من المكتبة الأجنبية

من المكتبة الأجنبية

سـيـرة حـاكـم الـكـويـت
الـشـيــخ صـبـاح الـسـالـم

ليست مجرد صورة لحياة إنسان نبيل تمثلت في شخص أمير الكويت الشيخ صباح السالم الرجل المهم الذي عايش فترة حسّاسة في تاريخ الكويت بشكل خاص وفي تاريخ الأمة العربية بشكل عام هي ما حرص عليه مؤلف الكتاب فحسب, وإنما تنبثق أهمية الكتاب من أنه بوابة مفتوحة على حقبة تاريخية حافلة, ناضلت الكويت خلالها على الصعيدين الداخلي والخارجي بأناة وحنكة سياسية لتثبت ذاتها وترسي دعائم هويتها عربياً وعالمياً... وقد كان قدر الشيخ صباح السالم أن يحمل الأعباء الجسام لتلك المرحلة على عاتقه وهو يتفانى في خدمة بلاده.

الصدف وحدها جعلتني طرفاً في هذا الكتاب الذي يوثق حياة الشيخ صباح السالم الصباح أمير الكويت 1965-1977, ويسرد الحياة السياسية الكويتية طوال ثلاثين سنة. وقد شاركت في الإشراف على إعداد وإصدار الكتاب لأسباب كثيرة, أوجز بعضها:

- أنني شخصياً من دعاة توثيق الحياة السياسية في الكويت ونشر المعلومات لمسيرة الكويت في الداخل والخارج, ومن المشجعين على كتابة السير الذاتية للزعامات, والقيادات, ومن الذين يجدون فائدة في التعرف على حياة الآخرين, وعطاءاتهم وإخفاقاتهم.

- إن مشروع كتاب عن حياة الشيخ صباح السالم, هو أول مبادرة جدية لتناول الحياة السياسية لأحد حكام الكويت, وهو موضوع شائق ومثير ويستحق الاهتمام, ومدعوم من الرأي العام, ومطلوب من قبل الباحثين والمؤرخين والمتابعين.

- شهدت الكويت خلال الثلاثين سنة الماضية الكثير من الأحداث التي رسمت وأثرت في مستقبلها, كان الشيخ صباح السالم لاعباً رئيسياً فيها, متصلاً مباشرة بتطوراتها وحاضناً لنتائجها.

ابتداء من الأزمة مع العراق, مروراً بالأزمة الدستورية في عام 1964, وانتهاء بحل مجلس الأمة 1976, لابد من التعرف عليها وتحليلها والإحاطة بإفرازاتها.

- وأخيراً فقد عرفت الشيخ صباح السالم شخصياً, ضمن الوفد الكويتي في زيارات رسمية إلى العراق, لبنان, سوريا, مصر, المملكة العربية السعودية, الولايات المتحدة, وتابعت أسلوبه في العلاقات مع قادة الدول, وفي تعامله الإنساني, ووجدت فيه البساطة مع الوضوح, والدفء مع الالتزام, وعشق الكويت مع احتضان هموم أهلها, والتفاعل مع شعبها.

رجل... وتاريخ

وقد كان المبدأ الذي حرصت الهيئة الاستشارية للكتاب على الالتزام به هو الموضوعية في العرض, والابتعاد عن التهويل, وتحصين الكتاب من تسلل الرغبة في الثناء أو التلميع, ومراعاة الأمانة في النقل, وتحرّي الدقة في تقييم الوثائق, والاعتماد على ما هو موثق, وعلى مقابلات مع الشخصيات التي عرفت الشيخ صباح السالم وشهدت فترات من فصول حياته.

واعتمد في توثيق الكتاب على ثلاثة مصادر هي:

أولاًً: من تبقى من الشخصيات التي لازمت الشيخ صباح السالم, أو من الوزراء في عهده أو خلال الستينيات والسبعينيات, وحرص الفريق على إجراء مقابلات معهم, وكلهم اعتمدوا على الذاكرة, لكنهم أعطوا بسخاء ما لديهم من معلومات لاتزال في الذاكرة.

ثانياً: وثائق كل من الأرشيف البريطاني والأرشيف الأمريكي, ويتضمن هذان الأرشيفان, تقارير السفراء, ومحاضر الاجتماعات التي عقدها المرحوم مع السفراء أو خلال زياراته إلى لندن وواشنطن.

كانت المهمة صعبة, لأن الكثير من هذه التقارير لم تكن في المستوى المتوقع, ومعظمها انطباعات, بينما كانت الرغبة هي البحث عن معلومات لا وثائق وصفية عن مزاج الأمير وعن حالته الصحية!

ثالثاً: شعرت بأن البيئة التراثية الكويتية مازالت فاقدة حسّ التسجيل التاريخي للسيرة الذاتية, ولم تألف آلية المقابلة وتدوين اليوميات, وأعتقد أن إصدار كتاب عن حياة حاكم الكويت الثاني عشر هي سابقة في التراث الكويتي السياسي, لم يعتد عليها المجتمع الكويتي وليست تقليداً خليجياً, رغم بوادر الاهتمام بهذا النهج في حالات متناثرة في المنطقة.

كانت المشكلة الأولى التي واجهت المؤلف هي غياب المعلومات عن طفولة الأمير وعن حياته في المراحل الأولى من نضجه, وباستثناء ذهابه إلى بيروت في الثلاثينيات, لا يوجد دليل يعتمد عليه يلقي الضوء على سيرته حتى عام 1938 عندما اختاره الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت رئيساً للشرطة ومسئولا عن الأمن الداخلي.

استمر الشيخ صباح في دائرة الشرطة عشرين سنة, تميزت الشرطة في تلك الفترة بالتعامل الناعم والرقيق, واللجوء إلى الحوار,ورفض العنف, وقد تجلى هذا الأسلوب في تعامله مع مساعده السيد جاسم القطامي مدير عام الشرطة الذي استقال احتجاجاً على موقف الشرطة ضد المتظاهرين في الكويت احتجاجاً على العدوان الثلاثي على مصر عام 1956, وتضامن معه عدد من مساعديه العاملين في الشرطة بشكل مفاجئ مما دفع الشيخ صباح إلى الطلب من السيد جاسم القطامي سحب استقالته ومواصلة عمله, لكن الأخير رفض بإصرار, لم يجد الشيخ صباح بسببه بدّاً من قبول الاستقالة, لكن العلاقات بين الاثنين ظلت ودّية رغم التباين في الفلسفات السياسية.

كما تجلت روح التسامح في الأحداث التي وقعت في فبراير 1958 عندما دعت لجنة الأندية المذيع المصري المشتعل أحمد سعيد للمشاركة في أعياد الوحدة بإلقاء خطبتين في ثانوية الشويخ, شارك في تلك الأعياد كل من الدكتور أحمد الخطيب زعيم القوميين العرب في الكويت, والأستاذ جاسم القطامي العسكري المستقيل, والذي أصبح زعيم الناصريين في الكويت فيما بعد.

يصف المقيم البريطاني في الكويت تلك الأحداث بأن الاحتفالات بدأت بكلمة من الدكتور الخطيب الذي تحدث عن مزايا الوحدة دون إثارة, ثم تلاه السيد جاسم القطامي الذي أعلن أن عائلة الصباح حكمت لمدة ثلاثمائة عام بأسلوب أتوقراطي وبمزاجية, ولا يتوقع أن تسير بالأسلوب نفسه خلال النصف الثاني من القرن العشرين, وعليها أن تبدأ بالإصلاحات الضرورية, وإلا فإن الشعب سيأخذ السلطة بنفسه.

وقد نتج عن تلك الأحداث, إغلاق الأندية وسحب جوازات سفر قادة الاحتفالات والإبعاد عن الوظيفة الحكومية.

لم يكن الشيخ صباح السالم من أنصار تبني سياسة العنف باتخاذ إجراءات قاسية, ولذلك فقد حدثت تطورات في اليوم الثامن من فبراير 1958, عندما صدرت قرارات في الجريدة الرسمية بدمج قوات الشرطة وقوات الأحمدي (المدينة النفطية) بقوات الأمن العام أو القوات العسكرية, تحت رئاسة الشيخ عبدالله المبارك الصباح نائب الأمير, وانتقل الشيخ صباح بعد عشرين سنة في الشرطة رئيسا لإدارة الصحة العامة.

في مقابلة مع السيد الفاضل عبدالرحمن العتيقي الذي كان مساعداً للشيخ صباح السالم خلال عمله في الشرطة, يقول إن مميزات الشيخ صباح هي قدرته على الاستفادة من أعوانه ومساعديه, ورفضه للمركزية وتشجيعه للمبادرات, وترسيخه للثقة المتبادلة للعاملين معه.

يوثق الكتاب الذي نحن بصدده الفترة التي قضاها الشيخ صباح السالم رئيسا لإدارة الصحة العامة, وهي ثلاث سنوات أدخلت على الإدارة نهجاً عملياً في سرعة اتخاذ القرار وتنفيذه بمساعدة وكيل الوزارة السيد عبدالرحمن العتيقي, وأن الإنجاز في الشهور الأربعة الأولى من الإدارة الحديثة تجاوز ما أنتج خلال أربع سنوات بسبب سرعة الاستيراد ونظام التعاقد مع الأطباء ونظام التخزين.

لكن الشيخ صباح الذي حسّن الوضع الصحي في الكويت, أخذ يعاني بداية الانحسار في صحته, حيث أجرى عملية في شهر أبريل عام 1959 في لندن, تلاها فترة نقاهة في لبنان أبعدته عن الكويت لمدة ستة أشهر, ورغم ذلك الغياب, لم تتوقف مسيرة الإصلاح, حيث انضمت الكويت إلى منظمة الصحة العالمية في مايو 1960, مما زاد من المكانة الدولية للإمارة المتطورة.

في عام 1961 بلغ عدد سكان الكويت 321 ألف نسمة, خصصت لهم ثمانية مستشفيات سعتها 1255 سريراً, بميزانية قدرها ثمانية ملايين دينار, كانت في عام 53 مليوني دينار فقط, وفي عام 1961 زار الكويت الرحّالة البريطاني (رالف هيونز) الذي شهد في مذكراته بأن المستوى الصحي في الكويت يفوق مستوى العالم العربي, ويقترب من مستوى الدول المتقدمة.
ومع ذلك, كان بقاء الشيخ صباح السالم, في إدارة الصحة يقترب من نهايته, حيث أصدر أمير الكويت, الشيخ عبدالله السالم أمراً أميرياً بتعيين الشيخ صباح السالم رئيساً لدائرة الشئون الخارجية, بالإضافة إلى عمله كرئيس للصحة, وبالنظر إلى المسئوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه في الشئون الخارجية بعد الإدّعاءات العراقية والتهديدات أخذ يركز جهوده على الشأن الدبلوماسي, على حساب الاهتمام بدائرة الصحة.

أول وزير للخارجية

جاء الأمر الأميري في الثالث من أكتوبر 1961, لكن الوضع تبدل نهائيا في السابع عشر من يناير 1962, عندما تم تشكيل أول مجلس وزراء حيث تفرغ الشيخ صباح السالم لوزارة الخارجية, وتولى السيد عبدالعزيز الصقر وزارة الصحة خلفا له, كما أصدر الأمير مرسوما بتعيين الشيخ صباح السالم نائبا لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى وزارة الخارجية, ليكون بذلك أول نائب رئيس وزراء في تاريخ الكويت, وأول وزير خارجية.

لم يضيع الشيخ صباح السالم وقتاً في بناء وزارة الخارجية, حيث بدأ بالاستعانة بخبرات صديقه ومساعده القديم السيد جاسم القطامي, رجل الشرطة الحازم, الذي استقال في عام 56, ودخل في مشاكل عام 58 مع السلطات الأمنية, فقد عيّنه وكيلاً لوزارة الخارجية, واستعان الوكيل الجديد أيضاً بأصدقائه ومساعديه الذين استقالوا معه عام 1956, فأعادهم إلى الخدمة في وزارة الخارجية الجديدة واختار أيضاً بعض الشباب القوميين الذين ينهلون من المنبع السياسي نفسه.

ولقد أظهر الشيخ صباح السالم بالاعتماد على صديقه القديم الذي اختلف معه, في تشكيل الخارجية واختيار العناصر المناسبة, حجماً كبيراً من النخوة والطيبة والتسامح, وهي صفات تميز بها طوال حياته, وقد كان همه الأكبر هو ذلك التهديد العراقي لاستقلال وسيادة الكويت, مما جعله يسعى على جبهتين متوازيتين, الأولى هي توسيع دائرة الاعتراف العالمي بالدولة الكويتية لاسيما على صعيد الدول المؤثرة دولياً وإقليمياً, وكان متضايقاً من الموقف السوفييتي المعارض لدخول الكويت في عضوية الأمم المتحدة خاصة بعد لجوء موسكو إلى الفيتو لإجهاض عضوية الكويت في المنظمة الدولية (وذلك في 30 نوفمبر1961), لكنه لم ييأس وهو يتابع اتصالاته الهادئة, والجبهة الثانية هي الاتصالات السرية التي تمت بين الكويت وممثلي عبدالكريم قاسم والتي جرت في أثينا وزيورخ وبراغ, كان يمثل الكويت فيها السيد جاسم القطامي وكيل وزارة الخارجية الكويتية, والسيد أحمد السيد عمر الخبير النفطي في وزارة المالية, بينما كان الجانب العراقي ممثلا في سفير العراق في براغ السيد قاسم حسن, وقد رصد الكتاب تلك المفاوضات السرية ودور الشيخ صباح فيها.لقد كانت القضية الكبرى بالنسبة له تتبلور في إصراره على إقرار العراق بالسيادة الكويتية قبل البحث في أي مقترحات قدمها المفاوض العراقي.

وفي مقابلة مع السيد جاسم القطامي حول تلك المفاوضات, اطلعنا على التفاصيل وعلى توجيهات الشيخ صباح السالم للوفد المفاوض, إلا أن هذه المفاوضات لم تحقق ما تريده الكويت, ورافق الإخفاقات في المفاوضات تصدع للمواقف العربية, حيث انعكست حروب المحاور في السياسات العربية على القوة العربية التي شكلت في 20 يوليو 1961 بناء على طلب الكويت, وموافقتها على سحب القوات البريطانية من أراضيها, سحبت الجمهورية العربية المتحدة (مصر) قواتها من الكويت رغم إلحاح الكويت على بقائها, وعقدت سوريا, بعد الانفصال, تفاهماً سياسياً واتفاقاً اقتصادياَ مع العراق, وتردد لبنان في اتخاذ موقف واضح, واستطمع الأردن في الحصول على مكافآت لإبقاء قواته, ودول شمال إفريقيا غير مهتمة, وبقيت المملكة العربية السعودية بمفردها, كما جاء في التقرير الذي أرسله القائم بالأعمال الأمريكي في الكويت السيد ماك.

كان السفير البريطاني في الكويت متخوّفاً من تلك الاتصالات السرية بين العراق والكويت, حيث يرى خطورتها دون قبول رسمي من العراق بالسيادة الكويتية, ولذلك كان ينصح بالحذر, بينما يسعى الشيخ صباح في قنواته السرية بعيداً عن عيون السفير الفضولي, وبسبب تلك الظروف الصعبة, كانت الدبلوماسية الكويتية مقيّدة في تحرّكاتها, حيث لم تكن الكويت في وضع يغضب أحداً, أو يميل مع طرف عربي ضد طرف آخر, ولذلك جاء تعامل الكويت مع النظام اليمني الجديد في صنعاء عام 1962 حذراً ومراعياً للعلاقات الكويتية - السعودية.

أول وليّ للعهد

في الثلاثين من شهر أكتوبر 1962, صدر المرسوم الأميري بتعيين الشيخ صباح السالم ولياً للعهد, وصار الشيخ صباح بذلك أول من تولى هذا المنصب بشكل رسمي وعبر مرسوم أميري, وقد جاء لمقتضيات دستورية حيث ينص الدستور على فصل رئاسة الوزراء عن منصب أمير الدولة, وبذلك كان من الطبيعي أن يصبح الشيخ صباح السالم, الذي يتولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء منذ يناير 1962, رئيساً للوزراء بعد أن تم إقرار الدستور في أكتوبر 1962.

بتفاصيل دقيقة في فصل خاص يرصد الكتاب الفترة التي اختير فيها الشيخ صباح السالم ولياً للعهد ورئيساً للوزراء مفصلا خلفية الاختيار, خاصة بعد استقالة الشيخ عبدالله المبارك نائب الأمير ومغادرته الكويت, ووفاة الشيخ فهد السالم أكبر أخوة الحاكم وبذلك أصبح الشيخ صباح السالم أكبر أبناء العائلة الحاكمة المرشحين للإمارة.

كان الشيخ صباح السالم من أنصار فصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء, وكان رأيه الحفاظ على وقار وهيبة ولاية العهد, وحمايتها من المعارك السياسية, لكن الظروف فرضت عليه الجمع بين ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء, وقد واجه خلال توليه رئاسة الوزراء في الفترة من يناير 63 الى 65 أزمتين سياسيتين, الأولى في المفاوضات مع العراق بعد الإطاحة بنظام عبدالكريم قاسم في فبراير 63, ومجيء حزب البعث إلى الحكم بمشاركة الرئيس عبدالسلام عارف.

لم تكن المواقف البعثية العراقية واضحة تجاه الكويت في بداية تشكيل النظام, لأن الوضع المتأزم داخل بغداد لم يمكن أقطاب الحكم من اتخاذ قرار واضح تجاه الكويت, فقد كانت هناك قوى تدفع نحو التصالح والاعتراف وطي صفحة الماضي, وهناك قوى أخرى تحاول الحصول على مكاسب عراقية على حساب الكويت, ولذلك تأرجحت مطالبها بين اتحاد فيدرالي عراقي - كويتي, ومطالب مالية استثمارية وامتيازات أمنية وجغرافية.

الفصل السادس من الكتاب تناول سياسة الشيخ صباح السالم الخارجية, وقدم معلومات تاريخية قيمة عن المفاوضات السرية مع النظام البعثي في بغداد, والتي تمت في بيروت عندما كان الشيخ صباح يقضي إجازته السنوية في صيف 1963 في لبنان, وبسرية تامة كان يتحرك من مسكنه في عاليه إلى أماكن مختلفة للقاء ممثلي العراق, أبرزهم طالب شبيب, وزير خارجية البعث, وسفير العراق اللاحق في الأمم المتحدة, والذي ربطتني معه صداقة شخصية بدأت في نيويورك واستمرت حتى وفاته منذ عامين في لندن.

لم يكن طالب شبيب من مجموعة الفريق صالح مهدي عماش واللواء حردان التكريتي, اللذين لعبا دوراً في الوصول الى اتفاق مع الشيخ صباح السالم في أكتوبر 1963 في بغداد, عندما قام الشيخ صباح بزيارة رسمية إلى بغداد, للتوقيع على اتفاق الاعتراف بين العراق والكويت, الذي استند إلى اتفاق 1932 في ترسيم الحدود, وحقق اعترافا رسميا عراقيا بالسيادة الكويتية, مع قرض كويتي يبلغ ثلاثين مليون دينار كويتي, وتبرع كويتي خاص بمبلغ مليوني دينار لأسر الضحايا الذين سقطوا في المواجهة التي أطاحت بنظام قاسم, وبهذا الاتفاق انتهت أزمة المطالبة العراقية بالكويت بعد مفاوضات طويلة واتصالات سرية بدأت في 24 فبراير 63, وشهدت سفر الوفد الكويتي الرسمي الذي ذهب إلى بغداد للتهنئة برئاسة وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الجابر - الذي تولى وزارة الخارجية في يناير 1963 - وعضوية الوزير عبداللطيف الثنيان الغانم, والسفير محمد الغانم الذي عُين سفيراً في لبنان فيما بعد, والسيد عبدالرحمن العتيقي وكيل وزارة الشئون الخارجية الذي خلف السيد جاسم القطامي الذي استقال من أجل ترشيح نفسه في انتخابات البرلمان الكويتي.

ويتضمن الكتاب تقريراً للسفير البريطاني في الكويت عن لقائه الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية, وعن زيارة وفد التهنئة الذي زار بغداد في مارس, ويوضح التقرير تقلبات المزاج العراقي الرسمي وحالة التجاذب والتخبط التي كان يمر بها العراق في ذلك الوقت.

ولعل أكثر ما يدل على التخبط, الزيارة غير المتوقعة التي قام بها وفد عراقي إلى الكويت برئاسة وزير الدفاع العراقي صالح مهدي عماش, وبمشاركة طالب شبيب وزير الخارجية واللواء حردان التكريتي قائد القوات الجوية في الثاني من مايو 1963. وخلال الفترة من فبراير إلى أكتوبر 63 موعد زيارة الشيخ صباح السالم إلى بغداد للتوقيع النهائي على الاتفاق, جرت مفاوضات صعبة بين الطرفين, تولاها الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية في ذلك الوقت, بمساعدة السيد عبدالرحمن العتيقي وكيل الوزارة, وكل من السيد محمد الغانم وجاسم الصقر الذي حمل رسالة إلى السلطات العراقية تحمل بعض الأفكار الكويتية توجت بالاتفاق الذي قدم إلى جلسة خاصة لمجلس الأمة الكويتي في 24 سبتمبر 63, للموافقة على القرض المتفق عليه مع بغداد (ثلاثون مليون دينار), وصوت المجلس لصالح القرار الحكومي, مع معارضة ثمانية نواب من مجموعة د.أحمد الخطيب, وبعدها تم التوقيع على وثيقة الاعتراف يوم الرابع من أكتوبر 1963 في مدينة بغداد.

مثل الكويت في التوقيع على الاعتراف الشيخ صباح السالم (ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء), والشيخ سعد العبدالله وزير الداخلية, وخليفة الغنيم وزير التجارة, وعبدالرحمن العتيقي وكيل وزارة الخارجية, بينما ترأس الجانب العراقي أحمد حسن البكر رئيس الوزراء, وصالح مهدي عماش وزير الدفاع.

في إطار الأزمة

والأزمة الأخرى التي واجهت الشيخ صباح السالم كرئيس للوزراء هي أزمة ديسمبر 1964, التي تزامنت مع انحسار في صحة الشيخ صباح السالم, مما زاد من رغبته في ترك منصب رئاسة الوزراء, وقد جاء في كتاب الاستقالة الذي رفعه الشيخ صباح السالم إلى أمير الدولة الشيخ عبدالله السالم, بأنه يفضل ألا يكون رئيساً للوزراء,لكن مرسوم التكليف صدر في 30 نوفمبر يطلب فيه الأمير من الشيخ صباح السالم اختيار الوزراء وتقديم أسمائهم إلى الأمير رغم عدم رغبة الشيخ صباح بالجمع بين ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء.

في السادس من ديسمبر 1964 أدى الوزراء المرشحون القسم أمام الشيخ عبدالله السالم أمير الدولة الذي سيتوجه إلى بومباي بعد ذلك في إجازة خاصة, ويتناول الكتاب تفاصيل الأزمة, من الذين عاشوا فيها والذين خططوا لها, ومن الذين ساهموا في تفجيرها, وذلك في الفصل الذي يتناول الشئون الداخلية خلال تولي الشيخ صباح السالم رئاسة الوزراء, كما أن هناك تفاصيل كثيرة حول مسببات الأزمة, بعضها ينسب إلى الشيخ صباح السالم نفسه الذي اتصل مباشرة ببعض الشخصيات لتوزيرها, في الوقت نفسه الذي طالب فيه من رئيس مجلس الأمة السيد عبدالعزيز الصقر تقديم بعض الأسماء, مما أوقع الكثيرين في إحراجات بسبب سوء التنسيق, ومهما كانت المسببات فإن الأزمة انفجرت عندما رفض مجلس الأمة السماح لرئيس الوزراء بالنيابة الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح بأداء القسم, وانسحبت الأغلبية شاهرة المادة 131 التي تتعارض مع توزير رجال الأعمال كما فسرها المعترضون.

تبقى هناك الكثير من الأسرار لم تدون حول الأزمة, لكن الواضح أن عدم اكتمال الخبرة في الأساليب الديموقراطية في الكويت أدت إلى الشلل الذي أصاب الكويت في تلك الحقبة.

الشيخ صباح السالم... حاكماً

تولى الشيخ صباح الحكم في 27 نوفمبر 1965, بعد وفاة الشيخ عبدالله السالم, أمير البلاد, واستمر في الحكم حتى يوم 31 ديسمبر 1977.

الفصل الثامن ركّز على حياة الشيخ صباح السالم كأمير ويقول الكتاب إنه من سوء الحظ أن التعليقات التي ترافق تولي الشيخ صباح لمختلف المسئوليات تأخذ الجانب السلبي وتشكك في قدرته على النهوض بهذه المسئوليات.

وتبرهن صفحات هذا الفصل أن الشيخ صباح تبنى أسلوب تحويل الأعباء اليومية لإدارة الدولة إلى الشيخ جابر الأحمد ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء, وابتعد عن المتابعة اليومية للقضايا الداخلية, مركزاً على التوجهات السياسية الخارجية لمسار دولة الكويت.

شهد عهد الشيخ صباح كأمير أزمتين سياسيتين, أولاهما, ما رافق انتخابات 1967 من اتهامات حول نظافتها, ودخول الدولة الكويتية في بداية عهد التمحور السياسي الداخلي, والأخرى حل مجلس الأمة عام 1976, عندما كان الأمير في لندن في رحلة لمسببات صحية ويشرح الفصل مسببات حل المجلس وموقف الأمير منها.

لقد انصب اهتمام الأمير على الشأن الخارجي, ورسم الشيخ صباح السالم منظومة دبلوماسية استراتيجية تشكلت من:

- ترسيخ العلاقات مع دول الخليج والانفتاح عليها, وتعميق التواصل معها, وبهذا الشعور قام بجولة في دول الخليج بدأت في السابع من مايو 66, ولمدة أسبوع زار فيها ثماني إمارات مبتدئاً بالبحرين, وقطر, وزار الإمارات حيث أقام في دبي لمدة خمسة أيام تجول خلالها في جميع الإمارات, وتزامنت هذه الجولة مع افتتاح بعض المرافق الصحية والتعليمية التي ساهمت الكويت في بنائها. ويقول السفير البريطاني بعد لقائه الشيخ صباح إثر عودته من الجولة, إن الشيخ فوجئ بعمق الخلافات بين حكام الإمارات, وأنه لم يذهب هناك لحلها وإنما لعرض رغبة الكويت في المساعدة.

- تعميق التواصل مع المملكة العربية السعودية, وفي هذا الصدد فإن الشيخ صباح اتبع النهج الذي سار عليه أسلافه حكام الكويت مثل: الشيخ أحمد الجابر, والشيخ عبدالله السالم, في إبراز أهمية المملكة في الأمن الوطني الكويتي, كما اتضحت خلال أزمة قاسم, من خلال دعم المملكة غير المحدود لمواقف الكويت.

كنت شخصياً ضمن الوفد الكويتي الذي ذهب إلى مقابلة الملك فيصل بن عبدالعزيز في جدة, وفي الطائف, حيث سعى الشيخ الصباح إلى تقنين العلاقات مع المملكة, رغم الخلاف الحاد الذي انفجر بين الرياض والقاهرة حول اليمن, ورغم مساعي الكويت لتطويق هذا الخلاف بعد زيارة الشيخ صباح إلى القاهرة في 6 أبريل 1966.

- توسيع دائرة العلاقات الكويتية - العربية مع مساع كويتية دائمة لإزالة التوتر, حيث إن وضع الكويت بعد قرار إنهاء مذكرة التفاهم الدفاعية الكويتية - البريطانية, لا يسمح لها بالدخول في سياسات المحاور العربية المتصارعة.

- الحفاظ على البعد الدولي للكويت, لاسيما مع بريطانيا والولايات المتحدة.

رؤية بعيدة

يظهر الكتاب حرص الشيخ صباح على الاحتفاظ بعلاقات خاصة مع بريطانيا والولايات المتحدة, لشعوره بأهمية الترابط مع قوى دولية مؤيدة للحفاظ على السيادة الكويتية, ويوضح الكتاب كيفية تعامل الشيخ صباح مع قرار بريطانيا بالانسحاب من الخليج عام 1971, كما جاء في قرار حكومة العمال برئاسة (هارولد ويلسون) صيف 1967.

كان الشيخ صباح مستغرباً من التبدل المفاجئ في المواقف البريطانية, حيث جاء الوزير البريطاني (لورد) إلى الكويت في سبتمبر 1967 يؤكد استمرار الالتزام البريطاني بأمن الخليج ثم يعود في نوفمبر - بعد شهرين - ليبلغ دول الخليج إصرار بريطانيا على سحب وجودها نهاية عام 1971.
خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الشيخ صباح إلى الولايات المتحدة في ديسمبر 1968, وكنت ضمن الوفد الكويتي, أثار الشيخ صباح أهمية التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج بعد الانسحاب البريطاني, لكن الرئيس جونسون لم يكن مهتماً بأمر الخليج, مما دفع الشيخ صباح إلى إثارة الموضوع مرة أخرى مع وزير الخارجية الأمريكية السيد دين رسك في اليوم التالي, لكن الأخير أصر على أن الخليج منطقة نفوذ بريطانية, وتريد واشنطن بقاءها دون تغيير.

وأهم نتائج الزيارة إلى واشنطن في ديسمبر 1968 هي إثارة اهتمام الولايات المتحدة بالشأن الخليجي, وكأن الشيخ صباح يتحسس من احتمالات المستقبل.

وبالرغم من تطبيع العلاقات مع العراق, ظل الشيخ صباح حذراً في تعامله مع القيادات في بغداد, مصراً على ترسيم الحدود وفق الاتفاقيات الموقعة, وزادت اقتناعاته بالمخاطر بعد حادثة الصامتة في مارس 1973, وظل الهاجس العراقي معه إلى أن انتقل إلى جوار ربه في يوم 31 ديسمبر 1977.

سيرة إنسان وتاريخ حاكم

مقدمة الكتاب حملت انطباعاتي عن إنسانية الشيخ صباح السالم, وتواضعه وبساطته وحبه للخير, وسعادته وسط الأجواء العائلية, وتسخيره طاقاته للكويت, كما تبرزها أشعاره الشعبية البسيطة, وكما تجسدها تحركاته وسط أبناء الشعب, وقد كان رجلا عملياً, لا تغريه القدرة على التنظير, ولا يحب السفسطة, ولا يرتاح للمواقف الأيديولوجية الجامدة, لكنه على الصعيد الإنساني, يأسر أصحاب المواقف المتصلبة, بقدرته العفوية على ترطيب حدتهم, ولقد رأيته مع قادة البعث العراقي في الستينيات, يتباسط معهم بضحك متبادل, ورأيته في زيارة رسمية إلى دمشق صيف 69, وفي القاهرة في أبريل 1966, يتحاور مع الرئيس عبدالناصر, ويشعل السيجارة له, ويتحاور مع الرئيس حافظ الأسد في الشعر والتراث, ويتحدث مع الإمبراطور رضا بهلوي شاه إيران خلال زيارته إلى طهران بلا تعقيدات, فقد كان في حياته إنساناً قبل أن يكون حاكما وفي مماته ظل تاريخاً.

الكتاب ليس فقط عن حياة الشيخ صباح السالم, وإنما يروي بالتفاصيل, وبكامل الموضوعية وضع الكويت السياسي لاسيما في فترة الستينيات والسبعينيات, ويحلل خلفيات الأحداث الداخلية وفي الخارج, خاصة في العلاقات الكويتية - الخليجية, والكويتية - العربية

 

عبدالله يعقوب بشارة







غلاف الكتاب حاملا صورة للشيخ صباح السالم الصباح





صاحب السمو الشيخ جابر الاحمد الصباح في اجتماع مع الشيخ صباح السالم الصباح قبيل رحيله





الشيخ صباح السالم في مرحلة الشباب





الشيخ صباح السالم مع بعض الزعماء العرب في الرياض وكان الاجتماع حول الحرب الأهلية في لبنان