قارئ الليل

قارئ الليل
        

شعر

قارئ الليل

يقيّضُ أخيراً للسكينة
أن تفرش خيمتها الحريرية
على أرض الجسد
كأنّها بستان.
حتى السماء تُبطئُ
حركاتها الفلكيّة, وتُطلعُ
بضعَ نجماتٍ ساحرة.
الغسقُ ملكٌ أقتم. موكبهُ
يرتدي السواد, مع لمعةٍ
من ذهبٍ هُنا,
أو خيط فضّة هناك.
هكذا يبسّطُ الليل
تعقيدات الخليقة
كما تمسحُ يدُ العاشقة
تجاعيدَ وجهٍ قطّبتهُ الأحزان
ويقلبُ صفحةً أخرى
في كتابي
كأنه هو القارئُ
لا أنا.

جبل القدّيس

السماءُ سجّادةٌ
فارسيّة تلفّها يدٌ
غيرُ مرئية, ساطعة النقوش, فوق سنام
الجبل القريب
جبل سان برونو.
أراهُ من نافذتي
الشرقيّة, حوتاً من تُرابٍ
وديانُه الورديّة عند الغروب تملؤها الظلال
حتّى يزحفَ الضبابُ من البحر
ويُخفيه في غلائله البيضاء.
مرّة ذهبتُ أتسلّقه, وسرتُ
على القمّة.
واليومَ أسيرُ في البيت
كمن أضاعَ شيئاً, وكلّما
بلغتُ النافذة
تطلعتُ شرقاً
وألقيتُ عليهِ, خلسةً,نظرة.

هو الذي يأتي

يأتي من المدى, لا نعرفُ متى, يأتي
لكن بعد وقتٍ
نصبرُ فيه طويلاً
نأكلُ فيه خبزَ الحكمة المُرّ
قد تكون ليلة
أرقة
قد يكونُ عمراً يمرّ في رمشة عين. 
بين اتجاه السّهم
وخطوة المسافر
بين غناء زيزان الحصاد كآلات خياطة قديمة
وصمت الحقول المثقل بذكرى
آخر الأعاصير.
دودةٌ تسقطُ من أنف إنكيدو:
وإذا به, جلجامش
لا ملكٌ هو, وما من أوروك.
ليس سوى فروة الذئب, والبراري.
يأتي من المدى, يأتي. لا أحدٌ يدري متى,
أو أين.

الواحدة والأخرى

امرأةٌ
سلتها مليئة بالفاكهة
تغادرُ بستاناً وتتركُ
البوابة
متأرجحة
تصرُّ
كأرجوحةٍ صدئة
لعلها هي نفسها من تهربُ
ممزقة الرداء
في أزقة
الليل
هي نفسها من أبحثُ عنها في الطرقات
ولا ألقاها إلا في ذاكرتي:
واحدةٌ
تعبرُ متمرئية
في الأخرى
والأخرى, دوماً, واحدتي.

رجلٌ خلف ستارة

ماذا يملأ عيني رجلٍ
مريض بالقلب خلف ستارته
عندما يرى
طفلتين تلعبان في أرجوحة
ويسمعُ صوتهما
الشبيه بالغناء عند الغسق
مختلطاً بصرير سلسلةٍ
صدئة...
هل تذكّر المبضعَ الصامتَ
حين غزا بُستان طفولته الضائع
الخبيءَ في أدفأ زاويةٍ
من زوايا قلبه
المهزوم?
شيءٌ لا اسم لهُ
يثقبُ الغروب, كلّ غروبٍ منذ الآن
كجلدٍ قديمٍ نضاهُ عنهُ
في سرير مستشفى.

 

سركون بولص   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات