكن أكثر نتيجة قطع الأشجار, أو احتراقها, أو سقوطها بعد إصابتها بالأمراض.

           ويسجل التقرير أن أوربا هي أكبر قارة تضم مساحة من الغابات, فهي وحدها تضم (27) بالمائة من غابات العالم, تليها قارة أمريكا اللاتينية (23) بالمائة, ثم إفريقيا (17) بالمائة.

           ولكن, وعلى مستوى الدول والمناطق يأتي في المقدمة: الاتحاد الروسي, البرازيل, كندا, الولايات المتحدة, وتسجل سبع دول في العالم أن الغابات تحتل أكثر من ستين في المائة من مساحتها, وهذه الدول هي:

           إندونيسيا, البرازيل, السويد, جابون, فنلندا, اليابان, غينيا الجديدة.

           أما العالم العربي فلا يضم - كما قلنا - أكثر من واحد في المائة من غابات العالم, وتوجد هذه المساحات في الجزائر والسودان والصومال والمغرب واليمن سواء على شكل غابة مكتملة أو أراض حرجية.

فساد الغابة!

           وقد اهتمت التقارير الدولية برصد ما يجري للغابات وطرق إدارتها, وتوقفت هذه التقارير أمام ما أسمته (الفساد والممارسات غير القانونية في مجال الغابات).

  • فهناك الاستيلاء على الغابة من جانب بعض الأفراد أو الجماعات ونقلها - وهي جزء من الثروات الطبيعية - إلى نطاق الملكية الخاصة, وتحويل مساحاتها إلى أرض للزراعة أو الرعي, أو بيعها لشركات الأخشاب.
  • وهناك, وخارج نطاق القوانين المنظمة, قطع الأشجار بشكل غير قانوني, بلا ترخيص, أو بما يزيد على الترخيص, وربما بتقديم الرشاوى للمشرفين على الغابات, أو بإفساد الأشجار وقتلها للحصول على تراخيص إزالة.

           ويدخل في مجال الفساد: نقل الأخشاب والاتجار بها بصورة غير قانونية.

           رصدت التقارير والمنظمات والحكومات أوجه البحث بالغابات وبما يجعلها خارج السيطرة, وذلك بالرغم من أن الملكية العامة وفي معظم مناطق العالم مازالت هي السائدة, أما الملكية الخاصة - ووفقا لتقرير 2001 - فهي غائبة في رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات السوفييتية سابقا) وتحتل (30) في المائة فقط في الولايات المتحدة, وترتفع نسبتها إلى ما يقرب من النصف في قارة واحدة هي أوربا.

           ولكن... هل يكون القطاع الخاص, أو الخصخصة حلا مناسبا لمشاكل الغابات? وهل يستطيع القطاع الخاص إدارة الغابات بكفاءة أكثر سواء بالحفاظ عليها وعدم استنزافها, أو بإضافة مساحات جديدة لها?

           أنصار الخصخصة يتذرعون بعدم ملاءمة التدخل الحكومي المباشر في الغابات كنشاط تجاري, ويتحدثون عن كفاءة أكثر لو تم فصل النشاط التجاري وغير التجاري للغابة, كما يتحدثون عن كفاءة الصناعة إن تولاها القطاع الخاص ومدى إمكان توفير رءوس أموال للعمل في هذا المجال مع تخفيف العبء عن ميزانيات الحكومات.

           ولكن, وبصرف النظر عن (العام والخاص) في مجال الغابات, فإن الاهتمام أكثر بدور المجتمع المحلي, ذلك الذي يمكن أن يقدم الرعاية والحماية, ويربح دخلا وفرص عمل ومواد تنتجها الغابة.

           دور المجتمع المحلي, والذي طالما تولى بمفرده كل المهمة تاريخيا, لابد أن يتجدد ويشارك الدولة دورها, فالمركز يخطط, والأطراف تنفذ.

           أما ما يمكن إنجازه للحفاظ على الغابات كمكون رئيسي في عالمنا, مكون يحفظ للبيئة نظافتها, وللتراث قيمته, ما يمكن إنجازه هو: تعامل خاضع للقانون حين نقطع الشجرة, وتعامل خاضع للتكنولوجيا حين نحاول الحفاظ عليها ضد الآفات والأمراض وما قد يصيبها من مبيدات.

           الحفاظ على الشجرة مهمة رئيسية, ولكن وإلى جوار ذلك فلابد من إضافة مساحات جديدة, والأمثلة متعددة, فقد سعت الفلبين والمكسيك والصين لوضع برامج لزيادة المزارع الحرجية وهي برامج ممتدة حتى عام (2025), تزيد معها كمية الأشجار بنسب مختلفة.

           من جهة أخرى, وإلى جوار جهود المنظمات الدولية, تأتي جهود جماعات البيئة والتي لجأ البعض منها في الهند وماليزيا وكمبوديا للقضاء حتى يتدخل ويحول دون قطع الأشجار والمصادرة على المسقبل حين نفتقد هواء نظيفا فلا نجد!

           السؤال: هل يغري ذلك كله الشاعر العربي ليضم الغابة إلى مخيلته إلى جوار النهر والبحر والصحراء?

           ربما, فالغابة كالنهر والبحر مصدر حياة لا تخطئه العين 

ورقم

المدرسة أم كوب الماء?

           هجرت طالبات المدارس الفصول الدراسية في كينيا لبعض الوقت للتفرغ للبحث عن الماء ونقله إلى منازلهن... ولجأت منطقة قريبة من نيروبي يعيش فيها نحو ثلاثة أرباع المليون من البحر لشراء الماء بسعر معادل لسعره في الولايات المتحدة الأمريكية وهو (2) شلن كيني في مقابل اللتر الواحد.

           والأكثر, وأنه عندما هطلت الأمطار بغزارة عامي (97-98) اختلطت المياه النقية بمياه الصرف مما أودي بحياة الآلاف في كينيا وتنزانيا وأوغندا... ماتوا بسبب التلوث!

           ولم يكن ذلك كله غير بعض مظاهر لأزمة المياه النقية في إفريقيا, بل أزمة المياه بشكل عام.

           وطبقا لندوة المياه التي انعقدت في نيروبي خلال الأسابيع الأخيرة من عام (2002) فإن إفريقيا التي تملك خمسين نهرا وتضم (52) دولة تعاني من أزمة مياه ويواجه ثلثا سكانها (66%) مشكلة الحصول على مياه نقية... ولا يتمتع بالماء النقي سوى عشر دول!!

           السؤال: إلى أين تتجه الأزمة التي يموت بسببها ثلاثة ملايين أفريقي كل عام, بينهم مليونا طفل?

           لاحظت الندوة التي شاركت فيها (21) دولة وبحثت قضية الموارد المائية أن هناك أوجها متعددة للأزمة:

           * * فبينما تذهب التوقعات إلى أن استهلاك الماء العذب في العالم سوف يزيد بمقدار خمسين في المائة في الثلاثين عاما القادمة, فإنه ليس هناك ما يشير لتوافر موارد جديدة تسد العجز القائم, أو الاستهلاك القادم وهو ما يجعل القرن الجديد قرن حروب الماء بالضرورة.

           * * في الوقت نفسه - وكما يحدث في كثير من موارد العالم - فإن هناك غيابا لعدالة التوزيع في المياه الصالحة للشرب, فنصيب الأمريكي من المياه أكثر من ضعف نصيب مثيله البريطاني, ونصيب البريطاني أكثر من ضعف نصيب المواطن في الدول النامية.

           * * وبالنسبة لإفريقيا, فإن هناك (1.1) مليار إنسان يعانون نقص المياه, و(2.4) مليار تنقصهم شبكات المياه النقية, وهو ما يعرض مليارا من البشر لأزمات صحية ويموت بسبب ذلك طفل كل خمس عشرة ثانية!!

           كل ذلك وهناك أنهار ضخمة, بينها نهر النيل الذي يصل طوله إلى (6671), كيلومترا, ونهرا (الكونغو والنيجر) والذي يفوق طول كل منهما أربعة آلاف كيلومتر, وهو ما يجعل القضية تتعلق بإدارة الموارد وليس وفرة أو ندرة الموارد فقط.

           الإدارة سيئة وفقيرة, والحروب الأهلية وغياب الديمقراطية ونظم الحكم الرشيد تفاقم المشكلة, أما الإفريقي الفقير, فلا يملك إلا أن يزحف من القرية إلى المدينة أو يعيش في العشوائيات أو يحمل السلاح طلبا لأجر معلوم, وعيش أفضل!

 

محمود المراغي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات