هل أصبحنا رجل العالم المريض?

هل أصبحنا رجل العالم المريض?

كتب رئيس تحرير مجلة (العربي) د.سليمان العسكري مقالا تحت عنوان (ثقافتنا العربية وثقافتهم الغربية) بالعدد 522 لشهر مايو 2002: ومع التقدير للرصد والتحليل للبعد التاريخي والموروث الديني ودور المشروع الاستعماري الصهيوني الذي ورد في (حديث الشهر): يهمني التعقيب على الجانب الذي يحمل عنوان (الثقافة العربية متهمة) (الصفحتان الثانية عشرة والثالثة عشرة) والتي سوف تبقى متهمة في نظر الغرب إلا أن الأكثر إلحاحا وخطورة في تقديري (نظرتنا نحن وأجيالنا الجديدة) إلى ثقافتنا التي مازالت تعيش حالة استبدادية وظلامية أقرب للركود والمحافظة كمحصلة لأوضاعنا السياسية والمجتمعية والاقتصادية والثقافية (يتسلط فيها الواشون والبصاصون على أقدار الناس).

فقد فشلت التربية والتعليم في إحداث التغير الاجتماعي المطلوب ولم تقم مؤسسة محايدة ومتخصصة لتقييم مستوى التعليم في بلادنا بالمقارنة بالعالم المتقدم, كما تعثر دور الجامعات العربية الرسمية والأهلية في التنمية البشرية وبناء الإنسان الحر والمبدع, والتأسيس للبحث العلمي بمنهجية ومهنية خارج إطار التدخل السياسي الذي يصر على احتكار كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية, وتتنافس الأنظمة السياسية على تخليد حكامها حتى لو اضطرت للعبث بالدستور وتغيير بنوده لتبقى على كراسي السلطة مدى الحياة ثم لا تتحرج بعد ذلك من المطالبة بالحصانة لنفسها من المحاكمة في المستقبل كنتيجة لملاحقات وشكاوى وانتهاكات واختفاء للناس وحقوقهم من المعارضة التي لا يتسع لها مسرح الوطن فتهاجر وقد تصمت هناك أو تتآمر مع الخارج ضد الداخل!

أعوام العزلة

أما بشأن التهمة الثانية التي توجه إلى الثقافة العربية بأنها معادية للفكر الديمقراطي, فلا يعيبنا الاعتراف بغياب الممارسة الديمقراطية والثقافة الديمقراطية في الأسرة والمؤسسة التعليمية والنقابات والأحزاب, وإن اجترار الوعظ بتجربة الشورى قصيرة العمر في زمن الخلفاء الراشدين يغطيها استبداد وتسلط امتد لقرون طويلة, ولم تخط أقطارنا العربية (الملكية والجمهورية) على السواء فعليا نحو ممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وعلى الرغم من نجاح البعض في تسويقها إعلاميا فإنه فشل في تحقيق المضمون بامتياز. وتتحمل سياسة الاستعمار الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين دورا لا يقل عن مسئوليتنا وتقصيرنا ومكبلات وترسبات الاستعمار التي أثقلت كاهلنا بأكثر من ألف عام في ظل عزلنا عما يجري في العالم حتى أصبح الوصي علينا - طيلة أربعة قرون - (رجل أوربا المريض) فهل أصبحنا نحن من بعده رجل العالم المريض!!? فما إن خرجنا من عباءة السلطان حتى وقعنا ضحية لأطماع الاستعمار الغربي الذي كان بالمرصاد لوأد طموحاتنا في النهضة والتحرر والاستقلال والوحدة فقسم الهلال الخصيب, فأصبحت الوحدة الطبيعية للهلال الخصيب أجزاء مبعثرة حسب اتفاقية سايكس - بيكو 1916, تلاها وعد بلفور 1917 الذي قالوا إنه وعد من الرب لكن نفذه الاستعمار البريطاني في فلسطين نيابة عنه لمصلحة الحركة الصهيونية ولا نزال ندفع فاتورة مشروعه الاستيطاني الاستعماري وحروبه التوسعية ونعيش كابوس الهولوكوست (للنازية الجديدة) من دون تفهم كبير من الثقافة الغربية لفداحة الثمن وحجم المعاناة التي سببها لنا آخر استعمار في القرن العشرين والأنكى فوق ذلك يوظف تفوقه في شتى المجالات لتغيير وإعادة كتابة أسمائنا.

فهل نحن كهوية وكيان ومسمى (الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أو جنوب وشرق المتوسط) أم وطن عربي واحد من محيطه حتى خليجه?! هل كل ما تعلمناه وعلمناه لأحفادنا من أننا ننتمي إلى أمة عربية واحدة في وطن عربي واحد كان مجرد تضليل وخداع للنفس?!

إذا كانت الحكومات تُهزم, فإن روح الشعوب لا تنكسر, وهي تقبل بدافع وطني ذاتي على دفع استحقاقات الاستقلال والحرية وحق تقرير المصير, والنضال القومي في مصر والجزائر وعدن والعراق وسوريا بالأمس ولبنان وفلسطين اليوم يشهد على ذلك فهل تكف أنظمة التجزئة يدها الحديدية عن إرادة الشعوب في مقارعة الاستعمار والاحتلال?!

ابتزاز وتسلط

أما التهمة الثالثة للثقافة العربية في تجاهلها لمعايير حقوق الإنسان, فيكفي أن ينظر كل منا في نفسه وفيمن حوله من أهل وأقارب وأصدقاء ومعارف وأفراد المجتمع ليرى بعينيه, ويحكم عقله وقلبه وضميره في كيفية التعامل مع حقوق المواطن في واقع الحياة وليس كما هو مكتوب على الورق حيث تتم الانتهاكات جهاراً نهاراً ولا يلاحق أو يعاقب متسلط أو متنفذ سواء كان الدافع حماية لمصالحه وتغطية على فساده أو خدمة غيره مقابل ثمن ما, ثم نصيح بمكبرات الصوت على انتهاكات حقوق إنساننا في الغرب!!

إن حقوق الإنسان واحدة لا تتجزأ بغض النظر عن اللون والأصل والدين والجنس, و(الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) 1948 محصلة تراث إنساني شاركت في صياغته كل الحضارات من كل القارات بالرغم مما يجري ويتابع بقلق بالغ كيف يتم استغلال حقوق الإنسان وتوظيفها في خدمة المصالح والابتزاز السياسي للدول المتنافسة, وهذا الأمر لا يقل انتهازية ونفاقا تماماً كمثل من يستخدم الدين للدوافع نفسها مما يفرض تحديات جديدة على مؤسسات المجتمع المدني وجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان لتعرية وفضح أوجه النفاق والانتهازية للقوى السياسية الكبرى وجماعات التدليس باسم الدين.

أما لماذا تجعل الأنظمة العربية من قضية الحريات وحقوق الإنسان أمرا عسير الولادة في مجتمعاتنا فهو محصلة لمواقف تقليدية على أساس معلومات مضللة وانحرافات متعمدة عن الحقيقة للتشويش وبقاء الأمور ملتبسة مما يفرض علينا أن نسأل أنفسنا, كم درجة ارتفاع وعينا على مقياس (ريختر) إذا كان من عشر درجات! وفي هذا إدانة لنظامنا وفلسفتنا التربوية والتعليمية.

 

محمد الحسنات