دنيس جونسون ديفيز وكامل يوسف حسين

دنيس جونسون ديفيز وكامل يوسف حسين

الأديب العربي يعيش مأزقا لا مخرج منه

إذا كان هناك مترجم رائد بعينه يرتبط اسمه بمد الجسور بين الأدب العربي والساحة العالمية, بحكم ما بذله من جهود مستمرة على امتداد فترة طويلة من الزمن وما تركته هذه الجهود من تأثير على امتداد العالم, فإن هذا المترجم لن يكون إلا دنيس جونسون ديفيز, الذي ترجم العديد من الأعمال لنجيب محفوظ إلى الإنجليزية, كان أحدثها (أصداء السيرة الذاتية), كما ترجم أعمالا أخرى لكتّاب كثيرين من بينهم يحيى الطاهر عبدالله, محمد البساطي, سعيد الكفراوي, وغيرهم كثير, إضافة إلى ترجمة أجزاء من كتاب (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي, وشارك د.عز الدين إبراهيم, في إنجاز مشروع رائد شمل ترجمة (الأربعون النووية) و(الأربعون القدسية) و(مختصر الكلم الطيب) وهما يعكفان الآن على ترجمة مجلد ضخم, يضم بعضا من معاني القرآن الكريم بعنوان (قراءات من القرآن الكريم).

وقد ولد دنيس جونسون ديفيز في كندا, وأمضى طفولته في مصر والسودان وأوغندا, ثم درس اللغة العربية وآدابها في جامعتي لندن وكمبردج. وعمل بالمحاماة في لندن, ثم محاضراً في جامعة القاهرة, ثم رئيسا لمكتب هيئة الإذاعة البريطانية في منطقة الخليج, ثم أمضى سنوات طويلة في المغرب, وألقى مرساته في مصر, موزعا وقته بين داره في الفيوم وشقته في القاهرة, لائذاً من قيظ صيفها بقضاء عدة أشهر في الريف البريطاني.

ويشاركه هذا الحوار كامل يوسف حسين, الذي قدم للمكتبة العربية خمسة وخمسين كتابا, أبرزها ترجمة (الموت في الفكر الغربي) و(الفكر الشرقي القديم) الصادران عن سلسلة (عالم المعرفة) الكويتية. ويعكف حالياً على إنجاز موسوعتين مؤلفتين, إحداهما عن المساجد كواحات لجماليات المكان, والثانية عن الموت.

ويعمل حاليا رئيسا لقسم الترجمة بجريدة (البيان) في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.

  • الساحة العالمية تشهد انحساراً خطيراً في الاهتمام بالأدب العربي
  • (الكلم الطيب) في طبعة جديدة بمقدمة من د.يوسف القرضاوي
  • الإبداع الخليجي يطل مترجما عبر مجلد ثالث من القصص العربية

الشرق والغرب.. متى يلتقيان?

  • فوجئ الكثيرون في العالم العربي بخروجك عن عباءة المترجم, لتطل مؤلفا لمجموعة قصصية بعنوان (مصير سجين) الصادرة عن دار كوارتيت اللندنية. ولم يكن هذا مفاجأة لي, فقد سبق لي أن ترجمت قصتين من قصص هذه المجموعة ونشرتهما في مجلتين عربيتين. لكني أريد أن أتساءل: من أنت بالضبط عبر صفحات هذه المجموعة? هل أنت مستشرق آخر? هل أنت ديلاكروا جديد يحمل القلم بدلاً من الفرشاة وينطلق ليرصد ملامح من لقاء الشرق بالغرب?

- يعرفني الكثيرون على امتداد العالم كمترجم فقط, لكن ذلك لم يمنعني من كتابة القصة القصيرة, وبديهي أن الكتابة من دون نشر تظل عملاً بلا معنى, وقد حالت إقامتي الطويلة في العالم العربي دون أن تكون لي صلة مباشرة بدور النشر الغربية, بل إنني لم أحاول نشر قصصي في المجلات الغربية, ومجموعة (مصير سجين) تضم خمس عشرة قصة, لم أنشر منها قبل صدورها عن دار كوارتيت إلا قصتين فقط, إحداهما في البرنامج الثالث في هيئة الإذاعة البريطانية, والأخرى في (لندن مجازين). وقد اتصلت بدار كوارتيت وأرسلت للمسئولين بها ثماني قصص من تأليفي, فأعجبوا بها ودعوني إلى تقديم سبع قصص أخرى, وهو ما بادرت بالقيام به, وكانت الثمرة صدور هذه المجموعة.

  • ليس هذا ما قصدت سؤالك عنه, وإنما ما أريد الاستفسار عنه, وأحس بالفضول حياله, هو طبيعة العالم الذي ترصده, بل وتطارده, في هذه المجموعة.

- ربما كان هذا العالم, بشكل من الأشكال, عالماً لم يكتب أحد عنه بالعمق الذي يستحقه, هو عالم الالتقاء ما بين الغرب والشرق, ومعظم قصص المجموعة ليست من حياتي, ولا تنتمي إلى أدب السيرة الذاتية, أو أي شيء من هذا القبيل, ولكن الفكرة الأساسية فيها جاءت عن طريق تجارب في حياتي, فتجد - على سبيل المثال - قصتين تجري أحداثهما في السودان, وقد كنت طفلاً في الخامسة أو السادسة من عمري عندما أقمت مع عائلتي في وادي حلفا, وكان كل أصدقائي من السودانيين, وكان لي صديق في مثل عمري, اسمه جعفر, وقد مات في حريق, ولا أزال حتى اليوم أذكر هذا الاصطدام الأول بمسألة الموت, وقد كتبت أطرافاً من هذا في قصة تضمها هذه المجموعة. وبعد ذلك انتقل أبي للعمل في أوغندا, وتعكس المجموعة جانباً من هذا التفتح المبكر على الحياة هناك. والقصة الأولى في المجموعة وهي بعنوان (حلم) تعكس أجواء الإقامة في مصر. أما القصة التي منحت المجموعة عنوانها وهي (مصير سجين) فهي تعكس جوانب من تجارب الوقت الذي أمضيته في دبي حوالي منتصف القرن العشرين أو قبيل ذلك, كما أنني أمضيت أربع سنوات في بيروت خلال الحرب الأهلية, وانعكست تجاربي هناك في إحدى قصص المجموعة.

لحظة من العمر

  • من بين القصتين اللتين ترجمتهما من أعمالك توقفت طويلاً عند الصبية بطلة قصة (فتاة القمامة) فهي تشكل حالة إنسانية من شأن النظرة السطحية أن تحكم عليها بأنها لا تصلح قماشة لتفصيل عمل أدبي موجع ومؤثر في النفس بعمق إلى هذا الحد, فما الذي اجتذبك إليها حقاً وجعلك تحولها إلى بطلة لقصة على هذا القدر من الجاذبية والتأثير?

ـ أظن أنني رددت على هذا السؤال في القصة نفسها بشكل غير مباشر, فأشرت إلى أن المرء قد يمر بتجربة, بل وذكرت مثال شخص جالس في أحد قطارات المترو بلندن, والذي يوشك على الانطلاق, بينما مضى هذا الشخص يطل من نافذةالقطار على امرأة تقف على الرصيف وساوره شعور مروع بأنها امرأة عمره وبأنه يوشك على فقدها للأبد. وهذه اللحظة هي ما أسميه بلحظة العمر التي يمكن أن تلتقطها فتحيا حياة شديدة الثراء, أو تهدرها, فتظل نادماً عليها طيلة ما بقي من عمرك, وأنا لديّ هذه اللمحة وكثيرا ما تجدها في قصصي, بما في ذلك القصة الأخرى التي ترجمتها لي إلى العربية, وهي (السيد بريتشارد).

ترجمة للأحاديث النبوية

  • ما دمنا نتحدث عن لمحة الاختيار عندك, فدعنا نتحدث عن أحدث ثمار لمحة الاختيار هذه من خلال ما أثمرته في صورة أحدث ما صدر لك من ترجمات من العربية إلى الإنجليزية.

- صدرت لي أخيرا, بالاشتراك مع د.عز الدين إبراهيم طبعة جديدة للمجموعة الثالثة من الأحاديث النبوية الشريفة, وهي (الكلم الطيب) بمقدمة تفضل بكتابتها الشيخ د.يوسف القرضاوي, وهي كما هو معروف أكبر من المجموعتين السابقتين من الأحاديث الشريفة اللتين قمنا بترجمتها, وهما (الأربعون النووية) و(الأربعون القدسية) ونحن نعكف حاليا على التعاون معا لترجمة جانب من معاني القرآن الكريم نأمل أن نصدرها في مجلد بعنوان (قراءات من القرآن الكريم). كما أصدرت لي جمعية النصوص الإسلامية في كمبردج ترجمتي لـ (كتاب آداب الأكل) وهو جزء من (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي, وذلك في إطار طموح يستهدف نشر الترجمة الكاملة لـ (الإحياء) وهو سفر جليل القدر عظيم القيمة, كما نعرف جميعاً. وقد سبق لي أن أصدرت مجموعة من القصص العربية في 1967 وثانية في 1983 وأخيرا صدرت المجموعة الثالثة عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة, وتميزت بأنني أدرجت فيها ترجمتي لجوانب من إبداع القصة القصيرة كما عرفته منطقة الخليج.

ترجمات من التراث العربي

  • ما قلته حالاً يتعلق بالأعمال التي أنجزتها بالفعل, ورأت النور, وأصبحت بين يديّ القارئ. ولكن ماذا عن الترجمات التي تحلم بنقلها من العربية إلى القارئ الغربي? ما الذي تتمنى أن يتاح لك في المستقبل تقديمه?

- قد يبدو ما سأقوله الآن غريباً لمن لا يعرفونني جيدا, ولكنني في حقيقة الأمر مهتم بالكتب التي تدور حول الحيوانات, وأعمل على تقديم عدد منها في إطار عملية إعداد, تتضمن الترجمة بشيء من التصرف. وقد قمت بالفعل بإعداد عمل عن طباع الحيوانات عند الإنسان من منظور إخوان الصفاء مع مقدمة مطولة بقلمي. وآمل أن أتابع السير في هذا الطريق, لألقي الضوء على نظرة الإسلام إلى الحيوانات, وهو موضوع مهم, ولم يتطرق إليه أحد, علما بأن للإسلام تاريخاً مشرقاً في رعاية الحيوان والرأفة به, وهناك أحاديث شريفة عديدة تتضمن الحض على العناية بالحيوان والطير, وهناك مادة غزيرة في هذا الشأن, لم يكلف أحد نفسه عناء البحث فيها. لقد كان أبو العلاء المعري - على سبيل المثال - نباتيا, وشديد الاهتمام بالحيوان, وأنا عاكف الآن على إعداد مادة في هذا الصدد, وقد وعد الفنان التشكيلي الصديق عادل السيوي بأنني لدى الانتهاء منها سيقوم باستكمالها برسومات موازية للنص لتصدر في كتاب نأمل أن يكون عملاً مميزاً. ومن مشروعاتي المستقبلية أن أكتب سيرتي الذاتية, وقد كتبت الكثير من هذه المادة, بل أستطيع القول إنني كتبت ما يصل إلى ثلاثة أرباعها, ولديّ ناشر لهذا العمل, ولكن لديّ مشكلة, تتمثل في أنني ينبغي أن أرد - لنفسي - على سؤال محدد, هو: لمن أكتب?

  • عفوا للمقاطعة, لكنني أتصور أنك قد رددت على هذا السؤال, منذ زمن بعيد. من المؤكد أنك بعد هذا العمر كله تعرف جمهورك كما تعرف خطوط كفك.

- جمهوري العرب.

  • لكنني أتصور أن إنجازك الحقيقي هو أنك مددت جسرا بيننا نحن العرب وبين جمهور القراء في الغرب. أليس الأمر كذلك?

- دعني أضرب مثلا يوضح لك ما أقصده هنا, فقد كنت أعرف توفيق الحكيم, وعندي نوادر طريفة عنه, ولكنها تهم في المقام الأول القارئ العربي, أما القارئ بالإنجليزية فقد لا يعرف من هو توفيق الحكيم أصلاً, وكنت كذلك على اتصال بحسن البنا, حيث كان لي صديق ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين فقام بتعريفي به, وتلك كلها أمور أحسب أنها تهم القارئ العربي حصرا. وحياتي كلها كانت في العالم العربي, ولم أكن سفيرا مثلا, فأقول إنني اتصلت بفلان أو أجريت حواراً مع علان من الشخصيات العامة والمؤثرة, وإنما كنت طوال عمري مع الناس, ولم تكن لي صفة رسمية, وإنما كنت - ببساطة - دنيس جونسون ديفيز.

مأزق الأديب العربي

  • ما تقويمك لمدى اهتمام الساحة العالمية اليوم بما يترجم من الأدب العربي الحديث? هل ترصد انحسارا في هذا الاهتمام مقارنة بالفترة التي فاز نجيب محفوظ خلالها بجائزة نوبل? أم أنك ترى تعاظماً في هذا الاهتمام?

- أريد أن أعترف لك بأنني كنت متفائلا, في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات, باللحظة الأدبية العربية التي تتراءى أمامي وبنظيرتها التي توشك أن تطل عبر الأفق. ولماذا نضرب المثل بالفترة التي فاز فيها نجيب بجائزة نوبل? فقبل هذه الفترة كنت أشرف على سلسلة (مؤلفون عرب), وكان يكفي أن أتصور أهمية ترجمة عمل ليحيى الطاهر عبدالله لكي يتم ترجمة هذا العمل ونشره, بينما لم يكن أحد يعرفه خارج العالم العربي وقتها ,وفي الداخل لم يكن معترفاً به. هكذا أستطيع القول إنني أرى انحساراً خطيراً في اهتمام الساحة العالمية بالأدب العربي الحديث, وفي اعتقادي من ناحية أخرى أن الأديب العربي يعيش اليوم مأزقاً حقيقياً, لا مخرج منه إلا بالمزيد من الإبداع المتميز, وهكذا فإنه يجد نفسه في سباق لا يتعين عليه أن يتجاوز فيه سقف قدراته فحسب, وإنما يجب عليه أن يحلق عالياً ربما ليتجاوز موهبة من سبقوه من الأدباء العرب, وهو تحد لا يمكن التقليل من جسامته بحال, إذا تذكرنا ما أنجزه أدباء كبار في قامة يحيى حقي ويوسف إدريس.

  • أتمنى أن أكون قد فهمت ما تشير إليه هنا ضمناً بشكل صحيح. هل تلمح إلى أن جانبا من انحسار الاهتمام العالمي بالأدب العربي الحديث يرجع إلى أن هناك تراجعاً ولو نسبياً في طبيعة المنتج الأدبي العربي كما يقدم اليوم?

- ما أريد قوله أنني كنت متفائلا للغاية في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات, وأتوقع تعاظم الاهتمام العالمي بالأدب العربي, ولكن هذا لم يحدث, بل إن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب لم يعط دفعة للأمام في هذا الشأن, ودور النشر العالمية اليوم قلما تبدي حماسا لترجمة الأدب العربي, ومازلت أذكر في هذا الشأن أنني تقدمت باقتراح لإحدى دور النشر اللندنية تصورته سيثير الحماس, ولكن هذه الدار ردت بإيجاز موضحة أنها لا تعتزم نشر شيء للأدباء العرب, وأنها ستكتفي - مستقبلا - بنشر ترجمات لإبداع أديبات عربيات.

قصص للأطفال

  • دعنا ندع جانبا هذا الموضوع الذي لا يمكن أن يوصف إلا بأنه مثير للأسى وذو شجون بطبيعته, ولننتقل إلى موضوع آخر أثير لديك, وهو قصص الأطفال التي تكتبها بالإنجليزية على خلفية عربية - إسلامية وتوجهها للناشئة ومن هم في مقتبل العمر. ما الجديد في هذا المشروع?

- لقد نشرت, في إطار هذا المشروع, ثلاثة عشر كتاباً, كلها ذات خلفية عربية إسلامية, منها على سبيل المثال كتاب عن علي الزيبق, ولديّ كتب أخرى في هذا الصدد لم تنشر بعد, منها كتاب عن عنترة العبسي, وأنا أعتزم مواصلة السير في هذا الطريق, حيث إن هذه القصص موجهة إلى الصغار العرب الذين درسوا بالإنجليزية لكنهم يحرصون على الإلمام بجانب من ينابيع ثقافتهم, ولهذا تجدني حرصت على أن أقدم لهم كتباً عن معارك الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعن الخلفاء الراشدين وعن سيف بن ذي يزن, وتداعبني أفكار كتب عديدة في هذا الصدد لم يتطرق إليها أحد من قبل, ويربط بينها قاسم مشترك أعظم يتمثل في أنها جميعها تستمد نسيجها من خلفية عربية إسلامية متدفقة بالحيوية والخصب والقدرة على مخاطبة الذهن والخيال معاً.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




دنيس جونسون ديفيز وكامل يوسف حسين





الأديب العربي الكبير نجيب محفوظ خلال استقباله في داره للمستعرب دنيس جونسون ديفز الذي ترجم مجموعة من رواياته وأعماله وأحدثها (أصداء السيرة الذاتية)





المستعرب والمترجم دنيس جونسون ديفز في لحظة تأمل بداره في الفيوم بمصر





المستعرب دنيس جونسون ديفيز خلال زيارة لأبوظبي





المستعرب دنيس جونسون ديفز مع د. عز الدين ابراهيم المستشار الثقافي لسمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة