مكانٌ إلى جوارنا .. للأرنب !

مكانٌ إلى جوارنا .. للأرنب !

الأرنب حيوان يلد, ويرضع صغاره.. فهو - إذن - من طائفة الحيوانات التي يسميها علماء الحيوان بالثدييات, أي التي لها غدد بالصدر تفرز اللبن, وتسمى -أيضاً- بالحيوانات اللبونة, أو اللبونيات, أي التي تنتج إناثها اللبن لترضع الصغار.

والثدييات - أو الحيوانات اللبونة - طائفة متسعة, تشتمل على أنواع عديدة من الحيوانات, بينها اختلافات شديدة, فهى تضم: الإنسان- القرد - الفيل - القط - الجرذان - الحيتان - الدلافين - عروس البحر - الغوريللا - والأرنب, وأنواعاً حيوانية أخرى. ولكي يوفر العلماء مزيداً من التحديد للمجموعات الحيوانية التي يتشابه أفراد أو أنواع كل منها في كثير من الصفات, كان من الضروري إعادة تجميع الثدييات المتشابهة لتضمها مجموعات أصغر.. وعلى سبيل المثال, تم تجميع الإنسان والغوريللات والقردة الكبيرة في مجموعة واحدة تسمى (الرئيسات), وهى تحتل قمة عالم الحيوان أو المملكة الحيوانية, وقد يدهشك أن النمور والقطط تنتمي, معاً, لمجموعة واحدة تسمى بمجموعة القطط, ثم تجيء الأرانب والجرذان وبعض الحيوانات المشابهة في مجموعة (القوارض).

إن السطور السابقة هي من الحقائق الأولية لأحد العلوم الأساسية, التي يدرسها طلاب كلية العلوم, هو (علم التصنيف), ومهمته تصنيف جميع أنواع الكائنات الحية المعروفة, وإعطاؤها أسماء لاتينية مشتقة من صفاتها, وذلك لتسهيل دراسة علاقات هذه الكائنات ببعضها. وقد بدأ ذلك العلم - في صورة متقدمة نسبياً - منذ حوالي مائتي سنة, وكان أشهر المشتغلين به عالما اسمه (لينياس)..

و(لينياس) هذا هو الذي وضع الأرانب في مجموعة القوارض, وهى مجموعة أدنى من مجموعة القمة: (الرئيسات) .. لقد رآها لينياس تمتلك قواطع كبيرة الحجم, هي أسنانها الأمامية, وتتسلى - طول الوقت - بقرض كل ما يصلح للقرض, فأعطاها اسمها المشتق من الفعل (قرض).

وعاشت الأرانب, قرنين من الزمان, مستقرة, مطمئنة إلى مركزها الثابت فى تصنيف المملكة الحيوانية. وأعتقد أن الأرانب نفسها سوف تندهش إذا قرأت معنا هذا الكلام وعلمت أنه يجب عليها الآن أن تراجع الدوائر الرسمية لتغيير (صفتها) المثبتة فى هويتها !!

لقد اكتشف أحد علماء الوراثة - حديثاً - أن لينياس (أبا علم التصنيف) كان على خطأ عندما ضم الأرانب إلى القوارض, وأن من حق الأرانب أن تحصل على ترقية كبيرة!

يقول ذلك العالم, إن (لينياس) ومعاصريه من علماء التصنيف كانوا يعتمدون على الصفات الخارجية للجسم, وعلى بعض السلوكيات الظاهرة في تصنيفهم للكائنات الحية, أما الآن, فإن لدينا من أجهزة التحليل الكيمائي, ومن وسائل البحث في مجال الهندسة الوراثية, ما يجعلنا نعود إلى تصنيف الكائنات الحية على أسس أكثر دقة.

الخطير في الأمر, أن الترقية التي يطالب بها ذلك العالم للأرنب, تعد قفزة كبيرة - وهو, على أي حال, مشهور بقفزاته السريعة الطويلة - فهي تنقله إلى قمة المملكة الحيوانية, وتنسبه إلى طائفة الرئيسات, التي تتربع على تلك القمة, والتي يحتل الإنسان ذروتها .. وهكذا, أصبحت الأرانب - علمياً - من أقربائنا!!

لقد أجرى ذلك الباحث بعض التجارب والاختبارات, فوجد أن التركيب الكيميائي لبعض أنواع البروتين في الأرنب, يشبه تركيب نفس البروتينات في كائنات من طائفة الرئيسات, أكثر مما يشبه تركيب نفس البروتينات في القوارض الأخرى. وهو يقول إن هذا الأساس الكيميائي للتصنيف أقوى من أسلوب التصنيف القديم, فالتركيب الكيميائي للبروتينات مسجل في الصفات الوراثية للكائن الحي, مما يعنى ثباته على مر الأزمنة, ويؤكد حق الأرنب في الحصول على هذه الترقية الكبيرة!

أول إنتاج من الفول السوداني المعدَّل وراثياً

نجح علماء المعهد العالمي لأبحاث محاصيل المناطق الاستوائية شبه الجافة, بالهند, في إنتاج أول نبات من الفول السوداني المعدَّل وراثياً, في العالم, ويتميَّز بمقاومة عالية لمرض فيروسي, ينتشر في زراعات الفول السوداني بالهند, التي تبلغ مساحتها 1.8 مليون هكتار, ويصل إنتاجها إلى 8 ملايين طن من هذا المحصول الغذائي المهم. وقد يبدو الرقم الدال على الإنتاج عالياً, والحقيقة أنه منخفض, بالنسبة للمعدَّل العالمي لإنتاج الهكتار من الفول السوداني. ويُردُّ هذا الانخفاض في الإنتاج إلى عدة عوامل, منها موجات الجفاف, وانخفاض خصوبة التربة الزراعية, غير أن العامل الرئيس هو إصابة هذا المحصول بعدد من الأمراض, أهمها ذلك المرض الفيروسي, الذي يقاومه الإنتاج الجديد المعدَّل وراثياً, الذي سيوفر للهند 40 مليون دولار أمريكي, في السنة, هي الخسائر التي كان يوقعها المرض بالفول السوداني الطبيعي.

مادة للبناء.. صديقة للبيئة

ليس (جوليس جانسين) من علماء النبات, فهو مهندس مدني, ويعمل باحثاً بمختبر لمواد البناء, تابع لجامعة (إيندهوفن) الهولندية, المتخصصة بالتكنولوجيا. ويبدو جانسين غريباً بين زملائه بالمختبر, فبينما تنصب اهتماماتهم في الخرسانة والحجارة والحديد, ينفرد هو بدراسة خواص (البامبو) كمادة إنشائية. وقد انتهت أبحاث جانسين حول أقصاب البامبو إلى نتائج مشجعة, غير أن أهم نتيجة, كما يقول, هي أنه تحول إلى عاشق لهذه الأقصاب.

ولا يملُّ جانسين, الذي قضى قرابة نصف القرن يدرس خواص البامبو, من الحديث عنه, ليس فقط بدافع من حماسه الشديد لمادة بناء جديدة, ولكن لأنه - أيضاً - لا يفوت أي فرصة تتهيأ له لينقل للآخرين بعض حماسه.. إنه يعرض على ضيوفه بالمختبر قطعة من قصبة بامبو, ويأخذ في التغزل بجمالها الذي يراه في القوام الرشيق متكامل النسب, والقشرة الصفراء الصقيلة, التي لا تحتاج إلى طلاءات كيميائية, فالبامبو مادة من الطبيعة, مكتفية بذاتها, لا تحتاج لأي إضافات تفسد صفاتها المتوافقة تماماً مع البيئة الطبيعية. وإذا زرت جانسين في مختبره, يمكنك أن تشهد بنفسك تجربة لقياس جهد التحميل, يجريها الرجل على قطعة من البامبو, لتري العداد يشير إلى أن البامبو يمكنه أن يتحمل قوة ضاغطة تصل إلى 78 نيوتن على الملليمتر المربع. ويقرِّب جانسين قوة تحمل البامبو, لمن لا صلة لهم بأجهزة ووحدات القياس, فيقول إن قصبة مستقيمة من البامبو, بمساحة سطح عشرة سنتيمترات مربعة, يمكنها أن تتحمل ثقل فيل وزنه 11 ألف رطل!

والمعروف في عالم البناء والتشييد, أن لكل مادة بناء (كودا), أو رقما اصطلاحيا, يعرفه خبراء الإنشاءات والمقاولون, يترجم خواص المادة ومدى صلاحيتها للاستخدام في مختلف أغراض البناء. وكان جانسين حريصاً, منذ بدأت علاقته بالبامبو, على أن يدخله في قائمة مواد البناء المتعارف عليها عالمياً, فيكون له (كوده) الخاص, فيطمئن إليه المهندسون والمقاولون, ويقبلون على استخدامه كمادة إنشائية, فيتحقق له الانتشار, ومن دون هذا الكود, يظل البامبو مجهولاً, بل ينظر إليه كمادة محظور استخدامها في إقامة البنايات, ويتعرض من يستخدمه للمساءلة القانونية.

ليس معنى هذا أن البامبو - قبل أن يتبنى جانسين قضيته - لم يكن معروفاً كمادة بناء, فالثابت تاريخياً أن الصينيين القدماء كانوا يعرفونه, واستخدموه كوحدة زخرفية في رسوماتهم الزيتية التقليدية, كما أن نبات البامبو كان يزرع على جانبي الممرات في الأديرة والمعابد البوذية. وكان البامبو معروفاً, منذ زمن طويل, في مجتمعات كثيرة, متباينة جغرافياً وحضارياً, في غينيا الجديدة, وكولومبيا, وبنجلاديش, وتايلاند, حيث استخدم في بناء وحدات سكنية تقليدية, تختلف أشكالها تبعاً للطابع المحلي. أما الاستخدامات المعاصرة للبامبو, فلا تزال محدودة, ولا تزيد عن (حالات) قليلة, بأماكن متفرقة من العالم, وإذا طُرح البامبو كفكرة جديدة في المشروعات الإسكانية التي تضطلع بتنفيذها الحكومات, قوبل بالتردد والتشكك في قيمته كمادة للبناء.

ويبدو أن دفاع جانسين عن البامبو قد أثمر, إذ جرت أخيراً اتصالات بين بعض الإدارات الحكومية في بلدان آسيوية, وجامعة إيندهوفن, للاستفادة بخبراتها في مجال إنشاءات البامبو, وتم إعداد برنامج للتعاون بين الطرفين, للتدريب على زراعة البامبو واستخدامه كمادة للبناء. ويتحمل جانسين مسئولية الإشراف على هذا البرنامج. كما أشرف الرجل على مشروع قومي للبناء بالبامبو, تبنته حكومة كوستاريكا, بدأ العمل به في العام 1987, لزراعة 700 هكتار بأقصاب البامبو, وتدريب عمال البناء على معالجة البامبو وإعداده, وأسلوب البناء به. وقد حقق المشروع أهدافه, وأنشأ 700 منزل منخفض التكاليف. وشجع النجاح حكومة كوستاريكا, فقررت, في العام 1994, التوسع في المشروع, ووضعت خططاً لإنشاء ألف من بيوت البامبو, كل سنة.

نعود إلى الحقائق العلمية, التي تقول بأن البامبو يفوق الخشب والقرميد والخرسانة في كثير من الخواص, فإلى جانب تفوقه في اختبارات التحميل, يضيف البامبو إلى ميزاته قلة تكلفة الإنشاء, التي تأتي من قلة تكلفة إنتاج مادة البناء الأساسية, الأقصاب. فمقارنةً بالخشب, فإن الطاقة اللازمة لإنتاج كمية من أقصاب البامبو, تساوي نصف الطاقة الضرورية لإنتاج أشجار تعطي نفس الكمية من الأخشاب, بالإضافة إلى أن البامبو ينمو أسرع من أشجار الخشب, كما يمكنك أن (تحصد) الأقصاب بعد شهور قليلة, أما الخشب, فلن تحصل عليه إلا مرة واحدة, بعد سنوات طويلة. كما أن عملية حصاد البامبو أقل تكلفة, وتتميز بالسهولة, فهي لا تحتاج إلا لسكين حاد يجتث الأقصاب, أما إنتاج الخشب, فيستلزم آلات وقدرات ميكانيكية كبيرة, تضيف كلفتها أعباءً على التكلفة الإجمالية لإنتاج الخشب.

فإذا قورن البامبو بالخرسانة, فإن إنتاج كتلة من الخرسانة لها قدرة تحمل معينة, يلزمه كمية من الطاقة تعادل ثمانية أضعاف الطاقة المطلوبة لإنتاج قطعة من البامبو لها قدرة التحمل نفسها. وتزيد النسبة, في حالة المقارنة بالصلب, لتصل إلى (1 : 50), وذلك لأن عملية إنتاج الصلب تتضمن خطوات متعددة, عالية التكاليف, من صهر وصب وطرْق وسبك.

ويمكننا, كمهتمين بشئون البيئة, أن نضيف في كفَّة البامبو, ولصالح تميزه, أنه مادة متوافقة مع البيئة, فلا يتضمن استخدامه شبهة ضغط على الموارد الطبيعية, كما في حالة الأخشاب, التي تنتج على حساب أشجار الغابات, رئات العالم, كما أن عملية تصنيعه لا تمثل عبئاً إضافياً على البيئة, كما هو الحال بالنسبة لحديد البناء, الذي يتم إنتاجه في مصانع ومسابك تلوث مخلفاتها الهواء والمجاري المائية. إن هذه التكلفة البيئية عنصر يغيب, في كثير من الحالات, عن أعين الدارسين, بالرغم من جدارته باحتلال مرتبة أساسية, عند حساب اقتصاديات الإنتاج والتشغيل.

وقد تهيأ للبامبو أن يحصل على اختبار يثبت قوته وتميزه, وهو اختبار من الطبيعة, هذه المرة, وذلك عندما ضرب زلزال شدته سبع درجات ونصف درجة, بمقياس ريختر, المنطقة التي شيدت فيها بيوت البامبو, في كوستاريكا, فأصاب الدمار كل البنايات بالمنطقة, إلاَّ بيوت البامبو, لم تنل منها الهزة الأرضية الشديدة. وكان ذلك راجعاً إلى صغر كتلة البامبو, مقارنةً بكتلة الخرسانة.. فكما هو معروف, من قوانين (الميكانيكا) التي يدرسها طلاب المدارس الثانوية, أن القوة تساوي الكتلة, مضروبة في عجلة الجاذبية الأرضية, والأخيرة, كما هو معروف أيضاً, ذات قيمة ثابتة, وعلى ذلك, فإن القوة (وهي, هنا, تعني قوة الزلزال), تزيد كلما زادت الكتلة.. وهكذا, خفف عنصر صغر كتلة البامبو من تأثير القوة التدميرية لذلك الزلزال في كوستاريكا.

فما سرُّ قوة البامبو?

إنك إذا تفحصت قطعة من قصبة بامبو, أمكنك أن تشاهد خطوطاً, هي ألياف من السليلوز, وحقيقتها أنها الأوعية التي كانت تقوم بنقل الأملاح المغذية الذائبة في الماء, من الجذور إلى الأوراق, وقت أن كان النبات يعيش بالتربة, وتتخذ هذه الألياف لوناً غامقاً, بالنسبة للون المادة (البينية) في مادة القصبة, وهي (اللجنين).

ويتمتع السليلوز بالقوة والمتانة, بينما تتميز مادة اللجنين بالنعومة, وهكذا, تتوفر الصفتان معاً لأقصاب البامبو. إن المادتين معاً تشبهان تركيب الخرسانة المسلَّحة, فاللجنين هو بمثابة مادة الخرسانة الضامة, التي تمسك بألياف السليلوز, وتحافظ عليها موزَّعةً على مسافات بينية شبه منتظمة, وتمنعها من الاعوجاج مع امتداد الساق, عند نمو نبات البامبو. واللجنين وحده, إذا فقد ألياف السليلوز, يتفتت, تماماً كمادة الخرسانة من دون أسياخ الحديد, تتفتت إذا وقع عليها ضغط حمل ثقيل. ومن جهة أخرى, فإن السليلوز, الذي يشبه دوره دور حديد التسليح, لا يعمل وحده, فإذا وقع عليه ضغط, اعوجَّ. وهما, معاً, قوة لا تُبارى.

وقد يتبادر إلى الذهن أن طبيعة البامبو, كقصبة مجوَّفة, يُعدُّ نقطة ضعف فيه, ولكن الخبراء يرونها ميزةً, ويقولون إنه يتخذ الشكل الأنبوبي, والأنبوبة (فورم), أو صيغة قوية, تسمح بتوزع أكبر قدر ممكن من المادة في الحيز المحدد, كما أن التجويف يعني وزناً أقل لهذه المادة, التي لا مثيل لها, والتي تجمع بين القوة والخفة.

كل هذه الميزات, ولا يزال البامبو بحاجة إلى من يدافع عنه ويتحمس له كمادة بناء.. فلماذا? لماذا لا يتجه إليه الجميع, ليبنوا به بيوتهم? هل المسألة مسألة مواد متعارف عليها, تحمل أرقاماً عالميةً, ولها معاييرها المستقرة? لماذا لا نجرب هذه المادة الجديدة? هل تمنعنا عنها عيوبها? نعم.. للبامبو عيوب.. وأي من مواد البناء التي اعتدنا عليها يخلو من عيوب?

إن للبامبو عيوبه, التي يجب أن لا تغيب عنا, أو نحاول إخفاءها.. فثمة مستهلكون للبامبو, غير دب (الباندا) الشهير, الذي يتخذه طعاماً مفضلاً, والإنسان, الذي يتخذه مادة للبناء وصنع الأثاث.. هناك (النمل الأبيض), وأنواع من الخنافس, تثقب البامبو لتأكل مادة اللجنين المكونة له. لذلك, يحتاج البامبو إلى معالجة قبل استخدامه للبناء, أو لصناعة الأثاث. كما أن الفطريات تهاجم أقصاب البامبو, إذا ابتلَّت. فما العمل مع تعرض أسقف وجدران بيوت البامبو للأمطار, في المناطق الاستوائية المطيرة? لمواجهة هذا الأمر, ينصح الخبراء بأن تختار مواقع بناء بيوت البامبو بحيث تكون دائمة التعرض لتيارات من الهواء, لتجفف الأقصاب المبللة, قبل أن تهاجمها الفطريات, وتنتهي إلى التعفن في غضون أسابيع قليلة. وعلى أي حال, فإن بيت البامبو, إذا أُحسن بناؤه وصيانته, يعيش لمدة 30 سنة.

وقد سبق أن أشرنا إلى تجويف قصبة البامبو على أنه ميزة, غير أن لهذا التجويف, في الوقت ذاته, عيبا يجب أن ننتبه له, فهو يجعل البامبو سريع الاشتعال. وفي مفتتح القرن العشرين, شبت النيران في حي صغير, مكون من مساكن البامبو, بمدينة شنغهاي الصينية, فأتت على الحي كله, في نصف الساعة! لذلك, لا ينصح الخبراء ببناء منازل متعددة الطوابق من البامبو, كإجراء وقائي, للتقليل من الخسائر, في حالة اندلاع حريق. وعلى أي حال, فإن سكان البيت ذي الطابق الواحد يمكنهم النجاة من النيران, والهروب من خلال الأبواب والنوافذ, وأيضاً من خلال الجدران, التي يمكن اختراقها بسهولة, في حالات الطوارئ.

وأخيراً, فإن للبامبو عيوبه الفنية, إذ لا يمكن تثبيته ووصل بعضه بالبعض الآخر, مثلاً, كما في حالة الخشب, باستخدام المسامير, وهو عيب جوهري, يؤثر في قيمة البامبو كمادة للبناء. وكانت الأكواخ والمساكن تبنى في الطرق القديمة بأن تُشدُّ الأقصاب إلى بعضها باستخدام حبال. وفي الآونة الأخيرة, تغلب الخبراء على هذه الصعوبة الفنية, وتوصلوا إلى حل لها, بتصنيع وصلات خاصة للبامبو, تشبه إلى حد ما الوصلات المستخدمة في ربط ووصل مواسير المياه. كما لا يكف سعي الخبراء من أجل إضفاء لمسات من الجمال على بيوت البامبو, التي عُرفت منذ القدم بالتواضع, وبأنها منازل الفقراء.

تنامي أنشطة التكنولوجيا الحيوية

تشير الإحصائيات إلى اتساع مساحة الأراضي التي تزرع بمحاصيل معدَّلة وراثياً. لقد ازدادت هذه المساحة, في العام 2002, بمقدار 15 مليون أكر (الأكر وحدة مساحة إنجليزية, قدرها 4 آلاف متر مربع), ليبلغ إجمالي هذه المساحة, في العالم كله, 145 مليون أكر, وهو رقم يمثل 35 ضعفاً لما كان عليه الوضع في عام 1996. ويعمل في هذه المساحة, التي تتوزع في 16 من بلدان العالم, ستة ملايين عامل زراعي. وقبل عام واحد من تاريخ هذه الإحصائية, أي في العام 2001, كان عدد الدول التي تعتمد التقانيات الحيوية في مجال المحاصيل الزراعية, 13 دولة, وكان عدد عمال الزراعة أقل بمقدار مليون. وتشير هذه الزيادات المتسارعة والمؤثرة إلى تغير واضح في النظرة إلى هذه التقانيات المستحدثة, التي دار, ويدور, حولها جدل كبير, فالاعتراف بها يتنامى. ويؤكد ذلك أن 20% من الإنتاج العالمي من محاصيل زراعية مهمة, مثل فول الصويا والأذرة والقطن والكانولا, خضع لدرجات متفاوتة من المعالجة بتقانيات حيوية, لتعديل وتحسين الصفات.

إن التدقيق في تفاصيل المؤشرات الرقمية يلقي مزيداً من الضوء على مدى الإقبال العالمي على زراعة محاصيل التكنولوجيا الحيوية, فبالنسبة للقطن, لم تزد المساحة المزروعة بالقطن المعدل, في العام 2002, عن العام السابق, وثبتت عند رقم 8.16 مليون أكر, أما المساحة المزروعة بالأذرة المعدلة وراثياً, فقد ازدادت بنسبة 27%, لتصل إلى 6.30 مليون أكر, في العام 2002, وازدادت مساحة أراضي محصول الكانولا المعدل بنسبة 11%, فأصبحت 4.7 مليون أكر في العام ذاته, أما فول الصويا, فقد جاء في المقدمة, إذ قفزت مساحة الأرض المزروعة بالسلالات المعدلة من هذا المحصول الغذائي والاقتصادي المهم إلى 2.90 مليون أكر في عام 2002, وإن كانت نسبة هذه الزيادة لا تتجاوز 10%. والجدير بالذكر, أن هذه المساحة المزروعة بفول الصويا المعدل تساوي نصف إجمالي كل زراعات فول الصويا في العالم.

وتتصدر الولايات المتحدة الأمريكية دول العالم التي تسمح بزراعة المحاصيل المعدلة وراثياً, تليها الأرجنتين, ثم كندا, فالصين, بنسب 66%, و23%, و6%, و4%, على الترتيب, من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة بهذه المحاصيل, على المستوى العالمي. وقد شهد العام 2002 إقبالاً ملحوظاً من دول العالم الثالث على إدخال تقانيات حيوية في مجال المحاصيل الزراعية, ومن هذه الدول, الهند وكولومبيا وهندوراس, التي تطبق هذه التقانيات على محصولي القطن والأذرة, أما الفلبين, فقد أنتجت سلالة جديدة من القمح, أجازت زراعتها هذا العام.

والملاحظ, أن ثلاثة أرباع الفلاحين الذين يزرعون المحاصيل المعدلة وراثياً هم من المزارعين الصغار, في دول فقيرة أو نامية, ارتضوا التقانيات الحيوية, ووثقوا بها, إذ قدمت لهم حلولاً معقولة لمشكلة الآفات الزراعية, وأغنتهم عن استخدام المبيدات الحشرية, كما قدمت لهم سلالات جديدة تتحمل مبيدات الحشائش. كما شجع هؤلاء الزرَّاع الفقراء ما تحقق لهم من مردود, إذ زاد دخلهم من الأكر الواحد المزروع بالمحاصيل التي اكتسبت صفات تقاوم الآفات الزراعية, فقد حققت زراعة القطن الصيني المعدل وراثياً زيادة قدرها 200 دولار لكل أكر, كما أن القطن المعدل المزروع في جنوب إفريقيا, حيث أغلب العاملين بالزراعة من النساء, وفَّر الوقت الذي كان يضيع في مقاومة آفات القطن, لتنفقه العاملات الزراعيات في أنشطة أخرى تزيد من دخولهن, أو لرعاية بيوتهن.

وبالإضافة إلى ذلك, يقول أحد العلماء المتحمسين للمحاصيل المعدلة بالتقانيات الحيوية, فإن هذه المحاصيل قللت من استهلاك المبيدات الحشرية, وعلى سبيل المثال, فإن محصولاً واحداً, هو القطن, قلل الاستهلاك العالمي من هذه المبيدات بمقدار 33 ألف طن, في العام الماضي, أي بنسبة 40% من المبيدات التي ترش في حقول القطن في العالم. كما أن زراعة 6 محاصيل أخرى, معدلة وراثياً, بالولايات المتحدة الأمريكية, وفرت استخدام 23 ألف طن من المبيدات, كانت تتطلبها زراعة السلالات الأصلية, غير المعدلة, من هذه المحاصيل.

إن المردود الاقتصادي لتقليل كمية المبيدات لا يتمثل, فقط, في قيمتها النقدية, ولكن يضاف إليها التكلفة البيئية, المتمثلة في قيمة ما يمكن أن يلحقه استخدام هذه الكمية من المبيدات بصحة البيئة وصحة البشر من أضرار, وتكلفة إصحاحها.

الجدير بالذكر, أن حجم التعامل في سوق المحاصيل المعالجة بتقانيات الحيوية كانت قيمته 8.3 بليون دولار, في العام 2001, ارتفعت إلى 25.4 في العام 2002, وينتظر أن تقفز إلى 5 بلايين دولار في عام 2005.

المبيدات تضرب الزرزور

يتمتع طائر (الزرزور) بخصوبة عالية, تتيح له - في الظروف الاعتيادية - أن يكوِّن مستعمرات ضخمة, تُعدُّ بالملايين, ومن الشائع أن تُشاهد أسرابٌ من هذه الطيور تطير في سماوات أفريقيا وآسيا, تكاد تغطي المنطقة التي تمرُّ بها, فتُظلمها. والزرزور من الطيور التي تضطلع بدور بيئي مهم, فهو من أكلة الديدان, ووجوده ضروري, كعامل طبيعي ينظِّم انتشارها بالبيئة الزراعية.

ولم يكن الزرزور معروفاً في القارة الأمريكية الشمالية, فطلبت بلدية نيويورك, في العام 1890, أن تهديها إنجلترا بعضاً من طيور الزرزور, فحصلت على ثلاثين زوجاً من هذا النوع من الطيور, الذي سرعان ما تأقلم مع طبيعة البيئة الأمريكية, واستوطن الشمال الأمريكي, وتوالد بسرعة فائقة, حتى أن عدد تجمعاته هناك يتجاوز, الآن, 600 مليون زرزور! أما أحوال الزرزور الإنجليزي, فعلى العكس, فقد تناقصت أعداد تجمعاته في سماء إنجلترا, من 20 مليوناً في العام 1972, إلى عشرة ملايين, فقط, حالياً. ويعلِّق مسئول بيئي إنجليزي على هذه المفارقة, قائلاً: (على الأمريكيين أن يردوا لنا بعضاً من الزرازير التي أخذوها منَّا!).

الجدير بالذكر, أن علماء الطيور يُرجعون هذا النقص الفادح في أعداد طيور الزرزور الإنجليزية إلى تأثير المبيدات الزراعية, التي أدَّت إلى اختفاء ديدان التربة, الغذاء المفضَّل للزرزور.

 

رجب سعد السيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أرنب بري يطل من جحره





الأرانب أصبحت علميا من أقربائنا





الفول السوداني المعدَّل وراثياً





سقف وجدران وأرضية وأثاث .. كله من البامبو





أثاث من البامبو





أقصاب عملاقة من البامبو





قطاعات من أقصاب البامبو معدة لدراسة خواصها





قوائم ساترة (بارافانات) من البامبو





اللون الأخضر يمثل توزيع الأراضي المزروعة بالمحاصيل المعدلة وراثيا في العالم





طيور الزرزور تتجمع على أفرع الشجر