مشكلة الهوية والانتماء القومي عند العرب

مشكلة الهوية والانتماء القومي عند العرب
        

مشهد قاتم وباهت يعيشه العالم العربي الآن, ففي مواجهة نظام دولي جديد لا يرحم أحداً نقف نحن كعرب حاملين أثقال تخلفنا.

          عندما نلقي النظر على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإننا نرى مأساة وضع الدول العربية, مشرقا ومغربا, في النظام الدولي, سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الاقتصادي. والمشهد في الحقيقة قاس وقاتم: الحروب الأهلية وحالات العنف, أوضاع الحصار الاقتصادي المفروضة على بعض الدول العربية من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة, العلاقات السياسية البينية في حالات عداء أونفور في معظم الأحيان, وجود نسبة عالية من الأمية (80 مليون نسمة تقريبا), حالة عجز مستمرة عن صد الهجوم الإسرائيلي الشرس والمتواصل على الشعب الفلسطيني, حرب جديدة في المنطقة, وأخيراً أداء اقتصادي باهت في زمن العولمة والنهضات الصناعية والخدماتية والعلمية المتواصلة في المناطق الأخرى من العالم.

          فهل نعلم أن مجموع الناتج المحلي لكل الدول العربية (600 مليار دولار تقريبا) لا يتعدى الناتج المحلي لدولة متوسطة الحجم مثل إسبانيا?! وهل نعلم أن مجمل صادرات الدول العربية, بما فيها النفط والغاز والبتروكيماويات لا يتعدى صادرات دولة صغيرة مثل هولندا (180 مليار دولار تقريبا)?! وهل نعلم أن مجمل الصادرات الصناعية العربية لا يتعدى مبلغ 20 مليار دولار (دون البتروكيماويات), وغالبية هذه الصادرات هي من منتوجات النسيج وبعض المنتوجات الجلدية? وإذا اشتهرت أخيرا دول مثل كوريا وتايوان وسنغافورة في العالم, فالسبب يعود إلى دخول اقتصاداتها في إنتاج الإلكترونيات والسفن والسيارات, بينما نشتهر, نحن العرب,فقط بصادراتنا النفطية أو صادرات بعض المواد الأولية الأخرى مثل القطن والفوسفات. وفي معظم الأحيان تأتي الشركات الأجنبية لاستخراج مواردنا النفطية ومسحها والتنقيب عنها لأننا مازلنا عاجزين تقنيا عن القيام بمثل هذه الأعمال. واللافت للنظر أنه لا وجود لصناعة تجهيزات التنقيب عن النفط او آلات نسج القطن في الأقطار العربية, بالرغم من مرور العقود الطويلة في استغلال هذه الموارد في الوطن العربي من غير أن نطور قدرتنا التقنية في إنتاج وسائل استثمار هذه الموارد.

إخفاق الهوية سياسياً واقتصادياً

          الحقيقة أن العالم العربي قد تعرض إلى إخفاق مزدوج خلال العقود الماضية: إخفاق في تحديد وتأكيد هويته السياسية في النظام السياسي الدولي من جهة, وإخفاق في عالم الإنتاج المادي من جراء غيابه عن ساحة عولمة العلم والتقنيات والقدرة على إنتاج وتصدير سلع من السلع الجديدة في عصر الثورات الاقتصادية المتتالية. ولهذا السبب, فإن النظرة إلى عالمنا العربي من قبل الكتل السياسية - الاقتصادية المختلفة والتي يتكون منها النظام العالمي أصبحت نظرة سلبية, فيها في بعض الأحيان نوع من الازدراء الواضح أو المستتر, وفيها أحيانا أخرى ريبة وخوف نظرا للعنف بشتى أشكاله التي تتميز بها منطقتنا.ويستغل العدو الصهيوني حالتنا هذه لإضفاء المزيد من السلبية في نظرة الآخرين إلينا عبر نفوذه الواسع في الأجهزة الإعلامية الغربية. غير أنه لا بد من الاعتراف بأن مشهد هذه المنطقة, سياسيا وعلميا وتكنولوجيا واقتصاديا, ليس بالمشهد الذي يمكن أن نعتز به أو ندافع عنه بطريقة مقنعة, فالمنطقة تتسم بتناقض أفكارها وتوجهاتها السياسية ونفور أنظمتها بين بعضها البعض, وباستمرار وجود أنواع مختلفة من تقييد الحريات العامة والممارسة الديمقراطية, وبوجود حركات التشدد الديني, أو الحركات السياسية التي ترفع شعار التمسك بالدين, بتعدديتها وممارساتها المختلفة وما يمكن أن يحصل من صدام مع الحكومات والأجهزة الأمنية والذي يأخذ طابع العنف في بعض الأحيان.

          فالعالم الخارجي يحتار بشأن العرب ويتساءل عما هي هويتنا الجماعية وأهدافنا في النظام الدولي. وهذا الشعور يعكس الضياع الذي أصابنا منذ نيل الأقطار العربية استقلالها. وضياعنا كان متعدد الجوانب, وترجم دائما بتشتتنا وعدم تماسكنا في التكيف مع تطورات النظام الدولي. فقد انقسمت الأقطار العربية خلال الحرب الباردة بين مؤيد مطلق للولايات المتحدة, ومن كان يسعى إلى الحياد بين قطبي النظام الدولي (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق) وهو عمليا أصبح مواليا للاتحاد السوفييتي وتابعا له في سياسته الخارجية. وانقسمت النخبة السياسية والعسكرية العربية بين مؤيد للأفكار الليبرالية, ومؤيد للأفكار الاشتراكية. فانشطرت اتجاهات القومية العربية الموروثة من عصر النهضة إلى اتجاهات متنافرة ومتخاصمة.

          ومما زاد الطين بلة بروز أنواع مختلفة من الأيديولوجيات المتنكرة لمفاهيم القومية الحديثة التي على أساسها تم تطور النظام الدولي منذ القرن التاسع عشر والتي اعتمدها فكر النهضة العربية, وهي أصبحت تنادي بتفضيل الرابط الديني على الرابط القومي الحديث, أو في بعض الأحيان ترفض فكرة الرابط القومي, أو تخلط بينه وبين الانتماء إلى الديانة الإسلامية وتؤمن بواجب تضامن الدول الإسلامية وترى فيه فوائد كبرى بغض النظر عن اختلاف الهويات القومية, العرقية واللغوية, التي تفرق طبيعيا بين هذه الدول. ورأت هذه التيارات أن التضامن الإسلامي هو بديل أفضل للتضامن العربي المفقود.

هل هناك هوية عربية?

          أصبح العالم يجهل حقيقة الهوية العربية في النظام الدولي وأصبح لا يفهم هدف الدول العربية في هذا النظام, بين هدف أممي إسلامي لجمع كل الدول الإسلامية في كتلة واحدة داخل النظام الدولي, وبين أهداف القومية العربية المشروعة مثل الدفاع المشترك عن فلسطين والدفاع عن اللغة العربية والثقافة العربية وموقعها في النظام الدولي. وأصبح يستحيل على العالم أن يفرق بين العربي والإيراني والباكستاني والتركي, فالهوية الإسلامية طغت على الهوية العربية, في نظر الكثير من العرب إلى ذاتهم وفي نظر الآخرين للعرب.وهذا التضامن الإسلامي لم يمنع الخلافات الحادة باسم الإسلام بين الدول الإسلامية وداخل بعض الدول العربية, كما أن تسخير الشعور الديني هذا في محاربة الشيوعية والجيش السوفييتي في أفغانستان ثم في البوسنة والشيشان وكوسوفا باسم الرابطة الدينية لم يكسبنا الصداقة الأمريكية الحقيقية وقد أدى إلى خسارة صداقة الشعب الروسي. وقد انخرطت أعداد مهمة من الشباب العرب في كل هذه الحروب غير العربية, بينما كانت لا تزال فلسطين وجنوب لبنان والجولان تعاني تحت الاحتلال الإسرائيلي الغاشم معاناة جسيمة.

          والحقيقة في الأمر أننا كعرب لم يفارقنا هاجس الهوية منذ بداية انهيار السلطنة العثمانية حيث فقدنا نظام الحكم الذي كان يجمع بيننا ويبقي الحدود مفتوحة بين المقاطعات العربية المختلفة للسلطنة. ومنذ رحلة الطهطاوي إلى باريس في بداية القرن التاسع عشر, أصبح الهاجس العربي المشترك تحديد الهوية الجماعية للشعوب الناطقة بلغة الضاد.ولم يكن هذا البحث سهلا إذ إن تفريق العرب إلى دول مختلفة, أنشأتها الدول الغربية المهيمنة على المنطقة, باستثناء مصر والمملكة المغربية اللتين كان لهما شخصية واضحة ومتواصلة في التاريخ, أدى إلى التعايش الصعب في الذهنية العربية بين الولاء للدولة القطرية والطموح في تحقيق وحدة العرب, أو كما ذكرنا, في العودة إلى حظيرة الرابطة الدينية. وقد تصاعدت القوميات القطرية على مر العقود, خاصة بسبب فشل الرابط القومي العربي في تأمين التضامن وعجز الجامعة العربية عن تحقيق تناسق المواقف العربية في النظام الدولي وإنشاء كيان على غرار الاتحاد الأوربي. بل, إن التفرقة العربية بلغت أوجها في الأوضاع التي أدت إلى اجتياح دولة عربية لأراضي دولة مجاورة ومحاولة دمجها قسرا في الدولة الغازية.

          ومن جراء كل هذه التطورات, أصبحت مشكلة الهوية في العالم العربي مصدر قلق وانفصام في الشخصية العربية دون إيجاد مخرج لها, يؤمن استقرار المجتمعات وتضامن الأقطار, ويؤمن بالتالي احترام النظام الدولي للكيان العربي ومصالحه المشروعة.

حصار القومية

          والغريب في أمرنا هذا أننا لم نفكر يوماً في ضرورة تطوير وتطبيق ما يمكن أن يسمى بالقومية الاقتصادية, كما فعلت ذلك كل من اليابان والصين والهند ودول شرق آسيا. فقد ضاعت قدراتنا الفكرية واستنزفت في تأكيد شتى أنواع القومية السياسية وتأكيد الهوية الدينية أو العرقية أو الثقافية, على مستوى الوطن العربي كما على مستوى كل قطر من أقطاره, بتناقضاتها وخلافاتها, الدموية أحيانا. في حين لم نتطرق إلى فتح آفاق القومية وتأكيد الهوية عبر العمل المثابر والمتواصل في المجال الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي, وفي الحقيقة لم نهتم إلا هامشياً بتعميم العلم والتقنيات في مجتمعاتنا, وإعطاء أهمية خاصة للنجاح في مجال الإنتاج وتطوير القدرة على منافسة الدول الكبرى المتقدمة في جودة إنتاج السلع والخدمات, وفي تشجيع الإبداع العلمي والتكنولوجي. بل, بقي نظام قيمنا ونظام تركيب هويتنا مشدوداً بالجوانب الدينية والسياسية بشكل شبه محصور. ومنذ عهد محمد علي في مصر ونحن نستقدم الخبرات والتجهيزات الإنتاجية من الدول المتقدمة بدلاً من تشجيع وتطوير قدراتنا البشرية الذاتية, وهي كبيرة. نستقدم الخبرة الأجنبية ونصدّر أحسن عقولنا إلى الخارج, مما يفقدنا إمكان الخروج من الركود العلمي والتقني الذي نحن فيه.

          لقد قمنا بنهضة لغوية وأدبية كبيرة, وسعينا مراراً إلى نهضة قومية, وعند فشلنا في تحقيق القومية العربية الجامعة دخلنا فيما سمي (صحوات) دينية مختلفة الطابع. وفي كل مرة وضعنا جانبا ضرورة إقامة النهضة العلمية والتقنية والإنتاجية. بكلام آخر, نسينا تماماً هذا الجانب الأساسي من الوعي القومي وتأكيد الهوية, وهو الجانب الاقتصادي في القومية. وتدل كل تجارب الشعوب في التاريخ على أن النجاح العلمي والاقتصادي هو الركيزة الأساسية للوصول إلى الثقة بالنفس وبالتالي الثقة بالهوية الجماعية. فأمثلة النهضة القومية الناجحة في أوربا أو في آسيا الشرقية أو في أمريكا الشمالية تشير جميعها إلى أهمية ممارسة العلم والتقنيات كرابط أساسي للمجتمع الناهض الذي يهدف إلى التغلب على التخلف ومنافسة الدول الأكثر تقدماً بنجاح. وهذه الممارسة الجماعية هي التي تولد الثقة بالنفس وتؤمن رصانة الهوية القومية واستقرارها وتجبر الآخرين على احترامها والتعامل معها على قدم المساواة.

تجارب شتى.. إخفاق دائم

          وربما ساد في الأوساط الفكرية العربية الاعتقاد الساذج بأن مجرد استيراد نظام اقتصادي حديث من الخارج, اشتراكياً كان أو رأسمالياً, هو كفيل بتعميم الرفاهية والتقدم العلمي والاقتصادي بشكل آلي. وقد أقامت الأقطار العربية شتى أنواع الأنظمة الاقتصادية, ومنها أنظمة مبنية على سعي في تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية التي تمّ تطويرها في زمن ما قبل انفجار الثورات الصناعية, ولكنها لم تتغلب على السمات الاقتصادية السلبية التي ذكرناها. فالاقتصادات العربية اليوم تتميز بتصدير القوى البشرية المؤهلة وغير المؤهلة واستيراد الخبرات البشرية والإنفاق الضخم على شراء براءات الاختراع والسمات التجارية والتجهيزات الإنتاجية وكذلك وسائل النقل وجميع التجهيزات الإلكترونية من الخارج, وكل هذه الظواهر مؤشر جلي وخطير على تبعية الاقتصاد العربي المطلقة  تجاه الدول الأكثر تقدما. كما يتميز اقتصاد بعض الأقطار بتفشي الأمية, خاصة في الأرياف, وزيادة البطالة, بالإضافة إلى اتساع الفجوة الغذائية. كما أن الاقتصادات العربية جميعها تتأثر بتقلبات أسعار النفط والمواد الأولية, ومعدلات نموها منخفضة بينما زيادة السكان عالية. فهل يعقل أن نقبل بمثل هذا الوضع وأقطارنا العربية منفتحة على الحداثة العلمية والتقنية منذ عقود, أقامت العديد من الجامعات وأرسلت أعداداً هائلة من طلابها إلى الخارج للتخصص في ميادين مختلفة من العلوم والتقنيات? كانت دولة كوريا الجنوبية أكثر فقراً من معظم دول المشرق العربي في نهاية الحرب العالمية الثانية وقد أصبحت الآن في عداد الدول الصناعية المهمة بالرغم من أنها لا تتمتع بموارد زراعية أو منجمية تذكر.إن هذه الأسئلة يجب الجواب عنها, لأنه لا يمكن أن نعتبر أن العقل العربي أقل جودة من كل الشعوب الأخرى التي تمكنت من التقدم  وأصبحت تحظى باحترام كل الدول. ولا شك أن غياب الطموح العلمي والتقني والإنتاجي الجاد في المجتمعات العربية وأنظمتها السياسية والتربوية, والذي عليه يبنى الجانب الاقتصادي لأي نوع من أنواع القومية وتأكيد الهوية, هو مسئول إلى درجة كبيرة عما نحن فيه من تخلف وهامشية في النظام الاقتصادي الدولي. وربما كان توافر المواد الأولية الزراعية والمنجمية في العالم العربي من العناصر التي أدت إلى عدم الاهتمام بموضوع النهضة الاقتصادية, فالريع المؤمن بطريقة سهلة من قطاع المواد الأولية يؤمن سيلا من الأموال تسمح للنخبة العربية بالعيش الكريم دون الاهتمام بتأمين الموارد من الإبداع التقني وإنتاج سلع حديثة تجد أسواقا متنامية في الاقتصاد الدولي. أما في اليابان أو الصين ودول شرق آسيا, فإن انعدام وجود المواد الأولية هو العامل الأساسي الذي حث النخبة الحاكمة على إدخال المجتمع في الممارسة الجماعية للعلم والتقنيات الإنتاجية, ولذلك كانت سياسات محو الأمية في هذه الدول سياسات نشطة وجذرية, كما أن نظام القيم والمنافسة الاجتماعية أخذ يستند إلى حدّ بعيد على معيار النجاح في ميادين العلم والإنتاج. وقد قبل الأعيان والعائلات الإقطاعية التقليدية التحول في نمط حياتها من نمط إقطاعي ريعي إلى نمط يستند إلى بذل الجهود الكبيرة في المجال التقني والاقتصادي, لكي يكون نمطها الجديد هذا قدوة لسائر الفئات الاجتماعية.

صراعات عبثية

          وفي اعتقادنا أن غياب القومية الاقتصادية عند العرب قد أجج الصراعات العقائدية والتناقضات حول تحديد الهوية, وهي صراعات أصبحت عبثية الطابع في كثير من جوانبها, خاصة فيما يختص بالضبابية حول دور الدين في القومية العربية أو القوميات القطرية, أو المسعى إلى إقامة نوع من الأممية الإسلامية تتعدى حدود العروبة والقومية الثقافية التي تجمع بين العرب, شاءوا أم أبوا - مسلمين أو نصارى - الناطقين بلغة الضاد. وبطبيعة الحال, فإن الرسالة النبوية الشريفة والديانة الإسلامية هي من إحدى الركائز المهمة جداً في تكوين الشخصية العربية. فالديانة والأخلاق المتفرعة عنها تلعبان في كل المجتمعات دوراً مهماً, إنما لا يمكن أن يكوّن الانتماء الديني الرابط القومي الأساسي, فالدين دعوة إيمانية وأخلاقية لا تعرف حدود المجتمعات الجغرافية وحواجز اللغة أو العرق. لذلك, فلا يمكن بناء قومية سياسية واقتصادية على أساس الدين وإن كان للدين تأثير في تركيب الهوية, إنما هو عامل من بين عوامل عديدة في صياغة الهوية الجماعية.

          إن عجزنا في ممارسة القومية الاقتصادية وإهمالنا الكامل لخطورة هذا العجز وعواقبه الوخيمة على مجتمعاتنا, قد جرّنا كعرب إلى معارك عقائدية لا حصر لها فيما بيننا حول طبيعة هويتنا وهوية مجتمعاتنا المتنوعة.وقد ضاعت قدراتنا الإبداعية والعلمية والتقنية في قلاقل متواصلة وتخبّط بين عروبة ثقافية ولغوية وإسلام سياسي وصحوات دينية.

          وقد جعلتنا هذه القلاقل ننسى أن النجاح في الممارسة العلمية والتقنية والاقتصادية هو سرّ تماسك أي مجتمع, مهما كبر أو صغر حجمه, وأن الوجود الفاعل في النظام الدولي والحصول على الحقوق المشروعة في العيش الكريم ضمن أسرة الأمم لا يمكن تحقيقه في ظل العجز والاستهتار في هذه المجالات. إن النجاح في هذه الميادين يتطلب ممارسة جماعية وليس فقط السعي إلى النجاح المادي الفردي, ويتطلب كذلك توجيه كل جهود النخبة العربية, الفكرية, السياسية والعسكرية في كل أقطارنا إلى إقامة مثل هذه الممارسة والنجاح فيها.

          وعندما نقوم بمثل هذا التحول الجبار, ستزول هذه الحالة القلقة المتواصلة والمتعددة الجوانب حول هويتنا,والتي فجرت العديد من الفتن بين أقطارنا وداخلها, وستصفى العلاقات السياسية بين الأقطار العربية, وداخلها بين الفئات الاجتماعية أو المذهبية أو العرقية المختلفة, وسنحظى باحترام العالم بدخولنا مجالات العلم والتقنيات والإنتاج, وسنكون مطمئنين إلى سلامة هويتنا الثقافية واللغوية العربية.

 

جورج قرم   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات