وسط هذا القيظ من حرارة الصيف وسخونة الأحداث السياسية يأتي هذا العدد من مجلة العربي محاولا أن يكون هبة نسيم باردة تمنح العقل العربي بعضا من الانتعاش بعد عام طويل, لقد أنهك هذا العقل في متابعته اليومية لأحداث الحرب والاغتيالات والخلافات كأن الأقدار قد اختصت منطقتنا وحدها بكل بؤر اشتعال النيران وتركت بقية مناطق العالم بردا وسلاما على أهلها. ففي هذا العدد يثير رئيس التحرير في افتتاحيته قضية التخلف السياسي في هذه المنطقة من خلال استعراضه لرواية (عالم صدام حسين) التي هي مزيج من الحقيقة والكابوس المرعب. كم تواجه (العربي) شخصية فريدة يمكن أن تعتبر بحق خير مثال للقاء الحضاري بين الشرق والغرب, إنه المستشرق الإنجليزي ديفيد جونسون ديفيز الذي أمضى جل عمره في الوطن العربي يدرس لغاته وثقافته ويترجم الأعمال الادبية لكبار الكتاب فيه إلى الإنجليزية إضافة إلى الدراسات العديدة في محاولة التعريف بهذا الادب بشكل خاص وبثمار الحضارة العربية بشكل عام, ولم يتوقف عند ذلك ولكنه يدخل في مرحلة (صوفية ( خاصة يبحث خلالها في جذور الدين الإسلامي ويقدم مشروعا رائدا يشمل ترجمة الأحاديث النبوية, كما يعكف على ترجمة مجلد ضخم يضم بعضا من معاني القرآن الكريم للمرة الأولى في تاريخ اللغة الإنجليزية.

كما ترحل (العربي) في هذا العدد إلى حنايا القاهرة القديمة لتقدم واحدا من أشهر فنونها التقليدية في حي الخيامية الذي اشتهر أبناؤه بصناعة اللوحات الفنية من القماش, وعلاقة المصريين بالقماش علاقة قديمة, فقد كانوا من أوائل شعوب الأرض الذين استبدلوا بجلود الحيوانات نسيج الكتان, وهم الذين صنعوا منه لفائف لموتاهم حتى تحين لحظة البعث, ومازالت العديد من هذه الأقمشة تقاوم الزمن حاملة نقوشها وطلاسمها السحرية, لذلك تأتي رحلتنا للخيامية إطلالة مهمة على هذا الميراث الحضاري العتيد.

ولا تتوقف رحلة (العربي) مع الفنون فتواصل رحيلها إلى السعودية لتلقي إضاءة على رواد الفن التشكيلي بها, وتحدثنا عن رائد آخر ولكن في مجال الموسيقى العربية هو رياض السنباطي الذي أشجتنا ألحانه من خلال أغنيات أم كلثوم.

ومازالت البشرية عاجزة عن فهم أو مقاومة مرض الالتهاب الرئوي المعروف بـ (سارس), ومازال المرض في أوج قوته يوجه ضرباته إلى دول جنوب شرق آسيا, وهو ليس بعيدا كما نعتقد, فمن الممكن أن توجه هذه الضربات إلى أي مكان, من أجل ذلك كان المقال الذي ننشره من أجل فهم طبيعة هذا المرض والتحذير منه, وامتدادا للحماية الطبية من أخطار الأمراض تقوم (العربي) بزيارة المستودعات الطبية في الكويت لتعرف بعضا من أسرار الأمن الدوائي فيها. ولا تنتهي صفحات (العربي) بما تثيره من قضايا, قدمنا لك ـ عزيزي القارئ ـ بعضا منها ونترك لك مهمة اكتشاف باقي ما يحفل به العدد من مواد.