د. محمود السمرة سيرة مثقف دءوب

د. محمود السمرة سيرة مثقف دءوب

كان ضيف العام (2001) لدى مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافية هو أستاذا جليلا, وأكاديميا متميزا, ومثقفا باهر الحضور في حركة الثقافة العربية منذ مطالع النصف الثاني من القرن العشرين, وهو الدكتور محمود السمرة. 

الكتاب الذي بين أيدينا هو الرابع في سلسلة (ضيف العام) الذي تصدره مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافية متضمناً أعمال الندوة بالكامل والتي ضمت إحدى عشرة ورقة عمل في ثلاثة محاور وثلاث جلسات غنية بالبحث في آفاق السيرة الذاتية والمنهج النقدي والإنجاز في ميدان الترجمة والتعريف بالأدب الأوربي. فقد قدم الدكتور خليل الشيخ - أستاذ الدراسات النقدية المقارنة في جامعة اليرموك بحثاً بعنوان (محمود السمرة ملامح من سيرته) قال فيه: بداية إن الدكتور السمرة لم ينشر سيرته الذاتية, كما أنه لا يدري إن كانت لديه نية المغامرة بكتابتها, وهو أمر عظيم في تقديره لما فيه من غنى التجارب وعظمة المواقف, وقد نبه الدكتور الشيخ إلى أن بحثه يشكل تخطيطاً أولياً لحياة الأستاذ السمرة, ولا يغني أبداً عن سيرته الذاتية. وعرض الدكتور الشيخ لحياة الأستاذ محمود السمرة الذي ولد في قرية الطنطورة الفلسطينية في العشرين من أبريل عام ثلاثة وعشرين وتسعمائة وألف, والطنطورة قرية تقع على تل صغير يرتفع قليلاً عن الشاطئ الرملي المحيط بها, يربطها طريق فرعي بالطريق الساحلي العام, يصلها بمدينة حيفا, وكان في القرية سكة حديد, توفر الخدمات للخط الساحلي, وقد أنشئت هذه القرية, كما يقول وليد الخالدي في كتابه (كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها) بالقرب من آثار بلدة كنعانية قديمة تسمى (دور) التي ظهر اسمها لأول مرة في نقش يعود تاريخه إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد, وقد شيد الصليبيون فيها قلعة تدعى (ميرل) وقام نابليون وجنوده بإحراقها عام 1799 إثر انسحابهم من فلسطين بعد هزيمتهم.

وقد أكمل السمرة دراسته حتى الصف الرابع الابتدائي في مدرسة القرية التي بنيت كما أشار بعض الباحثين عام 1899, ثم ذهب إلى حيفا ليكمل دراسته الثانوية فيها ومن ثم إلى الكلية العربية في القدس (التي تأسست عام 1918 وكانت الصرح التعليمي الأعلى في فلسطين) وتخرج فيها عام 1945, عمل معلماً للغة الإنجليزية في طولكرم لعامين قبل أن يلتحق بكلية الآداب في جامعة القاهرة, ليتخرج فيها عام 1950 ويبدأ العمل في التدريس في الكويت حتى عام 1955 ومنها توجه محمود السمرة إلى معهد الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS) بجامعة لندن للحصول على درجة الدكتوراه ليعود بعدها إلى الكويت, وقد ارتبطت هذه العودة بصدور مجلة (العربي) التي اختير المرحوم الدكتور أحمد زكي ليرأس تحريرها, وليكون الدكتور السمرة نائباً لرئيس التحرير من عام 1958 حتى عام 1964, وعرض الدكتور محمود السمرة لعشرات الكتب في (كتاب الشهر) وكانت هذه الكتب تتوزع على حقول معرفية مختلفة, وتجمع بين ما يصدر في العربية والإنجليزية, وقد أصدرت مجلة (العربي) عام 1984 في سلسلتها الفصلية كتاباً للدكتور السمرة عنوانه: (مراجعات حول العروبة والإسلام وأوربا) ويحتوي على اثنين وعشرين كتاباً في قراءة موضوعية, وتغطي هذه الكتب حقبة زمنية تمتد لخمسة عشر عاماً (1960 - 1975) ثم انضم الدكتور السمرة إلى الجامعة الأردنية مطلع سبتمبر عام 1964 وليصبح عام 1973 نائباً لرئيس الجامعة لمدة ستة عشر عاماً, ثم رئيساً لها, وبعد ذلك يتولى مسئولية وزارة الثقافة, ليعود بعدها رئيساً لجامعة البتراء منذ عام 1993.

وللدكتور السمرة اهتمامات بالفكر العربي الحديث والنقد الأدبي والترجمة, وله من الكتب: (فلسطين الفكر والكلمة) عام 1974 و(غربيون في بلادنا) عام 1969 و(مقالات في النقد الأدبي) في نهاية الخمسينيات ثم أعيدت طباعته عام 1974 و(النقد الأدبي والإبداع في الشعر) عام 1977 و(أدباء معاصرون من الغرب) عام1964 و(أدباء الجيل الغاضب) عام 1974 وغيرها, وفي ميدان الترجمة اهتم الدكتور السمرة بالرواية والمسرح.

إنجازات نقدية

وحول النقد الأدبي في نتاج السمرة كان بحث الدكتور علي الشرع - أستاذ قسم اللغة العربية بجامعة اليرموك الذي استعرض أولاً إنجازات الدكتور السمرة منذ نهاية خمسينيات القرن العشرين وحتى اليوم, ويقول في الصفحة 31 من الكتاب: (إن صلة السمرة بالدراسات الأدبية الغربية وبالنقد الغربي اطلاعاً له وتلخيصاً وترجمة وتأليفاً, هي المسئولة عن طبيعة المنهج النقدي الذي اتبعه في تناوله لقضايا النقد العربي, وهي المسئولة أيضا عن طبيعة القضايا النقدية التي ناقشها أو درّسها لطلبته, أو حاول تقديمها للقارئ العربي), ويقول في الصفحة 48 من الكتاب: (لا بد من الإشارة إلى النهج النقدي الذي يرتضيه السمرة من الاتجاهات النقدية المختلفة, بعد هذه التجربة الطويلة في تدريس النقد وممارسته, لقد رأى السمرة, وهو يتحدث عن مدرسة النقد الجديد أنه من المؤمنين بالمنهج التكاملي في النقد, الذي يرى إمكان الاستفادة من كل النظريات النقدية, لأنها متكاملة غير متناقضة, والاختلاف بينها هو اختلاف في زاوية الرؤية) (النقد والإبداع في الشعر صفحة 71). وقدم الدكتور محمد عصفور أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة الشارقة بحثاً عن علاقة الدكتور السمرة بالأدب الغربي, حيث أشار بداية إلى أن إنتاج السمرة في الآداب الأوربية يفوق ما أنتجه عن الأدب العربي, وهي ظاهرة لافتة للنظر, فالدكتور السمرة كان عضواً في قسم اللغة العربية بالجامعة الأردنية طوال حياته الأكاديمية, إلى جانب عضويته في عدد من مجامع اللغة العربية في العالم العربي, كما أن قائمة الأدباء العرب الذين أفرد لهم دراسات خاصة بهم تقل بكثير عن قائمة الكتّاب الأجانب, وفي بعض الحالات قدم أكثر من دراسة عن كاتب واحد مثل سومرست موم, وأرنست همنجواي.

ويؤكد الباحث على أن سعة الاطلاع, وتعدد الاهتمامات والتعليم الأساسي في الكلية العربية في القدس كانت وراء نجاح الدكتور السمرة في النهضة الأدبية. وأشار إلى الكلية العربية بالتقدير ففيها درس إحسان عباس وناصر الدين الأسد وجبرا إبراهيم جبرا, وغيرهم ممن ساهموا في النهضة الأدبية والفكرية في العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.

وقدم الدكتور صدقي حطاب الباحث المتخصص في الشئون الثقافية والأدبية بحثه في محور الترجمة عند محمود السمرة والذي كان مكثفاً في الفترة الواقعة ما بين عام 1959 وعام 1966, فقد أصدر خلالها كتاب (القصة السيكولوجية) و(أرنست همنجواي) و(هنري جيمس) و(روائع التراجيديا في الغرب). ومن ثم استعرض الدكتور حطاب أعمال السمرة في الترجمات الأدبية ومنهجه الذي يتسم بالدقة والأمانة, يقول الباحث في الصفحة 70 من الكتاب: (لقد تهيأ الدكتور السمرة للترجمة وهو يجمع إلى جانب إتقانه للغتين العربية والإنجليزية, ومعرفة لغات أخرى كاللاتينية والفرنسية, ثقافة واسعة, وذوقاً أدبياً رفيعاً, وحساً نقدياً متميزاً, فلا عجب إذا جاءت ترجماته أعمالاً أدبية رائعة, خصوصاً أنه كان دائما يحسن اختيار الموضوعات التي يتصدى لها, فلا يختار إلا ما يرضى عنه ذوقه الأدبي واتجاهاته الفكرية).

تجربة (العربي)

وعرض الدكتور تيسير أبو عرجة عميد كلية الآداب ورئيس قسم الصحافة والإعلام في جامعة البتراء لتجربة الدكتور السمرة في الصحافة الثقافية وهي تتصل بتجربة عمله ست سنوات متصلة بعد حصوله على الدكتوراه عام 1958, وقبل التحاقه بالجامعة الأردنية عام 1964, أمضاها نائباً لرئيس تحرير مجلة (العربي) الكويتية. يقول الدكتور السمرة عن تجربته في (العربي): (لقد كنت أقوم بدور التحرير, وكان هذا يتطلب جهداً شاقاً حيث كان يستغرق تحرير بعض المقالات أكثر من ساعة ونصف الساعة لكي تظهر بالشكل الذي يناسب القراء. فقد لاحظت من خلال تلك المهمة أن بعض أساتذة الجامعات يغيب عن بالهم أنهم يكتبون مقالاً في مجلة لقارئ مثقف في غير تخصصه, ولذلك كان كثير من المقالات غير متماسك منطقياً, والانتقال من فقرة إلى فقرة أخرى يتم بصورة غير مترابطة, ونحن نريد أن نقدم للقارئ كلاماً مترابطاً يصل إلى فهمه بسهولة) (صفحة 105 من الكتاب).

المبدأ والغاية

وفي باب (شهادات) قدم الكتاب شهادة الدكتور إحسان عباس - المؤلف والمحقق والناقد والباحث الكبير ومنها: (شهادة غير مستوفاة لأنها لا تستطيع أن تستوعب كل ما يمكن أن أقول في مزايا صديق العمر معالي البروفسور محمود السمرة) وقال الكاتب والناقد الأدبي وأستاذ اللغة العربية في جامعة البتراء الدكتور خالد الكركي في شهادته: (ماذا أكتب عنك أيها السيد الكبير? هل أكتب عنك والزمان حولنا صعب, وما ظل من الرضا إلا أقله, وهو ما نجده في مجلسك وصبرك! هل أكتب عنك يوم علمتنا في دروسك الأولى معنى الجامعة وهو حرية العقل, ومعنى الحياة وهو أن يكون للإنسان مبدأ وغاية, ومعنى الحرية, في قول ديوجين (يكون الأسد حبيساً, ولكن لا يجعله الحبس عبداً) ومعنى الثقافة, وهو تعليم الحرية للمضطهدين, ومعنى الإبداع, وهو أن تترك الروح على هواها إن كان في الروح من وجعك ما يأذن للوهج أن يتدفق عبر المداد حتى تتسامى لتكون من الحقيقة والبهاء (قاب قوسين أو أدنى) صفحة 162 من الكتاب.

وقالت الدكتورة فوز سهيل - أستاذ مساعد في النقد الأدبي في الجامعة الأردنية: (أستاذي علمتني كيف يستمد العالم مداد كلماته من نبع الحرية والمسئولية, فيغدو حواره مع ذاته ومع الآخر صادقاً لا يعرف التدليس, عاشقاً للحقيقة لا يعرف التزييف, حاورتني وزملائي بروح الحب والحرص, وحققت لعقولنا كرامتها حين سموت بها من عالم المنهج المقيد إلى فضاءات المنهج الحواري, وعلمتنا برؤيتك اليمامية الصادقة كيف تتجاوز قراءتنا للنصوص حدود الكلمات, ودفاعنا عن تراثنا ثنائية الهجوم والتصدي إلى سبر أعماقه وبعثه في حلة جديدة تتداخل فيها خيوط الأجداد والأحفاد). ومن شهادة الدكتور صلاح جرار - الأمين العام لوزارة الثقافة السابق: (عرفت الأستاذ أبا الرائد  منذ ثلاثة عقود ونيف, عندما دخلت الجامعة الأردنية طالباً في قسم اللغة العربية وآدابها, وكنت أصادفه في ممرات كلية الآداب وفي المناسبات التي تحتفل بها الجامعة, أو يلتقي بها الأساتذة مع الطلبة, كان الانطباع المبكر عنه أنه شخصية صارمة مهيبة, وأنه عالم ومفكر أقرب إلى الأجانب منه إلى العرب, لا يطمح أحد حتى بإلقاء التحية عليه, وأن ابتسامته عزيزة, وعقد جبينه تحكم على أي مشروع لفتح حوار معه بالكساد مسبقاً, وكانت هذه الشخصية المغلقة من وجهة نظري آنذاك دافعاً أساسياً للرجوع إلى مؤلفاته ومقالاته, فقرأت كتابه عن القاضي الجرجاني, وأعجبني منهجه ومنحاه في الدراسة النقدية والأدبية, ووجدته مفكراً وناقداً منفتحاً على ثقافات الشرق والغرب على حد سواء, وكان اسمه كذلك مرتبطاً عندي بمجلة (العربي) وكنت أتابع ما ينشره في تلك المجلة), ويتابع الدكتور جرار مراحل علاقته بالأستاذ السمرة في مرحلة دراسة الماجستير والدكتوراه والعمل الجامعي المشترك والآن في حقول الثقافة العامة ويختتم بالقول (ولئن كان هناك الكثير مما تحتفي به الذاكرة من المواقف النبيلة والمآثر الجليلة لأستاذنا الدكتور محمود السمرة فإن مما لا ينبغي إغفاله أن أبا الرائد, رغم خبرته الطويلة في العمل العام استطاع أن يحتفظ بعذوبة لسانه, وهدوء طبعه, وحسن محضره, ولم يتغير موقفه من الناس من أصدقائه منذ كان أستاذاً في الجامعة, فعميداً لكلية الآداب, فنائباً للرئيس, ثم رئيساً للجامعة, ثم وزيراً للثقافة, ثم رئيساً لجامعة البتراء... فظل ومازال صاحب خلق عذب وإنسانية عالية ونزاهة واستقامة نادرتين) (صفحة 172 من الكتاب).

وفي شهادة الدكتور زياد الزعبي أستاذ اللغة العربية بجامعة اليرموك: (لقد رسم أستاذي في مخيلتي ووجداني صورة العالم الجليل المتواضع, والإنسان الكبير النبيل الذي آمن بالخير والمحبة والجمال, وأقبل على الحياة والناس بالمحبة, فاستأثر بمحبتهم, وظل يعلمنا أن الحب لا يبدأ إلا بالحب). (صفحة 178 من الكتاب).

مشاعر خاصة

وقال الدكتور فهمي جدعان نائب رئيس جامعة البتراء في شهادته: (ولم يكن محمود السمرة كائناً حيادياً في حياتي, فقد ربطتني به ثلاثة أشياء: المكان والزمان واقتران الخبرة والفعل. كان المكان صلة وصل واقعية عميقة بيننا. وصورة المكان الأولى هي تجاوز القريتين اللتين خرجنا منهما إلى النور على تفاوت في الزمان. فالطنطورة لا تبتعد إلا مسافة ضئيلة عن (عين غزال) ويمكن للقريتين أن تتبادلا النظر عن غير بعد.

وكذلك أهلهما الذين يعرفون بعضهم بعضاً بحكم (الجيرة) ومن الثابت أن هذا الوضع المكاني سينسج مشاعر روحية خاصة.

غير أن لقاءنا واجتماعنا (المادي) الحقيقي لم ينجما إلا في أواسط الستينيات حين ارتبط كلانا بالجامعة الأردنية في السنة نفسها. بدأت أنا معيداً بكلية الآداب وبدأ هو أستاذاً مساعداً بها.

وكان المدخل إلى اللقاء والتعارف والحوار: الطنطورة وعين غزال من وجه, ومجلة (العربي) التي كان أحد جوانبها من وجه آخر. أما الجامعة الأردنية فقد كانت آنذاك وظلت بعد ذلك - أي بعد عودتي من فرنسا عام 1968 - المكان الذي يجمعنا على الدوام للعمل والتواصل) (صفحة 181 من الكتاب)

 

مجموعة من المؤلفين 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات