المسرح الألماني المعاصر عوني كرومي عرض: خالد سليمان

المسرح الألماني المعاصر

قد لا يعرف الكثيرون أن فن الحكواتي, ذلك الشكل التقليدي للمسرح الشعبي العربي, هو فن شائع في عموم ألمانيا. فن يشارك فيه مسرحيون ألمان وعرب, وتقام له مهرجانات وفعاليات. ويعد الفنان الجزائري صادق كبير الذي درس فن المسرح وعلوم الدراما صاحب شعبية كبيرة في الصحافة والإعلام باعتباره نجمًا كبيرا في الحياة الثقافية في برلين.

وفي كتابه (المسرح الألماني المعاصر) يتحدث مؤلفه الدكتور عوني كرومي المخرج والكاتب المسرحي العراقي المقيم بألمانيا عن فن الحكواتي ضمن المهرجانات والأسابيع المسرحية التي تحييها ألمانيا, مؤكدا أهمية الإسهام العربي في مهرجان مسرح العالم وفي النشاط المسرحي الألماني في مناخ مسرحي يحتفي بثقافات العالم متعددة اللغات.

ولا يدعي هذا الكتاب كما يقول كرومي (دراسة المسرح الألماني عبر مراحله أو رموزه وإنما هو مساهمة في تسليط الضوء على الذين كانوا الأقرب إلى تجربتي) ولذلك يعد ذلك المصنف المهم سيرة مسرحية نشر بعضها في الإذاعة الألمانية, وبعض المجلات العربية أو الصادرة في الألمانية باللغة العربية مثل (فكر وفن).

كما يمكن أن يكون (المسرح الألماني المعاصر) توثيقا لهذا الزخم الثقافي بين عامي 1995 و2000 رغم صدوره حديثا عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بدولة قطر. ويقرر كرومي أن النص المسرحي الألماني قد حظي بتشجيع كبير, ويقف خلف نجاحه في السوق الألمانية انتشار الفرق المسرحية المحترفة من مسرح المدينة إلى المسارح الخاصة التعاونية ومسارح الطلبة والهواة مما يجعل بيع حقوق التمثيل والعرض مجزية. ويضاف إلى ذلك إقامة مهرجانات تعنى بالنص الألماني الحديث وتحرص على مكافأته بشكل مجز. ويقام بشكل دوري وبإشراف عدد كبير من الكتاب والمخرجين الألمان ورشات للكتابة المسرحية للهواة والمحترفين, وينظر الجميع لفن المسرح نظرة احترام وتقدير وشعبية أيضا. وينتقد الدكتور عوني كرومي فشل المسرح الألماني المعاصر في عرضه للعبء الذي تحملته ألمانيا من جراء فظائع الحكم الديكتاتوري, وما نشأ أثره من تقسيم ألمانيا. وربما يكون ذلك الفشل طبيعيا بعد أن تعود المسرحيون الشباب طيلة سنين كثيرة على الهدم, ولم يكن ممكنا أن تعالج مآسي السنين الماضية بشكل كامل ونهائي في مسرحية من ثلاثة فصول.

ينقسم الكتاب إلى سبعة أقسام وتتراوح صفحاته التي بلغت الثلاثمائة, بين سمات وخصائص المسرح الألماني المعاصر, والعروض والمسرحيات الألمانية, وأعمال الكاتب برتولد بريشت, وعروض مسرح (الرور), والمهرجانات والأسابيع المسرحية. مختتما بقسمين عن الشخصيات الفنية الألمانية وبعض الحوارات التي أجراها على هوامش هذه الإضاءات المسرحية.

المسرح وإنتاج العطر

وتحتل هذه الحوارات ثلث حجم الكتاب مما يوليها أهمية في اختيار الكاتب لها, واسترساله في عرض آراء العاملين في الحقل المسرحي الألماني ومنهم الممثل جيرت فوس, وكان دور كرومي هو الترجمة حيث أجرى اللقاء كلاوس ديرموتس لمجلة (فكر وفن). وجيرت فوس الذي ولد في 1941 يعد واحدا من أهم وأنجح ممثلي جيله, وهو يلخص رحلته المسرحية التي دشنها في فيينا عام 1987 بقوله: (تكونت لدي القناعة أن عملي ما هو إلا رحلة إلى قارة مجهولة, فإذا ما كان العمل جميلا امتازت الرحلة امتيازا خاصا بالمغامرة... والخيال هو نقطة المعاناة الكبرى, وهو الأهم عند الإنسان. والمعاناة أهم الصفات وأجملها عند الممثل. ويؤكد فوس أن مهمة المخرج لا تنتهي بوصول العمل إلى خشبة المسرح, لأن التمارين عندما تنتهي تكون المسرحية أشبه بالحبة التي بدأت تخرج نبتة, لا أحد يدري كيف يكون نموها. لذا تحتاج إلى مراقبين ذوي عيون مفتوحة).

وفي حوار آخر يلتقي كرومي بمصمم السينوجرافيا في مسرح (الرور) هابن الذي شكل مع المخرج روبيرتو تشولي والدراماتورج هيلموت شيفر (وفي الكتاب حوار آخر معه) ثلاثة أعمدة لمسرح (الرور). وحول تلك التجربة المشتركة يقول هابن: أنطلق من فكرة أن المسرح هو فضاء وضوء وممثل, وهذا هو الأساس الذي نبني عليه جميع تصميماتنا وفضاءاتنا المسرحية التي تشبعت بروح العرض ومعناه. إن المنظر المسرحي عملية تشبه عملية إنتاج العطر, قد نضع عددا كبيرا من الزهور والمواد ونحصل على قطرة واحدة تكون هي الرائحة التي تشع وتملأ المكان بطعمها وتأثيرها. والسينوجرافيا تعني الوصول بالمنظر إلى أقصى درجات التجديد, أي تكثيف المعنى برموز مدركة وواضحة, والتخلص من الشوائب والزوائد.

إحياء الذكرى

ومن بين الأعمال التي قدمها روبيرتو تشولي في مسرح (الرور) أوديب ملكا وجلد الحية (للكاتب الكرواتي سلوفودان شنايدر, التي دان بها الحرب في البوسنة) وبستان الكرز (النص الخالد لأنطون تشيخوف) وإيركا وبينوكيو فاوست. وفي هذه الأخيرة يربط روبيرتو تشولي ورفاقه بين حكاية ظهرت في مسرح الدمى (1882) تتحدث عن تحول الدمية الخشبية إلى إنسان بشرط أن يتحول هذا الإنسان إلى تلميذ وباحث عن المعرفة, ومن هنا أعاد مسرح (الرور) الرؤية القديمة لشخصية بينوكيو لتصبح مادة جديدة لجوته يشكل بها طفولة فاوست.

في القسم الخاص بالمسرحي الكبير بريشت يستعيد مؤلف الكتاب عدة عروض مسرحية منها دائرة الطباشير القوقازية, وفي أدغال المدن,والأم التي حولها بريشت للمسرح عن رواية مكسيم جوركي التي كتبها في 1907م, ورجل برجل التي عرضت احتفالا بمئوية ميلاد الشاعر والمسرحي بريشت. يقول كرومي: إن الحرب التي يسخر منها بريشت ما زالت قائمة في بقاع كثيرة من عالمنا اليوم. لذا نجد أن الذكرى المئوية قد أعادت الاعتبار للعديد من أعماله وقدمتها على أنها حية معاصرة, مؤكدة أهمية المسرح الاجتماعية والفكرية.

وقد استهجنت المدينة العرض الأول للأوبرا, التي تتحدث عن بول الفقير الذي لا يملك ثمن كأس من الشراب فيحكم عليه بالموت لأنه لا يملك مالا. فعدم وجود الملكية يعد أكبر جريمة يمكن أن يرتكبها إنسان على هذه الأرض. ولعل صعود مدينة ماهاكوني / لايبزج القائم على سيولة رأس المال كان وراء هذا الاستهجان. فالضحية كان يبحث عن الحياة الحقيقية: (الفرح الذي اشتريته لم يكن فرحا, والحرية التي نلتها بالمال لم تكن حرية. أكلت ولكنني لم أشبع. شربت فزاد الشراب من عطشي. فالمال هو الشيء الوحيد المتين والأكيد).

 

عوني كرومي