دعوة إلى تحالف ثقافي عربي

دعوة إلى تحالف ثقافي عربي

في العدد (533) أبريل 2003 كتب رئيس تحرير مجلة (العربي) الدكتور سليمان العسكري مقالا حول (كتابة الطفل وكتابة المستقبل) دعا من خلاله إلى تأسيس أحلام جديدة ممكنة التحقق في المستقبل.

وقد وردت تعقيبات عدة على هذا المقال نورد هنا إحداها:

عقد في مقر جامعة الدول العربية مؤتمر لوزراء الثقافة والإعلام العرب في يونيو (2003). وأعتقد أن مثل هذا الاجتماع يمكن أن يكون أهم اجتماعات الوزراء العرب بل قد يكون أهم من اجتماعات القمة.

فقد بات واضحا أن ما وصل إليه حال العالم العربي من ترد وانقسام يرجع إلى اختلاف المفاهيم أو المبادئ أو الأفكار الأساسية للصالح العام, فباتت كل دولة أو كل نظام في دولة ينظر إلى ما يحقق مصالحه بنظرة تختلف كثيراً عن نظرة دولة أو نظام دولة أخرى وأصبح الاتجاه للارتباط مع الأصدقاء أسهل وأحب من الارتباط مع الأشقاء, وساد بين الجميع شعور بعدم الثقة أو افتراض سوء النية.

فرغم توافر كل المبادئ والقواعد والأسس لقيام الوحدة أو الاتحاد أو التحالف أو الترابط من تقارب وتلاصق جغرافي واللغة والدين والعادات المشتركة, ورغم تشابه المعاناة التي مرّ بها الجميع في عهود الاستعمار والاحتلال, ومع تسليم الجميع بأن قوتهم في اتحادهم وضعفهم وهوانهم في تفرقهم, فإن الأمور تسير بخطى أسرع إلى الانقسام والتفكك, وهو ما نرجعه إلى الضربات المباشرة التي وجهها أعداء الأمة إلى ما كنا نعتقد أنها مفاهيم أو قواعد أساسية تجمع العرب وتوحّد صفوفهم وتراخينا في صد هذه الضربات واستسلامنا لما يبث حولنا من مفاهيم جديدة أفقدتنا بعضنا ثقته في البعض الآخر ثم في أنفسنا, وجعلتنا نستسهل ونستعذب ثقافات جديدة جاءت محمولة على أجنحة ما نستورده من تقنيات حديثة أو سلع وكماليات حولتها وسائل الدعاية والإعلان إلى ضرورات وأعطتها الأولوية في الاهتمام.

تحديد وتجميع

لست من هواة جلد الذات بقدر ما أسعى إلى إنقاذها وجمع شتاتها... لذا فإنني أدعو كل المثقفين والكتّاب والمفكرين وعلماء الاجتماع والنفس وكل المتخصصين في كل العالم العربي إلى أن يشكّلوا جماعات صغيرة أو كبيرة فيما بينهم, ولتخرج علينا كل جماعة بورقة عمل لتقدمها أمام الوزراء العرب تكون مناراً أو نبراساً لما يجب أن يقدموه في سبيل عودة مفاهيمنا المشتركة وإعادة تجميع ثقافتنا وتحديد هويتنا ووسائل تحديثها وتطويرها وضخ الدماء الجديدة في عروقها, أدعو كل هؤلاء الأفاضل إلى أن يخرجوا من عزلتهم وأن ينزلوا من أبراجهم وأن يتحملوا مسئوليتهم وأن يقدموا توصياتهم ومقترحاتهم بشكل عملي قابل للتنفيذ خالٍ من شطحات الأحلام, وبعيدا عن الألفاظ الموحشة والعبارات المطاطة والمصطلحات المظهرية الجوفاء, أدعو كل حكماء العرب إلى التمسك بحقهم في إعادة صياغة وتشكيل الثقافة العربية المستمدة من صميم تراثنا ومخزون تجاربنا وعظيم حضارتنا وقيم ديانتنا وأصالة أخلاقنا وسماحة معتقداتنا وحسن نياتنا.... أدعوهم ليثبتوا لأنفسهم وللجميع أن ما علموه لنا في المدارس والجامعات أو ما كتبوه في الكتب وسائر المطبوعات أو ما يذيعونه في التصريحات والندوات, هو حقيقة قابلة للتنفيذ, وأن لديهم حقا ما يقدمونه مقابل كل ما يحصلون عليه من أموال وشهرة واحترام, أدعوهم للحفاظ على مكانتهم بيننا ومنزلتهم, أدعوهم لكي يكون الإصلاح بأيديهم ومساعدتنا قبل أن يفرض علينا وعليهم.

ولتسمحوا لي أن أضع - في حدود معرفتي - ما أتصور أنه خطة عمل:

- يجب أن نبتعد أولاً عن كل ما يتصل بالسياسة بمفهومها الضيق المعروف وأن نتحاشى ولو مؤقتاً النواحي المالية والاقتصادية وأن نركز فقط على الأمور الثقافية بصفة عامة, وما يمكن تسميته بالثقافة الفنية بصفة خاصة.

- التبادل المكثف لفرق الفنون الشعبية والموسيقية والغنائية ومعارض الصناعات اليدوية والحرف البيئية والكتب والفنون التشكيلية وندوات الشعر, هو ما يجب أن تبدأ به وزارات الثقافة.

- يجب أن تقدم القنوات التلفزيونية الرسمية في كل دولة برنامجاً أسبوعياً يقدم في كل مرة جولة داخل إحدى الدول العربية تتوضح إنجازاتها في كل المجالات, وأهم مدنها وعادات تأهلها وتقاليدهم وأنشطتهم والمواقع السياحية والأثرية... إلخ.

- بالتعاون مع مؤسسة الأهرام المصرية قدمت مجلة العربي ثلاثة أيام كويتية بالإسكندرية شملت معرضاً للكتب والفنون التشكيلية وبعض الندوات, وعلى الرغم من محدودية المكان وقصر المدة, فقد كانت أياما ناجحة صححت بعض المفاهيم الخاطئة وأعادت الأمل إلى أفئدة كانت تخشى انسلاخ جزء عزيز من الجسد... ورغم إشادة الجميع بتلك الأيام فإنها لم تعمم أو تتكرر.

خطة تحرك

والمطلوب أن تقوم كل مؤسسة صحفية كبرى بالتعاون مع مثيلتها في دولة أخرى بتبادل المعارض والزيارات والندوات والحوارات لتصحيح المفاهيم وإحداث تقارب يساعد على وضع خطة لتحرك مستقبلي يمهد الطريق لتكامل أو تبادل اقتصادي يقوم على أسس تحقق له النجاح والاستمرار ويمكن لعدد من الصحف الحزبية أو المستقلة أن تجتمع فيما بينها داخل الدولة الواحدة لتحقق الهدف نفسه مع عدد من صحف الدولة الأخرى.

وإذا كنا نعيش في عصر الأحلاف العسكرية والتكتلات الاقتصادية أو ما يسمى بالتحالفات الدولية, وإذا كانت تلك التحالفات تعيد تشكيل نفسها, وإذا كنا فشلنا كعرب في تحقيق أيّ من هذه المسميات فإن الفرصة الوحيدة الباقية أمامنا هي التجمعات الثقافية وهي أسهل بكثير من المسميات أو الأشكال الاندماجية الأخرى, وهي أيضا أقوى منها وأكثر قدرة على البقاء والاستمرار لأنها ببساطة تعتمد على مخزون شعبي لا ينضب من اللغة والتراث والتقاليد المتشابهة وصلات قرابة وأفكار ومفاهيم متقاربة.

أقول في النهاية إننا لن نخلق من عدم ولكننا سنعيد إحياء مخزون موجود لا يحتاج منا إلى أكثر من أن نتذكره ونتمسك به وننفض عنه ما علق به من دسائس وفتن ثم نتبادله لنزيد تفاعله.

علينا أن نبدأ الآن... أو نلقي بالأقلام للأبد.

 

محمود الشرقاوي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات