المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

  • احتفالية: العاصمة السويدية استوكهولم تحتفي بالفائزات بجائزة نوبل للسلام 2011

أحد المعايير لقياس مدى صحة المناخ السياسي في أي دولة في العالم هو مدى مستوى مشاركة المرأة السياسي والحقوقي. عندما أعلن عن الفائزات بجائزة نوبل للسلام 2011 التفت العالم إلى دور النساء المهم والفعّال في العملية السياسية في تحقيق السلام للرجال والنساء على حد سواء. انصب الاهتمام على تحليل الخلفية السياسية لكل من السيدات الثلاث الفائزات بالجائزة والتركيز على الاستفادة من تجربتهن. ومن دون شك أن الإعلام ركز بشكل أكبر على الفائزة العربية عن بقية الفائزات لما تجسده من أمور كثيرة. فبحصولها على الجائزة لم تكن كرمان أول امرأة عربية يمنية محجبة ومسلمة تفوز بالجائزة فحسب وإنما أيضًا أصغر شخص يفوز بجائزة نوبل للسلام على الإطلاق. ما يميز مشوار كرمان النضالي هو أنها على الرغم من صغر سنها إلا أنها خطت شوطًا كبيرًا في النضال السلمي السياسي، وقد كان طريقها مليئًا بالمخاطر. إنه ليعتبر أمرًا بارزًا كيف أنها ثابرت من دون كلل أو ملل وبذلت مجهودًا متواصلاً من أجل إحداث تغيير وإصلاحات.

وفي هذا المقال نستعرض ما حدث خلال ندوة في السويد أجريت لاستقبال الفائزات الثلاث ولكن مع تركيز أكبر على توكل كرمان.

** ** **

بخطوات ثابتة وثقة آسرة ووسط تصفيق وترحيب حار دخلت السيدات الثلاث إلى قاعة الندوة، هن الفائزات بجائزة نوبل للسلام 2011، رئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف والناشطة في مجال السلام الليبيرية ليما غبووي والصحفية والناشطة الحقوقية والناشطة السياسية اليمنية توكل كرمان التي حطمت الرقم القياسي وأصبحت أصغر فائزة بهذه الجائزة عن عمر 32 عامًا وأصبحت أول امرأة عربية على الإطلاق تفوز بالجائزة. السيدات الثلاث كن في ضيافة وزارة الخارجية السويدية بعد أن تسلّمن الجائزة التي تتضمن ميدالية وشهادة ونحو مليون يورو متوزعة على الفائزات الثلاث، حيث تسلمن الجائزة في 10 ديسمبر في أوسلو، وهو تاريخ وفاة السويدي ألفرد نوبل مؤسس الجائزة. ووفقًا لرئيس لجنة الجائزة في أوسلو ثوربورن ياغلاند فإن «النساء الثلاث كوفئن على نضالهن السلمي من أجل ضمان الأمن للنساء وحصولهن على حقوقهن للمشاركة الكاملة في عملية بناء السلام». وقد أقامت وزارة الخارجية السويدية ندوة خاصة لهن تلتها مأدبة عشاء خاصة في العاصمة السويدية في 12 ديسمبر بحضور العديد من الشخصيات السياسية السويدية وقادة من المنظمات النسائية والحقوقية ومن منظمات المجتمع المدني في السويد، وتناولت الندوة عددًا مهمًا من القضايا المرتبطة بين رؤى الغرب للدول النامية والعكس. الأمر المثير في الندوة أنه لم يكن يبدو أن مجرد ندوة أو احتفالية للفائزات تتحول إلى ساحة مهمة للفائزات لتوجيه رسائل توضيحية قوية للمجتمع الدولي والدول المانحة فيما يخص سوء الفهم بالنسبة للعمل التنموي الدولي في إفريقيا وما يخص سوء الفهم للإسلام. بالإضافة إلى ذلك، كان في ختام الندوة خبر فاجأ الحضور بعد أن أعلنت إحدى الفائزات نيتها الترشح لمنصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

النشاط السياسي والنشاط النسوي

لكن في البدء، لابد من الإشارة إلى أن السيدات الثلاث لم يتم جمعهن تمامًا تحت إطار واحد عندما تسلمن الجائزة. وذلك الإطار يبدو للوهلة الأولى للعامة أنه بشكل كلي إطار الكفاح النسوي السياسي، ولكن ذلك الأمر صحيح بشكل جزئي فقط، فبالفعل تماما جميعهن ناشطات سياسيات ولكن لسن جميعًا ناشطات نسويات. بالنسبة للسيدتين الليبيريتين نضالهما كان من منطلق نضال نسوي من أجل تحقيق أهداف في مجال السلام وإحداث تغيير اجتماعي وسياسي. لكن بالنسبة لتوكل كرمان الأمر مختلف. لم يسبق أن قالت توكل إنها ناشطة نسوية أو أنها تناضل من منطلق نسوي لإجراء الإصلاحات والدعوة إلى تحقيق حقوق سياسية للنساء بشكل أساسي. بالأصح أوضحت توكل في لقاءات صحفية أجريت معها قبل وبعد تسلم الجائزة أنها ليست ناشطة نسوية، ومن المؤكد أنها ناشطة سياسية حقوقية مهمة منذ البداية، وعلى مايبدو أنها ستظل كذلك حتى النهاية، فهي تركز بشكل أساسي على الدعوة إلى مناصرة حرية الصحافة والتعبير في اليمن، وهي دعوة مستمرة لتحقيق الديموقراطية للجميع سواء الرجال أو النساء في اليمن.

نضال توكل المليء بالمخاطر

بغض النظر عن الفئة التي يندرج نضال توكل فيها، إلا أنها تكبدت الكثير في سبيل نضالها الحقوقي السياسي. ولكن قبل استعراض المخاطر التي تحملتها لابد من الإشارة إلى لمحة عن نشاطات توكل.

قامت توكل بالكثير في مجال الدعوة ومناصرة حرية الصحافة فقد قامت بإنشاء وترؤس منظمة «صحفيات بلا قيود» غير الربحية سنة 2005، بالإضافة إلى ذلك عرفت بشجاعتها وجرأتها على قول الحق ومناهضة انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري، وفي حالات كثيرة عرّضت كرمان حياتها للخطر عبر مطالبتها الصارمة بالإصلاحات السياسية في البلد، وفي سبيل ذلك عانت توكل الأمرين. نضال توكل الثوري ضد الفساد والظلم لم يبدأ مع بداية الربيع العربي، فقد بدأت مشوارها في النشاط السياسي ناشطة سياسية وداعية لفك أسر معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين وقد كانت منذ وقت طويل تنظم مظاهرات بشكل مستمر. لقد نظمت مايقارب 110 مظاهرات ووقفات احتجاجية أمام مبنى البرلمان اليمني ووزارة الإعلام اليمنية منذ العام 2005.

السويد - أفراح ناصر

  • شخصيات: ناقد مصري يرد الاعتبار للعلاق

التقيت به أول مرة مطلع التسعينيات من القرن الماضي في اليمن التي سافرت إليها بصحبة الكاتب السوري علي عقلة عرسان لنجالس مبدعي هذا البلد الساحر، ونتعرف على بشر ينتمون إلى الشعوب القارئة في عالمنا العربي، ونطلعهم على الطبعة التجريبية من «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين».

جمعنا به مجلس مضيفنا د.عبدالعزيز المقالح، رئيس جامعة صنعاء الأسبق، ومدير معهد الدراسات والبحوث اليمنية، كنا في ضيافة الجامعة، المكان نفسه الذي أقام فيه العلاق مع أسرته منذ ترك رئاسة تحرير مجلة «الأقلام» العراقية وجاء إلى صنعاء ليعمل في جامعتها.

الأيام الصنعانية كانت فرصة نادرة للاقتراب من عالم رجل تعددت أوجه موهبته كما تعددت أوجه إنسانيته.

أما إبداع العلاق فهو يمغنط عينيك على معانيه التي يتفرد بها، ليجذب إليه قراء يبحثون عن الدهشة.. وعالم مغاير يريحهم قليلاً من حقيقة الواقع إلى ما هو أكثر ثراء.. لكنه قدر المبدعين يضعهم على أطراف ذاكرة مصابة بتأثير «الميديا»، فيفوزون بهزيمة النسيان، بينما البحث عن كنوزهم يشبه الرياح التي تطارد التراب المتراكم على أعمال لاقت من الإهمال ما يظلم أصحابها. يزيل الإبداع الحدود بين من يكتب ومن يقرأ، ليلتقي كلاهما في عالم رحب يتسع دوما لهما معًا، ويؤاخي بينهما بمواثيق البلاغة.

لا يموت من يمتلك كتابًا يخاطب به الأفئدة، سيجد من يلتفت إليه ويلتف حوله ويتحدث عنه.. ذلك ما حدث مع د. أحمد عفيفي الذي شده ما خطه العلاق فهام به وقرر أن يكتب عنه.

«عندما ننتهي من قراءة عمل للشاعر العراقي علي جعفر العلاق نجد أنفسنا وقد أصابتنا دهشة التلقي.. تنفصل أحلامنا عن واقعنا الشائك لنعيش الحقيقة الشعرية بما فيها من متعة قد يشوبها الألم، وعذوبة عامرة بالإبهار».

بهذا الانطباع النقدي يلخص الأكاديمي المصري د. أحمد عفيفي الأثر الذي يمكن أن تحدثه قراءة نصوص الشاعر والناقد العراقي د. علي جعفر العلاق، الذي عرفه الكثيرون رئيسًا لتحرير مجلة «الأقلام» التي كان ينتظرها كبار المثقفين والمبدعين قبل عموم القراء مطلع كل شهر، ويعرفه كثيرون كأستاذ للأدب الحديث والنقد تخرّج على يديه ألوف الطلاب في جامعة صنعاء، ولا يزال يمارس الدور نفسه مع طلاب جامعة الإمارات في العين.

لا أخفي سعادتي بصدور هذا الكتاب الذي يعكس وفاء أكاديمي مصري لمبدع عراقي كبير، مما جعلني أشد على يد صديقي د. أحمد عفيفي، أستاذ علم اللغة بكلية دار العلوم، وهو يقدمه لي، وقد أعده من مضمون الدراسات والمقالات والشهادات التي جاءت بأقلام مجموعة من كبار الشعراء والنقاد في عالمنا العربي لتؤكد على مكانة هذا الشاعر الكبير فجاء بعنوان «الصوت المختلف».

ويدور العمل على ثلاثة محاور أولها شعري يركز على دراسة الخطاب الشعري عند العلاق مبينًا مدى تفرده على مستوى التشكيل اللغوي الجديد، متوقفًا أمام معجمه الخاص، ومحللًا إيقاعه الصوتي، وراصدًا تشكيلاته المتنوعة، وكيفية توظيفه لعناصر التراث الإنساني.

في حين يتناول المحور الثاني العلاق ناقدًا، باعتباره صاحب الانتباهات النقدية التي تؤكد وعيه وتميزه، فهو يدرك خطورة لغة النقد ومتعتها، ويتجسد هدفه في تحليل البناء، ومنهجيته التي أفادت من حساسيته الشعرية، ومن حسه الإنساني وخبرته الحياتية المتنوعة، ومن ممارساته الأكاديمية كأستاذ جامعي مرموق.

كل هذا خلق مزاجًا نقديًا فريدًا لا يتشابه مع غيره من الشعراء النقاد؛ فثمة خصوصية في تجربة العلاق جاءت من تفاعل الشعر والنقد عنده، ومن خلالها خلق لنفسه مسلكًا نقديًا غير مقيد بآليات النقد التقليدي المتعارف عليها، ليكتشف في النهاية أبعادًا قد لا يصل إليها غيره من النقاد.

وقد كانت للعلاق رؤيته الثاقبة في عملية التلقي من خلال استحداثه مجموعة من المنطلقات المنهجية التي يفسر بموجبها الاستقبال الفردي أو الجماعي للنص تارة، واستقبال النخبة أو العامة له تارة أخرى.

وقد تعددت الدراسات والمقالات في هذا المحور فنجد: «العلاق الشاعر الناقد.. زواج الماء والنار»، للدكتور محمد صابر عبيد، «التلقي الشعري في منظور العلاق» للدكتور علي صليبي المرسومي، «العلاق ناقدًا في حداثة النص الشعري» للدكتور بشري البستاني، «العلاق ناقدًا قصائده» للدكتور محمد أبوالفضل بدران، «شعرية العنوان في مؤلفات العلاق النقدية» للدكتور دوش الدوسري، «بنى التأطير في الخطاب النقدي.. في نقدية العلاق» للدكتور فائز الشرع، «علي جعفر العلاق وأساطير نقدية معاصرة» لإياد نصار، «لماذا يلجأ الشعراء إلى النقد؟» لياسين النصير، و«يستعيد فاعلية المكتوب عبر فاعلية القراءة» لعلي حسن فواز.

أما المحور الثالث فيتصل بالعلاق الإنسان صاحب دواوين: «لا شيء يحدث.. لا أحد يجيء، «وطن لطيور الماء»، «شجر العائلة»، «فاكهة الماضي»، «أيام آدم»، «ممالك ضائعة»، «سيد الوحشتين»، «هكذا قلت للريح»، «عشبة الوهم»، و«ذاهب لاصطياد الندي».

القاهرة - مصطفى عبدالله

  • إصدار: البحرينية فتحية ناصر تحاصر «الرجل السؤال»

تواصل «فتحية ناصر» الصوت الروائي البحريني مسيرتها الكتابية بعملها الأحدث، رواية «الرجل السؤال» والصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

دخلت فتحية ناصر المشهد الثقافي المحلي بتجربتها الروائية القصيرة الأولى «الحجابان 2004م» ثم أتبعتها بـ«المرأة التي أحب رواية 2005م» و«قضية جسدي شعر 2007م».

البداية مع شابة اسمها «رجاء» تسأل نفسها إن كانت هناك صداقة بين الرجل والمرأة تتخطى لغة الاشتهاء الغريزي؟!

الصوت الآتي من خلف الكواليس، يختار منذ البداية تحريك أو مشاكسة مشاعر القارئ بصيغة السؤال المباشر وهو «السؤال» الذي تقوم من بعده فتحية ناصر باستنفار جهدها الكتابي وبذل عرقها في محاولة الإجابة عنه، فنجحت في تأسيس عالم روائي حافل باللون، والرائحة، والطعم، والحركة، ضمن محاور فكرية واجتماعية ودينية وعقائدية ومذهبية، توغلت في سؤال الجسد، حولت «الرجل السؤال» إلى منقلة جمر تغلي فوقها دلال القهوة، تسكبها لك بروح مضيافة «فتحية»، قهوة من السجال الفكري الحضاري المتداخل مع الإشكاليات العولمية الراهنة وسؤال الهوية ومأزقها، وصولًا إلى الحرية وكذا أحزمة وشراك مفخخة، تركتنا الكاتبة نسلك الطريق وسطها لنعيش لحظات الامتحانات القاسية بالرغم من أصوات الانفجارات التي سيطرت على المتن الروائي من الغلاف إلى الغلاف.

السفر نحو الماضي

هكذا اختارت الكاتبة «فنيًا» بدء انطلاقتها من حالة الماضي وقد غاصت في دهاليزه، انطبع في ذهنها كصور مؤلفة من آلاف الشظايا، تجتمع على هيئة نصال حادة تحاصر الذاكرة المثخنة بالجراح والنكسات والخيبات، الكاتبة صيرت من بطلتها الافتراضية «رجاء» تلك الفتاة الحرة من «ينبغيات» العرف والدين والمذهب والمتمردة على الهيمنة الذكورية التي تشكل قاعدة مجتمعية عامة وتجربة معيشة ضمن أسوار البيت الكبير، يهيمن عليه رجل مزواج يعشق متعته الجسدية ويستمر في تفريخ الأولاد والبنات، يهب نعمه لمن يشاء ويحل غضبه بلا رحمة على من يخالفه. وسط هذا الجو تكتسي رجاء وتتشبع فكريًا ومع مرحلة الدراسة تنهض من واقعها، تحاول إيجاد عالم بديل يهبها الحرية التي تبحث عن عطرها وتجد ذلك العطر في إقامة علاقات صبيانية طارئة مع مراهقين من سكان الحي الذي تقيم فيه.

من حيث النواحي الفنية لم تعط «فتحية ناصر» شخصيات الرواية باستثناء «رجاء» ذلك البعد الدرامي المطلوب من زاوية العمق النفساني وكل ما يتصل بحياتها لإغناء العمل.. توقعت أن تتحدث الكاتبة أكثر عن سطوة رب العائلة «الأب»، خصوصًا مع تصاعد الأحداث «هروب رجاء من بيت الوالد»، كل الأحداث التي وردت تمتعت بحيز رائع من التشويق الذي شد خيط الحكاية الرئيسة، لكن «شخصيًا» شعرت بأن الكاتبة تهرول بالأحداث نحو حماس الحالة الختامية، بينما الإشكاليات المطروحة ضمن العمل، قادرة على استيعاب المزيد من الأحداث التي تستطيع فتحية ناصر ترتيب اللعبة فيها واستثمارها على امتداد فني أوسع.

أيضًا.. بؤرة الحدث الرئيس في الرواية «البحث عن الحرية» وتوق البطلة «رجاء» إلى تنسم رائحة هذه الجنة الموعودة، رفعت من توتر الحدث ببعده الجغرافي، حيث انتقلت بنا مجريات الرواية إلى حيث تضاريس بلدان أخرى، تفاعلًا مع حلم الحرية وهربًا من البيئة المحلية التي رأت «رجاء» أنها تسلب وتصادر حريتها، هنا تشظ جميل يرتد على جغرافية دهاليز النفس المحاصرة والجائعة إلى ممارسة الحياة، بالإيحاء شدتنا إليه الكاتبة ولم تصرح به، بالرغم من الأسلوب الواقعي الذي اتُّبِع في كتابة العمل.

ذهبت الكاتبة إلى تناول مفهوم الصداقة وشرعت تنقب في دواخل أبطالها عن صدى المفهوم صداميًا أو محاولة فهم هذا العالم حيث بذلت «رجاء» من تجربتها الحياتية وعمرها الكثير حتى تتعلم كيف هي الحياة، فقد خاضت تجارب مريرة عندما قررت التمرد على مجتمعها، رغم أنه تمرد دافعه الحرية الشهية الكسب مع «علي» ذي الخلفية المذهبية المختلفة عن «رجاء»، ولكن يجمعهما عنوان الصداقة دونما التزامات تمثل عبودية للآخر، مع إقصاء حالة الحب عن جو العلاقة والتي تؤشر إلى الإخلاص للشريك.

لعبة الحرية إلى أين؟

تطورات الأحداث بـ«الرجل السؤال» لم تتشعب بالشكل الكافي، لذلك جاءت خاتمة الرواية سريعة كما أظن. الصديق «علي» خضع أخيرًا لسلطة المجتمع متمثلًا في «الأب» الذي زوجه من فتاة ثرية تنتسب لعائلة معروفة، أما «رجاء» التي خسرت صديقها مقابل «حرية اللا التزام» والحصول على متع غير مكتملة في سنوات التسكع والضياع، تجعل القارئ يتساءل عن المحصلة التي جنتها «رجاء» من خلال تمردها. «رجاء» في نهاية الرحلة، خضعت لنواميس المجتمع وتزوجت بأقرب من تودد إليها، خوفًا من أن تكبر وتفقد خصوبتها.

إلا أن ذاكرة الجسد والروح مع «علي» الذي اكتشفت في الوقت الضائع حبها له، بقيت مسيطرةً عليها مثل كابوسٍ لا يهدأ.

البحرين - أحمد المؤذن

  • إصدار: اكتشاف الباحث نور الدين عبدالقادر في كتاب لشيخ المؤرخين الجزائريين

في إطار سعيه، وعمله الجاد والدءوب للملمة شتات الذاكرة الوطنية الجزائرية، يُقدم لنا العلاّمة الكبير د. أبو القاسم سعد الله، شيخ المؤرخين الجزائريين، بحثًا وافيًا عن واحد من الباحثين المغمورين، الذين أغمط حقهم في الظهور، والإشادة، والتنويه، وهو الباحث نور الدين عبدالقادر (1890-1981م).

وتتجلى أهمية كتاب شيخ المؤرخين الجزائريين، والمعنون بـ:«باحث مغمور، نورالدين عبدالقادر1890-1981م، أستاذًا وكاتبًا ومُترجمًا»، والذي صدر عن منشورات المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر، من حيث إنه يُسلط الضوء على باحث مغمور لم يحظ بالعناية الكافية من لدن الباحثين، على الرغم من إسهاماته الكبيرة، وإنتاجه الغزير والمتنوع، فلم يُسبق أن كُشف النقاب عن جهوده، وآثاره، وخدماته، فقد أضحت مساهماته على الرغم من غزارتها، وتنوعها مجهولة تقريبًا، إلا عند البعض من تلاميذه، وزملائه، ومن هنا تأتي أهمية كتاب د. أبو القاسم سعد الله فهو أول كتاب يصدر عن الباحث نور الدين عبد القادر.

وقد اشتمل الكتاب على مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة. في مقدمة الكتاب يتحدث د. أبو القاسم سعد الله عن قصته مع إنجاز هذا البحث عن نور الدين عبد القادر، فيشير إلى أن الفكرة قد نبعت عندما كان يبحث عن موضوع يشارك به في إحدى دورات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فرغب في تناول شخصية عاشت في العهد الفرنسي، وأسهمت في الحفاظ على اللغة العربية، وترقية التأليف والتدريس بها، ونظرًا لرغبته في عدم تناول موضوع مطروق، وشخصية تحدث حولها الكُتّاب، فقد وقع اختياره على عبد القادر الحميدي، أو نور الدين عبدالقادر كما أصبح معروفًا من بعد.

كما يتحدث د. سعد الله في مقدمته عن الجهود الكبيرة التي بذلها في سبيل العثور على معلومات عنه، والنهوض بهذا البحث، ويذكر أنه وفي كل مرة يسأل فيها عنه مع بعض من بقي على قيد الحياة من أبناء جيله يرجع فيها خائبًا، حيث يقول عن هذا الأمر: «بدأت أبحث عن حياته وآثاره، وأسأل عنه من بقي على قيد الحياة من جيله. ولكن المعلومات كانت شحيحة، وفي كل مرة كنت أرجع من بحثي خائبًا. وكان يبدو لي أن نور الدين هذا قد عاش في عصر آخر».

وبعد الجهود الكثيرة التي بذلها د. أبو القاسم سعد الله، وذهابه إلى الحي الذي رأى فيه نور الدين عبدالقادر سنة 1972م، ومحاولته استقصاء معلومات عن حياته مع عائلته، وتلاميذه، خلص إلى أن المصدر الحقيقي لحياة نورالدين عبدالقادر هو مؤلفاته، ومقالاته، فمن خلال اختياره لمواضيعها، وعناوينها، وتنوعها، وأسلوبه في كتابتها يمكن معرفة صاحبها، و إدراك مدى علمه، ومعارفه، وتوجهاته، حيث يذكر أن مقالاته الصحفية، وبحوثه في فنون المعرفة المستمدة من كتب التراث، هي مصدر لمعرفة حياة نور الدين، «أما المصدر الأخير فيتمثل في علاقته ببعض المستعربين والمستشرقين الفرنسيين، فقد كان يتعاون مع هؤلاء لترجمة النصوص، ونماذج من الحضارة العربية الإسلامية. ومن أبرز الذي تعاون معهم هنري جائي (جاهيه) الذي ترجم ونشر معه بعض آثار ابن سينا، وقصيدة الصيد، وربما قدم خدمات علمية لهنري بيريز الذي يسميه «أستاذنا». وقد ترجم لبعضهم في مقالاته مثل إدمون فانيان المتخصص في المخطوطات العربية».

عنابة - محمد سيف الإسلام بوفلاقة

  • مهرجان: مهرجان المسرح العماني الرابع: نجاح جماهيري وتراجع فني

أسدل مهرجان المسرح العماني الستار على دورته الرابعة لكن أبقى على مجموعة أسئلة حاضرة في أذهان المسرحيين بالسلطنة الذين تباينت ردود فعلهم، بين ممتعض من المهرجان حتى وهو غائب عن فعالياته، ومشجع له باعتباره التظاهرة الفنية الأهم في السلطنة ويرى وجوب استمراريتها كون غالبية الفرق المسرحية العمانية لا حياة لها من دون هذا المهرجان.

وأرادت وزارة التراث والثقافة جعل هذه الدورة مختلفة على صعيد التواصل الداخلي للمشاركين فيه وتعظيم استفادتهم الإيجابية من فعالياتها التي توزعت على مجموعة أنشطة تضاف إلى العروض المسرحية المقامة في قاعة الكلية التقنية العليا في الخوير، فنظمت إدارة المهرجان ورش عمل متخصصة شارك فيها طلبة المسرح بجامعة السلطان قابوس وعدد من أعضاء الفرق المسرحية بالسلطنة، وحاضر فيها خلال الأيام الثلاثة الأولى ضيف المهرجان عميد المعهد العالي للفنون المسرحية بسورية د. عجاج سليم، وشهدت في يومها الرابع جلسة فنية جميلة مع الفنان محمد صبحي الذي أثرى المشاركين بتجربته المسرحية الطويلة محاضرًا ومخرجًا وممثلا قديرا، واختتمت بجلسة خامسة مع رئيس لجنة تحكيم المهرجان، المسرحي المغربي د. عبدالرحمن بن زيدان.

واجتمع المسرحيون في النادي الثقافي للتباحث في الشأن المسرحي بالنادي الثقافي ضمن لقاء جمع الضيوف والنقاد وعددًا من المشاركين. وشهد اللقاء ردود فعل على مقولة الفنان محمد صبحي «أن المسرح العربي مات»، بين مؤيدين له ومعارضين ليفسر لهم أن المسرح الجاد هو الذي مات، وينتظر انبثاقة جديدة بجسد جديد لأن المسرح ضرورة حياتية لا مناص منها في الحياة المدنية المعاصرة.

كما شارك ضيوف المهرجان في ندوات متخصصة حول المسرح العربي، مستعرضين تجارب وأزمات عبر ندوات مثل «المسرح في مصر والمغرب العربي»، و«المسرح في بلاد الشام»، و«المسرح في الخليج العربي»، وكانوا ضيوفًا دائمين على الندوات التطبيقية المقامة يوميًا بعد كل عرض، لتحقيق استفادة حقيقية من وجودهم وتجاربهم بحضور كبير من الجمهور الذي أكد حرصه على العيش مع الحالة المسرحية بكل تفاصيلها وامتلأت قاعة الندوات به.

وكرم المهرجان عددًا من المسرحيين العمانيين وهم الفنانة سميرة الوهيبي، وعلي عوض البوسعيدي والمؤلف المسرحي خليفة بن عثمان الرئيسي إضافة إلى محمد بن عبدالله المردوف والراحل جمعة الخصيبي، علما أن لجنة التحكيم بالمهرجان تشكلت من خمسة أسماء يرأسها المغربي عبدالرحمن بن زيدان وعضوية اللبنانية شادية زيتون والفنان السعودي أحمد الهذيل بجوار العمانيين د. سعيد السيابي والفنانة المعروفة فخرية خميس.

ومثلما افتتح المهرجان في قاعة مسرح قصر البستان عاد إليه في حفل الختام لتتويج الفائزين بعد ثمانية عروض مسرحية قدمتها الفرق الأهلية في السلطنة، وكانت فرقة الدن القادمة من وراء جبال سمائل بالمنطقة الداخلية الحصان الأسود الذي قفز من مجرد مشاركات اجتهادية خلال السنوات الماضية ليحصد جائزة أفضل عرض عن مسرحيه «البئر» للكاتبة آمنة ربيع سالمين لتضعها في أجندة المشاركة العمانية ضمن مهرجان المسرح الخليجي المقبل والذي تستضيفه مدينة صلالة في أغسطس المقبل، ونال مخرج «البئر» محمد الهنائي جائزة أفضل إخراج، والممثل أحمد السياني جائزة أفضل ممثل دور أول، وزميلته غالية السيابية أفضل ممثلة دور ثان.

ولم ير جمهور المسرح نتائج بعيدة عن المنطق حينما أعلن عن فوز مسرحية «الكهف» للمؤلف والمخرج جلال عبدالكريم جواد بالمركز الثاني لجائزة أفضل عرض لكونها من العروض الجميلة التي أيقظت المهرجان من كآبة العروض الأولى وما حملته من سوداوية طرح و«صورة» وضعف فني لم يشفع لأغلبها في الحصول على شيء، فيما خيبت مسرحية «الرزحة» لفرقة مسقط الحر آمال الجمهور العريض الذي توقع عرضًا قويًا للمخرج والممثل جاسم البطاشي، واكتفت بجائزة أفضل نص لعبدالله البطاشي الذي تجرأ «متخيلا في أكثر من بقعة ضمن الحدث» بالاقتراب من مناطق مسكوت عنها في التاريخ العماني، والمقاومة ضد المستعمر البرتغالي بما كان يكفي لاستفزاز الناقد السوري أنور محمد للحديث بحدّة في الندوة التطبيقية التي تلت العرض ورأى أن تقديم التاريخ النضالي للبلدان يفترض أن يرقى ويقدم بقدسية مشيدًا بالمخرج الذي آثر حذف تلك المقاطع في النص والتي ركزت على حالات الشذوذ لدى القادة البرتغاليين، وكأنها سبب انتصار المقاومين.

ولم يخرج رئيس فرقة مزون المسرحية يوسف البلوشي من السباق المسرحي وهو المعتاد على اكتساح جائزة السنوغرافيا محليا (وفي مهرجانات عربية شارك فيها) فاستحق الفوز بها عن مسرحيته «الخوصة والزور»، فيما ذهبت جائزة المستوى الثاني للسينوغرافيا للمخرج طاهر الحراصي عن عرض «الكهف».

أما نجمة الدراما والمسرح في السلطنة حنان العجمي فلم تجد صعوبة كبيرة في الفوز بجائزة أفضل ممثلة دور أول.

رئيس لجنة المهرجان ووكيل وزارة التراث والثقافة حمد المعمري اعترف بالمشكلة وأحقية الجمهور المسرحي الكبير في وجود قاعة حقيقية تتسع لهم، واعدًا بأكثر من مسرح في مجمع عمان الثقافي والذي وضعته الحكومة كأكبر مشروع ثقافي منذ سنوات طويلة لكنه بقي عصيًا على التنفيذ على أرض الواقع، لكن المعمري أشار إلى ثلاثة مجمعات ثقافية تحتوي على مسارح في ثلاث محافظات عمانية، مطلقا بشارته لجمهور المسرح بتواصل عروض الفرق الفائزة في محافظاتها لمدة أسبوع بدعم من الوزارة.

مسقط - محمد بن سيف الرحبي