الإساءة الجسدية للأطفال علاء غنام

الإساءة الجسدية للأطفال

هذا الموضوع بالغ الحساسية, والذي نُشير إليه تلميحًا, يجب التعرّف على بعض أبعاده بهدف وقاية أطفالنا والانتباه لمصادر الخطر. صحيح أن هذه الإساءات تكثر في مجتمعات أخرى, لكن حاضر العالم الذي نعيشه لم تعد إزالة حدوده القيمية تقتصر على تبادل الفضائل, بل الرذائل أيضًا.

تطور مفهوم الإساءة للطفل-لم يعد يقتصر على متلازمة الطفل المهشّم التي حددها كيمبي عام 1962 في دراساته المهمة عن الإساءة للطفولة جسديًا-إلى الاهتمام المتزايد بآليات الحماية والوقاية من الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الإساءة, كما تزايدت الدراسات الميدانية الشجاعة وأشكال التدخل المبكر, متجاوزة الرعاية اللاحقة للإساءة لتشمل أبعاد العلاقة بين الطفل والبالغين, التي تحتوي على عنصر الإهمال البدني والعاطفي, وفشل النمو لأسباب نفسية, واستخدام الأطفال بشكل ضار في أعمال الكبار وفي عمليات إشباع حاجات الكبار المنحرفة مع الأطفال.

لقد عرف كيمبي الإساءة الجسدية للطفل باعتبارها: حال يتعرض فيها الطفل في مراحل نموّه المختلفة حتى بدايات المراهقة, إلى أنشطة لا يستطيع رفضها أو إعطاء موافقة واضحة عليها, مما يعد انتهاكا للقيم الاجتماعية والعائلية. كما عرفها فريزر بشكل أكثر تحديدا حينما قال: إنها استغلال الأطفال في إرضاء نزوع الكبار البالغين, كما يشمل ذلك الانغماس في أنشطة الأفلام الإباحية أو المداعبات المتجاوزة للحدود.

وتشير تلك الدراسات إلى أن الجانب الأكبر من حالات الإساءة للطفل يكون المنتهك فيها على علاقة بالأسرة, حيث لا تتعدى نسب الإساءة من الغرباء خُمْس الحالات المسجلة في التقارير والأبحاث, وتمثل حالات الانتهاك للطفل داخل الأسرة من شخص معروف لديها نسبا تصل إلى ثلثي الحالات, والثلث الأخير قد يكون من المعارف والأصدقاء أو الزوار للأسرة.

إن حالات الإساءة للطفل جسديًا داخل العائلة تمثل أغلب حالات الظاهرة, وربما أن الإجبار أو التهديد أو السيطرة التي تشمل علاقة شخص أكبر سنا أو قوة أو في موقع السلطة من الضحية هو الشكل الأغلب لهذا الانتهاك.

والواقع أن الإساءة الجسدية للأطفال في أغلب المجتمعات أكثر شيوعا مما يظن أو يتخيل أغلب الناس, حيث يؤكد الباحثون في دراساتهم أن استمرار الإساءة في العلاقات داخل الأسر تمتد لفترات طويلة قد تصل إلى سنوات عدة خاصة في الأسر الممتدة في ظل مستوى تعليمي متدن, رغم توافر بعض الارتباطات الشرطية أو المصاحبة كالظروف الاجتماعية والاقتصادية مثل ازدحام المساكن وضعف الأبوين وإدمان الكحوليات أو المخدرات وغياب القيم الدينية بين أفراد الأسر. إلا أن الظاهرة منتشرة أيضا بين فئات عادية في المجتمع وخاصة الغربية. مما يؤكد عدم وجود مناعة ما لأي من الشرائح الاجتماعية بشكل خاص.

الحماية والوقاية

وفي دراسات أجريت في بريطانيا, كانت تقديرات معدلات الإساءة للأطفال تصل إلى طفل من كل ستة آلاف طفل كل عام يتعرض للإساءة, اقترحت هذه الدراسات في هذا السياق أن ربع الأطفال حدثت عليهم اعتداءات من الكبار خلال طفولتهم تتراوح بين المداعبة والممارسة الفعلية, وأنه من الصعوبة بمكان التحقق من أين بدأت وأين انتهت.

وأضافت مراكز دراسية أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية أن معدلات العلاقات الجسدية للأطفال من الإناث تصل إلى 6%, وإن كانت بأشكال غير محددة لصعوبة معرفة تفاصيل تلك العلاقات, كما سجلت معدلات مرتفعة للإساءة بين المراهقين الذين يهربون من منازلهم ويدمنون المخدرات وأشياء أخرى مثل العلاقات الإباحية.

ومن ثم أصبحت الإساءة تمثل 10% على الأقل في كل ما سجلته التقارير عن الإساءة للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية, مما أدى إلى تزايد الوعي العام بالمشكلة ودفع العاملين في مجال المكافحة إلى تطوير برامج الحماية والوقاية.

مع تزايد تلك التقارير البحثية الغربية, تلقت الصحف ووسائل الإعلام المختلفة والمنظمات التطوعية القيادة للعمل في مجال دعم الأبوين والنساء وضحايا الاغتصاب, خاصة الذين ظلوا صامتين لسنوات طويلة, كما برزت العديد من المجموعات للمساعدة الذاتية, واستجاب للعمل المتخصصون في مجال صحة الطفل بوتيرة أبطأ, لأنهم منغمسون في مراجعة ما كُتب عن المشكلة وتطوير دورات تدريبية ومناهج علاجية لمواجهة ما يحدث!

لقد أصبح النظر للفترة العمرية (12-17عاما) باعتبارها عمر الذروة لعلاقات الإساءة, ولسوء الحظ قد يتفاعل الأصدقاء والمتخصصون بطريقة رافضة أو بعدم التصديق, وقد يستخدمون منهج فرويد لدعم أفكارهم, ويحولون الأمر لفنتازيا الرغبات الدفينة ضد الضحية! ويشعر بعض الأطفال بالذنب الداخلي في هذه الحالات لمجرد نطقهم بمثل هذه الأشياء غير المستحبة.

وأظهرت الدراسات في بريطانيا أيضا أن 25% من الإساءة تحدث لأطفال يتعرضون للإهمال, و6% منهم يتعرضون للإساءة البدنية, ويشمل ذلك تعرضهم للأمراض التناسلية والعدوى والإصابات الجسدية غير المبررة مما يصيبهم بأعراض الانسحاب وتظهر عليهم أعراض المشاكل السلوكية الأخرى, والفشل الدراسي والتبول اللاإرادي. ويعترف الأطفال الأكبر سنا لأصدقائهم أو لأشخاص يعتبرون محل ثقتهم, أو الذين يتعرضون للإساءة نفسها, وربما يبلغون البوليس أو مراكز الأزمات.

كما أوضحت الدراسات تعرضهم لأعراض الضغوط خاصة الصبية غير القادرين على كتم الأسرار, بسبب تعرضهم للخبرات الخاطئة أو العاهات المستديمة (استيجما), بحيث تصبح الإساءة التي تعرضوا لها بؤرا نفسية تتجمع حولها المشاكل الأخرى.

الدعم النفسي لضحايا الإساءة

لاشك أن الدراسات القبلية والبعدية المقننة, باتت ضرورة لتحديد طبيعة الدعم والمساعدة اللذين يمكن تقديمهما لضحايا الإساءة, كما يجب أن يتم الاعتماد على مداخل متعددة لتقييم طبيعة الإساءة, والجهات المنوط بها العمل لتطوير الحماية والدعم النفسي.

كما يجب الاعتماد على التدريب من خلال العاملين الاجتماعيين ورجال الأمن والخدمات الصحية في ظل شبكة من الخبراء تساعد كل هذه الجهات.

إن الطفل الذي يتعرض للإساءة يعاني في الواقع عبئًا مضاعفًا يتمثل في كونه ضحية, وأيضًا لإحساسه بالذنب لتسببه في انكسار الأسرة وانحطاطها الاجتماعي, وربما لهذا السبب, فإن كثيرًا من الأطفال يحتفظون بأسرارهم مهما كان العبء حتى يكبروا.

وللوقاية من تلك الآثار يجب أن تعتمد مداخل الحماية على أوضاع (الضحية), في إطار فرعي متكامل للخدمات الاجتماعية والطبية والقضائية. وتستلزم إجراءات الوقاية الفعالة إمكان التنبؤ بالمجموعات الأكثر تعرضا لمخاطر الإساءة, وقد يبدأ ذلك منذ لحظة ميلاد الطفل من خلال البيانات المبدئية والمتاحة التي يسجلها العاملون بدور الولادة لبعض العائلات, التي يمكن أن يتعرض أطفالها مستقبلا لمخاطر الإساءة بسبب الأوضاع الاجتماعية, أو الانحرافات السلوكية أو النفسية داخل الأسرة أو فيما حولها.

وتستهدف آلة التدخل المبكر والتنبؤ بمخاطر الإساءة للطفل ألا تحدث أضرار للأسرة, وأن تتأكد الفوائد من وراء هذا التدخل, وتهدف هذه الآلية أيضا إلى تقليل آثار الاضطراب لأسرة الطفل, وتقليل آثار الإساءة على الضحية, وحماية الأسرة من أعراض الانكسار أو الانخراط في عمل إجرامي مضاد.

وتؤكد خبرات الوقاية والحماية ضرورة التنسيق بين الجهات المختلفة كالشرطة والقضاء والأسرة حتى تتضح أبعاد الإساءة, كما يحتاج الضحية إلى مكان آمن يقضي فيه أسابيع صياغة - خطة التقييم الأولية التي تضعها مرحلة العلاج باستخدام مداخل مختلفة: منظور الأسرة المتكامل الذي يعتمد عليه في العلاج, كما يحتاج الطفل في هذه الحالة إلى المساعدة التي تمكّنه من السيطرة الداخلية فيما يتعلق بسلوكه غير العادي, وهذا ليس من السهولة بمكان, ويفضل عمله من خلال العلاج الأسري الجماعي أو بشكل مشترك.

وقد يحتاج الأطفال الانسحابيون إلى العلاج الأسري أكثر من غيرهم - كما أن الأبوين اللذين يتسمان بالتسرع سوف يحتاجان إلى التوعية وتحديد أولويات المشكلة, كما يجب إعطاؤهما الفرصة لمناقشة الصعوبات التي تواجههما.

إن مخرجات أو نتائج الإساءة للطفل مازالت لم تفهم بوضوح, وقد أظهرت أغلب الدراسات التي أجريت آثارًا سيئة للإساءة خاصة إذا تكررت, ولكن من الضروري في كل الأحوال تحديد العوامل التي أدت إلى الإساءة حتى تكتمل خطط التأهيل والعلاج. ولعل أهم ما ينبغي الانتباه إليه هو مصادر الإساءة وعدم الاستبعاد المطلق لاحتمالاتها من كبار يبدون انحرافًا سلوكيًا أو نفسيًا ما, ويكونون على مقربة من الصغار خاصة في غياب الأهل مثل الخدم صغار السن.

كما ينبغي شحذ الانتباه للطفل في الفترة العمرية المصاحبة للنضج (من 12-17 عامًا), وخلالها, وقبلها, ينبغي الانتباه لأي تغيرات سلوكية أو نفسية تشير إلى احتمالات التعرض للإساءة, فالاكتشاف المبكر والعلاج المبكر كفيلان بمحو مرارة المحنة وإزالة آثار الإساءة بدرجة كافية لإكمال مشوار الصغير في إطار السوية نحو نماء صحي وصحيح.

 

علاء غنام