عزيزي القاريء المحرر

عزيزي القاريء

من عهد النُّخب إلى زمن الرعب

منذ أكثر من مائة عام, ومع بداية ما تعارفنا عليه باسم فجر النهضة العربية المعاصرة, كانت النخب العربية أكثر تسامحًا فيما بينها وبين الآخرين, لأنها تبنت الثقافة شرطا للامتياز, وبدا ذلك بوضوح فيما بذلته أطياف مبدعيها من جهود استثنائية, فردية في أغلب الأحيان, لغرس بذور التنوير وطرح ثمار الاستنارة فيما أنتجته, إبداعًا وفكرًا وترجمة, مثلما قدم البستاني في مثل هذا الصيف قبل قرن كأول أديب عربي, خلاصة ترجمته لإلياذة هوميروس بعد عكوفه عشرين عامًا على إنجازها. ويقول رئيس التحرير في حديثه الشهري بعد مشاركته في الملتقى الدولي الثاني للترجمة الذي استضافته القاهرة احتفالا بالمئوية الفريدة لعصر الترجمة الجديد, إن ثمة معاني كانت حاضرة في الماضي نفتقد الكثير منها الآن, فالاحتفاء الأول للقاهرة قبل قرن بهذا الإنجاز, يؤكد كيف كان انتماء شرط الثقافة ضروريا للنخب سواء كانوا قادة سياسيين, أو اقتصاديين مرموقين أو مصلحين بارزين.

لكن الذي حدث خلال هذا القرن كان أشبه بالنكوص المرضي, ولم يكن أدل على ذلك من انهيار الجدار الحامي للثقافة والمساند لها, وفرضت بعض الديكتاتوريات سلطتها فكممت الأفواه, وعصبت العيون, وشلت حركة التاريخ والشعوب, وما حدث من طاغية العراق السابق أبلغ دليل على مأتم الثقافة في حضرة الديكتاتورية كما تفضحه أوراق ملف هذا العدد (شهادات من زمن الرعب) الذي يرصد, في هذا الشهر بالذات, معاناة شعب طال أنينه من ظلم أخيه وفي وطنه, والملف لا يعد تصفية لحسابات قديمة, لأن جرائم التعذيب والقتل وامتهان كرامة الإنسان لا تتقادم, وإنما يعد صرخة تفضح مآلنا وتحولنا من عهد النخب إلى زمن الرعب بسبب إهمالنا بذور النهضة حتى أخذت رياح التعصب والجهل تذروها.

لكن (العربي) تؤمن أن بعد الليل فجرًا, ومن هنا لا تقصر رؤيتها على الصفحات السوداء في التاريخ, بل تنبش بجد عن المُشرق فيها, لأن ذلك ما نريده جميعا للمستقبل, ولذلك تجد في تحية الصحافة الكويتية نموذجا لديمقراطية الإعلام في الوطن العربي, وفي استطلاعها عن أولمبياد أثينا المقام هذا الشهر تكريسا لبحث الإنسان عن السلام والفضيلة, وفي توثيق سعي العالم الإسلامي للإصلاح الدستوري نقطة مضيئة, وفي إضاءات الفن والأدب في الوطن العربي والعالم مساحة للحرية, وفسحة للجمال اللذين نفتقدهما كثيرًا, وفي تأريخها لابتكار العرب في مجال الدمى المتحركة إشارة إلى بدايات رائدة نحتاج إلى ما يوازيها اليوم بعد أن انطلق العالم من حولنا فراسخ ضوئية, في مجال الاختراع والابتكار. كما تدق (العربي) ناقوس الخطر في ملفها الطبي (حرب الدهون) نذيرًا ضد أمراض تعاني منها مجتمعات الرفاهية بسبب تخمتها, لكنها تتسلل إلى مجتمعاتنا لأكثر من سبب.

ولك عزيزي القارئ أن تكتشف مساحتك الخاصة بك في هذا العدد المتنوع الذي يحاول أن يكون نسمات رطبة في صيف قائظ.

 

المحرر