البحر الميت على فراش الموت أحمد الشربيني

البحر الميت على فراش الموت

إذا كنت تريد أن تذهب إلى منتجع البحر الميت لتستجم وتستفيد من قدرات مياهه العلاجية فيستحسن أن تفعل هذا بسرعة لأن العلماء يتوقعون أن يختفي تماما من الوجود خلال خمسين أو مائة سنة.

وفضلا عن فوائدها الطبية والعلاجية, تعد مياه البحر الميت, الذي يفصل بين الأردن وإسرائيل, الأكثر ملوحة في العالم إلى حد أن السباحين يطفون عليها دون أدنى مجهود. وهو النقطة الأكثر انخفاضا على سطح كوكبنا. ومنطقة البحر الميت محاطة من الشرق والغرب, بتضاريس تتدرج في الارتفاع بحدة. ويقع البحر عند مصب نهر الأردن, وهو بحيرة مغلقة ليس لها مصب أو ارتباط مع مسطحات مائية أخرى.

وعرف البحر الميت عند العرب محليا وتاريخيا باسم بحيرة لوط, وله عدة روافد صغيرة من الشرق تصب فيه كميات من المياه العذبة التي سرعان ما تتبخر بسبب الحرارة العالية في المنطقة. وتتسبب درجة الملوحة العالية في قتل الكائنات الحية كافة التي تنقلها تلك الروافد العذبة إليه.

وخلال القرن العشرين تراجع منسوب المياه في البحر الميت على نحو مستمر من نحو 390 مترا تحت سطح البحر في العام 1930 إلى نحو 414 مترا في العام 1999 مع تعاظم تراجع مناسيب هطول الأمطار خلال الأعوام الماضية.

بالوعات صخرية

ويحذر العلماء من أن مساحة البحر الميت قد تقلصت بمقدار الثلث, وأن مياهه تتراجع سنويا بمقدار ثلاثة أقدام, أي نحو متر تقريبا, وهي تفعل ذلك منذ أكثر من عشرين عاما.

وقد عرف البحر الميت أخيرا ظاهرة فريدة جديدة هي تكاثر العشرات من البالوعات الصخرية العملاقة giant sink holes, وهي فجوات صخرية تبتلع الماء ويصل عمقها إلى نحو عشرين مترا. وهي آخذة في التكاثر.

ويقول الجيولوجيون إن هذه البالوعات الصخرية العملاقة, وهي مشكلة مخيفة في حد ذاتها, ليست سوى عرض لمشكلة إيكولوجية أكبر بكثير. فمع جفاف البحر الميت, يجف أيضا خزان المياه الجوفية العذبة, لكن خزانات المياه الجوفية لا يمكن تعويضها أبدا, وجفاف أحدها يعني نهايته إلى الأبد.

ومشكلة جفاف البحر الميت ليست جديدة. فقد حذرت الحكومة الأردنية ووكالات دولية مرارا من أن البحر الميت يزداد اضمحلالا وانخفاضا مع مرور الوقت.

ففي أواخر العام 2002, نشرت وكالة الفضاء الأوربية دراسة عن البحر الميت استندت فيها إلى مسح قامت به أقمار الرصد الفضائية التابعة لها للمنطقة وحددت بدقة المناطق التي تزداد انخفاضا فيه.

وتمكن علماء الوكالة من وضع قياسات دقيقة لمعدلات التقعر والانخفاض في منطقة البحر الميت, حيث تنخفض الأرض في المنطقة برمتها بمتوسط سنتيمترين سنويا, في حين تبين أن بعض المناطق تنخفض بمعدل ستة سنتيمترات سنويا.

وأظهرت عمليات الرصد خلال فترة المراقبة أن مستوى سطح البحر الميت انخفض بمعدل ستة أمتار, مما اعتبر جزءا من ظاهرة مشابهة أعم تم تشخيصها في طبقات الصخور المحاذية.

نداء أردني

وجاءت آخر النداءات من الحكومة الأردنية نفسها. فعلى هامش (المؤتمر الدولي للمياه), الذي عقد في يونيو الماضي في منتجع البحر الميت في الأردن بمشاركة 1500 خبير مياه ومسئول من ثلاثين دولة, وجه الأردن نداء إلى المجتمع الدولي من أجل إنقاذ البحر الميت من الاختفاء من الوجود. وقال الأردن إن البحر سيختفي في غضون 50 عاما ما لم يتم ضخ مزيد من المياه فيه.

وقال وزير الري والزراعة الأردني حازم صالح للمشاركين في المؤتمر إن البحر الميت كنز عالمي فريد, لكن وجوده مع النظام البيئي المحيط به في خطر. وأضاف الوزير: (هناك انخفاض في مستوى مياه البحر بمعدل متر سنويا, ونتيجة لذلك هناك عواقب بيئية سلبية تؤثر في البحر الميت نفسه والنظام البيئي المرتبط به, وهناك حاجة إلى التحرك بسرعة من أجل التخفيف من هذه الأضرار البيئية).

وتحاول منظمات بيئية دولية تسجيل البحر الميت كمحمية طبيعية لدى الأمم المتحدة وتبني خطة إدارة إقليمية له استنادا إلى طبيعته الفريدة التي جعلت منه منطقة جاذبة للسائحين على ضفتيه في الأردن وإسرائيل, فضلا عن بيئته التي تعتبر موئلا لأنواع نادرة من الكائنات البحرية والبرية.

ويقول سلطان عبد الرحمن, أحد أعضاء جمعية (أصدقاء الأرض), إن البحر الميت مهدد بالاختفاء بسبب تراجع حصص المياه المخصصة لتزويده واستخدامها للأغراض الزراعية والصناعية في كل من الأردن وإسرائيل, وهو ما يهدد الطيور والنباتات الأصلية للمنطقة.

ويقول تومير مارشال من منظمة أصدقاء الأرض: (هذه هي اللحظة الأخيرة قبل أن تخرج الأمور عن سيطرتنا تماما وليس أمامنا من خيار سوى أن نوحد جهودنا جميعا من أجل إنقاذ الموقف).

لكن (العمل معا) هذه هي قلب المشكلة. فاستمرار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني يعوق جهود التنسيق الهادفة إلى احتواء أزمة البحر الميت.

ويقول وزير الري الأردني حازم صالح إن الحل الوحيد للحفاظ على البحر الميت يتمثل في ضخ المياه له من البحر الأحمر, لكن مشروعا كهذا سيكلف مليارات الدولارات. ويعترف بأن تكاليف المشروع غير متوافرة وأن هناك حاجة إلى تدخل المجتمع الدولي لمساعدة الدول المطلة على البحر الميت لتنفيذ المشروع الذي يمكن أن يكون مستقبلا نموذجا للتعاون الإقليمي من أجل السلام. لكن هذا المشروع الطويل الأجل صعب التحقق في المناخ السياسي الراهن بالمنطقة حيث لا تتوافر الشروط الكفيلة لتنفيذ هذا المشروع.

وكان مسئولون أردنيون قد اقترحوا أمام قمة الأرض, التي عقدت في جوهانسبرج في 2002, ضخ كميات كبيرة من المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت بواسطة أنابيب ريثما يتم شق قناة بين البحرين. وقال وزير التخطيط الأردني باسم عوض الله أمام المؤتمر: (طلبنا من الإسرائيليين والفلسطينيين الانضمام إلينا في بحث موضوع البحر الميت... وطلبنا من البنك الدولي تقديم دراسة للمشروع وتكاليفه والدول المانحة).

وعزا سبب النقص في المياه في الأردن إلى مشكلة جفاف البحر الميت. يضاف إلى ذلك أن الشركات الأردنية والإسرائيلية سرّعت عملية التبخير الطبيعي للحصول على الأملاح المعدنية الثمينة من البحر الميت.

وقال وزير التخطيط الأردني: (إن بناء قناة بين البحر الميت والبحر الأحمر قد يتطلب مليارات الدولارات, وليس بإمكاننا أن ننتظر جمع هذه الأموال, لأن البحر الميت يتبخر أمام عيوننا.)

تخوفات سياسية وبيئية

لكن الموضوع ليس بهذه البساطة. فشق قناة بين البحرين الميت والأحمر يلقى معارضة من قبل العديد من دول المنطقة. وتنظر الدول العربية بعين الريبة إلى هذا المشروع نظرا لما ينطوي عليه من تحقيق لأهداف مساع إسرائيلية قديمة لإنشاء رابط آخر بين البحرين الأبيض والأحمر يقوض الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس.

والواقع أن نهر الأردن, وليس البحر الأحمر, هو شريان الحياة بالنسبة للبحر الميت. لكن مياه النهر يستخدم معظمها لأغراض الزراعة والشرب في المنطقة. ويتفق معظم الخبراء على أن الحل الأمثل لمشكلة البحر الميت هو الكف عن تحويل مياه نهر الأردن. لكنها عمليا فكرة مستحيلة التنفيذ. ففي هذه اللحظة, تستهلك إسرائيل, وسورية والأردن نحو 90 في المائة من مياه النهر, ولا تترك سوى النزر اليسير ليصب في البحر الميت.

ومن هنا جاء المشروع الأردني - الإسرائيلي لضخ بليون متر مكعب سنويا من المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت, لكن أحدا لا يعرف على وجه الدقة ما الذي يمكن أن يقود إليه مشروع من هذا النوع.

فمياها البحرين قد لا تمتزجان معا, لتكون مياه البحر الأحمر طبقة منفصلة فوق مياه البحر الميت. وهو ما قد يؤدي إلى نمو منفلت لكائنات دقيقة كثيرة بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر بيئية.

ويقول الدكتور عاموس بين الخبير في هيئة المسح الجيولوجي الإسرائيلية: (إننا نعلم يقينًا أن البحر الميت لن يجف تماما, لكننا نعتقد أنه إذا كان امتزاج مياه البحرين سيؤدي إلى تغييرات إيكولوجية خطيرة وواسعة, فإنه من الأفضل ترك الوضع على ما هو عليه).

وهو ما يعني أن مشكلة البحر الميت ستبقى عالقة في انتظار الحل النهائي لمشكلة الشرق الأوسط. وتبقى عالقة أيضا مشكلة الطريقة التي يمكن التعامل بها مع هذا النظام البيئي الدقيق والشديد الحساسية عند أعمق نقطة على الأرض.

لقد بقي البحر الميت صامدا لخمسة بلايين سنة. وبينما يتفق كثير من الخبراء على أنه لن يختفي من الوجود, ولن يجف تماما, فإن السؤال الحائر يبقى: (وكم سيبقى منه للأجيال القادمة?).

ناقوس خطر:

سلاحف الكويت البحرية مهددة بالانقراض

السلاحف البحرية في الكويت دخلت دائرة الخطر. فأربعة أنواع منها مهددة بالانقراض, الأمر الذي دعا أجهزة حماية البيئة إلى دق أجراس التحذير. وهو تحذير لم يرتفع إلى هذه الدرجة منذ حرب تحرير الكويت. فمياه الخليج تتعرض الآن لحرب من نوع آخر تتمثل في ارتفاع التلوث البحري بسبب تسرب بقايا النفط ومخلفات البلاستيك, كما أن الصيد الجائر قد أصبح أكثر جورًا.

وتقول رئيسة فريق التوعية البيئية في إدارة الموارد الحية في الهيئة العامة للبيئة فنية المختبر لينا العوضي في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن تناقص أعداد السلاحف البحرية في الكويت يرجع كذلك إلى تدهور الموارد الطبيعية المناسبة لوجود وتكاثر السلاحف البحرية, ولاسيما الناتجة عن إقامة المشروعات الإنشائية.

وعرضت أسبابًا أخرى مثل تعلق أعداد كبيرة من السلاحف البحرية بشباك صيد الأسماك, إلى جانب زيادة الوجود الإنساني في مناطق التعشيش وجمع البيض من قبل تلك السلاحف, وتغذي السلاحف على المخلفات ولاسيما المواد البلاستيكية وهي كلها أمور تسهم في انخفاض عددها.

وأكدت العوضي أن هناك تشريعات بيئية أصدرتها الهيئة العامة للبيئة للمحافظة على التنوع الأحيائي والسلاحف في الكويت ومنها القرار رقم 210 لسنة 2001 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون إنشاء الهيئة). ويضم هذا القرار المادة رقم (81) والتي تنص على حظر صيد أو قتل أو إمساك أو جمع أو إيذاء جميع الكائنات الفطرية البرية والبحرية أو المساس بصغار هذه الكائنات أو بيضها أو أعشاشها أو ملاجئها كما يحظر اقتلاع أو الإضرار بالشعاب المرجانية ومكوناتها نهائيا. ويستثنى من ذلك الصيد للأغراض العلمية أو للمصلحة العامة وما تسمح به الهيئة العامة لشئون الزراعة والثروة السمكية.

وأضافت العوضي: (إن المادة رقم 85 من القرار تنص على منع الاتجار في الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض أو بأي جزء منها أو منتجاتها والتي يحدد قوائمها قرار من الهيئة العامة للبيئة بالاتفاق مع الجهات المختصة وكذلك الواردة في اتفاقية (سي اي تي اي اس) والاتفاقيات الدولية الأخرى سارية المفعول).

وقالت العوضي: (تم رصد أربعة أنواع من السلاحف البحرية في الكويت وهي السلحفاة الخضراء والسلحفاة صقرية المنقار والسلحفاة جلدية الظهر والسلحفاة كبيرة الرأس), مشيرة إلى أنها جميعا مهددة بالانقراض عالميًا.

وأوضحت أن الأولى وهي الخضراء تعد من أكثر الأنواع شيوعًا ولونها أخضر قاتم غالبا ولها رأس صغير ومنقار أملس دائري وهي تتغذى على الأعشاب البحرية والطحالب, ويصل طولها إلى 1.2 متر ووزنها إلى 200 كيلوجرام, مضيفة أنها تعيش في السواحل الناعمة خلال الصيف وتهاجر لمسافات بعيدة جدا). وتحدثت عن السلحفاة صقرية المنقار التي تتميز بلونها البني القاتم مع خطوط تتنوع بين الأحمر الداكن والأسود والأصفر ولها رأس صغير بفم مدبب يشبه منقار الصقر, وهي تتغذى في المياه الضحلة على المرجان والاسفنجيات وتعشش في السواحل الرملية الناعمة أو الخشنة ويصل طولها إلى 80 سنتيمترا ووزنها إلى 50 كيلوجراما. أما السلحفاة جلدية الظهر فأكدت العوضي أنها (من أضخم السلاحف الموجودة وتتمتع باللون الأسود تتخلله بقع بيضاء, ويتميز ظهرها بطبقة جلدية ناعمة تحده سبعة نتوءات بارزة ولها رأس كبير أملس وهي تتغذى على قناديل البحر وتعشش في السواحل الرملية الناعمة للبحار الدافئة ويصل طولها إلى 2.1 متر ووزنها إلى 365 كيلوجراما.

ووصفت السلحفاة كبيرة الرأس بأن لون درعها العظمي يميل إلى البني وجلدها غالبا يكون ذا لون برتقالي مائل للاحمرار, ولها رأس ضخم وعريض وهي تتغذى على سرطانات البحر والمحار وغيرها من حيوانات الشعاب المرجانية, وتعشش في السواحل الرملية للبحار الاستوائية ويصل طولها إلى متر واحد ووزنها إلى 140 كيلوجراما.

يذكر أن السلاحف هي كائنات تعيش في البيئة البحرية منذ آلاف السنين واستطاعت التكيف مع التحولات المناخية والبيئية التي مرت بها الكرة الأرضية وهي تنتمي إلى فصيلة الزواحف.

 

أحمد الشربيني 




البحر الميت يتراجع ثلاثة أقدام كل عام





طريق الملح





السلاحف قادرة على التكيف مع البيئة ولكنها لاتستطيع مقاومة الزحف العمراني