اللجوء ومستقبل الأمن في الشرق الأوسط توفيق أبو بكر إعداد وتحرير: د. علي الزغل وعبد الباسط عثامنة

اللجوء ومستقبل الأمن في الشرق الأوسط

مع بروز نظام عالمي أحادي الرؤية أصبحت قضايا اللجوء من أهم التحديات التي تواجه البشرية, الأمر الذي يدعو إلى تبني نظام إنساني عالمي يصون الكرامة الإنسانية.

يضم الكتاب الذي بين أيدينا أوراق عمل الندوة التي أقامها مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية بجامعة اليرموك في الأردن, وذلك للارتباط الوثيق بين مشكلات اللجوء وقضايا الأمن, فبقاء مشكلة اللجوء في المنطقة معلقة دون حلول عادلة سيكون عقبة في طريق تحقيق السلام العادل, وكذلك فإن غياب حالة الأمن الشمولي سيجعل المنطقة عرضة في المستقبل لموجات جديدة من حالات اللجوء والنزوح. وقد تركزت الأوراق المقدمة في عرضها على المواقف الرسمية لبعض دول المنطقة فيما يتعلق بقضايا اللاجئين والأمن الشامل, وكذلك بالجوانب الإنسانية والقانونية لمشكلات اللجوء. كما استعرضت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتلك المشكلات. وفي بحث الدكتور ذياب مخادمة (أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية) (قضية اللاجئين الفلسطينيين في الرؤى الإسرائيلية) تقديم لأسباب الهجرة القسرية التي تعرض لها الفلسطينيون, وحجم المشكلة, ومن ثم تقديرات أعداد اللاجئين, يقول الباحث ص 11 من الكتاب: (تشير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في إحصاءاتها لعام 1995 إلى أن عدد اللاجئين على النحو التالي: في الأردن 1.288197 لاجئا, لبنان 346164 لاجئا, سوريا 337308 لاجئين, في الضفة الغربية 517412 لاجئا, قطاع غزة 683560 لاجئا, المجموع 3.173.641 لاجئا, هذا فقط في الدول العربية الثلاث المضيفة وقطاع غزة والضفة الغربية, باستثناء اللاجئين في الدول العربية الأخرى وفي بلاد المهجر غير العربية. وحسب دراسة أعدها (ناجح جرار) مدير البرنامج الأكاديمي للهجرة القسرية بجامعة النجاح, فإن هناك 25% من اللاجئين الفلسطينيين لم يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة, وذلك بسبب التعريف العملي الذي وضعته الوكالة للاجئين, التي حددت فيه موعدا أخيرا لتسجيل اللاجئين, ولم يتم تسجيل أولئك الذين تخلفوا عن هذا التاريخ, بالمقابل هناك حوالي 240 ألفا يعيشون في السعودية و104 آلاف في الإمارات العربية المتحدة و200 ألف في أوربا, و224 ألفا في أمريكا, ويشكل عدد اللاجئين الفلسطينيين حوالي 60% من مجموع عدد الفلسطينيين الذي يقدر بحوالي ستة ملايين.

وهذه التقديرات التي أشرنا إليها في البداية هي تقريبية للدلالة فقط على حجم مشكلة اللاجئين, التي تشكل أحد المكونات الأساسية للقضية الفلسطينية, لأنها تعني النسبة العالية من الفلسطينيين وعمق مأساتهم, وهكذا فقد غدت مشكلة اللاجئين من أهم أسباب استمرار القضية الفلسطينية وستبقى كذلك ما لم تجد حلا عادلا ونهائيا!

تسوية المشكلة

يتابع الباحث الرواية الإسرائيلية لمسألة اللاجئين الفلسطينيين في إطار رفض الإقرار بمسئولية إسرائيل عن مشكلة اللاجئين, ورفض التعامل مع القضية منذ عام 1948 إلا في إطار تسوية شاملة للنزاع العربي الإسرائيلي. كما يستعرض الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء المشكلة والمتغيرات التي طرأت عليها منذ مفاوضات مدريد. ويستخلص الباحث (أن التقدم في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية, وتنفيذ إسرائيل كل ما ترتب عليها من اتفاقات, والوصول إلى الوضع النهائي بقيام الدولة الفلسطينية سوف يساهم بشكل فعال في حل جانب كبير بل الأكبر من مسألة اللاجئين الفلسطينيين). ص 24 من الكتاب.

وفي بحث عدوان طالب (تحسين أوضاع اللاجئين في مخيمات الضفة الغربية وغزة: مخاوف وآمال). محاولة للتعرف على مجموعة من القضايا ذات العلاقة بتحسين أوضاع اللاجئين في مخيمات الضفة والقطاع, وخاصة من حيث المواقف التي ترافق الحديث عن تحسين أوضاع اللاجئين في المخيمات, والرؤية الفلسطينية بخصوص تحسين أوضاع اللاجئين وأثر ذلك عليهم. وقدم الدكتور أسعد عبد الرحمن مسئول ملف اللاجئين السابق في السلطة الوطنية الفلسطينية ورقة بعنوان (موقع اللاجئين وقضيتهم في الاستراتيجية الفلسطينية, استعرض فيها أولا أعداد اللاجئين وأماكن وجودهم وظروفهم المعيشية ليستخلص أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي المسألة الأساسية في موقف وسياسة القيادة الفلسطينية, ولذلك أنشئت دائرة شئون اللاجئين عام 1987 كدائرة مركزية على مستوى وزارة مركزية تختص بكل ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في فلسطين والوطن العربي والعالم. واستعرض الدكتور عبدالرحمن القرارات الدولية الخاصة بقضية اللاجئين ودور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا). وأضاف أن (بقاء المشكلة دون حل يعزز قضية بديهية قوامها أنه دون حل عادل لقضية اللاجئين أساسه قرار الأمم المتحدة (194) فلن يتم التوصل إلى سلام في فلسطين أو في المنطقة). ص 76 من الكتاب.

السلام الناعم

وبالمقابل استعرض الدكتور عبد الباسط عبد الله عثامنة (من مركز دراسات اللاجئين والنازحين والهجرة القسرية) (ملامح من الرؤية الأردنية لمستقبل الأمن الشامل في الشرق الأوسط), لتقديم وجهة النظر الأردنية المتعلقة بقضايا جوهرية, تشكل بمجموعها رؤية لمستقبل الأمن الشامل في المنطقة. وتتضمن هذه القضايا النظرة للسلام كهدف وخيار, والتركيز على البعد الإنساني (أي السلام الناعم) إضافة إلى مسألة الإرهاب والتطرف, وحقوق وكرامة الإنسان, وقضية القدس, والاستيطان والمستوطنات والدعم الأردني للفلسطينيين ولحقوقهم, وكذلك لوكالة الغوث الدولية إضافة إلى مساهمة الأردن في التنمية والتعاون على مستوى المنطقة.

وعن المحور الثاني (حقوق اللاجئين) قدم الدكتور محمد علي مخادمة بحثا في (الجانب القانوني للمساعدة الإنسانية الدولية, ليشرح طبيعة المساعدة الإنسانية والقواعد التي تحكمها وقت الحرب والسلم, وكذلك القواعد القانونية والأخلاقية سعيا وراء خلق قاعدة قانونية دولية وضعية, ويستنتج أن هناك اختلافا واضحا بين القواعد القانونية المتعلقة بالمساعدة الإنسانية وقت النزاعات المسلحة, وتلك المتعلقة بالمساعدة وقت السلم, وهذا الاختلاف الأساسي على الرغم من وضوحه فإنه ليس له ما يبرره, فبعض الحالات تأتي نتيجة لنزاع مسلح وكارثة طبيعية وغيرها من النكبات التي تسبب للإنسان الكثير من المعاناة, ولذلك من الصعب تصنيفها ضمن هذه الفئة أو تلك. وليس من الضروري بذل الجهد في البحث عن الاختلاف, بل لا بد من بذل جهود حثيثة للوصول إلى اتفاقية دولية تحكم المساعدة الإنسانية وقت السلم. وقدم الدكتور حسين محمد المومني (من الجامعة الأردنية) تعريفات لمفاهيم اللجوء والبعد الإنساني وحقوق الإنسان والحق في المساعدة, ويقول في ص 122 من الكتاب: (ويلتقي اللجوء والنزوح والهجرة القسرية مع الرق في أنها وجه من أوجه معاناة الحرمان من الحقوق والحريات الأساسية, وأنها كلها نتائج مروعة لصراع الإنسان مع الطبيعة القاسية وظواهرها المدمرة من جهة, وصراعه وكفاحه ضد الطغيان والظلم والاستبداد واستغلال الإنسان للإنسان من جهة ثانية).

وقدم فالح الطويل السفير السابق في الخارجية الأردنية والباحث في شئون اللاجئين ورقة بعنوان: (اللاجئون الفلسطينيون - حق التعويض). وقد انطلق في دراسته من أن التعويض, كبديل لحق عودة الفلسطينيين إلى بيوتهم وأملاكهم, سيكون آخر بنود التسوية السلمية, ويمكن تناوله بعد التوصل إلى حلول مقبولة لكل مسائل الصراع الأخرى فقط. واعتمد الباحث منهجية قائمة على البحث المكتبي والوصف التحليلي والمواقف التاريخية للأطراف وتحولات هذه المواقف, وخاصة بعد بدء العملية السلمية وكذلك سابقة التعويضات الألمانية لإسرائيل بغية الاستفادة منها في الحلول المطروحة. واستنتجت الدراسة أن التعويضات ستقبل من جميع الأطراف باعتبارها آخر مستحقات السلام, وأنها ستكون أداة استقرار سياسي واجتماعي في المنطقة, وأنها لذلك ستدفع للحكومات المضيفة وللاجئين كأفراد على أن تكون للأفراد, ضمن ترتيبات لا تحدث خللا, وأنها ستكون على شكل موارد ثابتة للدول المتلقية لأغراض التنمية.

المعالجة المتكاملة

وطرح الدكتور أحمد سعيد نوفل (أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك) في ورقته (قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة بين القرارات الدولية ومشروعات التسوية) معالجة متكاملة لقضية اللاجئين في القرارات الدولية ومشروعات التسوية للصراع العربي - الإسرائيلي والتحولات التي ظهرت في معالجة هذه القضية بعد عام 1947. والأسباب التي جعلت مطلب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم يتراجع من قضية رئيسية إلى قضية ثانوية يطالب بحلها داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية, أو عن طريق توطينهم في الدول المضيفة.

وفي موضوع (اللاجئون الفلسطينيون والاندماج الاجتماعي في المجتمع الأردني) قدم الدكتور عبد العزيز الخزاعلة من جامعة اليرموك دراسة (لواحدة من أهم القضايا التي تواجه صانع القرار الأردني أو الفلسطيني في ضوء المخاطر الناجمة عن عدم الوضوح حولها في الوحدة الوطنية الأردنية, ومستقبل العلاقة بين الشعبين الشقيقين, خاصة أن الشعبين أضعف من أن يؤثرا في سير الأحداث التي تستهدفهما) ص 257 من الكتاب. وقدم الدكتور مهنا يوسف حداد بحثا عن: (اللاجئون والهوية الفلسطينية في الأردن بين المواطنة الأردنية والخيارات المستقبلية), ألقى فيه الضوء على تطور الهوية الفلسطينية في الأردن خلال السنوات الخمسين الأخيرة.

وعن (دور تعليم اللاجئين في تحقيق مفهوم الأمن الشامل, قدمت عروب العابد من دائرة الشئون الفلسطينية التابعة لوزارة الخارجية الأردنية بحثا تقصت فيه أوضاع التعليم عند اللاجئين انطلاقا من قولها: (وبات التعليم هو السلاح الأقوى بيد اللاجئ, السلاح الذي يمكنه من تحديد موقعه على جغرافية الأرض الواسعة وتقييم متطلباته في زمن متسارع التقدم, وتثبيت دعائم هويته العربية والإسلامية, متحديا بذلك التشريد الذي فرض عليه, فالتعليم هو من أبسط الحقوق التي يمكن تأمينها للاجئ, فبعد أن كان قد فقد كل ما يملك لا يبقى له سوى العلم كرأسماله الوحيد). ص261 من الكتاب.

المياه والمخاوف

وفي اتجاه آخر, قدم الدكتور محمد المومني بحثا عن (المياه ودورها في الأمن الشامل في الشرق الأوسط). وقدم الدكتور محمد القاضي بحثا عن (أثر الهجرة واللجوء القسري الفلسطيني في الاقتصاد الأردني) أستنتج فيه أن الهجرة لا تعني التراجع الاقتصادي والاجتماعي والصورة السلبية, وقد تكون إيجابية وتعني البناء والقوة والإنتاج, وما مثال الأردن إلا دليل على ذلك. ص 359 من الكتاب. وفي المحور الرابع والأخير (الأبعاد السياسية للجوء والأمن الشامل) قدم الدكتور نظام بركات بحثا بعنوان: (الإحلال: العلاقة الجدلية بين الاستيطان والهجرة اليهودية والتهجير واللجوء الفلسطيني). وقدم الدكتور محمد عوض هزايمة, (من جامعة العلوم التطبيقية) بحثا بعنوان (مشروع الشراكة الإمبريالي الغربي الاستيطاني في القدس), وتضمن المحور أيضا بحث شريف محمد محافظة, المعنون: (اللجوء والنكبة ورحلة العودة). الدكتور نظام بركات من جانبه تقصى الجهود الصهيونية والإسرائيلية في عمليات الإحلال بالقوة, وهي من أكبر العمليات التي تمت في العصر الحديث, اعتمادا على الهجرة اليهودية, وعمليات طرد السكان العرب من فلسطين وفق مخططات معدة مسبقا, واتباع أساليب الترهيب والترغيب لتحقيق هذه المخططات. وفي بحث الدكتور هزايمة متابعة للمشروع الاستيطاني في فلسطين كمشروع شراكة غربي استعماري صهيوني استيطاني من جميع الوجوه سيبقى معوقا لتقدم العالم العربي ومستنزفا لقوته الاقتصادية.

ويبقى الكتاب مهما في زمن باتت فيه قضايا اللجوء والنزوح من أهم التحديات التي تواجه البشرية جمعاء, حيث أصبحت ظاهرة عالمية متفاقمة تخلف خلافات عميقة وحروبا طاحنة كانت الإنسانية ضحيتها الأولى, وخاصة مع بروز مشروع نظام عالمي جديد أحادي الرؤية والمركز, فهناك أقوام تصاب بالتخمة وأقوام تهلك جوعا. وشعوب تنعم بالدفء والسلام, وشعوب تجر إلى ويلات الحروب الأهلية. وإزاء ذلك كله لا بد للمجتمع الدولي أن يتبنى نظاما إنسانيا عالميا يصون كرامة الإنسان ويحفظ حقوقه, بصرف النظر عن الألوان والأجناس والأديان والأعراق, وذلك من حقيقة أن العلاقات الإنسانية على اختلاف مستوياتها, لا بد أن تخضع لأسس العدل والحق واحترام الإنسانية لا لمعايير التسلط والنفوذ والكسب والخسارة.

 

توفيق أبو بكر