عزيزي القارىء

عزيزي القارىء

أغسطس . . . الذكرى والمعنى

أغسطس, قيظ وذكرى, ودروس في قسوة الألم والتحامل عليها. تترقب الكويت هذا الشهر من كل عام بقلوب واجفة., فهو يحمل إليها ذكرى سبعة شهور طويلة من الاحتلال, ومن غدر الجار والشقيق, ولكنه في الوقت نفسه يحمل البرهان على المكانة المميزة التي تمثلها رقعتها الصغيرة وسط هذا العالم الواسع, فقد تداعى الأصدقاء والأشقاء من كل مكان إلى الحفاظ على وجودها ضد الإبادة, وعلى هويتها ضد الذوبان, وتحولت رمالها إلى فضاء رمزي تتجسد فيه الإرادة الدولية عندما تسخّر نفسها لنصرة الحق والشرعية, وقد أثبتت هذه التجربة أن الاحتلال هو أكبر وصمة يمكن أن تصيب البشرية, وأن أي محاولة يقوم بها جندي مدجج بالسلاح لقهر إرادة شعب آخر هي بحد ذاتها جريمة في حق الكرامة الإنسانية والتقدم البشري. ولعل تأثير تلك التجربة بكل ما فيها من مرارة وحلاوة يبدو واضحاً في ذلك الملف الذي أعدته (العربي) عن ثلاث من القاصات الكويتيات, تبلورت تجربتهن القصصية في تلك الأيام العصيبة, وبقي في كلماتهن من ذكرى العنف والخوف خبرة التجربة الإنسانية.

ورغم أن الكويت قد ظفرت بحريتها فإن جريمة الاحتلال مازالت مستمرة في أرض فلسطين, بل إنها تزداد عنفا وشراسة, ويبدو أن قوى القهر تعجز دوما عن قراءة سطور التاريخ. وتحيي (العربي) المقاومة الباسلة لهذا الشعب الفلسطيني الأبي, فتنشر تلك الدراسة عن أشهر مَن قاوموا هذا القهر بالريشة والقلم الفنان الفلسطيني ناجي العلي الذي جسّد من خلال شخصية (حنظلة) التي ابتدعها كل ما يعتلج داخل الذات الفلسطينية من مرارات. ومثلما تُغتال الأحلام اغتيل (ناجي العلي) لأنه كان صادقا أكثر مما ينبغي. وجريمة الاحتلال مستمرة أيضاً في مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين, وهي القضية التي لم تنسها مجلة (العربي) ولم تشغلها عنها أحداث المشرق العربي, فقد قامت باستطلاع قديم عن هؤلاء المغاربة الذين مازالوا تحت الاحتلال. وهاهي تعاود النشر عنهم في هذا العدد, لتؤكد أن الأرض العربية عزيزة علينا مهما كان موقعها. ومادمنا نتحدث عن تداعيات الاحتلال, فإن الذكرى تعود بنا إلى شاعر لبنان الأول خليل حاوي الذي انتحر والقوات الإسرائيلية تجتاح شوارع بيروت التي نهوى, ورغم أن كاتب المقال يؤكد أن ذات هذا الشاعر كانت مسكونة سلفا بكره الموت, فإن هذا الاحتلال المباغت نزع منها صمام الأمان, فكان انتحار المعنى.

إنه عدد مختلف من أعداد (العربي) تتلقاه في صيف هذا العام - عزيزي القارئ - فيه الكثير من ألم الذكرى والحنين, وفيه مساحات كبيرة من التفاؤل بأن التاريخ البشري المثقل قادر على التقدم إلى مساحات جديدة من التفاؤل والأمل, وأنه لا سبيل لقهر إرادة الإنسان

 

المحرر