التسونامي أمواج تبطُش

التسونامي أمواج تبطُش

التسونامي, أمواج (حائطية), تكمن بها كمية ضخمة من الطاقة الحركية, تدفعها لتهاجم الشواطئ, فتدكها دكَّاً!

إنها تنطلق عندما يتعرَّض قاع المحيط لهزات أرضية, تنتشر تردداتها بالماء, مولِّدةً أضخم, وأقوى, وأكثر الأمواج نُدرةً في بحار ومحيطات العالم. وكلمة (تسونامي), في اليابانية, مكونة من مقطعين: (تسو), بمعنى ميناء أو خليج, و(نامي), بمعنى موجة, فالمقطعان معاً يعنيان أن (الموجة في الميناء), ويلخصان خبرة اليابانيين الطويلة, والمريرة, بهذه الظاهرة البحرية, إذ تأتي اليابان على رأس قائمة الدول المنكوبة باستقبال أمواج التسونامي, تليها (تشيلي), ثم (هاواي).

إن هذه التسمية - تسونامي, أو الموجة في الميناء - تؤكد دقة اليابانيين وصحة ملاحظاتهم حول تلك الظاهرة الخطيرة, التي اختصتهم بجانب كبير من بطشها.. فهذه الأمواج الضخمة لا تكاد تُرى في البحر المفتوح, بعيداً عن الشاطئ, ولا يكاد يشعر بها من يركب البحر, وهي تمرُّ تحته!, وما إن تقترب من الشاطئ, حتى تتعملق, وتتميز إلى عدد من الموجات الجدارية (عشرة أمواج أو أكثر قليلاً), تدكُّ الموقع المنكوب. ويؤكد هذه الحقيقة ما رواه, في العام 1896, فريق من الصيادين اليابانيين, من جزيرة اسمها (سانريكو), كانوا في رحلة صيد أمام ساحل جزيرتهم, ولما عادوا إليها, بعد انتهاء عملهم, وجدوها قد تحطمت تماماً, وفقدوا 22 ألفاً من مواطنيهم, في هجمات شرسة لأمواج التسونامي, التي لم يروها تمر بهم, وهم غير بعيدين عن جزيرتهم, وكان هؤلاء الصيادون هم أول من سجل أن أمواج التسونامي تظهر فجأةً, بالقرب من الشاطئ.

إن الجانب الأعظم من هذه الأمواج الشريرة, هو - كما أسلفنا - وليد قلاقل فجائية عنيفة, تنتاب القشرة الأرضية, تحت مياه المحيط, ولكي نوضح طبيعة أمواج التسونامي, نذكرك بفعل صغير, ربما تكون قمت به بنفسك, أكثر من مرة, وهو إلقاء حصاة في مسطح مائي.. ماذا يحدث?.. تنتشر أمواج دائرية, مركزها نقطة إلقاء الحصاة, وتستمر في الاتساع, إلى أن تتلاشى عند نفاد الطاقة الناجمة عن فعل إلقاء الحصاة. والآن, تخيل أننا (أقلقنا) الماء المستقر عند قاع المحيط, كأن يحدث (صدع), فإن قشرة القاع تنشق طولياً, ويرتفع جانب من هذا الشق عن مستوى الجانب الآخر.. فهل يبقى عمود الماء, القائم فوق موقع الصدع, على حاله?. طبعاً, لا.. إنه يستجيب لما حدث, فيتحرك لأعلى, أو لأسفل, ويتولَّد عن حركته هذه متوالية من الأمواج, تصل المسافة بين الموجة والأخرى, فيها, إلى مائة ميل. إن الطاقة الحركية لأمواج التسونامي تنشأ في كامل طول هذا العمود من الماء, فوق مكان الصدع, موزَّعةً عليه, بالتساوي, دون تأثر بازدياد أو انخفاض العمق, في مسار الأمواج باتجاه الشاطئ. ولعل ذلك يفسر قدرة هذه الأمواج على التحرك بسرعة تبلغ 500 ميل بالساعة, في مياه المحيط الهادي, التي يبلغ متوسط عمقها 13 ألف قدم, مع الاحتفاظ بكامل طاقتها الكامنة. وعندما يقل عمق المياه, ويكون ذلك - عادةً - قرب الساحل, فإن نفس كمية الطاقة الكامنة في المياه تتضاغط في حيِّزٍ رأسي أقل, مما يجعل أمواج التسونامي تكتسب ارتفاعاتها الشاهقة التي تشتهر بها, فتبدو وكأنها حائط يقترب ليطبق على الشاطئ!

وتشير الإحصاءات إلى أن عدد ضحايا التسونامي, خلال قرن من الزمان, يزيد على 50 ألف إنسان, لم يكن لدى معظمهم الوعي الكافي بخطورة الوجود في مناطق مشهورة بتردد أمواج التسونامي عليها, أو كانوا يفتقدون الخبرة بكيفية التصرف والبحث عن منفذ النجاة من الأمواج القادمة, التي تسبقها علامات محذِّرة. من هذه العلامات, الهزات الأرضية الطويلة والعنيفة, ثم حدوث إزاحة أفقية مفاجئة للمياه, فتجد الخليج أو الميناء وقد خلا تماماً من المياه, وتناثرت الأسماك والقوارب على قاعه, كأن مضخة هائلة سحبت كتلة الماء منه!

إن هذه العلامات المنذرة تجعل سكان المنطقة, الخبراء بأمواج التسونامي, يتركون كل شيء, ويفزعون إلى أقرب مكان مرتفع, يعصمهم من الخطر الوشيك. أما المتكاسلون, والعاجزون, والجاهلون, والفضوليون الذين لا يستطيعون مقاومة رغبة في إلقاء نظرة على ما حدث بالخليج, فإنهم يبددون الدقائق القليلة - 5 إلى 30 دقيقة - التي تفصل بين ظهور النذر وإغارة الأمواج المتوحشة, أو بين الحياة والموت!!

حقيقة الأكريلامايد

أصدرت إحدى الإدارات الطبية البحثية, في الولايات المتحدة الأمريكية, أخيراً, بياناً أكَّد على أن ثمة احتمالات لوجود مادة كيميائية مسرطِنة, في بعض أنواع الأغذية, هي (الأكريلامايد), وأن مستويات وجود هذه المادة الخطيرة تتفاوت بين أنواع الطعام المختلفة. وكان اهتمام علماء التغذية والصحة بهذه المادة قد بدأ بعد أن اكتشف أحد العلماء السويديين وجودها في الأطعمة المقليَّة بالزيت, وفي بعض أنواع الطعام الأخرى, التي يجري تعبئتها في أكياس, وهي ساخنة. وقد أثبتت التجارب على حيوانات المختبر, من القوارض, أن هذه المادة - الأكريلامايد - لها تأثير مسرطن, ولم يتأكد العلماء, حتى الآن, من أن هذا التأثير ينسحب على البشر, وهذا هو الأمر الذي يشغل العلماء في عديد من مراكز البحث العلمي, الذين يهمهم أن يتوصلوا إلى وسيلة لخفض مستويات الأكريلامايد بالطعام, بإدخال تعديلات على الطرق الاعتيادية المتبعة حالياً, في الطهي والتصنيع والتعبئة.

وقد غطت الأبحاث وعمليات التحليل الكيميائي عدداً من أنواع المأكولات, مثل (البطاطا) المقلية, والشرائح منها المعبَّأة في أكياس, والخبز, والحبوب الغذائية, والفاكهة, والخضراوات (المعبأة والمجمدة), ولم يستطع العلماء التوصل إلى نتائج عامة, فقد تباينت مخرجات أجهزة التحليل, ليس فقط بين أنواع المأكولات المختلفة, ولكن أيضاً بين عينات من نفس المنتج الغذائي, وعلى سبيل المثال, فقد أُخذت عينات ونماذج من البطاطا المحمَّرة, أو المقلية, التي تقدمها لزبائنها سلسلة مطاعم أمريكية شهيرة (من عدة فروع بأماكن متفرقة), فكان ثمة فروق واضحة في نتائج تحليل هذه العينات, فيما يخص مستوى الأكريلامايد بها. وقد أوقعت هذه النتائج العلماء في حيرة, فهم يميلون إلى القواعد الثابتة الواضحة, التي يبنون عليها استنتاجاتهم وتصوراتهم لما يواجهونه من مشاكل, لتكون الخطوة التالية هي اقتراح الحلول, ولكن الأمور لم تتحقق على هذا النهج مع الأكريلامايد. ومع ذلك, فقد فكَّر بعضهم في أن الاختلافات الواضحة في مستويات هذه المركبات الكيميائية الضارة, في أنواع الطعام المختلفة, وداخل العينات المتعددة من النوع ذاته, يمكن أن تكون لها دلالاتها.. إنها قد تعني أن ثمة عوامل تؤدي إلى هذه التباينات الملموسة في مستويات الأكريلامايد, فإذا توصلنا إلى طبيعة وماهية هذه العوامل, فربما كان ذلك مفيداً في اكتشاف طرق لتخليص طعامنا من هذه المادة, أو - على الأقل - خفض مستويات وجودها به.

ومن الملاحظات التي سُجِّلت, في عمليات التقصِّي حول أسباب تفاوت مستويات الأكريلامايد, أن زمن الطهي, أو مدة تعرض مكونات الغذاء للحرارة في مطابخنا, قد يكون مؤثِّراً, إذ كان مستوى وجود هذه المادة في أحد الأطعمة منخفضاً جداً أثناء حفظه مجمَّداً, قبل طهيه, فلما تم طهيه, بالقلي في الزيت, ارتفعت نسبة الأكريلامايد به. ولما أُعيد الاختبار, وقليت عدة عينات من الطعام ذاته, لمدد 15 و30 و45 دقيقة, نتجت ثلاثة مستويات من الأكريلامايد. ولمَّا بحث العلماء عن مكونات أخرى بالطعام, قد تكون مسئولة عن تنشيط الأكريلامايد, مثلاً, أو حفز تفاعلات كيميائية تؤدي إلى تخليقه, تبينوا أن لأحد الأحماض الأمينية, واسمه (أسبارجين), دوراً كبيراً في تخليق الأكريلامايد, في التفاعلات الكيميائية المتضمَّنَة في عملية القلي.

وتحاول الإدارات الصحية, العالمية والمحلية, أن تبث الطمأنينة في قلوب العامة, بإصدار بيانات تؤكد أن بعض أنواع الطعام يخلو تماماً من الأكريلامايد, أو يحتوي على مستويات متدنية جداً منه, منها: أغذية الأطفال, والأسماك الطازجة والمطهية, ولحوم الدجاج, والخضراوات المجمدة. كما يقدم خبراء التغذية والصحة العامة نصيحة, تهمنا جميعاً, هي أن نحرص على أن يكون طعامنا متوازناً, قليل الدهون, غنياً بالألياف, وأن نحتفي - بصفة خاصة - بالحبوب والفاكهة والخضراوات.

رعبٌّ اسمه الزئبق!

ملاعب الأطفال تكون - غالباً - في الهواء الطلق, ولأنهم في طور النمو, ولا يزالون يستكملون تكوين بعض أجهزتهم الجسمية, وتتطور بداخلهم بعض الوظائف الحيوية, فإنهم يستهلكون الطعام والماء والهواء بمعدَّلاتٍ أكبر من الكبار. ومن هنا تأتي مشاكل الصغار مع الصور المختلفة من الملوثات, الموجودة فيما يتناولونه ويتنفسونه من ماء وطعام وهواء, ومن أخطر هذه الملوثات, الزئبق, الذي يتعرض له الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية على نحوٍ يثير جدلاً حاداً بين اتجاهات الرأي العام ووسائل الإعلام المختلفة, والإدارات البيئية والصحية. فمنذ أيام قليلة, نشرت صحيفة (وول ستريت) الأمريكية خبراً يقول إن وكالة حماية البيئة الأمريكية (إيبا) قد أجَّلت إذاعة تقرير مهم, يدور حول الأخطار الصحية التي تُحدقُ بالأطفال الصغار, من جرَّاء تعرضهم لعنصر الزئبق, المنبعث مع مخلفات محطات توليد القوى الكهربية التي تعمل بالفحم, وأن هذا التقرير - لأسباب غير معلومة - لن يرى النور إلا بعد تسعة شهور. وطالبت الصحيفة وكالة (إيبا) بالتعجيل بنشر التقرير, الذي يحمل عنوان (الأطفال الأمريكيون والبيئة), للتخفيف من موجة القلق التي انتابت الرأي العام, بعد أن تسربت مسوَّدةُ للتقرير, تقول إن الأطفال يتعرضون لمستويات عالية من الزئبق, الذي تم اكتشاف تركيزات عالية منه في لحوم بعض أنواع الأسماك الاقتصادية, والذي أثبتت عمليات التحليل تراكمه بنسب مؤثرة في دماء عدد كبير من السيدات الحوامل.

3 بلايين دولار لإنقاذ (فينيسيا)... من الغرق!

سيتعجَّب الذين يعرفون (فينيسيا) من هذا العنوان, فالمدينة مشهورة بمبانيها وشوارعها وميادينها التي تسبح في مياه البحر.. إنها - فعلاً - غارقة, وهي تحصل على تفرُّدها, بين مدن العالم, من كونها مدينة (غارقة), فكيف يقول عنوان هذه الفقرة إن جهوداً وأموالاً طائلة تبذل لإنقاذها من غرق هي فيه, وتعيش معه, وبه?!

والحقيقة, هي أن الجهود والأموال تستهدف إنقاذ المدينة من أن تغرق.. أكثر!

إن (فينيسيا), مدينة (الجندول), التي غنَّى لها (محمد عبد الوهاب) قصيدة (علي محمود طه), هي مدينة ذات طبيعة خاصة, فقد أُنشئت - منذ ألف سنة تقريباً - على سلسلة من الجزر الصغيرة, متناثرة في بحيرة كبيرة, متصلة بالبحر الأدرياتيكي, وبعد أن استقرت المدينة القديمة, أخذت الجزر تهبط بما فوقها, رويداً رويداً, حتى وصل منسوب المدينة إلى تسع بوصات, أو أكثر, تحت مستوى سطح البحر. وإزاء هذه الظروف, يتخوَّف الخبراء من الأخطار المحتملة, التي تهدد وجود مدينة فينيسيا, إذا تحقق بعض نتائج (سيناريو) ذوبان جليد القطبين, نتيجة للارتفاع العام في درجة حرارة الكون, إذ يتصورون أن يترتب على ذلك ارتفاع في مستوى سطح البحر تتراوح تقديراتهم له بين 3 بوصات, و3 أقدام, ويرى بعض هؤلاء الخبراء أن ذلك السيناريو الرهيب آخذ في التحقق, وثمة شواهد على ذلك, فسكان فينيسيا لا ينسون هجوم الأمواج المدِّية على مدينتهم, في العام 1966, حين اندفعت مياه البحر لتغرق الطوابق الأرضية في أغلب بنايات المدينة, ولم تتراجع مياه المد إلا بعد 15 ساعة. كما تشير السجلات إلى ارتفاعات واضحة ومؤثرة لمستوى المياه بميدان (سان ماركو), أشهر معالم المدينة, تكررت 80 مرة, في عام 1996.

يقول أحد مهندسي بلدية فينيسيا, إن البحر يرتفع, لا نشك في ذلك, وتتجاوز مياهه الجسور القديمة, التي أُقيمت لتنظم العلاقة بين المدينة والبحر. ولا تكف المياه عن الارتفاع, مهددة القصور التي شُيِّدت في القرنين 14و15, واحتفظت بسلامة بنيانها ورونقها, حتى الآن. ويضيف, قائلاً: إن المشكلة ليست وليدة أيامنا هذه, فهي مطروحة ومتداولة بين الدوائر الحكومية المختصة, منذ ربع قرن أو يزيد, وقد استقر الرأي, أخيراً, على تنفيذ مشروع بتكلفة 3 بلايين دولار, يستهدف بناء 79 بوابة متحركة ضخمة, تفصل فينيسيا وبحيرتها الهائلة, عن البحر الأدرياتيكي.

ويقول (جيوفاني سيكوني), المشرف على مشروع إقامة بوابات الدفاع عن فينيسيا, إن هذه البوابات ليست هي الحل النهائي للصراع بين المدينة والبحر, فهي حل مؤقَّت, للسنوات السبعين المقبلة, أو لنهاية هذا القرن, على أكثر تقدير, وذلك للمواجهة العاجلة لموجات المد غير المتوقَّعَة, ولاحتمالات ارتفاع مستوى سطح البحر, الناتج عن التغيرات الطارئة على المناخ العالمي. وقد صممت تلك البوابات لتحمي المدينة من مياه البحر, إذا ارتفعت بمقدار 6 أقدام. أما الحل النهائي للمشكلة, والذي لا يعرف أحد متى وكيف يمكن أن يتحقق, فهو الفصل النهائي, والدائم, بين البحيرة, التي تطفو فوقها المدينة, والبحر الأدرياتيكي, مصدر الخطر.

الجدير بالذكر, أن المشروع يتعرض - وهو مجرد فكرة - لبعض الآراء المعارضة, ومنها رأي أحد أساتذة الهندسة بجامعة (بادوا), الذي يقول إن فينيسيا فقدت, منذ فيضان 1966, نصف سكانها تقريباً, هجروها فراراً من الخطر الذي يهدد المدينة, فإذا كان الهدف هو الاحتفاظ بالمدينة كمزار سياحي, فإننا لسنا بحاجة إلى إقامة هذه البوابات المكلفة.. فلماذا نمنع مزيداً من الغرق لمدينة يأتي إليها السياح ليستمتعوا بغرقها?!, أما إذا كان الهدف هو تأمين المدينة, لصالح سكانها, والحفاظ على الحياة الاجتماعية بها, فلا بأس من هذه البوابات.

 

رجب سعد السيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




رفعت موجة تسونامي هذا القارب من الميناء وألقته بعيدا فوق قضبان خط حديدي





تسونامي باليابانية





ضربت موجة تسونامي هذا الميناء وقلبت هذه السفينة التي كانت راسية به





ينصح خبراء التغذية بالحرص على توازن الطعام والاقبال على الحبوب والخضراوات ذات الألياف





البطاطا أو البطاطس المقلية من الأطعمة التي يهتم العلماء بتحري الدقة في اثبات علاقتها بالأكريلامايد من الأغذية الشعبية





الزئبق ـ فلز بحالة سائلة وهو من أخطر ملوثات البيئة ويهدد صحة الصغار والكبار





شارع في فينيسيا





فينيسيا مدينة سابحة