آفاق الصحة في عصر الحاسوب
آفاق الصحة في عصر الحاسوب
تساعد الإمكانات المحتملة للتطبيب عن بُعد في تغيير أنماط تقديم الرعاية الصحية وتحسين صحة الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم, كما أنها تدفع بالمعرفة الطبية لدى المتخصصين نحو آفاق أرحب. التطبيب عن بُعد (Telemedicine) هو استخدام المعلومات الطبية المتبادلة من موقع إلى آخر عن طريق الاتصالات الإلكترونية من أجل صحة وتوعية المريض أو مقدم الرعاية الصحية وبغرض تحسين العناية بالمرضى. وينص تقرير قدّم أخيرا إلى الكونجرس الأمريكي من قبل وزارتي التجارة والصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة, على أن: (التطبيب عن بُعد لديه الإمكانية لإحداث تغيير في حياة أي أمريكي. وفي المناطق الريفية البعيدة, حيث من الممكن أن تصل المسافة التي تفصل المريض عن أقرب طبيب إلى مئات الأميال, يمكن أن يعني التطبيب عن بُعد إمكان الحصول على الرعاية الصحية في الأماكن التي لم يتوافر لها سوى أقل القليل من قبل. وفي الحالات الطارئة, يمكن أن يمثل ذلك الفرق بين الحياة والموت. وعلى وجه الخصوص, في تلك الحالات التي تحتاج إلى وقت قصير للاستجابة الطبية والرعاية المتخصصة, يعد توافر خدمات التطبيب عن بُعد, أمرا ذا أهمية حيوية. وعلى سبيل المثال, فقد تمكّن أحد الأخصائيين في مستشفى جامعة نورث كارولينا من تشخيص كسر دقيق للغاية في العمود الفقري لمريض ريفي عن بُعد, باستخدام تقنيات التصوير الفيديوي للتطبيب عن بُعد. وقد أمكن إنقاذ حياة المريض لأن العملية الجراحية اللازمة أجريت في موقع الحادث دون نقل المريض فيزيائياً إلى الإخصائي الذي كان يبعد عنه بمسافة هائلة). وللتطبيب عن بُعد أيضا القدرة على تحسين تقديم الرعاية الصحية من خلال تقديم مجموعة أوسع من الخدمات مثل المعالجة الإشعاعية, والأمراض الجلدية والصحة العقلية إلى المجموعات والأفراد الأقل تمتعاً بالخدمات الصحية التقليدية في كل من المناطق الحضرية والريفية. نظرة عامة يستخدم التطبيب عن بُعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لنقل المعلومات الطبية اللازمة للتشخيص والعلاج والتوعية الصحية. وتضم تلك المعلومات الصور الطبية, والملفات الثنائية المباشرة للصوت والفيديو, والسجلات الطبية للمرضى, والبيانات الناتجة من الأدوات الطبية والملفات الصوتية ويشمل التفاعل بواسطة التطبيب عن بُعد زيارات مباشرة ثنائية الاتجاه بالصوت والصورة بين المرضى والأطباء الأخصائيين, بالإضافة إلى إرسال بيانات مراقبة المرضى من المنزل إلى العيادة أو نقل الملف الطبي للمريض من مقدم الرعاية الصحية الأولية إلى الأخصائي. وعلى الرغم من اقتصاره في السابق على المناظرات (Demonstrations) باهظة التكاليف لتمديد الرعاية الطبية إلى المرضى في المناطق البعيدة, فقد تحول التطبيب عن بُعد سريعا إلى أحد المكونات الأساسية في تقديم الرعاية الصحية الحديثة بغض النظر عن العوالم الجغرافية أو الحالة الاجتماعية أو الاقتصادية. وبرغم أن التطبيب عن بُعد لايزال تقنية حديثة, فإنه يتغير بصورة متسارعة. وبالاستفادة من التطورات الحديثة في مجال الاتصالات, وانخفاض تكاليف تطبيق التقنيات الحديثة, وظهور شبكة الإنترنت, قد يكون لنمو التطبيب عن بُعد خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة, تأثيرات عميقة وثورية على تقديم الرعاية الطبية في جميع أنحاء العالم. ويتم حاليا دمج أنظمة التطبيب عن بعد المحلية في شبكات أوسع, مما يزيد من حجم انتشارها وتأثيرها. وتتيح التطبيقات الحديثة إمكان الاتصال المباشر بين المريض ومقدم خدمات الاتصال والطبيب والأخصائي. وبهذه الطريقة, يمكن أن يوفر التطبيب عن بُعد الخدمات الطبية بصورة مباشرة إلى موقع الحاجة إليها. ويمكن للتطبيب عن بُعد السماح للمستهلكين بالتحول إلى مقدم أولي لصحتهم الخاصة, كما يمنحهم الشعور بالعافية من خلال نقل الرعاية الصحية إلى المريض بدلاً من نقل المريض إلى الطبيب! ومن خلال توفير اتصالات مباشرة بين الممارس العام والمراكز الطبية الرئيسية, يمكن اعتبار التطبيب عن بُعد وسيلة أساسية للتعليم المستمر للأطباء. ويتيح الدمج بين الأجهزة الطبية المتقدمة وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة لمقدمي الرعاية الصحية إمكان الاتصال بغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية أو المرضى, إما باستخدام الاتصال المباشر بالصوت والصورة, وإما من خلال (تخزين) ثم (نقل) معلومات الوسائط المتعددة, مثلما يحدث عند إرسال تلك المعلومات بالبريد الإلكتروني. وعادة ما تحتاج الخدمات مثل الجراحة المساعدة من قبل أخصائي أو الاستشارات النفسية, إلى نقل مباشر بالفيديو. ومن الممكن أن يصبح استخدام تكنولوجيا تخزين ونقل المعلومات أكثر سهولة في الاستخدام وأعلى فائدة بالنسبة لتكلفته, باستثناء بعض الحالات التي تتطلب استخدام تقنيات الاتصال المباشر بالصوت والصورة. قبل خمس سنوات فقط, كان الموقع (النمطي) للتطبيب عن بُعد يكلف نحو 300 ألف دولار أمريكي. أما اليوم, ومع التحسينات التكنولوجية, والابتكارات التي تحققت في مجال ضغط البيانات (Data Compression), بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الحوسبة, أصبحت تكاليف الأجهزة والتقنيات اللازمة لإجراء الاستشارات الطبية بواسطة التطبيب عن بُعد أقل من 5000 دولار أمريكي. وبالنسبة لمراقبة المريض الموجود في المناطق النائية, تكلف بعض الشاشات حاليا أقل من 300 دولار أمريكي. ولا تتمثل التكلفة الحقيقية اليوم في شراء الأجهزة, بل في تكلفة الإرسال والاتصالات, وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية, ودمج التطبيب عن بُعد في أنظمة الرعاية الصحية الموجودة حاليا. وقد شجع وجود نظام وطني للرعاية الصحية مع وجود العديد من المجتمعات النائية في العديد من بلدان العالم, على الاستثمار في أنظمة التطبيب عن بُعد لربط المستشفيات المركزية بالعيادات الأصغر في القرى النائية. وقد كانت البلدان الإسكندنافية, خاصة النرويج, واحدة من أولى المناطق التي وفرت خدمات التطبيب عن بُعد على نطاق واسع لمواطنيها القاطنين في المناطق النائية. وقد تم تطبيق مشاريع شاملة لاستخدام التطبيب عن بُعد في تقديم الرعاية الصحية في فرنسا, والمملكة المتحدة, واليابان, وأستراليا, وكندا. وتقوم العديد من البلدان الأخرى حاليا بإعداد برامجها الخاصة وبينها أكثر من دولة عربية. وقد أظهرت البلدان الأقل تطورا حماسا ملحوظا لاستخدام تقنيات التطبيب عن بُعد في تحسين إمكان حصول مواطنيها على الرعاية الصحية الجيدة, لكن تلك البلدان كثيرا ما تفتقر الى كل من البنية التحتية للاتصالات أو الموارد المالية اللازمة لتحقيق مثل هذا الاتصال. مجالات الاستفادة
ثلاث خدمات مستقبلية 1 - التطيب عن بُعد كخدمة للتصدير: 2 - الرعاية المنزلية: 3 - شبكة الإنترنت: وتبقى هناك العديد من العوائق الرئيسية, بما فيها العوائق القانونية والتنظيمية وقبول استخدام التطبيب عن بُعد من قبل المؤسسات الطبية التقليدية. لكن هذه العوائق بدأت في الانحسار, وهناك كم متنام من البيانات البحثية التي تثبت أن التطبيب عن بُعد يمكنه أن يحسن مآل المرضى ويخفض من تكاليف الرعاية الصحية.
|