حوار الحضارات والحاجة إلى كبح جماح (الهويات المتغطرسة)
حوار الحضارات والحاجة إلى كبح جماح (الهويات المتغطرسة)
في الجـزء الأول والثاني من ملف (العربي) حول (الإسلام والغرب متى تحين لحظة الحوار) في العددين (518) و(519) يناير وفبراير 2002 فوجدت ثمة تركيزا على ظاهرة الصراع دون الوقوف بشكل واف على ظاهرة (الأصوات المغايرة) سواء في الغرب أو في مجالنا العربي والإسلامي, الأمر الذي جعل الجزء الأكبر من الملف يطوف في شواطئ التاريخ فضاقت بذلك المساحة التي يمكن من خلالها إبراز موقفنا نحن العرب والمسلمين من الحوار سواء على صعيده المبدئي أو اتجاهاته العملية, مع أن الإجابة عن التساؤل الذي عنون به الملف تقتضي التأكيد على أن الحوار ضرورة لا بد منها بالنسبة لكل الأطراف, بخاصة في عصر أضحت فيه المتغيرات من القدرة ما قد يفاجئ كل التوقعات. وهذه حقيقة يمكن التأسيس عليها لطرح أسئلة المستقبل. حين أجمع المراقبون على أن ما تعرضت له رموز المال والقوة في الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر من هجمات مدمرة يمثل منعطفاً جديداً في التاريخ الأمريكي والعالمي على غير ما صعيد, فإن اتهام وإدانة جماعات تنتمي إلى المجال العربي والإسلامي, ثم شن الحرب على أفغانستان تحت شعار مكافحة (الإرهاب) دونما اتفاق على معنى المصطلح ولا معرفة أين ستتوقف تلك المكافحة ولا متى, حري بأن يُعيدنا كل ذلك - وفي ظل تداعيات الموقف وآثاره - إلى التساؤل حول مستقبل حوار الحضارات الذي نودي به منذ سنوات ولمّا تنته بعد مداخلات المشاركين فيه. نشير بداية إلى أن نظرة الغرب نحو الإسلام والمسلمين تشكلت عبر مراحل زمنية طويلة تعددت خلالها رؤى رجال الدين والسياسة والمستشرقين واتفقت في النهاية على جملة من التصورات التي تمخض عنها الوعي الذي منح من خلاله الغرب نفسه مواقع (الحقيقة) و(المركز) و(العقل) و(المدنية) مقابل إبقاء الآخر في مواقع (الضلال) و(الهامش) و(الأسطورة) و(التخلف). وحين أوشك عقد السبعينيات على الانفراط صحا الغرب على هدير الثورة الإسلامية في إيران, ووقف يتابع بحذر ذلك النمو المتسارع لظاهرة الإسلام السياسي, فيما كانت الجاليات العربية والإسلامية تتزايد باطّراد مستنبتة رموزها الدينية والمادية وناشرة صيغها الاجتماعية والثقافية بين ظهرانيه, الأمر الذي أخذ يثير فيه القلق ويبث السخونة في مشاعره ورؤاه, ولم تكن قضايا فلسطين والبترول وبعض حوادث العنف والتطرف التي تجري هنا وهناك وتُنسب إلى هذا الطرف العربي أو المسلم أو ذاك إلاّ في القلب من هذا الخصم. في موازاة ذلك كانت تتنامى في الشارع الغربي الحركات العنصرية وتعود إلى بعض فروعه الأناشيد الهتلرية والفاشية, بل أخذت تُسترجع منعطفاته الحادة في المصنفات الأكاديمية وعبر مقولات تتحدث عن الصراع المقبل بين الحضارتين الإسلامية والغربية عكف على ترويجها - فيما الخصم الشيوعي ينحسر وحتى قبل ذلك - منّظرون واستراتيجيون وساسة وصحفيون بدءا بالرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون, والوزير هنري كيسنجر, ومرورا بـ (صمويل هنتنجتون) و(أوليفر بادريون) و(إيموس بيرلوتز) و(جوناثان باريس) وغيرهم, وانتهاء بردود الأفعال الهستيرية التي أعقبت مأساة الثلاثاء الدامي في نيويورك وواشنطن والتي أفرزت عديدا من الأصوات التي تؤكد حتمية الصراع. أطروحات مغايرة غير أن هذا المنحى واجهته وظلت تواجهه في الإطار الغربي نفسه أطروحات مغايرة رفضت مقولات المواجهة وأكدت على الحوار, فمنذ (مارشال هدجسون) الذي دعا منذ الخمسينيات إلى تصحيح الصورة الذهنية الخاطئة التي ظل يحملها الغربيون عن الإسلام وذلك في كتابه (مغامرة الإسلام) و(أنا ماري شمل) التي وصفت بأنها مثال لمثقف الحوار في مقابل مثقف الصراع, إلى المنظر السياسي الأمريكي (شارلس بتروث) والمستشار الاقتصادي العالمي (جيمس نوفاك) والصحفيين (جون ب.. أتلي) و(جوزف سوبران) إلى المؤرخين (رالف ريكو) و(لينواغدليغبو), كذلك المرشح الرئاسي (باتريك جيمس بوكنان) وغير هؤلاء من نماذج التعاطف مع حركة النهوض الإسلامي المعاصرة, وحتى المفكر السويدي (كينيث ريتزن) مؤلف كتاب (الإسلام وأوربا مواجهة أم تعايش) ناهيك عن (روجيه غارودي) الذي كتب (من أجل الحوار بين الحضارات) إلى غير هؤلاء ممن نادى بالتفاهم ونبذ مقولات الصدام. كذلك ليست أسماء (فرانسوا بوغارت) و(جون أسبوزيتو) و(ليونتي هايدر) و(جيل ليبلي) و(بول كيندي) و(رالف بريبالتي) إلاّ أمثلة أخرى لهذا الوعي الذي عبّر عنه أخيراً الرئيس الألماني (رومان هيرتسوج) في كتاب صدر له عام 1999 تحت عنوان (الحيلولة دون صدام الحضارات: استراتيجية السلام للقرن الحادي والعشرين). ولعل ما بُذل من جهود على صعيد المؤتمرات والندوات في هذا الاتجاه قد شمل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والسويد وهولندا وغيرها من البلدان الغربية, وقد كان لبعض رجال الدين المسيحي إسهامهم على هذا الصعيد والذي ينشط عادة تحت عنوان (الحوار المسيحي - الإسلامي), فـ (ميشيل ليلونج) عضو جمعية الحوار الإسلامي التي أُنشئت في باريس في العام 1992 ألف كتابا تحت عنوان (ما أَنزل الله) دعا فيه إلى تغيير النظرة المغلوطة عن الإسلام وأكد ضرورة إعادة قراءته بشكل موضوعي, حاثاً الغربيين على احترام المسلمين وتبجيل عقيدتهم. ويندرج في السياق نفسه موقف رئيس أساقفة مدينة (ليون) الفرنسية (لوري ماري بييه) حيث تحدث عند باب الجامع الكبير لهذه المدينة عشية السابع عشر من سبتمبر من العام 1998 وهو يقول (رغبت في أن أزوركم في بداية حضوري إلى ليون لكي أعبر عن تحياتي الأخوية لكم ولكل الجالية الإسلامية. إنها ليست زيارة بروتوكولية, وإنما جئت أقدم احترامي لكل المؤمنين بالإسلام, وآمل بأن يكون من أوليات عملنا هو التعاون فيما بيننا). كما يندرج ضمن ذلك ما شرعت به الجامعة الكاثوليكية في مدينة (ليل) من تنظيم لدروس في التاريخ والعلوم الاجتماعية الإسلامية منذ سبتمبر من ذلك العام, فضلا عن المحاضرات التي شهدتها أروقة تلك الجامعة وهي تطرح رؤية الكنيسة إزاء الحوار مع الإسلام. وقد استمر هذا الطرح ولم يتوقف حتى بعد الأحداث الأخيرة كما سنشير إلى ذلك بعد حين. الإسلام والحوار أما على الجانب الإسلامي فليس ثمة شك بأن الإسلام وهو يقر ابتداء بحقيقة الاختلاف بين الناس والمعتقدات يؤكد قيمة الشراكة وأهمية التعايش واعتبار التعارف غاية من الغايات وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا, والإنسان أخو الإنسان أحب أم أكره, لهذا ظل العدوان في شريعته محرماً ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين , كما اعتُبر السلم في منهاجه أصلا من أصول العلاقات وإن جنحوا للسلم فاجنح لها . وعلى الرغم مما تميز به الإسلام من نزوع أممي يتحمل خلاله المكلــــفون مسئـــولية التبليغ والتطـلع نحو إشاعة المشروع الحضاري الإسلامي على الصعيد العالمي فإنه ربط ذلك بمبدأ الحوار الذي تظل في إطاره اختيارات الآخرين منوطة بحريتهم أياً كانت طبيعة تلكم الاختيارات إذ لا إكراه في الدين , كما يظل الحاكم في جدل العلاقات - أياً كان مآل الجــدل - قـــــولــــه تعالى قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا و ...إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون . وهذا ما تجسد فعلاً في ظل الحضارة الإسلامية التي تعايشت في مناطق نفوذها مختلف الأديان والثقافات. من هنا لم يكن بِدعاً من الأمر أن يقترح الرئيس الإيراني د.محمد خاتمي على الجمعية العامة للأمم المتحدة بجعل 2001 عاما لحوار الحضارات, وأن يبادر - قبل ذلك وبعده - عديد من المراكز والمؤسسات الإسلامية في الشرق والغرب إلى عقد المؤتمرات من أجل هذا المشروع. ولعل ما شهدته بلدان المغرب وتونس ومصر والأردن وبعض دول الخليج وأماكن تجمع المسلمين في الخارج من أنشطة في إطار السنة الدولية للحوار ليمثل تواصلاً مع الفكرة الإسلامية في هذا الخصوص التي ستعبر عنها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو) بكتاب أبيض بعد حين. إذن, وعطفا على ما تقدم فليس صحيحا أن يُنظر إلى الحضارة الإسلامية نظرة تخوف عبر ما تثيره بعض الأصوات المنتسبة إليها ممن تستقبح الآخر كليا وترفض ثقافة الحوار وتصر على محاربة (دار الكفر) في كل الأحوال. ولعلنا نستطيع أن نلحظ مع (سكوت هيبارد) مسئول برنامج الأديان والأخلاق وحقوق الإنسان في معهد الولايات المتحدة للسلام ذلك الخطأ الأساسي لمقولة الصراع بين الحضارات التي ابتنيت على أن الحضارات كيانات صلبة ومنغلقة على ذاتها فيما الواقع يشير إلى غير ذلك. من ناحية أخرى, لا بد أن نلفت النظر إلى أن الإسلام إذ يوصي بالحوار من أجل الحضور وتبليغ ما يحمله من رسالة إلى العالم, يحث عليه أيضا من منطلق الإسهام في حل المشكلات والتعاون مع الجميع على البر والخيرات وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان . وهذا يعني أن الحوار في منظوره الإسلامي لا يقتصر على ناحية دون أخرى, بل يمتد إلى مختلف النواحي الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية مثل قضايا: السلام والبيئة والفقر ونزع أسلحة الدمار الشامل والصحة وحقوق الإنسان والديون والهجـــرة والمخدرات والجرائم الدولية ونحوها من القضايا الجديرة بالطرح على موائد الحوار والتي تستأهل التـــعاون بشـــأنها بغية الوصول إلى صيغ أو حلول عادلة أو مقبولة. ولعل في هذا المنحى تحقيق - من الوجهة الإسلامية - لمعنى الوسطية والشهادة على الناس وتكريس لمبدأ الإنقاذ الإنساني وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس. وبهذا يتشكل الموقف الإسلامي من حوار الحضارات. لاشك أن عدوان الحادي عشر من سبتمبر ووقوف نفر من المسلمين وراء ارتكابه - على ما يبدو - قد أحدث بلبلة وخللاً في إمكانات الحوار وعرّض مقولة التفاهم - المشكوك بها أصلا - إلى امتحان عسير. فالمشهد قد اشتعل بالدم وبرزت خلاله صورة المسلم الإرهابي التي عمّقت ظاهرة (الإسلاموفبيا)Islamophobia , فيما أخذ جو العلاقة يتسمم بغيوم من الكراهية والاشمئزاز أشبع عبرها العرب والمسلمون بمزيد من الضغوطات التي أخذت تمتد إلى مختلف المستويات الأمر الذي أشعر الكثير من حاملي فكرة الحوار بالشلل وكاد البعض منهم ينعي لنا مشروع الحوار لولا بقية من أصوات شجاعة انبرت ومنذ اللحظة الأولى تقول للغرب المصدوم شيئا آخر. ولعل صورة جمعية (سانت ايجيدوا) الإيطالية المسيحية مثال ساطع على ذلك وهي تدعو إلى عقد قمة إسلامية مسيحية على الفور لمواجهة ذلك الموقف الملتهب, كما لم يمض وقت حتى أخذ بعض الزعماء والساسة يتراجعون عمّا صدر عنهم من ردود أفعال مضادة أثارت جدلا في الغرب نفسه, فالرئيس الأمريكي (بوش) صوّب دلالة استخدامه لمصطلح الحرب الصليبية Crusade ساعة إعلانه مشروع الرد على الإرهاب وتراجع (بيرلسكوني) رئيس الوزراء الإيطالي عمّا صدر عنه من هجاء للحضارة الإسلامية, وكان لخطاب بابا الفاتيكان دوره المهدئ وهو ينوه بأخلاقيات الإسلام وسماحته ويؤكد خيار الحوار, ناهيك بزيارات المسئولين الغربيين وعلى أرفع المستويات المساجد والمراكز الإسلامية وتطمينهم أبناء الجالية الإسلامية. وإذا كان صحيحاً أن كل تلك التصريحات والتطمينات الرسمية لم تستطع أن تبدد مشاعر القلق والتوجس التي سرت في نفوس المسلمين في داخل الغرب وفي خارجه, سيما والضغوط إزاءهم أخذت تقنن صيغها القمعية وتتوسع في إجراءاتها المؤذية على نحو غير مسبوق, فيما الحرب مسلطة على رقاب الكثير من دولهم وشعوبهم, فإنه - وعلى الرغم من كل ذلك - ثمة ظواهر أخرى قد احتواها المشهد قد ترجع - بنظر البعض - كفة التوجه ولو مستقبلا نحو الحوار. مسئولية صناع القرار لكن على الرغم من ذلك تظل ثمة حقيقة من الصعب تغافلها وهي أن توجهات الحوار والتصالح التي تصدر عن بعض الغربيين كثيرا ما تتعرض للهدر من قبل رجال الإستراتيجية وأصحاب القرار ممن لم تبرح مخيلتهم نوازع (التمركز) و(القوة) و(المصالح) و(العدوان) و(التوسع) واتجاهات الصراع. ولا يغربن عن البال أن الغرب ظل بعيدا عن الحوار وهو يغزو ويحتل ويحطم البنى الاقتصادية والثقافية للبلدان العربية والإسلامية, مثلما ظل بعيدا - بأحاديته ونزعته الاستكبارية - عن أي حوار جاد في المراحل اللاحقة حتى لحظة مكوثه على تشكل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد. وإذا كان علينا ألا ننسى أن المناهج التعليمية الغربية ما برحت حافلة بالصور النمطية السلبية المرسومة عن الإسلام والمسلمين, فإن الإعلام الغربي في تياره الغالب لم يكفّ عن ممارسة التشويه ولم يتوقف لحظة عن التحيّز والهجاء وتعميق الفجوة بين الطرفين, ناهيك بالتفكير الصراعي الذي لم يشهد أي تغير ملحوظ لدى الأجنحة المتشددة من صنّاع القرار ومن وراءهم من منظرين, بل إن هؤلاء - ومعهم المعتدلون أحيانا - يفضلون وفي أمريكا بوجه خاص - شر الدكتاتوريات في الشرق الأوسط على شر الأصولية الإسلامية - على ما يذكره ويستهجنه (زاكيري كارليل) الباحث في جامعة هارفارد الأمر الذي يظل يعمّق الإحساس بالغيظ والمرارة ويدفع الكثيرين في العالم الإسلامي إلى الاعتقاد بكيد الغرب الدائم ضدهم, وأن حوار الحضارات ما هو إلا وهم ومجرد ذر للرماد في الأعين. النقد الذاتي الإسلامي لكن يا ترى هل أن هذه الحقائق - على قسوتها - تُسقط عن العرب والمسلمين ما يحملونه من مسئولية سواء من جهة تشويه الإسلام والإساءة إليه أم جهة تأزيم العلاقة مع الآخرين? الواقع - وبصرف النظر عن حوادث الحادي عشر من سبتمبر وهوية المتهمين فيها - تبقى هناك جملة من الرؤى الضيقة التي ما برحت تعشعش في ذهنية بعض المجموعات الإسلامية وتفرز بعض السلوكيات الحمقى التي هي بقدر ما تشكل تشويها ذاتيا للإسلام تعطي في الوقت نفسه صورة قاتمة عن المسلمين ونمط تفكيرهم وعلى نحو من شأنه أن يدفع الآخر الى مزيد من التوجس وإعطاء المبررات الإضافية للتطرف والتخطيط المضاد. بل لابد من الاعتراف بأننا جميعا بحاجة إلى نقد الذات والشروع بالمراجعة التي لابد أن تمتد إلى العديد من مفاهيمنا وخطاباتنا وسلوكياتنا ومواقفنا السياسية والثقافية بل الفقهية. أحيانا, فالدعوة إلى (الوسطية) ومراعاة (الواقع) والأخذ بفقه (الأولويات) وأحكام (المتغيرات) ومنطق (الضروريات) وتقديم خيارات (الاعتدال) و(التسامح) إنما تتشكل مطالب ضرورية لابد من اعتمادها في منهج التغيير وإعادة البناء. إنه يجدر بنا في ظل هذا المنعطف الفتان أن نتذكر كيف لفت المجدد السيد جمال الدين الأفغاني أقطار الغرب والشرق قبل أكثر من قرن وهو يحاور الآخرين في لندن وباريس وبرلين وغيرها من بلدان العالم لدرجة أن (أرنست رينان) - على الرغم مما عرف عنه من تعصّب - يعترف قائلا (قلما استطاع أحد أن يؤثر في نفسي مثلما أثر الأفغاني فيها. إن قيمة الأديـان مـنوطـة بقـدر مـا يكـون لمعـتـنقــيها مـن تـــقـديـر). وأخيراً لعل قائلا يقول بأن المراجعة والنقد الذاتي يتطلبان ابتداء أن يكون ثمة حوار إسلامي - إسلامي يتحرر من خلاله المسلمون قبل غيرهم من كل ما هو سيئ في مجرى علاقاتهم الداخلية سواء على مستوى الأفكار أو المواقف أو الممارسات, وهو قول حق, لكن هل يعني ذلك أن يؤجل المسلمون تأهلهم الحواري على صعيد علاقاتهم الخارجية? إن الحوار على هذا الصعيد ضروري هو الآخر ومطلوب سواء من أجل عرض صورة الإسلام الصحيحة وتوضيح مدركاته على نحو دقيق, أو لتأكيد حقوق المسلمين ومصالحهم المشروعة, أو لإثبات حقهم في ساحة التدافع الحضاري والإسهام في معالجة قضايا العالم وطرح ما يناسبها من رؤى وحلول, أو لتفادي المنعطفات الحرجة التي من شأنها إحداث الصدام مع الآخر على أقل تقدير
|