من المكتبة العربية: إشكالية التعددية الثقافية

من المكتبة العربية: إشكالية التعددية الثقافية

عرض: عبدالكريم يحيى الزيباري*

عن مركز دراسات الوحدة العربية، صدرَ كتاب الدكتور حسام الدين علي مجيد، بعنوان «إشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر: جدلية الاندماج والتنوع». والكتاب في أصلهِ أطروحة قُدِّمَت لنيل درجة دكتوراه فلسفة في العلوم السياسية من كلية القانون في جامعة صلاح الدين في أربيل، تحت عنوان «إشكالية التعددية الثقافية في الفكر السياسي المعاصر: دراسة في نموذج ويل كيمليكا». عام 2009، أي قبل إصدار سلسلة عالم المعرفة كتاب ويل كيمليكا بجزأيه «أوديسا التعددية الثقافية» في يونيو 2011 من ترجمة الدكتور إمام عبدالفتاح.

لماذا ارتأى مركز دراسات الوحدة العربية تغيير عنوان الأطروحة؟ هل الغرض تجاري تسويقي، أم لأنَّهُ أكثر مواءمة؟ تخصص كيمليكا في موضوعة التعددية الثقافية، ونشرت جامعة أوكسفورد ستة كتب مهمة لكيمليكا «الليبرالية والمجتمع والثقافة/1989»«الفلسفة والسياسة في الفكر المعاصر/1990» «المواطنة والتعدد الثقافي/1990» وقد نال هذا الكتاب جائزتين: المؤسسة الكندية لعلم السياسة، والمؤسسة الأمريكية لعلم السياسة. «العدالة في الفلسفة السياسية/1992» «السياسة باللغة العامية: القومية والمواطنة/2001» «أوديسا التعددية الثقافية/2007».

يقتبس الدكتور مجيد تحت عنوان فرعي «سياسة الهجرة الداخلية والتوطين» من كيمليكا «بموجب هذه السياسة، قامت الحكومات القومية غالبًا بتشجيع مواطنيها، في أحد أجزاء الدولة أو المهاجرين الجُدُد، على الانتقال إلى جزء آخر من إقليم الدولة عينه، الذي يُعدُّ من الناحية التاريخية وطنًا لأقلية قومية أخرى.. فإن انتهاج هذه السياسة.. لتكون سلاحًا بيد الأكثرية ضد الأقلية القومية بغية الوصول إلى الموارد الطبيعية لإقليمهم أولًا، ومن أجل إضعافهم سياسيًا ثانيًا، وذلك عبر تحويلهم إلى مجرد أقلية داخل نطاق إقليمهم التاريخي نفسه، ومثال ذلك قيام الحكومة الأمريكية باللجوء إلى هذه السياسة في جنوب غربي الولايات المتحدة، بُغية إضعاف شأن السكان الأصليين الذين كانوا أصلًا يعيشون في تلك المنطقة حين أُلحِقَت بالولايات المتحدة في عام 1848» (ص86) وفي العام عينهِ منعت الحكومة الأمريكية التدريس باللغة الإسبانية في تلك المنطقة، فالدولة تعمل على «اجتثاث التباينات الثقافية وتحويل المكونات الثقافية كافة، إلى بنية ثقافية واحدة، وفقًا لسياسات مُعَدَّة لهذا الغرض تحديدًا» ويقتبس «مجيد» من بوردو «إنَّ الناس إذا انقادوا إلى ميلهم الطبيعي، فإنَّ الحياة الاجتماعية لا تتجه بالتأكيد نحو شكل الدولة» (ص89) ثم من كيمليكا «إنَّ نوعية التضامن الجماعي المطلوب من قبل دولة الرفاه، تقتضي أنْ يقوم لدى المواطنين شعور قوي بالهوية المشتركة والانتماء المشترك» (ص92) وكيف أنَّ التخوف من استمرار التباينات الثقافية مرتبط بمشاعر دينية تحيل إلى القصة التوراتية عن برج بابل، كمحاولات دولة العراق استيعاب الهوية الكردية وصهرها في الهوية العراقية، تخوفا من قيامهم بإنشاء دولة خاصة بهم، لأنَّ «الأقليات إذا ما تمكنت من المحافظة على ثقافاتها المميزة، واستقلت ذاتيًا عن المركز، فإنَّها ستنفصل مستقبلًا» (ص100)، فالهوية شأن من شئون الدولة «إما ألا تعترف الدولة إلا بهوية ثقافية واحدة، ومثال ذلك فرنسا، أو أنَّها بعد قبولها لشكل معين من التعددية الثقافية تقوم بتعيين هوية مرجعية يتم بموجبها تحديد الهوية الشرعية والوحيدة للدولة مثال ذلك حالة الولايات المتحدة» (ص101). هل العراق دولة لا تعترف إلا بهوية عراقية واحدة كفرنسا، أم كالولايات المتحدة تعترف بتعدد الهويات ولكنها تحدد العراق هوية شرعية وحيدة للدولة؟

بالتأكيد لا ينتمي العراق إلى أحد الصنفين، لأنَّ دولة العراق نوعٌ فريد، حيث في دول العالم كافة، تكون الدولة مسئولة عن تقديم الخدمات، بينما في العراق مسئولة عن إغلاق الشوارع، وفي العالم يكتبون بني هذا المستشفى في عهد الرئيس فلان، ولدينا يكتبون في لافتة إعلانية كبيرة افتتحت نقطة التفتيش رقم 1589 بأمر مباشر من القائد العام للقوات المسلحة، دولة رئيس الوزراء، أدام الله ظله، ومده إلى دول الجوار، وفي دول العالم تكون الدولة مسئولة عن أمن المواطن، وفي العراق المواطن مسئول عن أمن الدولة، وهو متهم حتى تثبت إدانته، والحمد لله صدر القانون رقم 19 لسنة 2008 بتاريخ 3 / 3 / 2008 بعنوان «قانون العفو» ونصت الفقرة ب من المادة الثالثة منه على «تقوم اللجنة المشكَّلة بموجب المادة الخامسة من هذا القانون، بإطلاق سراح أي شخص رهن الاعتقال إذا مضى على اعتقاله أكثر من ستة أشهر ولم يُعرَضْ على قاضي التحقيق أو مضى على اعتقالهِ أكثر من سنة ولم يُحل إلى المحكمة المختصَّة»، وهناك معتقلون لأكثر من ثلاث سنوات، دونما توجيه تهمة، وفي كل دول العالم تعلن نتائج التحقيق في جرائم تخص الرأي العام كاستهداف هيئة النزاهة بسيارة مفخخة، أو إحراق طابق أضابير العقود في وزارات فرَّ وزراؤها خارج العراق، وفي العراق إذا تمَّ كشف فساد أحد الوزراء أو المسئولين رفيعي الدرجات، خرجَ رئيس حزبه ليهدد بتعطيل العملية السياسية، وهو نفسه اليوم يهدد بحرب طائفية، حيث قام بتنصيب نفسهِ رئيسًا لطائفةٍ بريئة منه، براءة الذئب من دمِ يوسف، ويخرج الوزير الفاسد بتصريحات متناقضة، مُدَّعيا وجود مؤامرة تدعمها دول الجوار، كاعتذار الشاعر أقبحُ من ذنبه:

عَليَّ دِماءُ البُدْنِ إن كان بَعْلُها
يرى ليَ ذنبًا غيرَ أنِّي أزورُها

وأنَّ هوياتنا تتشكل باعتراف الآخر، أو بعدم اعترافه، ومخاطرٌ كثيرة تتأتى من سوء الاعتراف لأنَّه بحسب اقتباس «د. مجيد» من الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور «مواليد كيبيك/ 1931» في كتابه «التعددية الثقافية: دراسة سياسة الاعتراف» (1994) «لا ينطوي على الافتقار المطلوب فحسب، بل من الممكن أيضًا أنْ يتسبَّب بإحداث جرح، بحيث يجعل ضحاياه أسرى كراهية شديدة للذات، فالاعتراف ليس مجرد مجاملة ندينُ بها إلى هذه الجماعة أو تلك، بل هي حاجة إنسانية ضرورية لاستمرارية الوجود» (ص110).
-------------------------------
* كاتب من العراق.

 

 

تأليف: د. حسام الدين علي مجيد