أليس نهب التاريخ الفلسطيني كافيا?

أليس نهب التاريخ الفلسطيني كافيا?

في عدد أبريل عام 2002 نشرت (العربي) مقالا بعنوان (العنف الهستيري الإسرائيلي وسياسة محو الآخر) بقلم طارق منير. ونظرا لتأخر ورود المطبوعات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة فلم يصل للمجلة هذا التعليق على المقال المذكور إلا خلال الأيام القليلة الماضية, ونظراً لأهمية الرد والجهة التي تصدر عنه وهي مركز التراث الفلسطيني فإن (العربي) تقوم بنشره.

حتى وقت قريب جدا, كانت (أسفار العهد القديم) تتمتع بمركز الصدارة في أي بحث أو دراسة في تاريخ الشرق الأدنى القديم عموماً, والتاريخ الفلسطيني خصوصا. وأصبح العالم أمام نظريات اعتبرت مسلمات حول تاريخ فلسطين ومنطقة الشرق العربي, فاختلق تاريخ جديد لإسرائيل وللمنطقة بأسرها. وقد سار في هذا الطريق غالبية الباحثين والمؤرخين الأوربيين وتبعهم في ذلك المؤرخون العرب. وفي السنوات العشر الماضية أو ما يقاربها, ألقيت ظلال من الشك العميق على إمكان كتابة تاريخ لإسرائيل استناداً إلى روايات التوراة, ووصل بعض المؤرخين إلى حد التشكيك من حيث المبدأ, بإمكان كتابة تاريخ من هذا النوع. وقد قام جملة من العلماء بالتشكيك في مرويات العهد القديم, والتشكيك في جغرافية التوراة.

وقد أخذنا على عاتقنا في مركز التراث الفلسطيني برئاسة الباحث (فيصل الخيري). وعضويتي. متابعة هذا الجهد العظيم بقيامنا بإصدار العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بتحرير تاريخ فلسطين القديم من ماض خيالي فرض علينا بواسطة خطاب الدراسات التوراتية, وحتى نتمكن من تحقيق هذه الفكرة. كان من المحتم علينا القيام بتفكيك التاريخ التوراتي, وتصديع التوراة, وقد قمنا بانتهاز كل فرصة للدفاع عن تراثنا الخالد وإعلاء صوت التاريخ الفلسطيني في شتى المطبوعات العربية والفلسطينية. ولا أدل على مجهوداتنا من قيام مدير تحرير مجلة الأهرام العربي بكتابه مقال تحت عنوان (رجل أخطر من القنبلة الذرية). يشير فيه إلى إنجازات مركز التراث الفلسطيني, برئاسة الباحث (فيصل الخيري).

ونحن هنا لسنا في مجال إيجاز ما كتبناه في موضوع التاريخ الفلسطيني, أو في موضوع تفكيك التاريخ التوراتي.

وفي خضم قيامنا بإعداد الأبحاث والدراسات الخاصة بتاريخنا المشرقي عامة والفلسطيني خاصة. وفي أوقات كثيرة وفي ظروف خارجة عن إرادتنا تنقطع بنا السبل عن متابعة الإصدارات والدوريات العربية. وفور عودتنا لقراءة ما فاتنا من مطبوعات خلال عدة أشهر, حصلت على العدد رقم 521 من مجلة (العربي) الغراء الصادرة بتاريخ أبريل 2002م, وعندما تصفحتها صادفني مقال أثار انتباهي بعنوان (العنف الهستيري الإسرائيلي وسياسة محو الآخر) للباحث المصري (طارق منير), وحين بدأت بقراءة المقال اعترتني دهشة من هذا المقال, وهي أن الباحث الموقر قام بالسطو على بعض دراستي المنشورة في العديد من المطبوعات العربية, واختزالها في مقال واحد باسمه, دون الاشارة ولو تلميحاً لي بصفتي صاحب هذه الدراسات, والأكثر غرابة في هذا الموضوع أن الباحث قام بالاتصال بنا منذ أشهر عدة زاعماً أنه صحفي بالعديد من الجرائد والمجلات, ومنها جريدة الحياة اللندنية. قائلاً لنا إن البعض نصحه (مركز الإعلام العربي) بالاتصال بنا (مركز التراث الفلسطيني) لمساعدته في الحصول على معلومات تاريخية عن (هيكل سليمان المزعوم في فلسطين), وبدأنا بإرشاده لبعض المراجع, ومساعدته على ذلك, وقمنا بإعطائه بعض الدراسات والتي قمنا بنشرها في بعض المطبوعات العربية والمصرية خاصة. ليفاجئنا الأستاذ الموقر بنقل بعض الدراسات المنشورة لي في مجلة العصور الجديدة, ومجلة القدس اللتين تصدران في مصر. وقام باحثنا بتغيير بعض الكلمات حتى لا يلفت انتباهنا فاستبدل لفظ اليهود بـ (بني إسرائيل أو آل يعقوب) إلى ما ذلك من أساليب, وبعد مقدمة يذكر تحت عنوان (تمثيلية برائحة التاريخ)... أنه (لم يعثر حتى الآن على أي مصدر قديم من الآثار أو المخطوطات المصرية التي سجلت الحروب والأحداث المهمة في مصر منذ القرن الخامس عشر ق.م. وحتى القرن السابع ق.م. يشير ولو تلميحاً إلى ذلك الأمر (يقصد الخروج الموسوي من مصر)...).

هذا الكلام منقول حرفياً من دراستي الموسومة (التاريخ المزيف لخروج بني إسرائيل من مصر) والمنشورة بمجلة العصور الجديدة العدد الخامس - يناير 2000, فقد ذكرت عند حديثي عن زمن الخروج ما نصه: (.... وردت بالتوراة قصة أو قصص الخروج دون أي مصدر آخر وخاصة المصادر المصرية التي سجلت الحروب والأحداث من القرن الخامس عشر ق.م. إلى القرن السابع ق.م. أي أنها تذكر الأحداث المهمة للفراعنة قبل الخروج الموسوي بحوالي 200 سنة وإلى ما بعد الخروج 600 سنة دون الإشارة ولو تلميحاً إلى الخروج...).

ويصل الباحث لقناعة أن (... أصبح من الثابت لدى المؤرخين الجدد عن قصة خروج بني إسرائيل من مصر أنها دوّنت بعد وقوع الحوادث التي ترويها بزمان طويل وأنها ربما تكون قد نحلت!....). لقد وقع الباحث في خطأ قاتل, ليس بسرقة هذه الدراسة فحسب, بل بعدم دقة نقل المعلومات التي بدراستنا, فمن قال هذا الكلام ليس مؤرخاً من المؤرخين الجدد بل هو القاص العالمي (هـ.ج.ويلز), وهذا ما ذكرته بدراستي المشار إليها سابقا تحت عنوان هل الخروج أسطورة?! ويستطرد الباحث قائلا: (... لم يرد في أي نص أثري مصري أدنى إشارة إلى تلك الإقامة الطويلة لبني إسرائيل في مصر...). هنا قام باحثنا باستبدال بعض الألفاظ في هذه الجملة ليوهم القارئ بأنه صاحب الفضل في هذا الاكتشاف العظيم, فقد ذكرت في دراستي المشار اليها (أننا لا نجد في أي نص مصري أقل أثر أو حتى تلميح لتلك الإقامة الطويلة للعبرانيين في بلاد الفراعنة (نقلاً عن الأب (ديفو))). وتستمر مهزلة السطو على إنتاجنا من دراسات. يقول باحثنا: إنه (...لم يعثر حتى الآن على أي دلائل أثرية على مرور بني إسرائيل في سيناء, رغم أنه قد تم العثور فيها على آثار تعود إلى العصور الحجرية الأولى!). وقد اغترف هذه العبارة دون الإشارة إلى مصدره, فهذه العبارة قالها الأب (أنطوني أكس) تعليقاً على عدم وجود أدلة على الخروج. أما ما ذكره هذا الباحث من أن (.... آل يعقوب حينما هاجروا إلى مصر انضموا إلى أخيهم يوسف كانوا بمنزلة أسرة لا يزيد عددها على 70 شخصا, وأنهم بقوا وبقيت ذرياتهم من بعدهم قرابة خمسة قرون في ذلك البلد دون أن ينصهروا في البيئة الجديدة اجتماعياً أو ثقافيا أو عرقياً! هذا في الوقت الذي يخبرنا فيه السفر المقدس نفسه أن النبي يوسف كان مندمجاً بالشعب المصري - بحكم منصبه كوزير للملك - خاصة بعد أن تزوج من أسنات بنت فوطي فارع رئيس الكهنة في مصر, فولدت له ابنين, فهل هناك ما يمنع زواج أخوة يوسف من مصريات تقليدا لأخيهم?! وهل هناك ما يمنع ابني يوسف من الزواج بمصريات أيضا مثل أبيهما بحكم أن أمهما مصرية?! وهل هناك ما يمنع زواج أبناء أخوة يوسف من مصريات اقتداء بعمهم?!....) كيف بالله العظيم يقوم هذا الشخص بنقل هذه العبارات حرفيا دون الإشارة, ولو تلميحاً لكاتبها. هذه العبارات مذكورة حرفيا, في دراستي المشار اليها, بالإضافة إلى مقالي الموسوم (أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ) المنشور بجريدة الأخبار المصرية, العدد 14628, السنة 47, بتاريخ 19/3/1999.

ولم يكتف باحثنا بذلك, بل قام بالنقل عن دراسة تخصني, الدراسة الأولى بعنوان (إسرائيل أمة مفتعلة), والمنشورة بمجلة العصور الجديدة, العدد الخامس عشر, السنة الثانية, نوفمبر 2000, صادرة عن دار العصور الجديدة, القاهرة.. أما الدراسة الثانية فهي بعنوان (تفكيك التاريخ التوراتي... يشوع بن نون والدخول المزعوم), المنشورة, بمجلة القدس, العدد 34, أكتوبر 2001, صادرة عن مركز الإعلام العربي - القاهرة, ليبدأ صاحبنا بنقل ما فيهما من معلومات في الجزء الثاني من مقاله, تحت عنوان (خرافة غزو كنعان). بدأ الأستاذ (طارق منير) بلعب دور الباحث التاريخي - الأثري بذكر بعض تواريخ أعمال الحفر والتنقيب التي بدأت في أريحا. ولكنه وقع في خطأ فادح لعدم ذكره من أين حصل على هذه المعلومات التي أراهن أنه لا يعرف مصدرها حتى الآن.

وبدأ باحثنا بشرح نتائج التنقيب قائلاً: (وقد أوضح البروفيسور الألماني (آرنست سيللين) وذلك عندما نشر نتائج أعماله التنقيبية في أريحا 1913 واصلاً إلى نتيجة أن الكنعانيين سكان أريحا قد تعرضوا لكوارث مدمرة ما بين 1580-1500 ق.م عندما كانت أحد المراكز المهمة للهكسوس, وعليه فمن المحتمل أن الدمار الذي لحق ببعض المدن الكنعانية قد تم على أيدي الفراعنة, أثناء مطاردة الهكسوس أو أثناء إخماد ثورات العابيرو.

وقد أكدت هذا الرأي الآثارية البريطانية (كاثلين كينون) التي قامت بالتنقيب والحفر حول مدينة أريحا فبرهنت الحفائر التي قامت بها أن مدينة أريحا كانت غير مأهولة في ذلك الوقت في القرن الثالث عشر ق.م. فقد وجدت (كينون) آنية من الفخار ترجع إلى ذلك العصر داخل مقابر العصر البرونزي الوسيط التي استخدمت مرة أخرى, منزل به إبريق صغير يرجع إلى منتصف القرن الرابع عشر. ولا شيء ينتسب إلى القرن الثالث عشر. وهكذا كان حال مدينة عاي أيضا حيث قامت بعثتان بالحفر والتنقيب, وجاءت النتائج متطابقة مع مثيلاتها في أريحا....).

في هذه العبارات حاول الباحث حذف بعض الكلمات من النص الأصلي, الموجود في دراستينا المشار اليهما لإيهامنا بأن هذا الكلام من بنات أفكاره, وقد ذكرت في دراساتنا المراجع التي استقيت منها المعلومات الأثرية هذه. على أي حال, استمر باحثنا بالسطو على إنتاجنا حتى وصل إلى ختام مقاله بعنوان (البحث عن مسرح), والذي يثبت عدم استيعابه لموضوع المقال.

وهناك ملاحظة جديرة بالاشارة اليها, وهي أن المراجع التي استقيت منها دراساتي, والتي قام (طارق منير) بالنقل عنها, غير موجودة في أي مكتبة, إلا في مكتبة مركز التراث الفلسطيني والذي أشرف بعضويته.

 

أحمد صبري الدبش

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات