الطريق إلى ما بعد الإنسانية

الطريق إلى ما بعد الإنسانية

يثير التقدم العلمي والتكنولوجي المتزايد والمتسارع كثيرا من القلق عند عدد كبير من العلماء والمفكرين ورجال الدين حول مستقبل الإنسان والإنسانية ومدى تأثر العلاقات الإنسانية بنتائج البحوث الكثيرة والمتنوعة التي تمس بغير شك حياة الفرد والمجتمع بطريق مباشر أو غير مباشر. وقد زادت حدة هذا القلق بعد الاكتشافات الأخيرة في مجال الجينات والتمكن من وضع الخريطة الجينية وما يتردد الآن عن استنساخ البشر وما سوف يترتب على ذلك من نتائج تتجاوز حدود معامل إجراء البحوث والهيئات المشرفة عليها إلى التأثير في حياة الإنسان العادي بل والمجتمع الإنساني ككل. فلهذه البحوث أبعاد اجتماعية وأخلاقية ودينية لا يمكن التغاضي عنها كما قد يكون لها جوانب سلبية ينبغي اتخاذ كل الاحتياطات التي تكفل التغلب عليها أو القضاء عليها إن أمكن.

مراحل التطور

يدور معظم الجدل بين المفكرين والعلماء المهتمين بالموضوع حول التغيرات الذهنية (وإلى حد أقل التغيرات الفيزيقية) التي يحتمل أن تطرأ على التكوين البشري في الفترة المقبلة التي سوف تمثل في رأي الكثيرين مرحلة أكثر تقدما ورقيا في سلم التطور البشري من المرحلة الحالية - مرحلة الإنسان العاقلhomo sapiens - التي تعتبر على هذا الأساس مرحلة انتقالية توصل إلى مرحلة ما بعد الإنسان post human حسب التعبير السائد الآن في الكتابات العلمية حول الموضوع. ولقد كان العامل الفاصل والحاكم الذي يميز مراحل التطور البشري بعضها عن بعض منذ العصور الأولى المبكرة لنشأة الآدميات وأشباه البشر وحتى الآن, هو التغيرات التي تطرأ على حجم المخ باعتباره مركز القوى العقلية, وذلك على أساس أن التغيرات الفيزيقية أو الجسمية التي شهدها تكوين الآدميات خلال مراحل التطور المختلفة (مثل انتصاب القامة أو المشي على قدمين بدلا من السير على أربع مما أتاح الفرصة لهذه الآدميات في مرحلة تالية لاستخدام اليدين بعد تحررهما وإمكان التحكم بالتالي في صنع واستخدام الآلات والأدوات البسيطة) تعتبر رغم أهميتها القصوى أمورا هامشية إذا قيست بالتطورات التي حدثت في حجم المخ نتيجة لاتساع تجويف الجمجمة, وما أدى إليه ذلك من ارتقاء القوى الذهنية والإبداعية وارتفاع مستوى الذكاء والقدرة على معالجة الأفكار المجردة, وهذه كلها خصائص ينفرد بها الإنسان في مراحله المتقدمة وبخاصة مرحلة الإنسان العاقل عن بقية الرئيسات Primates, كما أنها تعتبر هي العامل الحاسم في التقدم الحضاري.

من هنا يتوقع العلماء والمفكرون المهتمون بمستقبل الإنسان والإنسانية ومن استقرائهم لتاريخ العملية التطورية الطويلة انتقال الإنسان إلى تلك المرحلة الجديدة المرتقبة - مرحلة ما بعد الإنسان - التي بدأت بوادرها تظهر بالفعل والتي تتميز - أو سوف تتميز - بعدد من الملامح والمقومات الأساسية التي تتمثل بشكل خاص في نوعية التفكير ومستوى الذكاء الخارق والإحاطة بأمور لم يتطرق إليها الذهن البشري من قبل, وسوف يلعب التقدم الهائل في مجال التكنولوجيا الإلكترونية دورا مهما في ذلك بما يتيحه من إمكانات هائلة للاتصال والتواصل واتساع وتنوع مجالات التفكير وتأثير ذلك كله في نوعية الحياة وبالتالي انبثاق ما يطلق عليه العقل الكوني .Global Brain وهذا لا يقلل بأي حال من أهمية التطورات الفيزيقية أو البيولوجية التي يحتمل أن تطرأ على جسم الإنسان ومدى قدرتها على التلاؤم مع متغيرات البيئة والتزايد في حجم السكان والضغوط التي سوف تنشأ عن ذلك مثل الزحام والضوضاء والتلوث البيئي.

نموذج فرانكنشتاين

والمشكلة الكبرى التي تواجه المهتمين بمستقبل الإنسان والإنسانية هي النتائج التي سوف تترتب على اكتشاف الخريطة الجينية والجهود المبذولة لاستنساخ البشر وهي جهود تواجه كثيرا من المعارضة بل والمقاومة والرفض لأسباب دينية وأخلاقية. فالكثيرون ينكرون على الإنسان أن يتولى عملية إنتاج الحياة أو عملية (الخلق) - إن استخدمنا اللفظ السائد في الكتابات الأجنبية حول الموضوع - على أساس أن الخلق هو من شأن قوة عليا أسمى بكثير من البشر. ورغم ما قد تحمله هذه الاكتشافات من إيجابيات يفيد منها الإنسان مثل القدرة على التحكم في بعض الأمراض فإن مجرد التفكير في إمكان اضطلاع الإنسان بمثل هذا العمل يصيب بالفزع كثيرا من الأوساط بما في ذلك بعض الأوساط العلمية ذاتها, لما قد يحمله السير والاستمرار في هذا الطريق الخطير من بذور تدمير الإنسان والقضاء على الإنسانية بالمعنى المفهوم من هذه الكلمة, ولذا فقد يكون من الخير للعلم وللمجتمع الإنساني أن يلتزم العلماء حدود قدراتهم البشرية ولا يتعدوا هذه القدرات في بحوثهم المتعلقة بالحياة حتى لا ينتهي بهم الأمر إلى ما انتهت إليه أبحاث فيكتور فرانكنشتاين في رواية (ماري شيلي), التي ظهرت عام 1818 والتي تدور حول اهتمام العالم فرانكنشتاين الشديد ببحوث الحياة بحيث كرس كل جهوده لصنع كائن بشري فلم تسفر هذه الجهود في آخر الأمر إلا عن إنتاج مسخ مشوه كان مصدر رعب وفزع ونفور للآخرين, فانقلب على صانعه (أو خالقه) وعلى الناس جميعا وانتهى به الأمر بعد سلسلة من المآسي والفواجع إلى تدمير نفسه, كما وضع فرانكنشتاين نفسه حدا لحياته جزاء على ما اجترأ على فعله.

و تحمل رواية فرانكنشتاين عنوانا فرعيا له دلالته ومغزاه وهو (برومثيوس الحديث). وفي الميثولوجيا اليونانية يظهر برومثيوس (القديم أو الأصلي) على أنه المسئول عن اندلاع الصراع بين البشر وآلهة اليونان وذلك حين أفلح في أن يقتبس أو يسرق جذوة من النار المقدسة (الشمس) من عند زيوس كبير الآلهة ويقدمها هدية للبشر كي تساعدهم على الرقي والارتقاء, واكتسبوا بذلك ميزة انفردوا بها على بقية الكائنات الحية, لأن النار أتاحت لهم فرصة صناعة الأدوات والآلات والأسلحة وكان ذلك بداية الحضارة التكنولوجية القديمة. وأنزل زيوس عقوبته الصارمة على برومثيوس بأن قيده إلى صخرة في بعض الجبال الشاهقة وسلط عليه نسرا ينهش كبده طيلة الليل لكي تعود الكبد إلى حالتها الطبيعية أثناء النهار وهكذا. ويذهب أحد التفسيرات لهذه الأسطورة إلى أن جذوة النار التي سرقها برومثيوس هي روح الحياة وأن برومثيوس الذي كان يعمل في صنع وتشكيل تماثيل من الطين أفلح بهذه الطريقة في أن ينفخ روح الحياة في التماثيل التي كان يصنعها وبذلك تعدى حدوده وتولى عملا هو من اختصاص الآلهة وحدهم. ومن هنا اعتبر فيكتور فرانكنشتاين هو برومثيوس الحديث لأنه أراد ببحوثه العلمية أن يتولى عملية الخلق وإنتاج الحياة بدلا من أن يقنع بوضعه المرسوم والمحدد له كمخلوق لخالق أعلى وأسمى من كل المخلوقات, ولذا كان لا بد من أن ينال العقاب مثلما حدث لبرومثيوس الأسطوري ولكن مع بعض الاختلاف. فقد جاءت عقوبة فرانكنشتاين على أيدي الكائن أو المسخ المشوه الذي صنعه بيديه وبجهوده العلمية والبحثية. أما عقوبة برومثيوس فقد جاءت من كبير الآلهة الذي سرق منه جذوة الحياة. وقد كان برومثيوس القديم رمزا للفنان المبدع الخلاق في القرن الثامن عشر أما برومثيوس الحديث فقد أصبح مثالا للإنسان الذي ينسى نفسه ويغتر بقدراته ويتعدى حدوده. ولكن رغم الدلالة والمغزى اللذين تحملهما الأسطورة والرواية فلايزال العلماء يحاولون تعرف سر الحياة, وهو ما يثير القلق والخوف والتساؤل عن جدوى هذه البحوث والاكتشافات التي قد تؤدي إلى تدمير الجنس البشري. ولذا يبدي عالم مثل بيل جوي Bill Joy في مقال نشره في عدد أبريل 2000 من مجلة Wired التخوف من التجارب التي تجرى دون قيود أو رقابة في مجال الجينات والكشف عن أسرار وقوى الحياة, وينادي بضرورة وضع مواثيق أخلاقية تحكم إجراء هذه التجارب العلمية. وهذا أمر يرفضه كثير من العلماء والباحثين.

سر الحياة

والواقع أن العلماء ينقسمون إزاء إجراء هذه التجارب والبحوث إلى فريقين متعارضين, يحمل أحدهما نظرة ملؤها الشك والتشاؤم من النتائج المحتملة وأثرها على مستقبل الإنسان, بينما يرى الفريق الآخر أن المحصلة النهائية لهذه البحوث سوف تكون في صالح الإنسان وخير الإنسانية.

لعل أشهر المتشائمين الذين يتشككون في جدوى الجهود المبذولة ويعارضون الاستمرار في البحث عن سر الحياة إن لم تخضع هذه الجهود لبعض القيود التي تنظم القيام بالبحث وتوجهه هو المفكر الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية فرنسيس فوكوياما صاحب كتاب (نهاية التاريخ) الذي أثار حين ظهوره, ولا يزال يثير, كثيرا من الجدل على مستوى العالم. فلقد أصدر فوكوياما في العام الماضي (2002) كتابا طريفا بعنوان (مستقبلنا في مرحلة ما بعد الإنسانية) وله عنوان فرعي هو (عواقب الثورة في مجال البيولوجيا الحيوية) وفيه يعبر عن تخوفه من أن تحقق التقنيات في مجال البحوث الجينية كل ما سبق أن تنبأ به الكاتب الروائي البريطاني ألدس هكسلي في روايته (عالم جديد جريء) والتي يبين فيها كيف يفقد الإنسان تدريجيا روحه باسم التقدم والتطور والرقي الوراثي بفعل العقاقير والمنشطات التي تمنحه السعادة أو اللذة المؤقتة. ويرى فوكوياما أن الالتجاء إلى مثل هذه العقاقير للخروج من حالة الاكتئاب التي تسيطر على الكثيرين الآن من شأنها فقدان الإنسان لشخصيته, وأن الأضرار التي تنجم عن استعمالها تفوق في خطورتها كل النقائص والعيوب السلوكية التي يحاول الفرد التخلص منها بهذه العقاقير, وأنه إذا كانت هناك عقاقير تساعد على إطالة فترة حياة الأفراد فإن طول الحياة يؤدي إلى تداخل الأجيال المتتالية مما قد يؤدي إلى حدوث ارتباكات خطيرة في توزيع القوى والدخل وفرص العمل وكثير من المصادر الاجتماعية الأخرى, وأنه إذا كان للهندسة الوراثية بعض الفوائد التي لا يمكن إنكارها في مجال الطب والتغلب على العجز وبعض الأمراض الجينية المتوارثة فإنه قد يساء استخدامها في تبرير والاستمرار في ممارسة بعض أنواع السلوك التي ينكرها المجتمع الإنساني مثل الشذوذ الجنسي, وذلك كله فضلا عن أن الاستفادة من نتائج هذه البحوث سوف يكون مقصورا في الأغلب على الفئات الغنية التي ترغب في تثبيت وتوارث بعض الخصائص والمميزات الجسمية والاجتماعية التي تتميز بها عن بقية أعضاء المجتمع مما قد يساعد على ترسيخ وتوكيد الفوارق الاجتماعية على أسس بيولوجية, مما يعرض التماسك الاجتماعي لكثير من المشاكل والاضطرابات في عصر يتجه فيه العالم نحو مزيد من الديمقراطية والاعتراف بالمساواة بين الناس في كثير من الحقوق والواجبات. ولكي تتجنب الإنسانية التعرض لهذه الأخطار يقترح تدخل الدولة لتنظيم استعمال هذه التقنيات بل وأن يفرض نوع من الحظر الدولي على استخدام تقنيات الاستنساخ وغيرها من تقنيات الهندسة الوراثية التي تساعد على تحقيق تغيرات يمكن انتقالها من جيل لآخر. ويذهب فوكوياما إلى أن أخطر النتائج التي يحتمل ظهورها من الثورة البيوتكنولوجية الحالية هي احتمال حدوث تغييرات جذرية في الطبيعة البشرية ذاتها مما يؤدي إلى ظهور مرحلة جديدة في تاريخ التطور البشري هي مرحلة ما بعد الإنسانية Post humanity, لأن مجرد التدخل في خصائص ومقومات وعناصر هذه الطبيعة البشرية كما نعرفها سوف يؤدي بالضرورة إلى اختلاف النظرة إلى البشر أنفسهم كوحدة كلية بكل ما يترتب على هذه النظرة الجديدة من صراعات معرفية واقتصادية بالغة الخطورة. والنصيحة التي يخلص إليها من ذلك هي أنه إذا كان الناس يهتمون الآن بما يسمونه أسلحة الدمار الشامل فإن الأولى بهم أن يهتموا بأسلحة المعرفة التي تؤدي إلى اختراع وسائل ووسائط هذا الدمار.

إعادة تشكيل

يأتي على رأس الفريق المؤيد لإجراء التجارب والبحوث في مجال الهندسة الوراثية وتكنولوجيا الجينات والبيوتكنولوجي أو التكنولوجيا الحيوية بشكل عام جريجوري ستوك الذي صدر له هو الآخر في العام الماضي كتاب عن (إعادة تشكيل البشر) وله عنوان فرعي (مستقبلنا الجيني المحتوم). ويذهب ستوك في هذا الكتاب الذي يحمل كثيرا من التفاؤل بمستقبل الإنسان والإنسانية بفضل هذا التقدم العلمي إلى أن المرحلة الحالية التي وصلت إليها الآدميات في تطورها, وهي مرحلة الإنسان العاقل, ليست هي الفصل الأخير في سلسلة الفصول المتتالية حول تطور الرئيسات, وإنما هي تمثل فقط طرف منحنى تطور بيولوجي هائل, قد يؤدي إلى تغيير التكوين الفيزيقي والسلوكي والذهني للإنسان والوصول به إلى أبعاد جديدة يصعب تحديدها بدقة. وأن إعادة تشكيل الطبيعة البشرية هي عملية واعية تتم طبقا للتقدم العلمي في مجال الوراثة البشرية والبيولوجيا البشرية وتتلاءم مع تطلعات البشر أنفسهم لتحسين القدرات والإمكانات المختلفة, التي يجب أن يتمتع بها الإنسان في الوقت الحالي والتي يمكن أن تنتقل منه إلى الأجيال التالية, ولذا يجب الترحيب بالبحوث والاكتشافات التي تساعد على طول العمر وامتداد فترة الحياة, وتوفير كل الإمكانات التي تساعد على رفع مستويات الحياة وقدرات الأجيال التالية عن طريق التدخل في خريطة الجينات الخاصة بأطفال المستقبل وتعديلها بما يؤدي إلى الارتقاء بمستوى الذكاء والقدرات الجسمية بل والشكل المظهري العام وغير ذلك من الصفات والملامح المرغوب فيها. وعلى ذلك يرى ستوك أنه ليس من المعقول أو المستحسن فرض أي قيود أو تحريمات على البحوث في مجال التكنولوجيا الحيوية, لأن مثل هذه القيود لن تفلح في منع العلماء والباحثين من العمل على تطوير هذه التكنولوجيات والتقنيات بشكل أو بآخر لأن هذا هو المنطق الطبيعي لحركة البحث والتقدم العلمي, وحتى لو أفلحت مجتمعات الغرب الديمقراطية في وضع قيود على البحث في هذا الميدان لاعتبارات أخلاقية واجتماعية فإن هناك مجتمعات أخرى مثل الصين التي تنفق أموالا طائلة على البحوث في مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية لا تعتنق - في رأيه - المعايير الأخلاقية نفسها التي تسود مجتمعات الغرب, ولذا فسوف يكون من الصعب إقناعها بالإقلاع عن هذه البحوث. والأدهى من ذلك أن فرض القيود سوف يؤدي في الأغلب إلى تحقيق النتائج التي ترمي هذه القيود إلى منعها لأن من الصعب, إن لم يكن من المستحيل, منع الأغنياء, والقادرين اقتصاديا أو سياسيا على استخدام نتائج هذه البحوث, من الالتجاء إليها والاستعانة بها لتحقيق أغراضهم الخاصة بعكس الحال بالنسبة لبقية فئات المجتمع. بل إن هذه القيود سوف تحرم الناس من معرفة الأضرار والجوانب السلبية التي قد تحملها هذه التقنيات حتى يتجنبوا استعمالها, ولذا فمن الأفضل - على ما يرى - أن يبيح المجتمع استخدامها مع توضيح ما قد تسببه من أذى إن كان ثمة أذى على الإطلاق.

مفهوم جديد

وواضح أن المشكلة الرئيسية التي تواجه العلماء والباحثين الآن هي في أساسها مشكلة أخلاقية تتعلق بالعواقب التي قد تنجم من التدخل في الخريطة الجينية والأضرار التي قد تلحق بالمجتمع من جراء تسخير نتائج هذه البحوث في (صنع) أطفال يتمتعون بمزايا ذهنية أو جسمية أو سلوكية يفتقر إليها بقية أعضاء المجتمع. والتوقعات التي قد يمكن أن تترتب على ذلك بالنسبة للتماسك الاجتماعي والأمن الداخلي والعلاقات بين الناس في المجتمع هي التي تثير القلق والفزع لدى الكثيرين لأن هذه النتائج التي يمكن تحقيقها من خلال استعمال عقاقير معينة والتدخل في هندسة الخلايا أو تجديد بعض أنسجة الجسم أو اختيار نوع الجنين قبل أن يوضع بالفعل في رحم الأم سوف تقتضي إجراء تعديلات في مجال الحقوق المدنية التي تفترض المساواة بين كل أفراد المجتمع - على الأقل في المجتمعات الديمقراطية.

والسؤال الذي يشغل بال الكثيرين من المهتمين بمستقبل الإنسان والإنسانية هو: هل تؤدي الاستعانة المرتقبة بنتائج البحوث في مجال التكنولوجيا الحيوية إلى اختفاء المجتمع الإنساني بالصورة التي نعرفها وظهور مجتمع جديد يتألف من فئات أو طبقات من الناس يتمايزون بعضهم عن بعض في القدرات والخصائص والإمكانات وفرص الحياة بسبب التفاوت البيولوجي الذي يتدخل الإنسان نفسه في تحديده وتنفيذه, وهل يؤدي ذلك إلى ظهور مفهوم جديد لمعنى الإنسان والإنسانية?

 

أحمد أبو زيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات