امتلاك البعد الروحي في العودة إلى الصباغة الطبيعية

امتلاك البعد الروحي في العودة إلى الصباغة الطبيعية

إذا كانت الدراسات الميدانية حول المعارف الـخـاصـة بـالـصـبـاغــة وكيـمـيـائيتها شحيحة, فإن ذلك عائد إلى غياب المساحة الأكبر من المعارف الصناعية الإسلامية, واندثارها في أعقاب غياب آخر فرسان وأجيال معلميها.

إن الكثير من الأسرار التلقينية للصناعات الإسلامية خاصة المتعلقة منها بالصباغة, تُنقل كحكمة باطنة من جيل إلى جيل, من المعلم إلى ابنه كما تلقاها عن أبيه, وحافظ على كتمان أسرارها المهنية, وحتى في حال كشف خباياها تظل ممارستها أقرب إلى الحساسية المبدعة منها إلى الوصفات الكيميائية الجاهزة, تماماً كما هي صناعة الموسيقى, فهي لا تنوّط لأنها تعتمد على التجوال الوجودي والوجْدي والوجداني بين مقاماتها المعروفة, يملك كل محفل إنشادي أو موسيقي شرقي حضرته, وكل سجادة تملك شخصية لونية لا تماثل نظائرها السابقة أو اللاحقة, ينقلب المنتج الصناعي في مثل هذه الحالات إلى كينونة قلبية - حدسية حية.

نور على نور

إذا تجاوزنا سيطرة أشكال المحاريب في التصاميم الكرافيكية للسجاد (الزرابي), فإن اللون يحتكر البعد الروحي, ألم يذكرها القرآن الكريم: {وزرابي مبثوثة} في سورة الغاشية, كواحدة من معالم الجنّة, ألا تمثل تقاليدها اللونية غالباً نقل أزهار وثمار الفردوس إلى بواطن البيوت والحياة اليومية.?

يحضرنا ما كانت تتميّز به هذه الألوان من حساسية التجربة الباطنة, وذلك خلال إدارة النقابات الطائفية للصناعات عامة, ومراقبة تجويدها, هي النقابات التي كانت تنبثق عن الفرق الصوفية. يلتقي في بوتقتها البرزخيّة مفهوم (الذوق) (بالعرفان), و(الذوق) (بالإحسان) (المشتق من الحسن), كانت تدعى بـ(جماعة الذوق) أي جماعة الفنون والصناعات. ويكاد يكون اللون من أرهف الإشارات العرفانية في التعبير البصري. بعضها صامت وبعضها صائت, وتكشف بعض رهافات توزيعها نظاماً من التزامن الموسيقي المدهش.

هو البعد نفسه الذي وسمه هنري ماتيس بـ(الروحي) حين قال: (إن الحضارة الإسلامية الوحيدة التي اقتصرت في التعبير على اللون).

واللون هو الجانب النوراني من الصناعات الروحية, ينطبق هذا على صباغات الحياكة وعلى الزجاج المعشّق والسيراميك والأبلق والفوانيس والثريات, حتى لتكاد ذخائرها تبدو لصيقة بصورة (النور على النور) في آية سورة النور.

سأورد لكم مثالاً عن البعد الرمزي والروحي من خلال ما نقلته الباحثة المتصوّفة إيفا فيتري ميروفيتش في مؤلفها عن جلال الدين الرومي, تنقل مدارج التجربة الذوقية وفق سلمها المعروف الموسيقي السباعي كما يلي بحيث تتغير الألوان بتغير أدوات أحرف الجر:

1- السفر إلى الحق: نور أزرق.
2- السفر من الحق: نور أصفر.
3- السفر على الحق: نور أحمر.
4- السفر مع الحق: نور أبيض.
5- السفر في الحق: نور أخضر.
6- السفر عن الحق: نور أسود.
7- السفر بالحق: نور بلا لون.

لا تدخل هذه الدائرة اللونية الصوفية في صباغات السجاجيد مباشرة, بقدر ما تكشف رهافة حساسية الملونين قبل القرن التاسع عشر, وكما تتواصل نواظم رقصات (مولوية) مولانا المذكور مع التفافات الأفلاك والنجوم والكواكب والمجرات. كذلك بعض تصاميم السجاجيد, كاشفة تواصلها الغامض مع الكون والطبيعة والفلك, تماماً كما يشرحها جوتيه في مبحثه الشهير عن اللون, إنه نوع من وهم الاستماع إلى (أجراس الجنة) عند تأليف الموسيقى. من هنا تبدو أولى إشارات البعد الروحي في الصباغة, وهي تواصل نواظمها التناغمية مع الموسيقى العرفانية (الإنشاد, الذكر, التهليل, إلخ). وإذا كانت الموسيقى الإسلامية تختلف اختلافات عائلية حسب الإقليم, فإن السجاجيد كذلك, من يتأملها يدرك الفرق بين المقام والشيش مقام الذي يفرق صناعة الموسيقى في آسيا عن الأذن العربية. (تعرضت لهذه التواشيح الرهيفة سابقاً).

أما التواصل الأشد توحّداً مع روح الوجود فهو الاتصال الصباغي بمخلوقات الطبيعة, سواء النباتية منها أو الحيوانية, الترابية أم المرجانية. فالاحتكاك بأسرار الخلق (خاصة عالم الأعشاب) نوع من الإقرار (بوحدة الوجود) بمعناه الصوفي. فإذا كانت السجاجيد من أسمى أنواع الحياكة فإن صباغاتها من أرقى أدوات التواصل مع أسرار الخلق.

منفى الصباغة

تمّ تدمير المعارف الصباغية وممارستها الكيميائية البيولوجية (بصفتها نشاطا تفاعليا وتخميريا يشتمل النبات والزهر والثمر ولحاء الأشجار والأملاح والأكاسيد وبعض الديدان والحشرات مثل الخنفساء), وذلك مع تدمير المدن القديمة العربية والإسلامية, وتفتيت نسيجها الحضري بالتحديث التنظيمي العشوائي, أذكر أن أهم دكاكين العطارين في دمشق وأكثرها شهرة كان (برو العطار), اشتري منه صباغات لوحاتي في الستينيات, وكان يقع بين حي سوق ساروجه وحي سوق الهال, وقد تمّ هدم هذين الحيين على جمالهما, وقضي بذلك على أعرق دكان, والمصدر الأصيل لبيع الأصبغة ومعرفة تراكيبها وخلائطها.

يتصل سوق العطارين في الدار البيضاء (المغرب) بـ(سوق السحرة) وشعوذاتهم ووصفاتهم الشفائية التطيرية كاستمرار (لنهج الحبوس) (الأوقاف).

من المعروف أن الخطط والأحياء في المدينة الإسلامية تطرد ورشات الصباغة والدباغة خارج أسوار المدينة مثل التربة (المقبرة) والمسالخ وما شابهها, وذلك لشدة تلويثها خاصة أن الحويصلات أو القدور الصباغية (المزروعة في الأرض في الهواء الطلق), تعتمد على التخمير البطيء, فإذا تناولنا (نقوع النيلة) وجدناها تثير رائحة كريهة لا تناسب ما يتطلبه هواء الحواضر السكنيّة من استنشاق صحّي. ثم إن هناك مساحات شاسعة تعلق فيها شلل الخيطان المصبوغة على الحبال, وذلك من أجل تجفيفها في ساحة الشمس. وبالعكس فإن سوق العطارين وسوق الصوف وسوق الحرير تعتبر جزءاً أساسيا من مخطط المدينة الإسلامية, تقع في موقع القلب بالقرب من السوق الرئيسي أو داخله بحيث تتصل صفوف دكاكينه بساحة المسجد الجامع المركزي, كما هو الأمر - مثلا - في القيروان.

أما المواد الأولى التي ستتحوّل مع الغزل إلى لفافات من الخيوط فتُشرى من الأسواق الموسمية التي تجري عند سور المدينة في فناء (أو ميدان) متاخم, مع بقية المبادلات, يفد الرعاة والمزارعون من أطراف البادية ومن الريف ليبيعوا: صوف الغنم وشعر الماعز (أغلبه بلون أسود) ووبر الجمال, أو الذي قد يضاف إلى مادته عند النسج على الأنوال: القطن أو الحرير أو الكتان أو توشيحات الذهب أو الفضة.

تبدأ دورة الطبيعة من طقوس هذه المواد, فقد درجت العادة أن يمشّط صوف الغنم مرات عدة خلال أشهر الشتاء, ليجزّ في الربيع قبل غزله ونسجه في الصيف.

تسمح الأسواق الموسمية المذكورة للريف والبدو بالمبادلة على ثروتهم الصوفية وسواها ببقية الحاجات والسلع, وبما أننا نعرف أن الأنوال ترتبط أكثر من الرعي بالحياة الريفية فإن الصباغة ترتبط أكثر بالحياة الحضرية, حتى أن الصبّاغين يعتبرون من كبار المحترفين والعارفين النخبويين بأصول كيمياء الصباغة, قبل أن تباع مادتهم في حيّ العطارين.

نعثر هنا على الالتباس الاستشراقي الذي يربط صناعات النسيج والحياكة (بما فيها الزربية والكليم, القطيف والخمري) بالتخلّف المتصحّر والبدو الرحّل. ولو عدنا إلى رسوم بعض منمنمات العهد الصفوي أو التيموري أوالمغولي أوالعثماني لوجدنا خياماً أشد زهواً من قصور ألف ليلة وليلة, فالسفر والترحال كان إيقاعاً حضاريا منذ (رحلات الشتاء والصيف), ومنذ أن رسم تجار المبادلات طريق الحرير ثم العنبر, ثم البخور, والعقيق, إضافة إلى الصفران الذي تحتكر الهند صباغته ولونه الأصفر المتشبّع بالضوء, والذي يستخدم في أغلب طرز الزرابي الإسلامية.

ارتبط الترحال بطلب المعرفة (ولو في بلاد الصين) كما هو أمر الورق والحرير, والتصق روحياً بالمعراج والبراق وبساط الريح وطائر الرخ والعنقاء والسيمورغ والفينيق وغيرها, ثم إن إنتاج مزارع التوت ودودة القز من أجل الحرير ينفي إحالة الحياكة المطلقة إلى الرعي والصحراء.

وقد تم تطور العديد من طرزه عن طريق (شعوب السهوب) وليس البادية, وارتبطت بجهاز العروس وصرتها قبل انتقالها إلى بيت الزوجية الريفي أو الحضري وليس البدوي المترحل.

الزربية في الإنعاش

من المعروف أن العام 1856 م شهد اكتشاف وسيط (الأنيلين) في الصباغة, وهو سائل زيتي (قطران الفحم) يصلح لصنع الأصباغ والعطور, لم تطبق صباغته الصنعية في مصابغ سجاجيد الشرق العربي والإسلامي حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وهكذا فقدت الألوان رهافة التناغم الطبيعي العريق, والسعادة البيئية التي كانت تشيعها عند تلاقحها مع أشعة الشمس, والتواصل مع خصائص البيئة الجغرافية ونواظم الموسيقى المحلية, إلخ.

لنتصوّر لو استبدلنا شظايا الزجاج المعشّق الأموي في منافذ وشمسيات الجامع الأموي الكبير في دمشق بقطع من (البليكسيجلاس), هذا ما جرى من مصاب عند التحول من الصناعة العرفانية في السجاد التي يجري إنجازها وإنضاجها ضمن طقوس تشبه النضج على نار هادئة , واستبدالها بالسرعة في المواد الصناعية من أجل تأمين أكبر كمية من الإنتاج بالجملة وتأمين الربح السريع الذي يستثمر مصداقية الصورة النبيلة أو القدسيّة في اللاشعور الجمعي.

لاشك في أن مؤسسة دوباج DOBAG التابعة لـ(جامعة مرمرة) تسعى منذ عام 1981م إلى إعادة الاعتبار إلى الصباغة الطبيعية, والاتفاق مع المؤسسة الرسمية على عدم دمغ السجاجيد بالختم الرسمي إلا إذا كانت تستخدم الصباغة الطبيعية ومواد الحياكة الطبيعية (دون فيبر أو خيوط صنعية). لاشك في أن دورها يوازي ما كانت تفعله النقابات الطائفية المذكورة, وسلطة الإجازات التي لا تمنحها إلا لمن يستحقّها ضمن مراقبتها لتجويد الصناعة عامة ومنها الحياكة.

إذا تمتّ مشاريع إنعاش صناعة الزربية والكليم خوفاً من اندثارها, فمن الواجب التأكيد على المصادر (الإيكولوجية) في أصيغة صناعتها, خاصة بالنسبة إلى المواقع التي تملك مصداقية إنتاجية ورهاناً ثقافياً يحمي ذاكرتها, تحضرني ورشات الحرانيّة (ويصا واصف) وتجارب أخميم (سوهاج) في مصر, أو جمعية السدو الكويتية ثم - وخاصة - (سيتا) التي تجمعنا اليوم.

إن الإثبات العلمي على حجم خسائر المعارف الصباغية واندثار أعظمها أن المختصين في السجاد والكليم يعتمدون اليوم على السبر المخبري الكيميائي المباشر لهذه الذخائر الصناعية, وذلك من أجل تعيين انتسابها المكاني والزماني. ولو كانوا على علم تام بطرائق صباغاتها لما احتاجوا إلى ذلك.

وما نحتاج إليه في مراكز بحوث CITA - وسيتا تعني المركز العالمي للسجاد الحرفي - هو تجميع أمهات كتب عطاري الكيمياء والسيمياء في العالم العربي والإسلامي أو نسخ عنها , خاصة النادرة منها, وما يتصل منها بعلوم توأمية مثل الأعشاب والفلك, والتنجيم والميكانيك, والسحر والأوفاق, والجفر وشتى العلوم الخيماوية, لأن الصباغة لم تكن معزولة الاختصاص في كتابات هؤلاء. تحضرني الفترة التي سجّل فيها أمثال جابر بن حيّان (كتاب الموازين) وثابت بن قرة وسواهما معارفهم الكيميائية الباطنة, المحفوفة بأسرار وألغاز وإلماحات من يحافظ على سر المهنة في دكاكين العطارين.

ثم لابد من الدراسات الميدانية حول مصادر الصباغة الطبيعية والتعاون مع مراكز نظائرها مثل مؤسسة (دوباج), واستنطاق المعلمين شفاهة وبشكل مباشر وصبور ومتأن حول ما حفظوه من بقايا هذه الحكمة.

جذور الأصباغ

إذا كنّا لا نملك مصادر للوصفات الكيميائية في الصباغة التقليدية واختلافات مصادرها البيئية, فإنه من الأكيد أن أحد أسباب تنوع الطرز في الورشات المتباعدة (والخاصة بالحياكة) هو تنوّع المصادر البيئية بالذات, قد يرجع اختيار مقام لوني دون سواه إلى مثل هذه الأسباب الجغرافية, وذلك باستثناء ما درج المعلمون عموما على قبوله مستورداً أو جاهزاً لدى دكاكين العطارين, كما هي أوراق النيلة والزعفران وحجر الشب.

لو تأملنا اللون (الأحمر) الخاص الذي شاع في زرابي وكليم وبقية حياكات الأناضول (والذي يعرفنا على واحد من معالم طرز سجاجيد المنطقة), أقول لو تأملناه لعثرنا على علاقته بالنبتة الشائعة والتي تحتكرها تربة المنطقة وهي (الفوّة), تمنح جذورها عدداً من درجات اللون الأحمر تقع ما بين القرميدي والبرتقالي مروراً بالبنفسجي المحمر, وليس بالصدفة أن بعضاً من هذه الطرز يدعى (كليما أحمر), وتدعى بعض أنواع حياكته (سماقا) نسبة إلى هذا النبات ذي الصبغة الحمراء أيضاً (ولكنها خاصة). لعله ولهذه الأسباب فقد أطلق على نبات (الفوّة) (ملك الأصباغ).

لو تابعنا مصادر اللون الأحمر نفسه في مناطق أخرى لوجدناها مختلفة, يستخرجها البعض من السوندر أو الرمان أو التوت أو العصفر, ويستخرجها آخرون من أنواع القمل, وذلك لما تحتويه هذه الحشرة من كبريت الزئبق, أو أنواع الخنفساء أو الدودة الحمراء, أما في مصابغ مصر فتستخدم (صبغة الأرجيل) وهي مأخوذة من مخالب بحرية متوسطية تتمسك بالصخور. وتستخدم صبغة الأرجوان في لبنان وبلاد الشام, وهو نوع من المحار البحري أعطى اسمه للكنعانيين الذين يسكنون الشواطئ اللبنانية, عرفهم اليونان بالفينيقيين نسبة إلى فينيس وتعني أرجوان, ذلك اللون الأحمر الأسطوري.

إذا ما سافرنا باتجاه اليمن وإيران وجدنا أن بعض مصابغهم تستخرج اللون الأحمر من دم الذبائح خاصة البقر.

سنعثر على تنوعات مصادر اللون الأصفر نفسها, فإذا ما عدنا إلى الأناضول وجدنا النبتة المحلية (البليحاء), وقد يستخرج من السماق أو الرمان أو التفاح أو زهور البابونج والأقحوان أو الصفران الهندي. وقد يستخرج اللون البرتقالي من قشور البصل أو العصفر, وعندما يميل إلى البني يستخدم الحناء ولحاء شجر الصنوبر, ويحتكر (النيلة) الشهير INDIGO مصدر الأزرق ومشتقاته, وقد يستخرج البنفسجي من قشور الباذنجان, والأسود من قشور ثمرة السنديان (مع إضافة ملح الحديد) تستخرج بعض الأصبغة من الأكاسيد المعدنية مثل كربون النحاس الذي ينتج الأخضر, أو من التربة مباشرة مثل الأهرة (المغرة أو الأوكر).

تُغمر شلل الخيوط في مرقد نحاسي (قبل نقله إلى الحويصلات العامة) يحتوي على ماء دافئ (لا تصل حرارته إلى درجة الغليان) تتخمّر فيه محاليل الصباغة والمثبّت (مثل حجر الشب).

تفرض الشروط النوعية للمادة تنوّع المعالجات الصباغية, فشعر الماعز الذي يوضع في الخيام لا يُصبغ بطريقة صوف الغنم نفسها, يزداد في هذه الأخيرة اللون الأبيض من معاملته بمساحيق الطباشير والجبس أو كربونات الكالسيوم.

تنشر لفافات الخيوط بعد صباغتها على حبال مرتفعة حتى تجف في رحاب أشعة الشمس, ثم تُباع في أسواق الصوف (كباكيب) جاهزة للحياكة على الأنوال, يتظاهر الاهتمام اللوني في خيوط اللحمة الأفقية, لأن خيوط السداة تقتصر في توازيها العمودي المبدئي على تشكيل الهيكل الداخلي, والذي ستغطيه لاحقا الأهداب والعقد والحبكات التالية.

خلاصة التأمل

سأختم هذه السياحة المبتسرة باستحضار أحد أهم تدريبات بول كلي عندما كان مدرساً في مدرسة الباوهاوس الألمانية, مستلهماً منهج العمل من نوطة السداة واللحمة في السجاجيد الإسلامية.

كان يطلب من تلامذته أن يتأملوا ألوان زهرة برية بجانب لوحة التدريب, ويعيدوا توزيع درجات ألوانها ضمن رقعة شطرنجية ذات تربيعات ووحدات متعاقدة.

كان هذا التدريب فرصة لإعادة تذوّق النوطات اللونية النخبوية الرهيفة في بعض السجاجيد, والتفريق بين نظام (التزامن) اللوني, ونظام (الاشتقاق) و(التكامل) وتحوّلات الوحدة أو المفردة النغمية.

تمثّل البحوث الجبرية على المفردة التشكيلية المزدهرة في الأوساط التربوية التونسية زاداً لا يستهان به في مراكز البحوث التحديثية سواء في (سيتا) أو سواها, هي التي تعيد إلى اللون توازنه الكيميائي والموسيقي القائم على لقاح المادة مع الروح.

 

أسعد عرابي







رهافة الألوان وحساسيتها تتجلى في فن صناعة السجاجيد





تجفيف خيوط الصوف بعد صباغتها





المدابغ والمصابغ العامة خارج المدينة





شلل الصوف بعد صباغتها