- تعمدت طرح مشاهد صادمة لكنها ظلت عالقة بالذاكرة
- إلى متى نظل ندعو الأجانب لتوثيق حياتنا وفق رؤيتهم غير
البريئة?
- قنواتنا الفضائية تعامل أفلامنا الوثائقية بالمتر وليس بالفكر
تمثل مسيرة المخرج الكويتي عبدالله المخيال التي تجاوزت حتى
الآن السنوات العشر, نموذجًا جيدًا للإصرار والدأب, فعلى الرغم من أنه حمل على
كاهله عناء العمل في الأفلام الوثائقية - هذه النوعية النادرة عربيا - واختص منها
بجانب حياة البداوة والصحراء الذي لا يتم التطرق إليه إلا قليلا, فإنه استطاع عبر
ستة أفلام وثائقية أن يحقق نجاحات لافتة بدأت في العام 1996 مع فيلمه الأول (في أثر
أخفاف الإبل) الذي لاقى صدى كبيرا, إثر فوزه بالجائزة الذهبية لمهرجان القاهرة
الثالث للإذاعة والتلفزيون عام 1997, قبل أن يدخل في منافسة مع أفلام من 20 دولة في
المهرجان العالمي للأفلام الوثائقية (وايلد سكرين) الذي شهدته مدينة (بريستول)
البريطانية عام 1998 ويفوز بالجائزة الثانية, وقبل أن تقوم قناة (ناشيونال
جيوغرافيك) ببثه, وليتم بعد ذلك ترجمته إلى 25 لغة وتوزيعه في 165
بلدًا.
وعقب ذلك, جاء إنتاج المخيال لفيلمه الثاني (ظلال الصحراء)
عام 1997, ثم (بادية العرب) عام 2001, الذي حصل على جائزة الدولة في الكويت للإخراج
السينمائي والتلفزيوني, ثم (البادية السمراء) عام 2002 الذي صور في السودان, وفيلم
(قناص العرب) عام 2003 الذي فاز بجائزة مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون, وجميعها
حظيت بقبول دولي, وتم عرضها في أقسام الدراسات الشرقية في عدد من الجامعات
الأوربية, قبل أن يقوم بإنتاج وإخراج فيلمه السادس (المغول.. رعاة السهول) مع
بدايات العام 2004, واحتفت به (العربي) في عدد سابق.
وفي هذا اللقاء يحاوره الزميل زكريا عبدالجواد المحرر في مجلة
(العربي).
- لماذا كان اختيارك للأفلام الوثائقية دون غيرها? ولماذا بالتحديد
الأفلام الخاصة بالبداوة والصحراء والإبل?
- لأن البرنامج الوثائقي قريب جدًا من تسجيل الحقائق على أرض الواقع,
فهو يحاكي الحقيقة ويوثق الأشياء على طبيعتها.
وقد بدأت في الاهتمام بالإبل لأن هذه الكائنات قريبة جدًا منا وبعيدة
جدًا عنا في الوقت نفسه, فعلى الرغم من أنها كانت رمزًا للعرب لزمن طويل, فإن
الكثيرين يجهلون تفاصيل حياة هذا الكائن, حتى أن الإبل تم تهميشها عن قصد أو غير
قصد.
وقد اخترت عن اقتناع تام خوض هذا المسلك الصعب - البرامج الوثائقية -
مع كل ما فيه من صعوبة, فالتصوير في الصحراء أو الأماكن المفتوحة يحتاج إلى الكثير
من الجهد والعزيمة والكلفة, أكبر بكثير مما يتطلبه التصوير داخل المدينة, ومن هنا
كان اختيار هذا الطريق, اختراق الصحارى, والبحث في مواضيع ليست مطروقة كثيرًا,
فالقضية ليست في أن تصور الإبل, بل المهم أيضا أن تضع مخططًا, وسيناريو متكاملا,
ودون أن يتسرب إلى الذهن اعتقاد بأن المطلوب هو التصوير فقط, ثم ينتهي الأمر,
فالمهم أن يتم وضع الأفكار, ثم تكتب لتكون بطريقة متسلسلة, كي يقبلها المشاهد.
إن ذهابي إلى الصحراء, لم يكن اختيارًا للطريق الصعب, ولا أود أن
أزايد في هذا الموضوع, فأنا تخرجت في قسم الخدمة الاجتماعية, كلية الآداب وفي هذا
التخصص أستطيع أن أجد الكثير من الموضوعات, ولكني وجدت أن لا أحد يعلم عن هموم فئة
من مجتمعنا, وهم أهل البادية, هذه الفئة كانت تعاني الكثير من المشاكل ولكن لم تسلط
الأضواء عليها, فعلى سبيل المثال لا الحصر, كانت هناك أوبئة تفتك بالإبل بشكل حاد,
وقد أشرنا إلى هذه الأمراض, ووضعنا الكرة في ملعب (البياطرة) والباحثين. وأعتقد أن
من سوء حظ الجمل أنه ظهر في صحرائنا العربية التي لاتزال الأبحاث بها فقيرة, حتى
الآن, كما أن أي أوبئة قد تصاب بها الإبل يتم التعامل معها وعلاجها من خلال أدوية
خاصة بالأبقار وبطريقة المحاولة والخطأ.
- وما حكايتك مع التصحر.. ما الإضافة التي قدمتها في أفلامك?
- أشرنا إلى هذا الموضوع, وقدمنا رسالة من خلال الأفلام للمحافظة على
البيئة, لقد كان ذلك واضحًا من خلال العمل الأول الذي قدمناه (في أثر أخفاف الإبل)
الذي عني بحياة الصحراء, وكان تركيز هذا الفيلم على الإبل.
أما في الفيلم الثاني وهو (بادية العرب) فكان الهدف هو تسليط الضوء
على المجتمع واختيار نماذج في شبه الجزيرة العربية والشام, وكذلك في وسط السعودية,
منطقة (الصمان), كان المقصود هو المجتمع, والبدو فيه, مساكنهم وطرق معيشتهم, حياة
الرعاة, وبعض قيمهم الاجتماعية والدينية, وقد تم عرضها بشكل سريع دون أي إطالة.
جذب المشاهد
- ولكن ما التحدي الذي يواجهك في إنتاج هذه الأفلام?
- طريقة جذب الجمهور لمتابعة العمل في الفيلم الوثائقي, إنها قضية
صعبة للغاية, لأن المشاهد أصبح في هذه الأيام عملة نادرة, في ظل ذلك الازدحام غير
العادي للقنوات الفضائية, ولذلك, فإن التحدي الذي يواجه مخرج الفيلم الوثائقي هو في
القدرة على الإمساك بالمشاهد ودفعه لمواصلة رؤية فيلم تصل مدته إلى ساعة, إن هذه
قضية لم تعد بسيطة, خصوصا في جانب السرد الجيولوجي, الذي قد لا يكون فيه أي شيء
مثير وجاذب وحيوي.
لذلك, فقد كنت جريئًا في طرح مشاهد قوية ومؤثرة وصادقة, لكنها كانت
تعلق في الذاكرة, وكانت أحد أسرار النجاح, وقد حدث ذلك مثلا عندما أظهرت مشهد بول
الإبل وهو يتم شربه مع الحليب, وهذا المشهد موجود في الواقع.
الأمر الآخر كان في فيلم (المغول) فقد عرضت مشهد (طبخ الدم), وعلى
الرغم من أن هناك من قال إن هذا المشهد كان صعبًا فإنني أرى أن الفيلم التسجيلي
ينقل واقعًا حقيقيًا, ويفترض أن يتم قبول الواقع كما هو, وحتى لو كانت الحقيقة فيه
مرة ومزعجة وشرسة, ولكنها يجب أن تتقبل.
وأنا بالفعل وضعت هذا المشهد في الفيلم لسببين, الأول كما قلت لأنها
حقيقة موجودة, والأمر الآخر, لأنه عندما رأينا طريقة الذبح التي يستخدمها هؤلاء
الناس استشعرنا بما لدينا من ذبح رحيم, تحض عليه شعيرتنا التي نعتز بها كمسلمين,
والحمد لله وجدنا أن ذبحنا أفضل منهم, وكذلك رأينا كيف ينقلون الدم من جسد الذبيحة
ويضعونه في الأمعاء ثم يطبخونه, فيما هو محرم علينا شرعًا لأنه الناقل الرئيسي
للأمراض, وقد ذكرنا هذا في الفيلم, وعندما سألت عددا كبيرا ممن شاهدوا الفيلم وجدت
أن معظمهم وبمختلف أعمارهم, كانوا يتوقفون أمام مشهد الذبح هذا ويتذكرونه
جيدًا.
كذلك الأمر بالنسبة لمشهد صيد العقبان, وطريقة صيد الصقور, وكيف يضعون
على هذا الطائر شبكة هوائية, ويصطادونه بهذه الطريقة.
سحر الشرق
- وما الرسالة التي تريد إيصالها للمشاهد.. ماذا تريد أن تقول, وماذا يود
المشاهد أن يعرف?
- الجانب الوثائقي به جزء سهل وهو أن أختار شخصية أو أختار مكانا, أو
فنانا أو شخصية عامة معروفة, وأضع الكاميرا والتسجيل ويقوم هو بالحكي, إن هذا هو
الخط السهل والمتداول, لكن إذا لاحظت فإنه في أفلامي لا يكون هناك من يتكلم إلا
نادرًا, ففي قضية معينة تبرز وجهة نظر لا تقل عن 50 ثانية أو دقيقة, بينما المشاهد
تتغير كل خمس أو عشر ثوانٍ, لأن المشاهد يود أن يرى كمًّا كبيرًا من الصور, وقد
تغني الصورة عن ألف كلمة, كما أنه يفترض أن هناك فطنة لدى المشاهد, وهناك أشياء
أذكرها في سياق الفيلم وأريد بها مغزى سياسيا - قد تستغرب لكلمة سياسي - وأجعلها
بمنزلة إيحاء للمشاهد, دون أن أبرزها بشكل واضح, لكن في الحقيقة أنا أحترم بعض
المشاهدين الذين يتوقفون عند بعض المشاهد أو الكلمات ويسألون عن المقصود منها.
فالقضية ليست أن تتناول جانبا اجتماعيا أو جانبا سياسيا, بل أن تكون
لك رؤية, وأنا الآن أكتب عن الرمال في الربع الخالي, وأتحدث فيها عن تكوين الكثبان,
إن الرؤية بالنسبة لكل شخص هي عملية نسبية, ماذا يعني له هذا الطقس, أو هذه الكثبان
الرملية, ولذلك كتبت (إن هذه الرمال في الربع الخالي سحر الشرق وحديث الأساطير, هي
الوجه الحقيقي للصحراء, يرى كثير من العلماء أن هذه الكثبان صورة مخيفة لأشد أنواع
التصحر وزحف الرمال, في حين يرى الشعراء والأدباء والحالمون أنها مصدر الإلهام
وصورة تأسر القلوب والألباب, في عملية سفر الرمال وأنفاس الرياح).
سهل الانقياد
- ولكن, ما المغزى السياسي من (المغول) إذن?
- لقد ذكرت أن الجمل المغولي أقل ألفة وأكثر شراسة من جملنا العربي
المدلل سهل الانقياد, إن هذا يعطي واقعا لكل أمتنا العربية.
- إذن, كيف يمكنك تفادي الإغراق في السرد على حساب الصورة?
- في الجانب التاريخي عندما أبدأ السرد, يفترض أن تكون معي أدواتي,
وأدواتي هذه يفترض أن تكون مادة أرشيفية عن تاريخ الشعب أو المكان, لكن الأهم هو
كيف يتم إيصال الرسالة, باختصار وباختزال ودون أن يكون هناك مط أو تطويل, بينما
الأدوات مفقودة, أنا ذكرت في الفيلم عن جياد المغول, أن التاريخ مازال يذكر أن هذه
الجياد القصيرة سقطت تحت حوافرها حضارات ودول وعبر المغول على صهواتها سور الصين
العظيم, إن هذا ذكرته في الفيلم, لكن لماذا هذه الحضارة لم تطل ولم تسد? لأنها
حضارة غزو.
- لكنك أظهرت المغول شعباً طيباً ومسالماً ولم نجد ملمحًا واحدًا يدل على
شراسة, ويعيد إلى الأذهان ما فعله هذا الشعب قديما في العديد من بلاد العالم, وفي
منطقتنا تحديدًا!
- الحقيقة أن هذا الشعب يعيش الآن منكفئا على نفسه, ويكتفي بالبقاء
على هامش الحضارة بشكل غير عادي, لدرجة أن واحدًا منهم رأى أحد الزملاء من فريق
العمل معي كان يرتدي نظارة, فجاء إليه قائلاً: أرجو أن تعالج قدمي المكسورة, ولما
رد عليه زميلنا بأنه ليس طبيبًا, لم يصدق الرجل وقال له: مادمت تلبس النظارة فأنت
إذن طبيب.
لقد ذكرت في نهاية الفيلم أن هذا الشعب البسيط عاشق للخرافات
والأساطير, فقد اضطررت أن أخرج من العاصمة يوم الاثنين مساءً كي أتفادى اعتقاداتهم
الباطلة, فالسائق منهم يرفض الذهاب في رحلة طويلة يوم الثلاثاء, ومهما كانت
المغريات المادية فإنهم يرفضون, ولذلك اضطررت إلى السفر ليلة الاثنين رغم أن بعض
الأمور الخاصة بالرحلة لم تكن جاهزة في العاصمة, لقد أخذ مني الأمر أسبوعًا كاملاً
لتجهيز السيارات والأدلة والخرائط, إن الإعداد لهذه الأفلام عذاب حقيقي, وهذا في
الإعداد النهائي, وقبله كان هناك إعداد مسبق, فأين ستذهب ومتى وبأي طريقة?
أقول: إن لديهم اعتقادا كبيرا بالأساطير, وهم في يوم الاثنين لا
يبيعون أي شيء, كما أنك لا يمكن أن تعبر فوق أي أداة ملقاة على الأرض ولو كانت
حبلاً أو عصاة, وقد حدث ذلك معي, فقد أردت المرور من فوق عصاة ممددة على الأرض,
فكانت النتيجة أن أمسك رجلان بذراعيّ, ومنعاني وحذراني من خطورة ذلك الفعل.
إنه شعب عاشق للخرافة والأساطير ويعيش على هامش ضئيل جدًا من الحضارة.
وكما قلت لك فإنهم لم يتسيدوا ولم يتركوا أي حضارة باقية, لأن أفكارهم كانت محصورة
في الغزو فقط, لم يصبحوا من أصحاب الحضارة ولم يضيفوا إلى حضارة الإنسانية شيئًا
إلا عندما اعتنقوا الإسلام وأسسوا أفضل المساجد والقلاع في الهند, بعد أن أخذوا من
الحضارة الإسلامية.
فأنا دائمًا أحرص على أن تكون هناك مصداقية, ولذلك أشرت إلى هذا
الموضوع في الخاتمة. وفي الجزء الأول ذكرت أنهم سادوا نصف الأرض, ولذلك فإنهم
دائمًا ما يعزفون على وتر الماضي, وهذا ما استوحيته منهم في الخاتمة حين ذكرت أنهم
يتمنون أن يكون الحاضر والمستقبل ماضيا, بعد غروب أمجاد الماضي.
ومازلت أذكر أن أحدهم قال لي:(نحن الذين قمنا بغزوكم) فرددت عليه:
(ولكننا نحن الذين كسرناكم, حين هزمكم المماليك في مصر).
- أنت مهتم في جميع أفلامك برصد حياة البداوة والسمات التي صاحبت الأزمنة
القديمة, ألا ترى أن ذلك يعد حنينا إلى الماضي في وقت تسود فيه العالم لغة الحداثة
وتفرض فيه العولمة نهجها?
- أولا, كوني أرصد أطلالا تتحرك قابلة للاندثار فإن هذا أمر لا أعتبره
خطأ, لأن الحداثة لها من يرصدها ولها من يزايد فيها, إنني ضد أفكار كثيرة للعولمة,
إنها تيار يكاد يجرفنا بشكل هائل, ولكن أنا حين اخترت الحديث عن البداوة, فإنني
أدرك أن اختياري كان للطريق الصعب, أن أذهب إلى الصحارى وأجهز معي كل ما يتطلبه
ذلك, من أكل ووقود وسيارات, حتى الطباخ آخذه معي, عدا عن الطاقم الفني.
إنني من الناس الذين يعتزون بثقافتهم, وكل طموحي هو أن أكوّن وثائق
مرئية عن الصحارى في العالم ككل في فترة معينة من الزمن بتاريخ معين, وأعتقد هنا أن
أفلامي تعنى بذلك تماما.
ولعل هذا ما يفسر سر عرض هذه الأفلام بشكل دوري مثلا في بعض الجامعات
العربية والغربية, ويكشف السبب في الدعوة التي وجهت إليّ من جامعة (سواس) في
المملكة المتحدة, من قسم الدراسات الإفريقية والشرقية بها, وعرضنا بعض الأفلام
هناك, وأذكر أن بعض الأجانب جاءوا وقالوا لي إنهم باتوا يحترمون البدو هؤلاء الذين
استطاعوا بإمكانات بسيطة أن يتغلبوا على مشاكل عويصة عندهم في قطاع الإبل من خلال
الدراما التي قدمتها لنا, وكيف يتعامل الراعي مع مشاكله, لقد قالوا: (إن عندنا
بالسيرك يأتي رجل وهو يدور بحصانين في داخل الحلبة, بينما في الفيلم كان هناك لدى
راعي الإبل 200 ناقة ولكنه بصوت حداء يقوم بقيادتها لتصطف فيما يشبه طابور العسكر,
وفور أن تستمع إلى صوته تعود إليه).
لقد قال لي أحدهم: (أنا أحترم مثل هذا الشخص, فبإمكانات بسيطة جدًا:
عصاة وصيحات يقوم بجمع شتات الإبل).
إن هذه ثقافة, يمكن لبعضهم أن ينصحني بضرورة ألا أساهم في تعزيز تلك
الفكرة المأخوذة عنا وهي أننا عرب مازلنا على ظهور الجمال, وأنا أرى أن الجمل هو
رمز للعربي شئنا أم أبينا, ولكن الغريب هو أن بعض هؤلاء يتحدثون عن الجمل وهم لا
يعرفون شيئًا عنه, فالجمل لم يكن يومًا أمرا مخجلاً, وأفضل تكريم لهذا الكائن أن
إحدى معجزات أحد الأنبياء كانت في الناقة, عندما أبيد قوم بكاملهم بسبب ناقة, كما
أن الله سبحانه وتعالى زاد الناقة تشريفًا عندما نسبها إلى نفسه وقال {ناقة
الله}.
سموم غربية
- ولكن ما السر في عدم وجود اهتمام عربي بإنتاج الأفلام الوثائقية بالرغم
من أن هناك حماسا غربيا لهذا النوع?
- هذه مشكلتنا, إننا دائما ننتظر ما ينتجه الغرب, فالغرب هم أصحاب
أفلام وثائقية مميزة جدًا, وهم دائما عندما يريدون عمل أي فيلم عن العرب, يرسلون
فريقًا ويقومون هم بالتصوير والكتابة وفق رؤيتهم, وبعض هذه الرؤية تحمل الكثير من
السموم, وتهدف إلى تشويه بعض الأمور, من هنا كانت تجربتي صعبة, فقد قمت بالكتابة
وصورت بجهدي, وكانت مغامرة بالنسبة لي, فلم يعطني أحد الفرصة بل خلقتها, لقد طرقت
كل الأبواب في بداياتي وأغلقت في وجهي, لكن الحمدلله وبتوفيق منه سبحانه وتعالى,
كان لديّ عزم الشباب, ودائما كنت أردد البيت العربي الشهير:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة |
|
فإن فساد الرأي أن
تترددا |
لقد كنت أرى العجب ولكني لم أتردد يومًا عن المحاولة, والحمدلله, فإن
طريقة الإخراج التي قدمتها في الفيلم لم تكن بها صيغة إقليمية تقتله, بل أخرجته
بطريقة يتقبلها المشاهد, سواء كان في أوربا أو في أمريكا اللاتينية, أو في كل مكان,
إنه وثيقة عن حياة شعب, وكيف تعامل مع الإبل, ومشاكله.ولذلك, فإن الغرب لم تكن لديه
محاباة لي, وإذا كانت الأبواب الإقليمية مغلقة في وجهي, فإن فيلم (على أثر أخفاف
الإبل) فتح لي تلك الأبواب بل والأبواب الغربية أيضًا.
فالفيلم عرض لأول مرة في تسع قنوات غربية رائدة, ومتخصصة في هذا
المجال, منها (ناشيونال جيوغرافيك), وأعتقد أن ذلك مثل لي شهادة نجاح, بغض النظر عن
المردود المادي, لقد كان الفيلم برؤياي وإخراجي وأفكاري, وهذا في حد ذاته نجاح.
إلى متى?
- ألا ترى أنه لا توجد شركات إنتاج عربية للأفلام الوثائقية, فهل هذه
النوعية غير مربحة إنتاجيًا?
- أولا, الإعلام العربي في الحقيقة مازال مقصرًا, الإعلام رسالة وليس
تسلية, إنه هدف, اللهم إلا الجانب الإخباري منه, وهو جانب قليل, أما الباقي فهو
للتسلية, ساعات من البث وهدر الجهود والأموال بلا رسالة, وكل القنوات العربية
أستطيع القول إنها نسخ مكررة متشابهة, عدا قناة أو اثنتين فقط.
والجانب الوثائقي, هو جانب تعليمي, إنه يوثق حياة, ولا أفهم سببا
مقنعًا لعدم الاهتمام العربي بهذا الجانب كما ينبغي, فإلى متى سنظل ندعو الأجانب كي
يأتوا ويوثقوا حياتنا وفق رؤيتهم هم, إن لدينا أدواتنا ولدينا كفاءات ولدينا
ثقافتنا, ومع ذلك لا نستطيع عمل أفلام خاصة بنا.
نعم, إن الأمر مكلف, وحقيقة لولا أن تلفزيون الكويت قام بدعمي في
المشاريع الأخيرة لكنت قد توقفت منذ زمن, إن الأمر مكلف, وفي بعض الأحيان تصل
الرحلة إلى نحو شهرين بأكملهما, رحلات وتصوير بفريق متكامل, فضلا عن الفريق الذي
يلتحق بنا في البلاد التي نصور فيها, مع سائقين وأدلاء ومترجمين, ولو أردنا عبور
نهر فإننا نؤجر (تراكتورات) لسحب السيارات, إضافة إلى غير ذلك من المصاريف, في
الوقت الذي لا تقوم فيه القنوات بالتقدير المادي لهذه الأفلام, إنهم يعتمدون على
الأفلام الأجنبية, تلك الأفلام التي يكون الغرب قد استهلكها, ثم يبيعها لقنواتنا,
التي بدورها تقبل عليها لرخصها, وهم في الغرب يرون أن أي مبلغ يمكن تحصيله عن هذه
الأفلام يعد ربحًا إضافيًا فهم يعتبرون أن السوق العربية سوق غير منظورة في رؤياهم
الاقتصادية.
ومن الغريب أن القنوات العربية عندما تحاسبنا توازي بين أفلام الغرب
التي تكون قد استهلكت على مدى 20 عامًا أو يزيد وبين أفلامنا البكر, مع الأسف تعامل
القنوات العربية الأفلام الوثائقية بالمتر وليس بالفكر.
عندما يقدم المرء فيلمه الوثائقي يسألونه كم ساعة لديك, دون أن يضعوا
ذلك تحت المجهر, ويروا كم مشهدا انتقل فيه, كم فصلا, كم مكانًا, لا ينظرون إلى
عملية السرد, هل هي سريعة وكم كان الاختصار والاختزال في المعلومة وفي الصورة.
لقد احترمت الجمهور, وعملت لمدة عشر سنوات قدمت خلالها ست ساعات فقط,
أردت احترام عقليته, وأن يشاهد أعمالا مميزة. ولذلك, فإن هناك من تحداني في البداية
أن أستطيع تسويق شريط واحد, ولكن والحمدلله فإن أرقام التوزيع كانت فوق المتوقع,
لقد تم بيع نسخ من الفيلم الخاص بالإبل بأرقام خيالية, عدا السرقات الأدبية, التي
يقوم بها محترفون ينسخون تلك الأفلام ويبيعونها بأثمان زهيدة, دون احترام لحقوق
الملكية الفكرية.
- ما الذي تراه ساهم في هذا الإقبال على أفلامك?
- هناك الكثيرون كتبوا وأخرجوا أفلاما عن الصحراء, لكن يظل لكل منهم
رؤيته ومفرداته, إن القضية تتعلق بالرؤية وبكيفية الترتيب للعمل, والآن في عملي
الأخير الذي قمت بتصويره في مناطق عدة بصحراء المملكة العربية السعودية كالصمان,
لقد تم تصوير 47 ساعة هناك, وأعتقد أن الجهد الحقيقي هو في كيفية اختزال هذه
الساعات الطويلة إلى ساعة واحدة, إن ذلك يفرض عليّ أن أقوم بتفريغ كل المشاهد
واستيعاب كل ما تم تصويره, ثم اختيار ما يصب في مصلحة الفيلم المقبل, إن هذا الأمر
يشبه ما يقوم به الباحث, أليس هو أيضا يقوم بجمع المعلومات, إن الصور في هذه الحالة
هي معلومات في حاجة إلى ترتيب وصياغة.
- في رأيك - أخيرًا - لماذا بعد ما يزيد على 30 عامًا على ظهور فيلم (بس
يا بحر) لخالد الصديق, لماذا لم تتمكن السينما من إيجاد قواعد راسخة لها في الكويت
ومنطقة الخليج?
- بعد أن ظهر فيلم (بس يا بحر) لخالد الصديق, توقعنا أن تكون هناك
نهضة لصناعة السينما في الكويت ومنطقة الخليج, لقد كان فيلما ذا مستوى عال, ولكن في
الواقع فإن السينما مكلفة جدًا, كما أن أدواتها مفقودة لدينا في المنطقة,
فالتلفزيون ظل طاغيا, ومشاهدته الأكثر تفضيلا لدى المواطنين, في الوقت الذي لم
نستطع فيه إيجاد تلاحم بين التلفزيون والسينما, مثلما حدث في معظم الدول التي شهدت
نهضة في صناعة السينما, إن التلفزيون في منطقتنا طاغ حتى أنه استطاع استيعاب
السينما تمامًا.
لكن مع ذلك, فإنه يفترض أن تقوم الدولة بدعم عدد من الأفلام سنويا
وليكن فيلما واحدًا روائيًا, وآخر تسجيليا, لا أن يختفي الاهتمام بهذا الفن تمامًا
كما يحدث الآن.