عزيزي القاريء

عزيزي القاريء

ذكرى واعتذار

في الوقت الذي تهب فيه نسائم الخريف لتخلّصنا من صيف قائظ, نتذكر أن شهر سبتمبر الذي نعيش أيامه الآن لم يعد شهراً عادياً, فقد نشأنا وأيلول الأسود له ذكرى خاصة في ذاكرتنا العربية, فهو واحد من رموز الشقاق العربي - وما أكثر هذه الرموز - التي استعرت فيه حروب الأهل وسال فيه دم الإخوة, ومات على أثرها الرئيس جمال عبدالناصر وهو يحاول أن يصلح بين الإخوة الغرماء. وهاهو سبتمبر يعود مع بداية القرن الواحد والعشرين ليحفر لنفسه مكاناً في ذاكرة العالم كله بعد أن كان مقتصراً علينا, ففي هذا الشهر يمر عام بالكمال والتمام على انفجارات برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك, تلك الحادثة التي مازالت غريبة وغامضة, والتي ألقت - رغم ذلك - ببذور من الشقاق بين العالمين الغربي والإسلامي. إن رئيس تحرير المجلة يخصص افتتاحية هذا العدد ليرصد تداعيات هذا الحدث التي مازالت تتواصل على مدى هذا العام ليرى ما فعلته تلك (اللدغة) في أمريكا وفي العالم, والأهم من ذلك في عالمنا العربي. إن سبتمبر مازال مستمراً - على حد تعبير رئيس التحرير - لأن ثمنه مازال يدفع ومازال الجاني المفترض طليق السراح, وما يثير الحزن أن الغرم الأكبر من هذا الثمن يتحمله عالمنا العربي وهو يسير إلى حال من العجز السياسي والتخلف الاقتصادي, إنه جرس تدقه مجلة (العربي) لعل هنا مستيقظا يستجيب لهذا الدوي.

وترحل مجلة (العربي) في هذا الشهر إلى أعماق إفريقيا لتزور تلك الدولة التي فاجأت العالم بمستواها في كرة القدم - السنغال - ولكنه يقدم صورة أخرى مليئة بالأسى ويفتح صفحة من صفحات التاريخ البشري مليئة بالخزي, هي استعباد إفريقيا, فقد تركت جريمة الرجل الأبيض بصماتها في كل بلدان هذه القارة, ولكن دليل الإدانة في السنغال كان من المستحيل أن يتم إنكاره, حتى إن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون توقف ليقدم اعتذاره عمّا اقترفته حضارته القاسية. إن الاستطلاع الذي كتب بمزيج من الشاعرية والشجن يحوّل هذه المأساة القديمة إلى فعل معاصر, ويطلق سؤالاً أخيراً أشبه بالصرخة: هل انتهت العبودية?

وتقدم (العربي) في هذا الشهر تجربة جديدة حين تنشر بالتزامن مع سلسلة (كتاب في جريدة) التي تصدرها منظمة اليونسكو مختارات للشاعر اللبناني المعروف (أنسي الحاج) الذي يعدّ رائداً من روّاد التجديد في قصيدة النثر العربية, وهي تفتح بذلك نافذة أمام القارئ العربي كي يستعيد جزءاً من التراث الأدبي المعاصر للعديد من رموز الأدب العربي.

وتمتلئ صفحات (العربي) بالقضايا الفكرية والفنية كأنها نسائم من خريف ذهبي يحاول أن ينفض الطبيعة من مواتها القديم, ليفتح الطريق أمام البعث والنضارة والتجدد.

 

المحرر