المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

الكويت

رئيس مجلس الأمة يفتتح معرضًا للفن التشكيلي العراقي

إن كان فتح الآفاق الثقافية أحد أهداف لجنة التآخي بين الشعبين الكويتي والعراقي, فإن إقامة معرض تشكيلي للفنانين العراقيين - بقاعة الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية - يعتبر خطوة جادة ومساهمة فعّالة لأهداف هذه اللجنة التي انبثقت فكرتها من منظور قومي عربي عام ومصلحة الشعبين الكويتي والعراقي بشكل خاص في بادرة وجهود مخلصين من أبناء الكويت في جمعية الخرّيجين الكويتية.

وقد قدم المعرض أسماء لفنانين نتعرف عليهم لأول مرة, حيث لم تسمح لهم ظروفهم بالخروج بأعمالهم خارج العراق وهم شاكر الآلوسي, رعد أدهم, أحمد وسامر الكرخي, نزار يحيى, وليد شيت, غسان غايب, محمد مهر الدين, سعيد شنين, مهند محمد, علي الكردي, رياض النصراوي, سيروان باراد, ماجد هاشم وغيرهم قرابة ثلاثين فنانا, وعلى رأسهم الأكثر ممثلا بعدد اللوحات المعروضة الفنان رياض نعمة, وهو الآن يكمل دراسته التخصصية العليا في براغ, بعد أن أتم دراسته في معهد وكلية الفنون الجميلة ببغداد, واستطاع أن يقيم أخيرًا أكثر من معرض في دمشق وبيروت.

ومن خلال التجوال في أركان قاعة العرض, نلمح ما يذكّرنا بالأصول الحضارية والجمالية لمراحل مختلفة من فنون وادي الرافدين, كما نتذكر ومن خلال ما أفرزته هذه اللوحات تبعية واضحة وانبهارا بتجارب عدد كبير من الأجيال السابقة والأسماء اللامعة في سماء الإبداع الفذ أمثال جواد سليم وشاكر حسن آل سعيد وفائق حسن وحافظ الدروبي وضياء العزاوي ورافع الناصري ونوري الراوي وسعدي الكعبي وإسماعيل الشيخلي وعلي طالب وجبر علوان واللعيبي وغيرهم من أجيال متتابعة أغنت تجربة الفن التشكيلي في العراق والوطن العربي.

ومن ناحية أخرى نجد في تجارب الشباب - رغم ظهور سطوة الأداء الغربي على بعضهم - ما يظهر إخلاصا وجهدا دءوبا نحو تطوير أدواتهم الفنية وأساليبهم التعبيرية المختلفة التي لم يغب عنهم إنجازات حضارية وفنية توافرت على مدار سبعة آلاف سنة, ومحاولة الاستفادة من خبرات أعلام الفن التشكيلي العراقي المعاصرين.

وثمة حسّ إنساني عكس واقع البيئة العراقية الصحيحة ظهر في بعض أعمال الفنانين أكّدت مقدرتهم على الرسم الواقعي تشبّها بالرواد فائق حسن وحافظ الدروبي, وقد بلغت هذه الأعمال حدّا من الجودة والمهارة التكنيكية والحس الفني قرّبت من تواصل جماهير المشاهدين في الكويت للأعمال بيسر وسلاسة.

هذا وقد شمل رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي برعايته افتتاح المعرض وبحضور رئيس مجلس أمانة السر للجنة التآخي الكويتية مع الشعب العراقي جاسم القطامي والنائب السابق د.أحمد الخطيب والأمين العام المساعد للمجلس الوطني للثقافة عبدالهادي العجمي ورئيس لجنة الصداقة العراقية - الكويتية د.رفعت البياتي وكوكبة من الدبلوماسيين العرب والأجانب والفنانين, وعدد غفير من الجماهير المحبّة للفنون التشكيلية.

الرياض

الصحافة بوابة الإصلاح في السعودية

حدث تاريخي استقبلته مدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية حيث انتخبت أول هيئة صحفيين سعودية, مكونة من تسعة أعضاء بحضور ومشاركة العشرات من الصحفيين الذين قدموا من مختلف مناطق المملكة, للمساهمة في تكوين أول مؤسسة مجتمع مدني في السعودية, تم انتخابها بالكامل ودون تدخل رسمي بالتعيين أو بالمشاركة, وتأتي هذه الخطوة المهمة لتؤكد عزم القيادة السعودية على إدخال المزيد من الإصلاحات الديمقراطية في المملكة وكانت الصحافة هي بوابة تلك الإصلاحات.

وقد فرضت أجواء التوتر الأمني نفسها بقوة على كل من يريد الوصول لمركز عبداللطيف البابطين الخيري للتراث والثقافة الواقع بالقرب من حي الصحافة بمدينة الرياض, حيث التأم هناك عشرات الصحفيين لتكوين هيئتهم الوليدة, وبدا واضحا أن قوات الأمن السعودية تعي تماما خطورة وجود هذا العدد الكبير من الناس في مكان واحد, وتعي أيضا دور تلك الفئة من الناس في محاربة ظاهرة الإرهاب الأعمى.

في الساحات الخارجية المقابلة لبوابة المركز اصطفت طوابير من الصحفيين أمام أكثر من طاولة لتسجيل أسمائهم وتسلُم بطاقة الاقتراع, ومن بين هذا الجمع الغفير انبثت عناصر نشطة كل واحدة منها تقوم بالدعاية لمرشح والتعريف به. وقياسا على عدد المرشحين الذين تجاوزوا الثلاثين مرشحا يمكننا استيعاب حجم الحركة والسخونة التي عبأت أجواء تلك الليلة المشهودة. كان البرنامج الذي أعدته لجنة الإشراف على الانتخابات يتضمن بشكل رئيسي تسجيل أسماء من يحق لهم التصويت وتسليمهم بطاقة الاقتراع, والتصويت على اللائحة المقترحة للنظام الأساسي وأخيرا انتخاب أعضاء مجلس الإدارة لهيئة الصحفيين,, ويجوز لعضو الجمعية العمومية توكيل عضو آخر بوكالة مصدقة من جهة عمله تخول الأخير التصويت نيابة عن زميله. وعند استفسارنا عن طبيعة ذلك قيل لنا إن الكثير من الصحفيين من خارج مدينة الرياض لا يستطيعون مغادرة مقار أعمالهم والسفر إلى الرياض من أجل التصويت والعودة مرة أخرى, وتوجد في السعودية أكثر من مؤسسة صحفية يقع مقرها الرئيسي خارج العاصمة الرياض مثل صحف اليوم والوطن وعكاظ.

ومع انتهاء عملية تسجيل الحاضرين من أعضاء الجمعية العمومية التأسيسية, بدأت فعليا عملية التصويت واختيار المرشحين بصورة موسعة في القاعة الداخلية لمركز البابطين, ولكن مع احتفاظ كل ناخب بورقة التصويت إلى أن يحين موعد الاقتراع, هذا الإجراء ساعدنا في إلقاء نظرة سريعة مليئة بالفضول على الكثير من أوراق الناخبين التي كانت شبه مكشوفة أمامنا, وبعضهم سمح لنا بتصوير ورقة انتخابه. والحق فإن اختيار تسعة مرشحين من بين أكثر من ثلاثين مرشحا, كان عملية مرهقة لبعض الزملاء الذين لم يكونوا يعرفون جيدا جميع المرشحين لذلك تراهم يسألون كثيرا عن خلفيتهم المهنية.

وفي بداية فعاليات الجمعية العمومية ألقى رئيس اللجنة التأسيسية تركي السديري كلمة شكر باسم الحاضرين لوزير الإعلام السعودي د.فؤاد الفارسي الذي استبعد فكرة التعيين ولو كانت جزئية لمجلس إدارة هيئة الصحفيين, وبين السديري صعوبة مرحلة التأسيس التي مرت بها الهيئة, كونها مرحلة لوضع الركائز الأساسية التي سوف تسير عليها في المستقبل مؤكدا على وجود الكثير من الملاحظات والتعديلات على لائحة الهيئة الحالية والتي يمكن تعديلها بعد انتخاب هيئة الصحفيين, كاشفا عن تصوراته بشأن إقرار ضوابط تمنع تكرار العضوية لأكثر من سنتين في مجلس الإدارة حتى تتاح الفرصة لتجديد الدماء وتوسيع دائرة المشاركة داخل الأسرة الصحفية حتى لا نقع فيما وقع به الآخرون بسبب احتكار بعض الأسماء لمجالس إدارات نقاباتهم فترات طويلة, وناشد السديري الحضور إقرار اللائحة الحالية حتى ترى هيئة الصحفيين النور بعد طول انتظار .وأعقبت كلمة السديري عملية التصويت على لائحة هيئة الصحفيين وجاءت النتيجة لصالح إقرارها, حيث وافق عليها (200) عضو كما وافق (114) على اقتراح بعض التعديلات عليها وأخيرا بدأت العملية الانتخابية لاختيار تسعة مرشحين من أصل 34 مرشحا لعضوية هيئة الصحفيين السعودية, وبعد مرور ساعة ونصف الساعة انتهت عملية فرز الأصوات وأعلنت أسماء الفائزين عند منتصف الليل على النحو التالي:

الأول: تركي عبد الله السديري رئيس تحرير جريدة الرياض وحصل على (246) صوتا, والثاني : عبدالوهاب محمد الفايز رئيس تحرير جريدة الاقتصادية وحصل على (218) صوتا, والثالث : خالد بن حمد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة, وحصل على (198) صوتا, الرابع : قينان الغامدي كاتب بجريدة الوطن, وحصل على (196) صوتا, والخامس : نوال الراشد ( محررة بجريدة الرياض, وحصلت على (167) صوتا, السادس : محمد بن عبد الله الوعيل رئيس تحرير جريدة اليوم, وحصل على (157) صوتا, السابع : على محمد حسون رئيس تحرير جريدة البلاد المكلف, وحصل على (124) صوتا, الثامن : ناهد سعيد باشطح ( محررة بجريدة الرياض, وحصلت على (121) صوتا, التاسع : د.عبد العزيز محمد النهاري نائب رئيس تحرير جريدة عكاظ, وحصل على (120) صوتا. وبلغ عدد المقترعين في هذه الانتخابات (317) ناخبا صوتوا جميعهم بطريقة صحيحة إذ لم تلغ أي بطاقة انتخابية.

إبراهيم المليفي
تصوير : فهد الكوح

الإسكندرية

بعد 40 عاما على وفاته إعادة اكتشاف العقاد في الإسكندرية

أخذت الإسكندرية زمام المبادرة من العاصمة عندما فاجأتها بعقد هذا المؤتمر حول العقاد في مناسبة مرور أربعين عاما على رحيله. وكذلك فاجأتنا الإسكندرية عندما أسندت إلى الناقد د.صلاح فضل رئاسة هذا المؤتمر الذي عقد بمركز الإسكندرية للإبداع, واختتمت أعماله في ذكرى ميلاد العقاد في الثامن والعشرين من يونيو الماضي. ولأننى على يقين من أن صلاح فضل من تلاميذ طه حسين المخلصين, وأنه لم يسبق له أن توقف طويلا أمام صرح العقاد , فقد استشعرت الخطر وصارحت صلاح فضل قائلا : هل سيجهز المؤتمر على العقاد بسيف الدرس النقدى? لاسيما أنكم قد أقصيتم عنه العقاديين? فرد : هذه الشكوك التي راودتك وغيرك من المثقفين عندما علمتم بأنني سأرأس مؤتمرا عن العقاد, ليست جديدة بالنسبة لي, لكنني أمعن النظر فيها منذ فترة طويلة, فأنا رجل أتخذ موقفا نقديا, ولكن بداية هذا الموقف لابد أن تكون الاعتراف بمن لهم فضل في تعليمنا. وأنا أعتبر أن عباس محمود العقاد هو المصلح الأول لأجيالنا فيما يتعلق بالثقافة العربية في القرن العشرين, ودائما نحن نكن كثيرا من الاحترام لمعلمينا, ولكن هذا الاحترام ينبغي ألا يمنعنا من أن ندرك نواقصهم, وأن نتبين أنهم ـ إن مثلوا عصورهم فلا يمكن أن نقبل مقولاتهم بعد أن تغيرت الظروف الموضوعية والفكرية ـ التي أحاطت بهم.

وأضاف د.صلاح فضل: أظن أن بحوث هذا المؤتمر قد توفر عليها عدد من الباحثين الجادين من عشاق الثقافة وأساتذة الجامعات المصرية بحيث قدموا من خلالها إضافات حقيقية. وعندما نقرأها بعد نشرها سنلمس كيف أنها تمثل بالفعل تحية علمية ونقدية تضيء جوانب التجديد في فكر العقاد وإبداعه. كما تضيء موقعنا في سلم تطور الفكر العربي والثقافة العربية بعد مرور نصف قرن من عطاء العقاد, لأننا عندما نتناول الماضي بالبحث لا نعبد أسلافنا, ولا نقدس أمجادنا الماضية وإنما نوظف كل الضوء الذي نستطيع أن نقتبسه من هذا الماضي لكي نعمق وعينا بالحاضر ولكي نطرح ـ وهذا هو الأخطر والأهم ـ هذا الوعي على أسئلة المستقبل التي لابد لنا أن نواجهها بشجاعة حقيقية, وأصالة فعلية وبعد عن المواقف التقليدية, وابتكار مبدع للإجابات عن التطورات المتلاحقة.

وصرح فضل بأن فكرة أن يكون العقاد محورا لهذا المؤتمر, هي فكرته, خاصة أن هذا العام يصادف مناسبة مرور أربعين عاما على رحيل العقاد, وأن مؤسساتنا الثقافية في العاصمة فاتها أن تحتفل بذلك كما ينبغي, وأن الإسكندرية التي بدأت تأخذ زمام المبادرة الثقافية, وتشهد نوعا من الحيوية بفضل مكتبة الإسكندرية وهذه الصروح الثقافية المتجددة في الثغر, وقد آن لها أن تتخذ مبادرة وتلتقط الخيط من القاهرة.فالعقاد كان رأس حربة التجديد, ليس في الشعر فقط, وإنما في النقد والفكر السياسي والديني والاجتماعي كذلك, وإنه كان أنموذجا للكاتب الحر الشجاع الذي استطاع بتبنيه لنزعات التجديد مع كوكبة من أبناء هذا الجيل من العمالقة الكبار أن يغير مجرى الحياة الثقافية العربية.

وكان الاحتفال بذكرى العقاد دافعا لاستطراد الناقد د.صلاح فضل في شرح قناعاته بأن من يعيشون في ضمير أمتهم وثقافتهم ليسوا من الذين يكررون مقولاتهم السلفية, أو يهدهدون مشاعرنا القومية, أو يعيدون حرفيا التمسك بتقاليدها القديمة, فهؤلاء قد يظفرون بإعجاب العوام, لكنهم لا يعيشون في ضمائر أمتهم, ولا يؤثرون فيها. فالتأثير يأتي حقيقة من قبل هؤلاء الذين ينطلقون من وعيهم بتراثهم كي ينقدوه ويجددوه, ويضيفوا إليه ما يجعله متوافقا مع روح العصر الذي يعيشون فيه. ويعترف فضل: كنت في عصري شديد الإعجاب بالرافعي وكان جدي العالم الأزهري يمارس الكتابة, مقلدا أسلوب الرافعي, وكنت أحفظ مقاطع كثيرة من كلماته, لكنني أدرك الآن أن الرافعي لم يكن قائدا للتجديد, بل كان قائدا للسلفيين المحافظين, ومن ثم فهو لا يمكن أن يمثل نقلة نوعية في دعاة المحافظة, ونحن نعلم أن المحافظة حس غريزي وليس رؤية مستقبلية. أما الذي يجدد و يتمرد فهو الذي يبقى, ويؤثر ومن هنا تجئ أهمية العقاد, لأنه لم يكن محافظا, بل كان زعيما لمدرسة تجديدية, كما ظل العقاد في مخيلتي أنموذجا للشاب الثائر, والشيخ الذي تحول إلى محافظ. وكان موقفه الذي اتخذه من شوقي بالغ العنف والضراوة, وكم جرحني لأنني من عشاق أمير الشعراء, لكنني كنت شديد الإعجاب بالعقاد في الوقت نفسه وكنت أظنه ظالما لشوقي, وقد عدل هو في الذكرى الثلاثين لرحيل شوقي (عام 1962, من موقفه منه وإن لم يتراجع, لأن العقاد كان من العناد والصلف والكبرياء بحيث لا يمكن أن يعلن تراجعه. وأعترف لك بأننا كنا نحترم العقاد لكننا لم نحبه!.. نحترمه باعتباره مصدرا معرفيا مؤسسا بل ومعلما, ولكن لا نحبه لأنه لا يقترب من نفوسنا, لا يعترف بضعفه, ولا يقر بأنه قد أخطأ مرة, رغم أن البشر خطاءون ضعاف.

لكن ذلك الإعجاب لم يمنع فضل من نقد العبقريات التي قال إن فيها كثيرا من النفاق الاجتماعي تمثل في قراءة العقاد لسير ومناقب العظماء, وخاصة في الإسلام, ليختار منها ما يخدم فكرته العقادية, التي تجعل من شخصية ما عبقرية, فيسوق كل الحجج ـ الصادقة منها والباطلة ـ ويفخم في شأن الروايات التي تخدم غرضه, ثم يتناسى ويتجاهل تماما أية عوامل يمكن أن تغير ملامح العودة التي قرر أن يرسمها العقاد بريشته لصاحب العبقرية. ولذلك كان العقاد أنموذجا لمن تشبع بفكرة العبقرية, لأنه كان يحسب نفسه كذلك, فخلعها على الآخرين, ثم آخذ يخلعها على من يستحق, لكنه انتهى إلى من لا يستحق على الإطلاق, وأسوق مثالا لذلك كتابه عن عبقرية فرانكلين. فهذا الموقف النفعي من العقاد مرتبط بفكرة أساسية شديدة الخطورة في بنية مجتمعنا العربي و الإسلامي الآن وهي أن العقاد وأبناء جيله ومنهم : د.محمد حسين هيكل وطه حسين قد أخذوا عن محمد عبده فكرة توظيف التيار الديني لخدمة النهضة, ولخدمة حركة التنوير وتطوير الثقافة العربية لكنهم أسرفوا في ذلك, وهذا هو المأخذ الذي آخذه عليهم جميعا, فقد جعلوا من الحياة الإسلامية في عصورها الأولى مثلا أعلى, ونحن إذا ما أردنا أن نتطور فلابد أن نعكس حركة التاريخ لكي نقلد ذلك المجتمع البسيط, حتى يمكن أن نحقق الإنجاز الحضاري الذي حققوه هم.

ويعتقد د. صلاح فضل أن صناعة هذا الوهم بفضل العبقريات هو من النتائج الفادحة التي ترتبت على توظيف الدين لبعث عوامل النهضة, وكان لابد من أن يقف ذلك عند حد أساسي لا يتجاوزه وهو أن هؤلاء كانوا عظماء في عصورهم وفي الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مروا بها لكنهم يظلون بهذه القيمة التاريخية دون أن يتحولوا إلى مثل عليا أو نماذج نحاول الآن تطبيقها في مجتمعاتنا, لأن منطق العصر قد تغير, وآليات التطور والحضارة قد اختلفت, ولأن ركائز التقدم الآن أصبحت مغايرة. تعتمد على : التفكير والإنتاج العلميين, والعلوم البحتة, وليست الفنون والآداب إلا مساعد لتقدم العلوم, كما تعتمد على تقديس الحرية, والإنتاج الاقتصادي, وتحريك آليات الإنتاج في المجتمع لكي يحقق وفرة ورخاء.

مصطفى عبد الله

عمان

مهرجان الشعر العربي الرابع

ضمن احتفالية مشتركة بين أمانة عمان الكبرى وبيت الشعر الأردني انطلقت في العاصمة عمّان فعاليات مهرجان الشعر العربي الرابع بمشاركة خمسة وعشرين مبدعا أحالوا أجواء العاصمة إلى طيف شعري جميل.

ومزج المهرجان لهذا العام بين تيارات شعرية وأجيال مختلفة, فمن روح القصيدة الوطنية والقومية قدّم الشاعر الفلسطيني (سميح القاسم) عددا من قصائده التي لم يقصرْها على الهم الفلسطيني, استذكر في أمسيته أوجاع الوطن العربي المختلفة, فلبغداد قصيدة تستذكر حاضرة العباسيين الأولى وما آلت إليه حاليا, وضمن نبرة تعيد الأذهان إلى (بغداد) تلك المدينة الثقافية الأبرز, انتقل بنا إلى (بغداد) الدمار, بغداد المثخنة بالجراح.. ليكرر السؤال الشعري على مدى القصيدة...

(بغداد أنت...
ولكن...
أين بغداد?)

انتقل (القاسم) ليذكرنا ببلد المليون شهيد, وتحت عنوان (الجزائرية) أراد الشاعر أن يذكر بالجزائر رمز المقاومة في الستينيات وما آلت إليه عبر موجة العنف التي بدأت منذ التسعينيات بقوله:

(سألت عنهم.. فلم أعثر على أحد
وقيل لي رحلوا عنها للأبد)

ومن القصيدة الوطنية, إلى الأجواء الشعرية الفريدة التي تمزج بين اللغة الفصحى والموضوع الشعبي القريب من هموم وذكريات الفرد, حيث قدّم الشاعر الأردني حبيب الزيودي مجموعة من قصائده المرتبطة بالمكان وبالحنين إلى زمن ماض جميل اعتمد على أنماط العلاقات الاجتماعية وصور حياة الريف في حين نقلنا الشاعر جريس سماوي بقراءته الشعرية إلى تساؤلات فلسفية عن جوهر الإنسان ومشاعره, جعلت الجمهور يجول بأفكاره في أجواء صوفية أقرب ما تكون إلى أداء طقوس العبادة في جو من الأضواء الخافتة.

وقرأ الشاعر حيدر محمود مجموعة من (المرثيات) للمتنبي, ولـِ (تأبط شرّا) وللشاعر نفسه, وعلى الرغم من وجود بعض الشعراء الذين رثوا أنفسهم, فإن حيدر محمود تميز بمرثيته التي كانت بأسلوبها قريبة من روح العصر مع الالتزام بالموروث التقليدي للشعر العربي..

(جسدي واحد والسكاكين مختلفة
فاذبحوني على مهل, وانثروني على الأرصفة
لن يحاسبكم على موتي أحد)

ومن الشعراء العرب الذين استضافهم المهرجان الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين, إذ عكست قراءته الشعرية رؤيته في الموروث الصوفي والفارسي, خاصة أنه من أبرز الشعراء في ذلك المجال, إلى جانب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي (من مصر) الذي مثّل إحدى أهم التجارب العربية في الشعر الحر (التفعيلة), ومنذ الخمسينيات عبّرت قصائده عن موقف ناضج من أزمة الإنسان المعاصر, حيث يرجع الفضل له في إطلاع الغرب على موروث العرب الشعري, وذلك بسبب إقامته الطويلة في فرنسا والتي تجاوزت السبعة عشر عاما.

تميز مهرجان الشعر العربي لهذا العام, بتخصيص أمسية شعرية خاصة بالنساء الشاعرات شاركت فيها الشاعرة آمال موسى من تونس وهدى أبلان من اليمن ونبيلة الخطيب ومها العتوم من الأردن, بالإضافة إلى تخصيص أمسية للقصيدة المحكية التي تمثل الشعر الشعبي وشارك فيها الشاعر صالح الشادي من السعودية والشاعر حازم جابر من العراق.

دمشق

أوسمة تكريم لرواد الأدب

أقيم في دمشق حفل تكريم للطبيب والأديب عبدالسلام العجيلي, ود.عبدالرزاق قدور, والراحل د.إبراهيم الكيلاني, الذي وافته المنية قبل التكريم بأيام لما قدموه خلال مسيرة حياتهم الطويلة, أغنوا فيها المكتبة العربية والأجنبية بمؤلفاتهم وتحقيقاتهم وترجماتهم. وقلد المكرمون وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة, الذي منحه الرئيس بشار الأسد تقديرا لإنجازاتهم في مجال الفكر والثقافة.

وقد اختزلت كلمات التكريم لوزيري الثقافة د.محمود السيد والتعليم العالي د.هاني مرتضى كل مسيرة المحتفى بهم: لقد أصبح التميز سمة من سماتهم تجلى في الدراسة والعمل والموسوعية الثقافية والتعدد في المواهب, إضافة إلى الجوانب المعنوية في شخصياتهم المتكاملة والمتوازية تواضعا وتهذيبا وخلقا كريما ومحبة, وإن المخلصين يعملون بصمت ويعطون بسماحة, ويبذلون كل ما لديهم في سبيل أمتهم بلا حساب ولا يرجون من ذلك إلا رفعة الوطن وعزة الأمة.

وقال العجيلي في سياق تكريمه: لا أملك غير كلمات الشكر والامتنان من القلب لهذا التشريف الذي أحظى به اليوم, كل ما أضيف إلى هذه الكلمات أني أعود إلى نفسي في هذا الموقف, فأذكرها بأن تكريمها هذا لم يصل إليها إلا بالتزامها بمعان معينة من معاني الحياة التي عاشتها في ما يقارب ثمانية عقود. وما تبقى لها من صبابة العيش أن تظل متمسكة بتلك المعاني التي جعلتها مستحقة للتكريم, معان هي الاستقامة في السلوك, والحرية في التفكير, والسعي بكل ما تقدر عليه إلى خدمة من حولها في محيطها الصغير, وفي خدمة وطنها المحبوب وفي خدمة أمتها الكبيرة والمجيدة.العجيلي من مواليد مدينة الرقة 1918 يجمع في شخصه بين الأدب والطب وبرع فيهما, وهو في ميدان الأدب قاص بارع وروائي مشهور على الصعد كافة محليا وعربيا ودوليا, وهو شاعر أيضا (ديوان الليالي والنجوم) أصدر حتى الآن أكثر من ثلاثة وأربعين كتابا بين مجموعة قصصية: السيف والتابوت, ساعة الملازم, الخيل والنساء ورواية: المغمورون وباسمة بين الدموع, وأجملهن, ومقالات, ورحلات. والأدب بالنسبة للعجيلي هواية.

أما د. عبدالرزاق قدور فهو أستاذ جامعي وباحث أكاديمي جمع في نتاجه الفكري المتميز بين الفيزياء النووية, والميكانيكا والهندسة الإلكترونية, والتربية وترجمة الموسوعات وأمهات الكتب نتيجة امتلاكه ناصية لغته القومية (العربية) وهو عضو في مجمع اللغة العربية تدرج في عدة مهام وظيفية رئيسا لجامعة دمشق ومديرا عاما لليونسكو عضو في اللجنة الدولية لتنمية التربية.

وللأستاذ د.إبراهيم الكيلاني رحمه الله دور كبير في الحركة الثقافية المعاصرة, ألّف وحقق وترجم أكثر من أربعين كتابا, وإليه يعود الفضل في تحقيق أكثر أعمال الأديب الموسوعي أبي حيان التوحيدي في تراثنا العربي, وتعريف الآخرين بها, تعددت اهتماماته في المسرح والسينما والنقد الأدبي والتراث والرواية, وعمل مديرا للتأليف والترجمة في وزارة الثقافة السورية.

محمد العلي

الجزائر

ندوة لعلم العلامة: الوجود والممكن

شهدت الجامعات الجزائريّة, وهيئات ثقافية أخرى, في الأشهر الأخيرة, أنشطة ثقافية وعلميّة كثيرة ومتميزة, وذلك بتنظيم ندوات علميّة وفكرية وثقافية - دولية وعربيّة ووطنية - مثل ندوة (الإسلام والعولمة) في المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر, والترجمة وقضاياها, وخصوصا ما له صلة بالترجمة التكنولوجيّة, وهي التي جرتْ في أحضان جامعة الأمير عبدالقادر الإسلامية بمدينة قسنطينة, ومثل الندوة الوطنية التي عقدتها جامعة عنابة حول (النص الأدبي واللسانيات), ومثل الندوة العربية التي نظمها (مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات) في جامعة وهران, وهي التي نودّ التوقف لديها باختصار لأهمية الموضوع المطروح, في رأينا, ثم لجدّة الأبحاث التي قُدّمت, والأفكار التي طرحت, في فعالياتها طوال يومين اثنين.

لقد عرف الفكر النقديّ, والفكر اللساني, العربي, انطلاقا من النظريات الغربيّة التي وفدت على العالم العربي إما عن طريق الترجمة, وإما عن طريق الجامعيين العرب الذين وفدوا على الجامعات الأمريكية والأوربية منذ مطالع القرن العشرين, فكانوا يعودون, ولايزالون, إلى أوطانهم وهم يحملون أفكارا حداثية, ونظريات علمية جديدة, تعلّموها في الجامعات الغربية, فظلوا يروجونها بين طلابهم, ومن على كراسيّ جامعاتهم. ومن النظريات الجديدة التي لم يفتأ الجامعيّون والنقاد العرب المعاصرون يلوكون بها ألسنتهم, ويسيلون بها أقلامهم, نظريّة السيمائية, أو نظرية السميولوجيا, أو (علم العلامة), فبكلّ يتكلّم العرب المعاصرون مشرقًا ومغربًا, وهم لا يكادون يتفقون.

وتأتي محاولة مختبر السيميائيات وتحليل الخطاب في جامعة وهران مبادرة طيّبة للمساءلة والقلق والاستشراف عن مستقبل هذا العلم الجديد القديم ودوره في تطوير الإجراءات النقديّة المنصرفة خصوصًا إلى قراءة الخطاب الأدبيّ وتحليله. فهو جديد من حيث توسعة مجالات تطبيقاته, والذهاب به في التنظير إلى أبعد الحدود, بحيث أمسى يشمل كلّ أنواع الحياة, حتى أن الناقد الفرنسي الشهير كان قضى بشدّة تأثير (السمة) أو (العلامة) إلى درجة أنه أطلق عليها (إمبريالية).

وهو قديم من حيث تعامل الإنسان معه في الحياة اليوميّة العاديّة منذ الأزل, ولذلك نجد قدماء النقاد والبلاغيين والمفكرين العرب كان في أذهانهم مفهوم العلامة ودورها في علاقات التواصل بين النّاس, ولعلّ أسبقهم إلى ذلك أبو عثمان الجاحظ في كتابيه (البيان والتبيين), و(الحيوان), ثمّ جاء من بعده مفكّرون آخرون أطلقوا على هذا المفهوم السمة تارة, والعلامة تارة أخرى, منهم عبدالقاهر الجرجاني, كما ندرك من بعض الأشعار العربيّة القديمة أنّ الشعراء كانوا يفهمون السمة ويتعاملون بها ومعها مثل قول أحدهم:

أشارت بطرْف العين خيفَة أهلها إشارة محزونٍ ولم تتكلّمِ
فأيقنت أنّ الطّرْف قد قال مرحبًا وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيَّمِ


وممن حضر هذه الندوةَ من الجامعيّين العرب د.سامي أدهم من بيروت الذي ألقى محاضرة بعنوان: (الوجود والممكن) حاول أن يطرح فيها مساءلة عن وجود العلاقة بين السيمائيّة والفلسفة من وجهة, والسيمائيّة باعتبارها إجراء معرفيّا لتجديد الفكر, وتعميق الطّرح, وتكوين الرؤية الجماليّة, من وجهة أخرى.

في حين تناول د.رشيد بن مالك, من جامعة تلمسان, في محاضرته إشكالية غاية في الأهمية وهي (مستقبل السيميائيات في العالم العربي), وانتهى إلى اقتراح ضرورة التركيز على قضايا سيميائيّة بعينها, مستقبلاً في مثل هذه الندوات, دون الوقوع في فخّ العموميّات التي تتناول كلّ شيء ولا تعمّق التفكير في شيء, وذلك حتى يمكن معالجة القضايا المطروحة بالعمق المطلوب من وجهة, وحتى يمكن الانتهاء إلى نتائج, أو ما يشبه النتائج من حولها, من وجهة أخرى. وقد أُلقيَ في هذه الندوة مجموعة أخرى من المحاضرات ذات الصلة بالموضوع نذكر من بينها: (السيميائيات التطبيقية وآليات تحويل المعرفة), و(الكتابة وسؤال اللغة), و(الحكواتيّ وإشكالية التواصل في المسرح), و(فضاء الخطاب البصريّ في الشعر العربي المعاصر).

والسؤال الكبير الذي يجب أن يطرح, هو: إلى أيّ مدى تجذَّر هذا العلم الإنساني الجديد في الجامعات العربيّة مشرقًا ومغربًا على الرغم من أن كلّ واحد من الناس في العالم يتعامل مع (السمة) وإن كان, في أحيان كثيرة, لا يدري أنه يتعامل معها مثل المسيو جوردان, أحد شخصيات موليير المسرحية, الذي ظلّ طوال عمره يتحدث النثر, ومع ذلك كان يجهل أنه كان يتحدث النثر! فأيّ منا إذا أشار بأصابعه بالنفي والإثبات, أو القبول والرفض, أو الأمر والنهي, فإنّه يكون سيميائيا من حيث, ربما, لا يدري. وأيّ منا إذا استعمل منديلا يشير به, أو آلة ينبّة بها لوظيفة معينة, أو غاية محددة (مثل طبل (المسحراتي), فإنه يكون سيميائيا, وهلمّ جرّا مما لا يُحصى من الأطوار والأحوال التي يستخدم الإنسان العاديّ فيها اللغة السيميائية بدل اللغة اللفظية.

وإذا كانت الجامعات في المغرب العربي, قد تكون أوفرَ حظًا من الإقبال على السيميائيات بالتأليف والنقاش وإقامة الندوات, وتأسيس المجلاّت, وفِرَق البحث حول نظرياتها وإجراءاتها على غرار فرقة البحث التي تأسست بجامعة وهران والتي ليست إلاّ بداية لمشروع سيميائيّ كبير يأمل أصحابه أن يرقى إلى مستوى المؤسّسة, فإنّ هذا العلم الجديد الذي يساعد على قراءة النصوص الأدبيّة شعرًا وسردًا, قد لايزال عزيزًا في بعض جامعات المشرق العربيّ. وهل آن للجامعات العربيّة أن تتعامل مع هذا العلم الجديد, وتُفيد منه في تطوير المعرفة في مجال العلوم الإنسانية خصوصًا.

إن السيميائية أمست إجراء ضروريًا لقراءة أيّ منتوج ثقافي, أو أدبيّ وفهمه, فكأنّ هذا الإجراء جاء لترقية التلقّي لدى المتلقّين في الثقافة الإنسانية المعاصرة من أجل أن يفهموا توظيف الألوان, والأصوات, والإشارات, والرموز, والعطور, والخطوط, والطقوس الفولكلورية, وكلّ ما يُرى, ويُسمع, ويُشمّ.

د. عبدالملك مرتاض





(الأهوار) لعلي الكردي





(بغداديات) لفلاح حسن





(تجريد) لضياء الخزاعي





إحدى لوحات المعرض لسيروان باران





تركي السديري أول المنتخبين





صورتان للحدث, أثناء التسجيل للانتخابات وخلال الاحتفال





صورتان للحدث, أثناء التسجيل للانتخابات وخلال الاحتفال





صورة للعقاد (1963)





الدكتور محمود السيد يكرم الدكتور الاديب عبد السلام العجيلي