الجامعات الافتراضية رؤى اقتصادية واجتماعية

الجامعات الافتراضية رؤى اقتصادية واجتماعية

(تجارب من التعليم العالي المفتوح والتعليم من بعد في أوربا)
تحرير: جرهارد أورتنر, فريد هلم نيكولمان, وهولجر فولمر

على الرغم من تعدد الرؤى والمداخل التي ينظر بها إلى دور التعليم العالي والجامعي فإنها جميعا تتفق على أن له دوراً كبيراً في بناء المجتمع وتحقيق طموحات أفراده, ولذلك فإن قضاياه تحتل مكانة مهمة ليس فقط لدى صناع ومتخذي سياساته أو المفكرين والمثقفين بل داخل كل أسرة. ولما كان من الضروري لعالمنا العربي أن يولي اهتماما بقضايا التعليم العالي والجامعي, فكان لزاما عليه أن يفتح الملفات المتعلقة به والتي تحتوي على العديد من القضايا منها:

(1) انخفاض نسبة الملتحقين بالتعليم العالي والجامعي إذا ما قورنت بكثير من دول العالم.

(2) ضرورة التوسع في هذا التعليم كما وكيفا لمواجهة جملة التحديات المفروضة علينا إقليميا وعالميا.

(3) ضعف الإمكانات المادية والبشرية المطلوبة للتوسع المنشود.

من هنا, فإن البحث عن صيغ جديدة للتوسع في التعليم العالي والجامعي كان, ولا يزال, يمثل ضرورة ملحة لعالمنا العربي. ومن الصيغ التي طبقت في عدد من الأقطار العربية: التعليم المفتوح, والتعليم من بعد, على سبيل المثال يتجاوز عدد الطلاب المقيدين في برامج التعليم المفتوح ببعض الجامعات المصرية خمسين ألف طالب هذا العام. كذلك فقد تم إنشاء الجامعة العربية المفتوحة, ومقرها دولة الكويت, والتي لها فروع في عدد من الأقطار العربية حيث يقدر لها أن تستوعب عدداً أكبر من الطلاب الراغبين في الحصول على فرصة للتعليم العالي والجامعي.

وفي هذا الإطار فإن تجربة العالم العربي في تطبيق أنظمة التعليم المفتوح والتعليم من بعد لا تزال في مهدها, خاصة إذا, ما قورنت بتجارب أخرى مثل التجربة الأوربية التي لها خبرة طويلة في تطبيق برامج التعليم المفتوح والتعليم من بعد. يضاف إلى هذا وجود جدل قائم في الغرب والشرق حول مدى فعالية هذه الصيغ مقارنة بالنظم التعليمية النظامية, وعلى الرغم من هذا فإن برامج التعليم المفتوح والتعليم من بعد تنمو بشكل أسرع من غيرها معتمدة على النمو المتسارع في حقلي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وأخيراً, فإن ظهور ما يسمى بالجامعة الافتراضية, والتي هي امتداد للتعليم من بعد, في الغرب قد يحدث تأثيرا كبيرا على مؤسسات التعليم العالي والجامعي النظامية في العالم وفي عالمنا العربي بوجه خاص.

ومن هذه المنطلقات كان الاهتمام بعرض كتاب (الرؤى الاقتصادية - الاجتماعية للجامعات الافتراضية), والذي يعد واحداً من أهم الكتب التي صدرت باللغة الإنجليزية في هذا الموضوع. وقد صدر هذا الكتاب عام 1999 عن دار النشر الألمانية Deutscher Studien Verlag ويقع في 252 صفحة ويضم إحدى عشرة دراسة. وللكتاب قيمة خاصة لا تعود فقط إلى أهمية الموضوعات التي يعالجها, ولكن أيضا إلى أن الثلاثة الذين قاموا بتحريره هم من الأعضاء البارزين في الرابطة الأوربية لجامعات التدريس من بعد European Association of Distance Teaching Universities (EADTU), كما أنه يسلط الضوء على عدد من خبرات الدول الأوربية التي لها تجارب طويلة في تطبيق برامج التعليم المفتوح والتعليم من بعد كالمملكة المتحدة, أيرلندا, إسبانيا, البرتغال, وألمانيا الأمر الذي يعطي لهذا الكتاب مزيداً من الأهمية.

تعالج موضوعات الكتاب الجوانب المتعددة حول الدور الذي تلعبه أو الذي يمكن أن تلعبه الجامعات الافتراضية إلى جوار الجامعات النظامية في إتاحة المزيد من الفرص التعليمية المتعددة للراغبين في الحصول على تعليم عالٍ, وكذلك أوجه الشبه والاختلاف بينهما.

يضاف إلى هذا أن موضوعات هذا الكتاب تولي أهمية كبرى لجدوى وفعالية هذا النوع من التعليم خاصة إذا ما قورن بما يقدم في الجامعات النظامية.

ماذا تعني الجامعة الافتراضية?

يقدم جرهارد أورتنر رؤيته حول ماهية الجامعة الافتراضية وأوجه الشبه والاختلاف بينها وبين الجامعة النظامية, حيث يؤكد أن الجامعة الافتراضية مثلها مثل الجامعات النظامية من حيث إن كليهما يضم أساتذة وطلابا وإداريين, كما تمنحان درجات علمية معترفا بها, إلا أن أوجه الاختلاف بينهما تتمثل في أن الجامعة الافتراضية هي جامعة مفتوحة لكل الطلاب من كل دول العالم الذين يستطيعون الاتصال بها عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت), الأمر الذي لا يتوافر بدرجة كبيرة في الجامعات النظامية.

كذلك, فإن التفاعل في الجامعة الافتراضية بين الطلاب والأساتذة, وبين الطلاب بعضهم البعض, عادة ما يتم عبر هذه الشبكة والتي تمكنهم من الاستفادة من المعلومات المخزنة سلفاً في الموقع المخصص لها, حيث يستطيعون الاطلاع عليها والاستفادة منها في أي وقت, ولذلك فهي تتسم بمرونة أكبر من تلك المتوافرة بالجامعات النظامية لتناسب مختلف ظروف الطلاب.

يضاف إلى هذا أن الالتحاق بهذه الجامعة والدراسة فيها ليس مقيدا بوقت محدد, ولذلك فهي تقدم حلولاً عملية لهؤلاء الذين تمنعهم ظروف مختلفة من الالتحاق ببرامج الجامعات النظامية.

ولقد أوضح أورتنر أن الجامعة الافتراضية قد تتبنى كامل فلسفة وسياسة التعليم المفتوح أَوْ لا طبقا للاشتراطات التي تضعها كل جامعة على حدة لقبول الطلاب بها. وبشكل عام, فإنه يضع بين أيدينا عدداً من الآراء المستقاة من الأكاديميين والممارسين في حقلي اقتصاديات التعليم وإدارة الموارد البشرية المهتمين بموضوع الجامعة الافتراضية والتي يمكن أن يستفاد بها في تطوير مؤسسات وعمليات التعليم العالي من خلال الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

ويناقش بييت هندريكس عددا من الخبرات الأوربية في مجال التعليم العالي من بعد والتعليم المفتوح التي قادت إلى إنشاء الجامعة الافتراضية, حيث بدأت أولى إرهاصاتها مع إنشاء الرابطة الأوربية لجامعات التعليم من بعد (EADTU) عام 1988. ومن بين هذه الخبرات ما يلي:

1 - الجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة (OU UK)

أنشئت الجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة عام 1969, حيث تهدف إلى تدعيم مبدأ ديمقراطية التعليم العالي من خلال توفير فرصة ثانية للطلاب الذين حالت ظروفهم دون الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي النظامية. وتقوم هذه الجامة على أربعة أسس هي: أن تكون جامعة مفتوحة لكل الطلاب, غير متقيدة بمكان, أو طريقة تدريس, ومنفتحة على مختلف الأفكار. ولذلك, ففي عام 1995 بلغ عدد الطلاب المقيدين بها 150000 طالب في برامج الدرجة الجامعية الأولى و60000 طالب في البرامج الحرة, وبلغت تكلفة دراسة الطالب بها حوالي 40% من إجمالي تكلفة الطالب في الجامعة النظامية. وتعتمد هذ الجامعة في تعليم طلابها على عدد من المواد التعليمية المعدة مسبقا (المطبوعة, المسموعة والمرئية), بالإضافة إلى لقاءات التدريس الدورية التي تعقد للطلاب في مراكز التدريس المحلية والتي يبلغ عددها أكثر من 300 مركز دراسي موزعة في كل أنحاء المملكة المتحدة.

2 - الجامعة القومية للتعليم من بعد بإسبانيا (UNED):

تأسست الجامعة القومية للتعليم من بعد بإسبانيا عام 1970 لدعم خطط التنمية الاجتماعية والثقافية وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص في المجتمع الإسباني. وتضم الجامعة ما يزيد على 150000 طالب, وتعتمد في تعليم طلابها على عدد من وسائل التدريس المطبوعة, المسموعة والمرئية بالإضافة إلى امتلاكها لواحد من أكبر مراكز الفيديو كونفرنس في أوربا, الأمر الذي مهّد لإنشاء جامعة افتراضية بها. ولعله جدير بالذكر هنا أن هذه الجامعة لا تطبق سياسة القبول المفتوح, المطبقة في الجامعة المفتوحة بالمملكة المتحدة, حيث تضع الجامعة القومية للتعليم من بعد بإسبانيا عدداً من الاشتراطات لقبول الطلاب بها. وللجامعة نشاط دولي واضح في مساعدة العديد من جامعات دول أمريكا اللاتينية في تأسيس برامج للتعليم من بعد بها.

3 - جامعة فيرن بألمانيا (The Fern Universit)t):

تأسست جامعة فيرن عام 1974 لتساهم في إصلاح التعليم الجامعي, وتنظيم برامج للتعليم المستمر لدعم العمالة القائمة وكذلك لإتاحة المزيد من فرص التعليم العالي. ويقدر عدد الطلاب الملتحقين بجامعة فيرن بما يقرب من 56000 طالب يدرسون في 68 مركز تدريس منتشرة في كل ربوع ألمانيا. ولجامعة فيرن دور دولي كبير في تنظيم برامج التعليم المفتوح والتعليم من بعد في العديد من البلدان الأوربية, حيث يوجد لها مراكز في النمسا, المجر, بولندا, ليتوانيا, روسيا, روسيا البيضاء وأوكرانيا. ونتيجة لاعتماد جامعة فيرن على مستوى عال من التكنولوجيا فقد تم تأسيس جامعة افتراضية بها.

وكذلك فقد عرض هندريكس لخبرات كل من الجامعة المفتوحة بهولندا (OUNL), الجامعة المفتوحة بالبرتغال (The Univrsidade Aberta), المركز القومي للتعليم من بعد بفرنسا (CNED), الجامعة المفتوحة بكاتالونيا (UOC), التي تعتمد جميعها على مستوى عال من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, حيث يعتمد معظمها على الإنترنت في التواصل مع الطلاب والتدريس لهم فيما هو معروف باسم: Internet Baseed - Learning. انتقل هندريكس بعد هذا ليعرض لنا تجارب عدد من الجامعات الأوربية التي تقدم برامج للتعليم من بعد إلى جانب برامج التعليم النظامي, التي تعرف باسم: الجامعات المزدوجة (Dual Mode Universities). يوضح هندريكس أنه نتيجة لهذه الخبرات فقد تم تأسيس الرابطة الأوربية لجامعات التدريس من بعد, التي تضم في عضويتها أكثر من 150 جامعة ويدرس بها ما يزيد على 900000 طالب من خلال 700 مركز إقليمي منتشرة في أرجاء أوربا. أخيرا, فقد ناقش التحديات التي تواجه الجامعات الأوربية النظامية ومبررات الأخذ بصيغة الجامعة الافتراضية لمواجهتها والتي من بينها النمو المتزايد للطلب على التعليم والتدريب, قضايا إنتاج وتوزيع المعرفة دوليا.

التكلفة والعائد الاجتماعي

يناقش تشريس كوران التكاليف والعوائد الاجتماعية لجامعات التعليم من بعد, حيث يؤكد أن جامعات التدريس من بعد تتفاعل مع عدد من المتغيرات الاجتماعية من أهمها زيادة الطلب الاجتماعي على التعليم العالي في أوربا, المتأثر بعوامل الطبقة الاجتماعية, الدخل, خلفية الأسرة, الجنس وعدد آخر من العوامل الثقافية. يوضح كوران أن النجاح الذي حققته برامج جامعات التعليم المفتوح والتعليم من بعد في هذا المضمار استند إلى الزيادة الكبيرة في أعداد الملتحقين بهذه البرامج. ومن ناحية أخرى, تعرّض الكاتب لإشكاليات تمويل التعليم العالي بشكل عام والتعليم من بعد بصورة أكثر تخصيصا. في هذا الصدد طرح الكاتب بعض التصورات حول إسهام مؤسسات المجتمع المدني في التمويل, مشيرا إلى أن التعليم العالي يفيد كلا من الفرد والمجتمع. يضاف إلى هذا أن كوران يصل إلى حد القول إنه في حين أن العائد الاجتماعي لكل من التعليم العالي النظامي والتعليم العالي من بعد يكاد يكون متكافئا فإن تكلفة التعليم العالي من بعد أقل بكثير من نظيرتها في التعليم النظامي, وهي النتيجة التي توصل إليها العديد من الدراسات المرتبطة بالموضوع ذاته.

ويقدم هولجر فولمر تحليلا لنمو العرض والطلب في التعليم العالي من بعد في أوربا, حيث أوضح أن التعليم العالي من منظور كونه سلعة يخضع لكثير من قوانين العرض والطلب.

ولهذا, فإن المنافسة بين مختلف مؤسسات التعليم العالي قائمة لاجتذاب عدد أكبر من الملتحقين.

إن هذه المنافسة تعتمد على ما تقدمه هذه الجامعات من برامج وما تتيحه هذه البرامج لطلابها في المستقبل من فرص وطموحات مرتبطة بكل نواحي الحياة. في هذا الصدد يبين فولمر أن مؤسسات التعليم العالي من بعد ومؤسسات التعليم المفتوح قد حظيت بنصيب جيد من قوة الطلب على التعليم العالي نظرا لاستجابتها العالية لمختلف احتياجات وظروف الطلاب من خلال الاستخدام الجيد لعدد من الوسائل والطرق التعليمية التي تناسب هؤلاء الطلاب وهنا يأتي دور مهم للجامعة الافتراضية لإتاحة المزيد من الفرص للراغبين في التعليم حيث يؤكد فولمر على زيادة ونمو الطلب الاجتماعي على هذا التعليم.

وبينما يناقش جرهارد أورتنر الدور الذي يمكن أن تقوم به الجامعة الافتراضية حيال الاستجابة للطلب المتزايد على برامج مواصلة واستكمال التعليم العالي, تعرض لويس دي سيلفيا لرضا الطلاب عن البرامج التي تقدمها جامعات التعليم المفتوح والتعليم من بعد, حيث تعتبر رأي الطلاب فيما يقدم لهم معياراً مهماً للحكم على نجاح البرنامج أو فشله. توضح دي سيلفيا أن الطلاب الملتحقين بهذه البرامج لديهم شعور عالٍ بالرضا عما يقدم لهم من أساليب للتدريس والتي أعدت لمساعدة الطلاب على التعلم الذاتي. يضاف إلى هذا أن أحد عوامل رضا الطلاب عن هذه البرامج كان الدعم الذي يقدم لهم من خلال اللقاءات الدورية مع أساتذتهم والتي تهدف إلى مناقشة الطلاب في القضايا التي يصعب عليهم متابعتها ذاتيا. وتشير دي سيلفيا إلى أن انعزالية الطالب (كون الطلب يتعلم ذاتيا وبمفرده في معظم الأوقات) المصاحبة لهذا النوع من التعليم لم تمثل عائقا كبيرا أمام نجاح هؤلاء الطلاب حيث وفرت لهم قدرا من الاستقلالية التي تتوازن مع الأدوار الاجتماعية الأخرى التي يمارسونها.

تدور مناقشات جوسيه مدينا حول الفعالية الاقتصادية لنظم التعليم المفتوح والتعليم من بعد في مقابل النظم التعليمية الأخرى. ينطلق مدينا من أن الفروق بين فعالية التعليم وجها لوجه والتعليم من بعد هي فروق في الدرجة وليست في أن أحدهما فعال والآخر غير فعال. لإثبات هذا فقد استخدم نماذج متعددة لدراسة الفعالية الاقتصادية للنظم التعليمية في كل من نوعي التعليم والتي أكدت جميعها صحة هذا المنطلق. ومن خلال طرح مخططات التكاليف الثابتة والمتغيرة في عدد من مؤسسات التعليم المفتوح والتعليم من بعد, يؤكد مدينا على أهمية وجدوى تطبيق استراتيجيات التحكم في الجودة, مستعينا في هذا بشرح التجربة المجرية (Hungarian) كما طبقت في البرامج التي يقدمها مركز التعليم المفتوح (SZAMALK) في بودابست والحاصل على علامة الأيزو 9001.

مقارنة

تواصلا مع الدراسة السابقة فإن أورتنر يقارن بين الجامعات الافتراضية والجامعات النظامية, حيث اعتمد على منهجيات دراسة الكلفة - الفعالية التي طبقت في جامعة فيرن بألمانيا. أورتنر لا يقتصر على مناقشة المزايا التي يمكن أن نحصل عليها من مثل هذا النوع من الدراسات, وخاصة ما يتعلق بدعم اتخاذ القرار في التعليم العالي, بل يقدم أيضا تحليلا للإشكاليات المرتبطة بالدراسات الاقتصادية في التعليم, التي لم يحل كثير منها حتى وقت كتابة الدراسة.

من بين هذه الإشكاليات ما يلي:

(1) إمكان قياس وترجمة العوائد المختلفة للنظم التعليمية إلى بيانات كمية يسهل التعامل معها في هذا النوع من الدراسات.

(2) المشكلات المتعلقة بتوزيع النفقات وتسجيلها في التعليم العالي, التي عادة ما ترتبط بصعوبة تحديد الفترة الزمنية المتوقعة لاستمرار تدريس مقرر ما دون تغيير أو تحديث.

يخلص أورتنر إلى إمكان تطبيق نماذج تحليل القيمة الاقتصادية في مجالات التعليم, التي تتيح قدرة عالية لمتخذي القرار للمقارنة الجيدة بين الأنماط التعليمية المختلفة من خلال التحليل المتعمق لآراء مجموعات مختلفة من المستخدمين (الطلاب) حول مزايا وعيوب كل من هذه الأنماط. على الرغم من هذا, فإنه أخيرا يؤكد أن قيمة هذه النماذج تأتي من كونها أداة لمساعدة اتخاذ القرار وليست لاتخاذ قرار سياسي محدد حيث القرارات السياسية لها أبعاد كثيرة, خاصة تلك المتعلقة بالتعليم العالي.

وعلى الرغم من أن الكثيرين يعتقدون في جدوى الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للارتقاء بمستوى برامج التعليم في المدارس والجامعات على مختلف أنواعها, فإنه لا يزال هناك جدل دائر حول ما إذا كان التعليم في الجامعة الافتراضية مفيدا أم لا, وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على تطور ونمو الجامعات الافتراضية. هذا هو الموضوع الذي يتصدى له كل من: جان أيلن, وجوستن لوويك, وبيرت فان دي بيرج تحت عنوان: هل سيفيد التعليم في الجامعة الافتراضية? يناقش الباحثون الثلاثة مفهوم التعلم في الجامعة الافتراضية مع التركيز على كونها تعتمد على الاستخدام المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقد تناول الباحثون ثلاثة محاور رئيسية وهي:

المحور الأول: يركز على التغير الحادث في عادات الطلاب الدراسية عندما يلتحقون بهذه الجامعة التي تتطلب شعوراً أكبر بالمسئولية تجاه ما يدرسونه, الأمر الذي يدعم من مهاراتهم التعليمية والذاتية.

المحور الثاني: يناقش العلاقة بين التعلم والتكنولوجيا التي تحظى بنصيب وافر هنا, مع التركيز على ماهية وكيفية الاستخدام المخطط لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وما تضيفه إلى الرصيد المعرفي لهؤلاء الطلاب.

المحور الثالث: يناقش الخصائص والقضايا المتعلقة بالطلاب الملتحقين بالجامعة الافتراضية, من حيث إنهم - على سبيل المثال - في حاجة إلى أن يكون لديهم القدرة على الحصول على هذه التكنولوجيا واستخدامها.

ومع كل هذا, فإن الباحثين قد أكدوا وجود عدد كبير من الموضوعات التي تتطلب مجهوداً أكبر من الدراسة والبحث حول تأثير الاستخدام المكثف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم والتعلم لفئات متعددة من الطلاب المختلفين وصولاً إلى بناء أفضل للجامعة الافتراضية.

بعض النماذج الأوربية

يعرض هلموت هوير الفرص والتحديات التي تواجه جامعة فيرن (سالفة الذكر), حيث يوضح المبادئ العامة التي تقوم عليها الدراسة بهذه الجامعة ثم تنظيمها, وذلك من خلال عرض للموقع المخصص لها على الشبكة الدولية للمعلومات وكيفية الدخول إلى هذا الموقع والخدمات المقدمة من خلاله. أخيرا, يناقش هوير التحديات التي تواجهها هذه الجامعة والتي من بينها تأمين حصول الطلاب على أعلى درجة من المرونة وكذلك الدعم التعليمي الفوري المباشر لمساعدة الطلاب في التغلب على المشكلات التي يواجهونها.

أما هلموت فريتستش فيقدم نماذج متعددة لمؤسسات التعليم من بعد التي تعتمد على أسلوب الجامعة الافتراضية, حيث يوضح أن تحول أي مؤسسة للتعليم العالي النظامي إلى الأخذ بهذا الأسلوب لن يؤثر في البنية الاقتصادية والاجتماعية لها على اعتبار أن معظم - إن لم يكن كل - الجامعات الأوربية النظامية لها مواقعها الخاصة على شبكة المعلومات الدولية وأن هذه الجامعات لديها من الإمكانات ما يؤهلها للبدء في هذا المضمار. أخيراً, يضع فريتستش بين أيدينا الخطوات الإجرائية التي يمكن اتباعها لإنشاء جامعة افتراضية أو تدريس عدد من المقررات عبر هذا النظام.

رؤية تربوية

هذه بعض الأفكار التي تضمنتها موضوعات هذا الكتاب الذي أعتقد أنه يستحق أن يُقرأ, خاصة ونحن نؤكد مراراً وتكراراً أهمية اللحاق بركب الحضارة, وأن التعليم بكل أشكاله وصوره يوضع في موضع القاطرة التي يعول عليها قيادة المجتمع العربي. يضاف إلى هذا أن التوسع في التعليم العالي يمثل واحداً من أهم التحديات التي تواجه عالمنا العربي.

وبالتالي, فإن كل الصيغ التي يمكن أن تسهم في التوسع في هذا التعليم هي واحدة من أولويات البحث العلمي في مجال التعليم, والتي تأتي مؤسسات التعليم المفتوح والتعليم من بعد وصولاً إلى الجامعة الافتراضية في طليعة هذه الصيغ المرشحة دولياً لهذا الغرض. على الرغم من هذا, فإن الكتاب يفتح أمامنا القضايا المرتبطة بإمكان الاعتماد على التجربة الأوربية في التوسع في التعليم العالي والجامعي العربي. من بين هذه القضايا أنه يتضح من مراجعة موضوعات الكتاب أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تمثل عصب التقدم الحادث في برامج التعليم المفتوح والتعليم من بعد, حيث أتاح الاستخدام الجيد لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات فرصا تعليمية لأعداد كبيرة تقدر بملايين الطلاب. وفي هذا السياق, فإن الأسئلة المطروحة على عالمنا العربي هي:

  • هل يستطيع السواد الأعظم من المواطنين العرب الحصول على تلك التكنولوجيا والتعامل معها?
  • هل تقدم برامج التعليم المفتوح والتعليم من بعد فرصة ثانية فقط للقادرين على تحمل نفقاتها? أم ماذا?
  • هل تقبل مؤسسات المجتمع المدني العربية أن تتحمل دوراً في تمويل هذا التعليم كما يحدث في كثير من التجارب الأوربية?

أخيراً, فإنه يوجد عدد من القضايا المتعلقة بتعزيز قدرة المواطن العربي على التعلم الذاتي, الذي ظل لفترات طويلة أسيراً لطرقٍ ومناهج للتعليم والتعلم حرصت على تنمية اعتماد المتعلم على المعلم وتكريس تبعيته له. هذه القضايا وغيرها في حاجة إلى أن تبحث بعناية, ولعل قراءة هذا الكتاب تفصيلاً تقدم بعض الأفكار التي يمكن أن تفيدنا عندما نبحث ونفكر في إعادة صياغة مستقبل مؤسسات التعليم العالي والجامعي العربي.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب