المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

لمسة وفاء لشاعر عذب

أرى المرء في هذه الحياة كحاكم يراع من الأحلام حينا ويستر ولكن أطياف السرور قليلة

تزور لماما في المنام وتزور كلمات عذبة لشاعر كويتي مظلوم مرت على حياتنا الأدبية العربية دون أن يعرف به الكثيرون خارج الكويت. ربما لأنه كان محبا للعزلة بقدر حبه للدرس وقرض الشعر. وربما - وهذا هو السبب الأكبر - أنه كان يهب الكثير من قصائده المكتوبة بخط يده إلى الأصدقاء والأقرباء, ولا يبقى لها أثر عنده, بل إنها تضيع من ذاكرته أيضا. إنه الشاعر إبراهيم سليمان الجراح الذي كان أديبا وعاشقا للتاريخ. فقد عرف التاريخ الإسلامي وحفظ تاريخ الكويت وأهلها حتى أصبح حجة فيه.

لقد آن لذكرى هذا الشاعر أن تعود مرة أخرى من خلال لمسة وفاء قام بها الأديب والباحث الكويتي د.يعقوب يوسف الغنيم الذي يقول في مقدمة كتابه (ليس الشيخ إبراهيم سليمان الجراح مجرد شاعر أقرأ له وأرتاح إلى شعره ولكنه خالي الذي قضيت معه وقتا طويلا منذ صغر سني وعشت ألتقط منه المعلومات في شتى ضروبها من لغة وتاريخ وفهم للشعر وإدراك لمعانيه).

لا يذكر الباحث تاريخ ميلاد الشيخ الجراح ولكنه يذكر تاريخ وفاته الذي يوافق يوم الثامن من ديسمبر عام 2001, وقد بلغ الشاعر المائة من عمره. أي أن الشاعر عاش في المراحل المبكرة من نشوء الكويت الحديثة. وقد استطاع أن يحول كل مكان يحل فيه إلى مركز للتعلم. وهو ينطلق في ذلك من شغف الكويتيين في ذلك الوقت في التعلم كوسيلة وحيدة للإمساك بأهداب العالم الجديد.

فعلى الرغم من أنه لم يحترف التدريس فإنه كان يستقبل كل من يأتيه سائلا ويرد عليه بالجواب الشافي, وكان يفعل ذلك سواء أكان في مجلسه داخل بيته أم في دكانه بسوق الخضار بالعاصمة أم في مسجد الحي الذي يقيم فيه. ومثل كل شعراء الماضي التقليديين كان يعتمد على ذاكرته القوية وحصيلته من أشعار العرب ووقائع التاريخ الإسلامي. ولعل هذا هو الذي أهّله لأن يكون حكما على القصائد التي يكتبها غيره من الشعراء ويحضرونها إليه.

ومثل كل الشعراء التقليديين أيضا دارت محاور شعره حول المناسبات العامة والإخوانيات - أي مكاتبة الاخوان ومداعباتهم - والرثاء والحديث عن الذات وما يلم بها من تغيرات. ورغم هذا فقد كان شاعرا رقيقا وعذبا. وقد سما بقصيدة المناسبات إلى آفاق شعرية تجعل من القصيدة صالحة لكل وقت ومكان.

ولعل أشهر هذه القصائد هي القصيدة التي قالها في أعقاب الغزو العراقي للكويت واندحاره وظفر بلاده بحريتها, فقد قال في مطلع قصيدة طويلة:

سقط النشامى والأشاوس بعدما كادوا فأصبح كيدهم تضليلا


وهو لا يؤكد فيها فرحته بالحرية فقط, ولكنه يؤكد أيضا موقفه الوطني وتمسكه بقوميته رغم الفتنة التي ألمّت بالجميع.

وللغزل مكان حيّ ومتواضع في شعر الجراح, وهو غزل يبدأ به مطلع قصائده كما كان يفعل القدماء ثم سرعان ما يهجره إلى الغرض الرئيسي للقصيدة. ولكن خلال هذه اللمحات يمكننا أن نتتبع هذه الروح المرهفة ومدى تمثلها لكل أدبيات الغزل في القصيدة القديمة فهو يقول:

مهلا أحبتنا لا تأثموا فينا فقد علمتم أن النأي يؤذينا


إن كتاب يعقوب يوسف الغنيم هو لمسة وفاء جميلة وهو أيضا دعوة حارّة لجمع ما بقي وتناثر من قصائد هذا الشاعر العذب.

القاهرة

احتفالية بيكار.. كتب ولوحات وأفلام نادرة

دونما ترتيب أو تنسيق جاءت عدة مظاهر متباعدة للاحتفال بالفنان والناقد التشكيلي والشاعر والمؤرخ الراحل حسين بيكار هنا في القاهرة.

فقد أصدرت دار الشروق مجلدا أنيقا أعده الناقد صبحي الشاروني, وضم بين دفتيه معرضا ضخما للوحات بيكار حتى التي أبعدها الزمن عن بيته ومرسمه, وهو الذي بدأ حياته سندبادًا صحفيا يجوب العالم مستبدلا بالريشة والقلم الكاميرا التي تفوقهما صدقا وعاطفة. وما بين ميلاده قبل تسعين عامًا في الثاني من يناير 1913 ورحيله هذا العام, قدم حسين بيكار ما يزيد على ستة عقود من العطاء.

ويذكر له التاريخ ريادته لرسوم كتب الأطفال, وإشرافه الفني ورسومه في مجلة (سندباد) أول مجلة مصرية للأطفال, صدرت عن دار المعارف وترأس تحريرها الكاتب سعيد العريان. وبجانب تبسيطها للفصحى وتحاشيها للعامية ورفضها للشخوص الأجنبية عبرت المجلة عن غنى تراثنا العربي. وقد بدأ بيكار قبلها زاوية للأطفال بجريدة أخبار اليوم فقدم حلقات أسبوعية من ألف ليلة وليلة. كل هذا وأكثر يذكره الشاروني في الكتاب الألبوم, الذي ضم في أكثر من 160 صفحة من القطع الكبير (33/24 سم) صورا نادرة ولوحات عبرت عن مراحل الفنان المختلفة.

وفي إطار تذكر حسين بيكار منحت مؤسسة الفكر العربي جائزة الريادة له, وهو الفنان والفيلسوف والمعلم الذي ربى أجيالا من رسامي البورتريه والصحافة, وصاحب أول تجربة في توثيق كنوزنا الفرعونية قبل أن تغرق. وتبحث مؤسسة الفكر العربي الآن عن ورثته لتسليمهم القيمة المادية التي تقدر بثلاثين ألف دولار. كما أصدر قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم طبعة جديدة من كتبه, تلك الدواوين المرسومة التي حملت رباعيات نشرها أسبوعيا في جريدة الأخبار, ويقول في إحداها:

حِلمتْ خِيرْ إني ماشي في كل حارة ودربْ

وأفوت على كل بيت وارسم على بابه قلبْ

وادعي من صميم قلبي واطلب واقول ياربْ

عَمَّرْ بيوت الناس بالأمل, واملأ قلوبهم حب.

هذه الفلسفة المانحة المحبة تبدت كذلك في الحوار المطول الذي أجرته معه الكاتبة فوزية الأشعل, ونشرته بعنوان( بيكار.. للفلسفة أسرار ), مثلما لمستها حين صحبته في رحلة إلى إيطاليا ضيفين على معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال منذ 20 عامًا لأكتشف فيه الإنسان العظيم, الإنسان والفنان.

أما الجامعة الأمريكية بالقاهرة فقد استثمرت رغبتها في الاحتفاء به بالتأكيد على مدى ارتباطها بالمجتمع المصري واهتمامها بتكريم رموزه البارزة: نجيب محفوظ الذي أطلقت اسمه على جائزتها لأفضل رواية عربية, ورأت أن تقيم للفنان حسين بيكار معرضا تذكاريا استغرق عدة أسابيع وتصدرته ثماني لوحات رسمها الراحل لرؤساء هذه الجامعة منذ عام 1919 وحتى عام 1997, إما من خلال صورهم الفوتوغرافية أو من خلال جلوسهم أمامه, والزائر للقصر العتيق الذي يعود تاريخه إلى عام 1890 في شارع الشيخ ريحان والذي اشترته الجامعة الأمريكية في عام 1919 - وكان أحد القصور الخديوية - تصافح عيناه هذه البورتريهات على السلم المؤدي إلى مكتب رئيس الجامعة الأمريكية. وفي جاليري إيوارت افتتح فنان الكاريكاتير والمصور مصطفي حسين, نقيب التشكيليين, وأحد تلاميذ بيكار النجباء, هذا المعرض في حضور رئيس الجامعة, وحرم الفنان الراحل ورفيقة رحلته, وهي التي أهدت المعرض ما لديها من لوحاته ومنها: بورتريه رسمه لوالدته وآخر لها في سمت إسباني متأثرا بدراسته هناك, كما أهدت المعرض آلتي البزق والعود اللتين اشتهر بالعزف عليهما.

وقد تحدثت نجوى شعيب مديرة العلاقات العامة بالجامعة الأمريكية مؤكدة أن هذه الاحتفالية تعد تقديرا لمبدع بارز تعددت تجليات عطائه وعكست تأثره بتراث مصر والنوبة, وكيف كان علما على فن البورتريه يبدع من مخيلته هذه اللوحات الجميلة التي لا تحاكي أصحابها بقدر ما تقدم إحساسه الخاص بهم. وأشارت فوزية الأشعل في كلمتها الافتتاحية لكلمة الكاتب أحمد رجب التي أوجزت سيرة هذا الفنان.

وقد حرصت نجوى شعيب على تحية الفنانين الذين أسهموا في إنجاح هذه الاحتفالية.

مصطفى عبد الله

بيروت

مجلس عالمي لرعاية اللغة العربية

بحضور حوالي خمسين أكاديميا عربيا من المتخصصين باللغة العربية والأدب العربي, انعقد في بيروت, وبدعوة من معهد الدعوة الجامعي للدراسات الإسلامية (مؤتمر اللغة العربية أمام تحديات العولمة), في دورته الثانية, وقد اشتملت أعمال هذه الدورة على ثلاثة محاور:

- اللغة العربية/الواقع واستشراف المستقبل.

- اللغة العربية بين الأصالة والتجدد.

- اللغة العربية وحوار الثقافات/التأثر والتأثير.

وشارك فيها علماء عرب من جامعات عربية في المشرق والمغرب منهم د.ناصر الدين الأسد الذي تحدث عن نفوذ اللغة العربية في البلدان الإسلامية قديماً وحديثاً, ود.حسين بن عثمان الحكمي: المصطلح العربي بين الواقع والمأمول, ود.محمود حسني فعالة عن محاولات تيسير النحو العربي حديثا, ود.عبدالمنعم بشناتي عن العربية لغة الحضارة بين القديم والحديث, ود.فخر الدين قباوة عن تعريب البحث العلمي لاستشراف المستقبل في عروبة اللسان والفكر, ود.علي عبدالسلام سلامة عن وسائل النهوض بالعربية وحمايتها من الآثار السيئة للعولمة, ود.منير جمعة أحمد عن لغتنا العربية كيف تواجه العولمة, وعمر السالك الشنقيطي عن أزمة الثقافة اللغوية في العالم العربي: الواقع والمستقبل.

وقد اعتبر المشاركون في هذه الدورة أن مؤتمرهم الثاني الحالي الذي يأتي بعد سنة من مؤتمرهم الأول, يؤلف (الهيئة التأسيسية للمجلس العالمي للغة العربية), كما أقرّوا النظام الأساسي لهذا المجلس الذي أصبح بحكم هذه الموافقة قائما نافذا.

ومن المقررات التي صدرت عن هذه الدورة:

- دعوة العلماء ومجامع اللغة العربية ومكاتب التعريب إلى الاهتمام بتعريب المصطلحات والاستئناس بجهود علمائنا القدامى في صياغة المصطلحات وتوحيدها.

- السعي لدى الحكومات العربية لإقرار تدريس مادة اللغة العربية في الكليات العلمية والتطبيقية الجامعية في جميع سنوات الدراسة.

- فتح موقع للمجلس العالمي لرعاية اللغة العربية وتنميتها على الإنترنت.

أما أهداف هذا المجلس, كما وردت في مشروع نظامه الأساسي فهي التالية:

- الاهتمام باللغة العربية والحفاظ على سلامتها وتنميتها لأنها لغة القرآن الكريم وأبرز مقومات الشخصية العربية والإسلامية.

- ترسيخ المنهجية والموضوعية في دراسات اللغة العربية وآدابها.

- العمل على تشجيع الفصحى وعدم ترسيخ العامية والتسميات والمصطلحات الأجنبية في وسائل الإعلام والإعلان, وحينما وجد.

- التصدي لتشويه الحرف العربي وتبديله والوقوف بوجه حملات التشكيك بقدرة اللغة العربية على استيعاب المستجدات العلمية والمعلوماتية.

جهاد فاضل

دمشق

ندوة المعلوماتية في سوريا.. تطلع للغد

في إطار الوصول إلى الخدمات الإلكترونية وهو هدف استراتيجي يراد منه تحسين الأداء الاقتصادي للوطن وزيادة المقدرة التنافسية للمؤسسات عقدت الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية ندوتها تحت عنوان (المعلوماتية في سوريا: توجهات ومشاريع) بمشاركة عدد من المختصين والخبراء بالشأن المعلوماتي.

وفي الوقت الذي عمت فيه أجواء المعلوماتية محاضرات الندوة استطاع بعض الباحثين ملامسة سبل تطوير الخدمات الإلكترونية التي تحتاج إلى دعائم لا بد منها وقد استعرضها د.سامي الخيمي مبتدئاً بشبكة لتراسل المعطيات ومن ثم نظم معلومات وقواعد معطيات متطورة تغطي نشاطات معظم الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية, وتعليم متطور تقليدي وإلكتروني وقوانين وتشريعات مناسبة إلى جانب مصارف تمتلك أنظمة متطورة وأقنية تخديم مصرفي إلكترونية حديثة وحوامل أقنية معلوماتية ومقرات أسواق إلكترونية, ثم أشار الخيمي إلى أن هذه الدعائم تمكن سوريا من الانتقال إلى الخدمات الإلكترونية دون الاضطرار إلى إنجاز مستلزمات الأتمتة الإدارية التي تحتاج إلى إصلاح إداري وهو عملية بطيئة ستسغرق سنوات عديدة.

وتناول د.الخيمي أسلوب تأمين البنية التحتية المعلوماتية الضرورية لعملية الانفتاح التكنولوجي ومتطلباتها وكذلك البدء بتجديد الحزم التكنولوجية الملائمة لدفع الاقتصاد السوري نحو مواكبة الاقتصاد العالمي المتجدد, وفي محاضرته (حاضنات الأعمال التكنولوجية) تحدث د.مروان الزبيبي عن المؤسسات التنموية التي تعمل على تشجيع ودعم الشباب المبادر من أصحاب الفكر المبدع والذين لا يملكون الموارد المالية أو الخبرة العالية لتحقيق مشاريعهم وأفكارهم.

وفي ورقته (التشريعات التكنولوجية) تناول د.وسيم حرب المسائل القانونية التي تطرحها ثورة المعلوماتية والاتصالات واستعرض الأنظمة القانونية التي يلزم اعتمادها سواء لمواجهة وحل الإشكالات والنزاعات القانونية التي تنشأ بفعل التعامل بأدوات تكنولوجيا المعلوماتية وبفعل استخدام الإنترنت أم لمواجهة متطلبات التنمية على مختلف الصعد الإدارية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي الانتقال السليم إلى مجتمع اقتصاد المعلومات.

ورغم ثراء أوراق الندوة التي زادت على العشرين بالطروحات والأفكار الجديدة في مجال المعلوماتية فإن ذلك لم يمنع من تسليط الأضواء على الحاجة إلى تكنولوجيات في الأتمتة والبرمجية وتكنولوجيات في التغليف والتخزين والتسويق, وعلى الصعوبات في مخابر البحث العلمي في صناعة الإلكترونيات والطباعة.

مما يذكر أن أكثر من ثلاثين عالماً وباحثاً ومختصاً قد شاركوا في هذه الندوة التي أقيمت في مكتبة الأسد وسط دمشق وتميزت بقربها الشديد من الوقائع المعلوماتية على أرض سوريا.

جمال مشاعل

باريس

مسلمو فرنسا وتحديات الاندماج

هل يمكن الحديث عن خطة فرنسية ثقافية - سياسية للتعاطي مع مسلمي فرنسا? وهل تطمح الحكومة الفرنسية الراهنة واللاحقة إلى تحقيق دمج المسلمين في المجتمع الفرنسي? ولماذا تحركت الحكومة الفرنسية, الآن, وأنشأت المجلس الذي يمثّل المسلمين في فرنسا? وهل هي كما يردد عدد من المفكرين الفرنسيين. ستتمكن من تحقيق التوافق والتواءم بين قيم المجتمع الفرنسي وقيم المسلمين وتقاليدهم?

من المؤكد أن الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك, أفرز وقائع جديدة, دفعت المجتمعات الغربية, وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية, إلى إعادة النظر في كثير من المعطيات والأولويات.

وفرنسا التي يقطنها حوالي خمسة ملايين مسلم, معظمهم من المهاجرين المغاربة (المغرب, الجزائر, تونس, ومن بلدان إفريقية أخرى, ويشكّل فيها الاسلام الدين الثاني بعد الكاثوليكية, خطت خطوات عدة في اتجاه المسلمين قبل الحادي عشر من سبتمبر, ووقائعه الإرهابية, ثم لم تلبث أن أسرعت في طرق تعاطيها مع المسلمين.

ومنذ انتهاء الانتخابات الرئاسية, وعودة الديجوليين إلى الحكم, أخرج وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي من أدراج وزارة الداخلية مشروع المجلس الإسلامي الذي كان قد أعدّه سلفه الاشتراكي جان بيار ـ شتوفينمان, اتجه ساركوزي, أولاً إلى الحوار مع سفيري المغرب والجزائر, ثم إلى الجمعيات الإسلامية والمساجد, وبخاصة مسجد باريس الكبيرالذي يشرف عليه ويديره الإمام الدكتور دليل بو بكر, وهو من أصل جزائري.

هذه الخطوات التي نفّذها وزير الداخلية الفرنسي ساركوزي, عبر الحوار وزيارة المساجد ولقاء الوجوه البارزة من الجمعيات الإسلامية, انتهت إلى الاتفاق على تكوين مجلس إسلامي يمثل المسلمين الفرنسيين. وقد دُعي إلى انتخاب المجلس الإسلامي, أربعة آلاف منتخب يمثّلون تسعمائة وخمسة وتسعين مسجداً ومصلّى في فرنسا, ومثّل هؤلاء الناخبون خمسة ملايين مسلم يعيشون ويعملون ويتعلمون في فرنسا, وتمّ التوافق على أن يكون عميد مسجد باريس الكبير الدكتور دليل بو بكر رئيسا للمجلس.

يختزل المجلس الإسلامي القائم حاليا في فرنسا التيارات الإسلامية المختلفة, بدءاً من وحدة المنظمات الإسلامية الفرنسية التي تعتبر قريبة من تيار الإخوان المسلمين, مروراً بالفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا التي يرأسها محمد البشاري وهو مغربي, ثم تمثل المسلمون الأتراك في المجلس, وهو ما جعل جميع تيارات المسلمين وجمعياتهم, تُجمع على نوع من الانسجام في هذا المجلس.

ماذا تريد فرنسا من مسلميها الذين يعيشون على أرضها?

وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي, يعتبر أن الهدف الأول قد تحقق بقوله: (للمرة الأولى في تاريخ فرنسا يتمثل المسلمون الفرنسيون في مجلس هو جزء من الجمهورية الفرنسية), ثم يضيف قوله (إن المسلمين في فرنسا يمثلون تيارات مختلفة ومتعددة, وقد تمثلت جميع التيارات في هذا المجلس).

أما الخطوة الثانية, وهي خطوة لا تخفيها الحكومة الفرنسية, ويعبّر عنها وزير الداخلية بقوله إن عدداً من أئمة المساجد لا يتكلمون الفرنسية, وهم يلقون خطبهم الدينية, يوم الجمعة باللغة العربية, وهو يأمل من المجلس الإسلامي أن يؤسس في فرنسا معهداً دينياً لتعليم الدين الإسلامي وتخريج الأئمة الذين يتكلمون اللغة الفرنسية.

إن المسلمين في فرنسا يعيشون, اليوم, ما بعد الحادي عشر من سبتمبر, وهو لا يعني التخلي عن دينهم وعاداتهم ومعتقداتهم, بمقدار ما يعني قبول المجتمع الفرنسي, وقبول العيش فيه بأمن وسلام. وفي وسط هذا المناخ من الحياة الديمقراطية, ومن اعتراف الحكومة الفرنسية بتمثيلهم في مجلس منتدب, تبقى بعض القضايا الأخرى عالقة, مثل: الحجاب والعلمانية.

وإذا كان ممكنا تأجيل النقاش في العلمانية, فإن موضوع الحجاب طرح على طاولة النقاش, وعلى صفحات الصحف والمجلات, وكان هذا الموضوع قد أثير في المدارس. ففي سنة 1994 تم طرد أربع طالبات يرتدين الحجاب من إحدى مدارس الضواحي الفرنسية, ولجأ أولياء الطالبات التركيات الأربع إلى القضاء الفرنسي الذي أصدر حكمه بإعادتهن إلى المدرسة. ثم طردت الطالبات الأربع للمرة الثانية في سنة 1997, لأنهن يرتدين الحجاب, وأعاد القضاء الفرنسي حكمه لمصلحة الطالبات الأربع اللواتي عدن إلى المدرسة, ومنذ سنة 1994 حتى سنة 2003, تم طرد حوالي مائة طالبة يرتدين الحجاب, وأصدر القضاء الإداري حكمه لمصلحة الطالبات اللواتي كنّ دائماً يستأنفن دراستهنّ. ويُنتظر أن تتمكّن وزارة التعليم في فرنسا من إيجاد حل لهذه المعضلة, عبر الحوار مع المجلس الإسلامي الذي يمثل مسلمي فرنسا.

إن الهدف الذي تحاول الحكومة الفرنسية تحقيقه هو الانسجام بين المسلمين والمجتمع الفرنسي بقيمه وثقافته, وبذلك يشكل المجلس الإسلامي المنتخب, صورة هذا الانسجام, لإتاحة الفرصة أمام اندماج المسلمين وتفعيل ثقافتهم وحضارتهم وقيمهم في مناخ ديمقراطي حر.

فوزي الشلق

لندن

معرض الرسام ديفيد لو:
كاريكاتير وسياسة وأشياء أخرى

من هو أعظم رسامي الكاريكاتير في القرن العشرين? سؤال يحاول معرض الساخر الساحر ديفيد لو David low الإجابة عنه بتقديم إجابة تمثل موجزا لرحلته الممتدة ما بين أوائل العشرينيات, ولأربعين عاما بعدها, كانت رسوم الفنان تتمتع بغزارة, وتنشر بواقع رسم يوميا على الأقل.

يودع (لو) عقده الثالث عندما غادر وطنه نيوزيلندا إلى لندن في 1919, وهو يحمل لقب أفضل رسامي الكاريكاتير السياسيين في أستراليا. كان أسلوبه الفريد ناتجا لتعلم ذاتي, يفيض بالقوة, والحيوية, والنضج, والثبات, وهي الصفات التي حاول رسامنا عبد السميع محاكاتها فيما قدمه لمدرسة الكاريكاتير المصرية على صفحات مجلة (روز اليوسف) بعد ذلك.

فرشاة (لو) السميكة, السخية الحبر, المتحررة الحركة, لم تكن تعمل وفق اسكتش مرسوم مسبقا, بل تنقل مباشرة المشاعر والأفكار إلى قلب الورق الأبيض بأقل عدد من الضربات الموفقة والواضحة, والواثقة والضرورية, والتي تغني - أيضا - عن التعليق والشرح, اللذين ندرا في رسوم (لو) الساخرة.

نرى أحد رسومه في مايو 1940: صف طويل وعريض أيضا, من عمق الإطار إلى واجهته, في خطوة واحدة - عسكرية ربما رغم عدم انتظامها - إنها الديمقراطية تسعى للأمام, فيما تستطيع أن ترى وجوه الصفوف الأولى, وهم كبار السياسيين - آنذاك - ومنهم تشرشل بالطبع, واللافتة تنادي بأربع كلمات: كلنا وراءك يا ونستون! وبعدها بشهر, يرسم جنديا بريطانيا يقف بمفرده بقدمين ثابتتين - كأنه مغروس - فوق صخرة على حافة بحر عاصف يرفع قبضته المتوعدة, فتكاد تلامس السماء القريبة: نحن أفضل حالا بمفردنا. رسمان بين الآلاف ينقلان حرارة أفكاره وقدرته الفنية على نقل الملامح حتى في أضيق المساحات, ونتذكر: دون خطوط الاسكتشات.

الناقد توم لوبوك الذي يعتقد أن (لو) هو أعظم رسام كاريكاتير في القرن العشرين وهي مبالغة محمودة بالطبع, يرى أن ما قدمه (لو) هو السياسة وليس فقط الاتجاهات السياسية التي يؤمن بها رسامو اليوم. فهو لا يترك تحليل المواقف والمعارك والشخوص للعسكر والساسة, بل يتقدم بنفسه ليضع رأيه, ويعلن موقفه, في صراحة غير معهودة. هذه البصيرة السياسية - مدعومة برؤية فنية - توقعت الخطر الكامن في النازية والفاشية, من هنا كان تقلب مواقفه قبل وبعد الحدث. وطالما تشكك في ستالين رغم تفاؤله - قبل الحرب العالمية الثانية - بالاتحاد السوفييتي. وعادى الماكارثية, وأزعجه ارتفاع القيم الاستهلاكية, واختراع التلفزيون.

لم تكن رسوم (لو) تخضع لمعادلة المبالغة المفروضة على الكاريكاتير, فلم يزد وزن الشخوص, ولم تنتفخ أحجامهم, بلا داع, ولم يعمد إلى مناقضة الجسد لما يقول صاحبه سعيا لمشاعر مرحة, بل قصد إلى كاريكاتير - إذا صحت التسمية - أخلاقي.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




 





بيكار كما رسم نفسه





 





الجلسة الافتتاحية لمؤتمر اللغة العربية





مؤتمر العولمة والتطلعات إلى الغد





مسلمو فرنسا يتظاهرون من اجل مطالبهم





رسوم ديفيد لو أثناء الحرب