دبلوماسية التواصل الزوجي وليد أحمد المصري

دبلوماسية التواصل الزوجي

تعتبر قضية التواصل بين الزوجين صمام الأمان الذي يضمن التماسك الداخلي لبنيان الأسرة, ويمتن أواصر علاقات أفرادها بشكل كبير, مما ينعكس إيجابًا على الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية, ويفعل دورها في بناء الإنسان المتزن انفعاليًا.

ترتكز قواعد العلاقات التواصلية الأسروية على وشائج متينة من الود والحب والإخلاص والتعلق والثقة المتبادلة, إنها مهمة لبناء أسرة قوية قادرة على لعب دور فعال في خلق شخصية أفرادها وتطبيعها بقيم ومثل حميدة, إنه لاشيء يعوّض العلاقات العاطفية المتسمة بالود والاحترام في الأسرة, لأنها تعمل على إزالة التوترات وتنفيس الضغوط الانفعالية من جوها.

لقد تعقدت الحياة العصرية نتيجة للتطور التقني والتفجّر المعرفي الهائل وثورة المعلوماتية المدهشة, الأمر الذي جعل العالم قرية صغيرة مما جعل حياتنا مليئة بالاضطرابات النفسية وأشكال القلق المختلفة, كل ذلك يلقي على كاهل الأسرة أعباء ومسئوليات جساما لتخفيف وطأة الظروف القاسية عن أفرادها, مما يجعلها ملاذاً روحيًا يلجأ إليه هربًا من صعوبة الحياة العصرية وتعقيداتها.

إدراك التمايز

يلعب التواصل الأسري والتفاهم بين الزوجين دورًا حيويًا في تحفيز قدرات الإنسان على العمل وجعلها أكثر فعالية, ويخلق مقدمات ضرورية لحياة الإنسان الروحية, ويحدد روح الأسرة وأسلوبها والأدبيات المتبعة في التنشئة الاجتماعية للأطفال والمراهقين, كما يحمل في طياته السرور والسعادة, أو على العكس تمامًا يؤدي إلى إثارة الأحقاد والضغائن.

كما تتوقف علاقات الأسرة على اهتمامات الزوجين النفسية وميولهما وحساسيتهما الانفعالية وعلى مشاعر كل منهما تجاه الآخر.

إننا لا نعرف السعادة بمعزل عن الآخرين, ولا نتذوقها دون وجود زوجة وأطفال, وما يقوّي وشائج الأسرة ويمتنها هو وجود علاقات طيبة بين أفرادها.

ولكن ما العوامل التي تتوقف عليها طبيعة المناخ الأسري?

إن لكل أسرة خصوصية فريدة تميّزها عن غيرها, لكن خلق مناخ أسروي يتوقف على وقت الفراغ, والمستوى الثقافي, والتواصل النفسي, وانطباعات متنوعة. وبمقدور الزوجين أن يرفع أحدهما من شأن الآخر أو يفعلا عكس ذلك, لذا فإن المساعدة على إزالة عيوبهما ونقائصهما تتوقف على مستوى ذكاء كل منهما وعلى المودة التي يكنها أحدهما للآخر, لقد أشار المربي (بيلنسكي) إلى أن الاحترام المتبادل للكرامة الإنسانية يولد المساواة, فعندما يسود الاحترام والتكافؤ جو الأسرة, يكف الرجل عن التصرف كالسيد المطلق ذي السلطة والصلاحيات التي لا تناقش ولا تعارض, ولا تبقى المرأة عبدة مغلوبة على أمرها, أما الأُسر التي تسيطر فيها علاقات الأنانية والاستبداد, حيث لا احترام متبادلا ولا مساواة ولا محبة, كل ذلك يعتبر الأرضية الخصبة لنشوء أشكال مختلفة من الصراع والخلافات. وبهدف تجنب ذلك يترتب على الزوجين أن يعرف كل منهما الآخر بشكل جيد, وسمات طبعهما ومزاجهما, وأن يدرك كل منهما أنه شخصية متميزة تختلف عن شخصية الآخر بسماتها ومقوماتها وخلفيتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية, عند ذلك يمكننا نزع فتيل الأزمات التي يمكن أن تعصف بكيان الأسرة وتماسكها.

القواعد الأساسية

  • عدم كشف الخصوصيات الأسرية أمام الغرباء.
  • ضرورة التقدير والاحترام المتبادلين.
  • التخفيف قدر الإمكان من أشكال اللوم والعتاب.
  • عدم التحدث عن عيوب الزوج (الزوجة) أو الأطفال أمام الآخرين.
  • إمكان التأهب للدفاع عن الزوج (الزوجة) في حال نشوء خلافات مع الأصدقاء والأقارب.
  • من غير المحبذ لكلا الزوجين توجيه أي ملاحظات بحضور أناس غرباء لأن هذا قد يسبب الأذى لعزة النفس والمشاعر - ليس بالنسبة لهما فقط, بل وحتى الأطفال عامة والمراهقين خاصة.
  • الإيمان بالعقيدة الأسرية وعدم السماح لأي كان بالتدخل في شئون الأسرة الداخلية ولو كان من أقرب المقربين والأصدقاء.
  • القدرة على ضبط كل من الزوجين انفعالاتهما والتحكم بأعصابهما أثناء ثورات الغضب.
  • أن يكون باستطاعة الزوجين التنازل والتساهل, وهذا شرط من الشروط الأكثر أهمية بالنسبة لنجاح العلاقات الزوجية.
  • عدم اللجوء إلى أشكال العقاب الشديد لأن الإنسان الذكي يدرك المقصود بمنتهى السهولة.
  • عدم التسرع في قذف الزوجين, كل منهما الآخر, بكلمات قاسية وفظة, بل على العكس يجب أن تستخدم قدر المستطاع كلمات حسنة وجميلة. إن كلمات المديح والثناء مسألة مهمة جدًا وخصوصًا بالنسبة للزوج الشاب, لأنه أكثر صعوبة في التكيّف مع دوره كزوج مقارنة بالفتاة التي هي أقدر على التلاؤم مع دورها كزوجة, لذا يترتب على الزوجة الشابة أن تعمل على دفع زوجها ليصبح رب أسرة حقيقيا عن طريق مدحه وتشجيعه, وليس عن طريق إصدار الأوامر والمواعظ والإرشادات التي تقتل لديه الرغبة في فعل شيء ما.
  • عدم إطلاق بعض الاستنتاجات والتعميمات التي تتسم بالمغالاة والإطناب, على سبيل المثال (إنك لا تريد أن تفهمني أبدًا, إنك تتصرف دائمًا على النحو الذي تريده, طلبت منك ألف مرة,....) الزوج يمكن أن يخطئ, وكذلك الزوجة في تصرف ما, فيسارع الآخر إلى إطلاق سيل من التعميمات القاطعة, واصفًا شريكه بالفشل, إن هذا الموقف يمكن أن يجرح كرامة الزوج (الزوجة) جرحًا عميقًا قد لا يندمل أبدًا.
  • عدم كتمان الإساءة وكبتها داخل الذات, فكلما كشف الزوجان عن حالات الصراع بصورة أسرع كان تأثير ذلك أقل شدة في بنيان الأسرة. ويجب على الزوجين أن يعملا جاهدين على اتخاذ الخطوة الأولى ليلتقي أحدهما الآخر بهدف المصالحة وإزالة مسببات التوتر التي ولدت الأزمة.
  • أن يكون باستطاعة الزوجين التفاهم والمساعدة والتغاضي, وهذا شرط مهم جدًا. قام علماء الاجتماع بدراسة شملت مائة من الزوجات بمناسبة اليوبيل الفضي لزواجهن, تم توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بأفضل الطرق والاستراتيجيات التي تقوي العلاقات الأسروية وتمتنها, فكانت النتائج أن 75% منهن أشرن إلى أن ما يسلح بنيان الأسرة هو الآتي:

ـ الاستعداد لمساعدة كل منهما الآخر.

ـ العفو السريع.

ـ توافر سمات مثل النزعة العملية, الاقتصاد المنزلي,....

  • أن يضع كل من الزوجين نفسه مكان الآخر ويحاول أن يغوص في عالمه الخاص ويساعده على فهم ما هو جوهري وأساسي, فقد لا يتمكن أحدهما من رؤية تفاصيل الحياة من منظوره الشخصي.
  • عدم الاختلاف بسبب أمور صغيرة, وعدم السماح بظهور صعوبات وتعقيدات تولد الصراع, والعمل قدر المستطاع على الإيقاف الآني للخلاف كي لا يتطور متخذًا منحى أشد خطورة, فالإنسان الذكي هو الذي يعمل جاهدًا على وقف الخلاف واجتثاث جذوره.
  • اتباع سياسة أسروية تتصف بالمرونة والدبلوماسية عن طريق تنشيط المشاركة في المسئوليات الأسرية. إن المحافظة على توازن الأسرة وتقوية دعائمها مسئولية جميع أفرادها, فلو واجهت الزوجة - على سبيل المثال - صعوبة ما سببت لها الإنهاك في الوقت الذي يقف فيه باقي أفراد الأسرة موقف المتفرج يعطون الإرشادات والنصائح التي تؤزم الموقف, وتمهّد لظهور الجفاء والفتور بين الزوجين, فإن هذا يترك أثرًا سلبيًا عسير الزوال.
  • أن يرفع دائمًا شعار (لا فظاظة ولا خشونة), وليعلم الزوجان أن لاشيء يحطم سعادتهما مثل الجلافة والقسوة. إن الحب الكبير والحنان والملاطفة والرقة والثقافة الجنسية والمعاملة الراقية مهمة جدًا لبناء علاقات أسرية سليمة.
  • ضرورة الاتفاق على استراتيجيات وأساليب تربوية واحدة بالنسبة لتربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة, مثل عدم تقديم التعزيز الإيجابي (حلوى, نقود...) بعد عقاب الطفل من قبل أحد الوالدين. إن عجز التواصل مع الأطفال يعتبر حقيقة كئيبة في هذا العصر المعقد. لقد أحصى علماء الاجتماع مدة التواصل بين الأطفال والأبوين, فكانت حوالي 15 دقيقة كل يوم, ولكن كيف يمكن أن نوفر الوقت الكافي للتواصل بأطفالنا وخصوصًا بالنسبة للأسر العاملة? إن المخرج الوحيد لهذه المشكلة هو استخدام يومي عطلة يخصصان بأكملهما للأطفال (القيام برحلات, الذهاب إلى مسرح الأطفال, زيارة المعارض الفنية وحدائق الحيوان...).
  • ضرورة العيش بثقة, بهدف البحث عن مصدر السعادة في كل شيء, (في كلام الطفل وخطواته الأولى, في النظرة اللطيفة والحنونة للشريك الآخر, في النجاح في العمل...).

وفي النهاية علينا العمل بقدر المستطاع على أن تكون هذه السعادة متبادلة, وفي ذلك فن راق للتواصل الأسري يمتن الأسرة ويحصنها ضد مختلف أشكال التفتت والتفكك والضياع.

 

وليد أحمد المصري