ماء ودماء

ماء ودماء
        

          صباح اليوم الأول للكارثة استيقظ الناس صباحاً يريدون الاغتسال, وشرب الماء, والقهوة, والشاي, أو أي مشروب آخر. ولكن المياه كانت مقطوعة, فاضطر من ليس لديهم خزانات احتياطية إلى استخدام زجاجات ماء الشرب الموضوعة في البرادات. ثم خرج الجميع غير مبالين, آملين بأن المياه ستكون قد عادت حين رجوعهم ظهراً. ولكن الدهشة سيطرت عليهم عندما التقوا جميعا في الخارج. فكل شخص في المدينة يشكو انقطاع المياه. مما جعل الناس يظنون بوجود عطل كبير في شبكة المياه الرئيسية, مما يعني أن انقطاع المياه سيستمر لساعات, وربما لأكثر من يوم. فعزم الجميع وهم في طريق أوبتهم على شراء بعض زجاجات ماء الشرب, على الأقل. ولكن عبوات الماء على أنواعها كانت غير متوافرة في المتاجر جميعها, فلقد بيعت كلها بأضعاف ثمنها باكراً, بل إن جميع أنواع الشراب والمرطبات نفدت أيضا من جميع الأسواق!

محاولة للخروج من المعضلة

          اقترح أحدهم وسط أحد الحشود المنتشرة بفوضى في الشوارع بحثا عما يمكن شراؤه من بعض الماء بأي ثمن:

          - ليأخذ كل منكم أوعية مناسبة, ولنذهب إلى النهر فهو لا يبعد كثيرا عن المدينة, وليحضر كل منكم حاجته ريثما تعود المياه إلى مجاريها.

          فارتفعت الأصوات المؤيدة:

          - أجل.. هيا.

          اقتنع كل من سمع بالفكرة, لأنهم وجدوها الحل الأنسب, ريثما تحل أزمة المياه المفقودة. ثم انطلقوا جميعاً في السيارات والحافلات نحو النهر. وعندما وصلوا كانت المفاجأة أكبر من تخيلها, حتى في أسوأ الأحوال, فلقد وجدوا الكثير من الذين سبقوهم عائدين بخيبة.

          فمجرى النهر كان جافاً تماماً, حتى لم يكن في قاعه ثمة طين, بل كانت أرضه ناشفة, متشققة!

تقارير المؤسسة العامة للمياه ومركز الأرصاد الجوية

          تلقت المؤسسة العامة للمياه الكثير من الاتصالات منذ ساعات الصباح الأولى حول انقطاع المياه الذي تبين أنه يشمل أراضي البلاد كلها.وأبلغت المؤسسة المتصلين أن الأمر مجرد عطل طارئ سجل قريبا, كي لا يسود الذعر وتعم الفوضى بين الناس. فالمؤسسة حتى الآن لم تجد أي سبب واضح لانقطاع المياه المفاجئ من الآبار.

          أيضا مراكز الأرصاد الجوية لم تجد أي تفسير لنضوب مصادر المياه الطبيعية, بل أكدت أن درجات الحرارة ستواصل ارتفاعها إذا استمر نضوب المياه السطحية, والجوفية, وأن هطول الأمطار غير وارد لانعدام الغيوم. مما يهدد بيباس المزروعات ونفوق الحيوانات, بل الأهم والأخطر, ينذر بموت البشر عطشاً!

الاضطرابات تعم البلاد

          انطلق الناس جميعهم في الشوارع يطلبون من الحكومة تأمين مياه الشرب على الأقل.

          كما عمت المظاهرات البلاد, ورفع العطاش زجاجات الماء الفارغة إعلاناً عن حاجتهم إلى الماء أولا, وقبل أي شيء, ومطالبين الدولة بتأمين المياه بأقصى سرعة ممكنة.

          ثم اجتمعت الحشود أمام مؤسسات المياه وقاموا برمي النوافذ بزجاجات الماء الفارغة, وبعضهم كسروا الأبواب, واقتحموا المباني, وأشعلوا فيها النار, متحدّين رجال الإطفاء في إخماد الحريق دونما ماء!

          حتى أن الشرطة اضطرت لتفريق المتظاهرين الذين كادوا أن يقتحموا وزارة الري باستخدام الخيار الأقسى, واستعمال القنابل المسيلة للدموع, لأن صهاريج المياه المخصصة لمكافحة الشغب كانت فارغة!

بيانات حكومية

          في اجتماع طارئ حضره جميع المسئولين في البلد, لم يكن على الطاولات كئوس ماء كما جرت العادة.

          قال رئيس الحكومة, الذي بدا أنه لم يحلق ذقنه, موفرا ما بحوزته من ماء للشرب:

          - الأمر لم يعد سرا.. فلم يعد لدينا في خزانات المياه الاحتياطية سوى القليل.

          ونحن غير ملومين في ذلك فالأمر خارج إرادتنا. فهذه الظاهرة الغريبة عالمية.

          فلقد نضبت حتى البحار والمحيطات على الكرة الأرضية بكاملها, ولم يعد لدينا أي مياه لتحليتها. وعندما اتصلنا مع الدول المجاورة للقطبين لإحضار كتل من الثلج لتذويبها, وجدنا أن الثلوج اختفت. وأيضا لم يبق في السماء ثمة غيوم يمكن إمطارها صناعيا!

نشرات الأخبار

          ظهرت على شاشات التلفزيون مشاهد من جميع دول العالم تظهر: قيعان المحيطات والبحار التي جفت, ولم يبق في أعماقها غير الحيوانات البحرية والأسماك الميتة! حتى القطبان كانا مجرد أرض جرداء, مبعثرة فيها هياكل عظمية لحيوانات القطب, مثل البطاريق, وغيرها! كما ظهرت المستشفيات التي لا تستطيع, تقديم أي دواء لإنقاذ حالات الموت الجماعي للبشر, خاصة الأطفال, وكبار السن وسكان الدول الحارة.

          وأخذت المقابر تتسع مكتسحة المدينة بالجثث المتفحمة عطشاً, دونما الاكتراث بدفنها.

تقرير منظمة حقوق الإنسان

          لا نستطيع إرسال مراكب فضائية للبحث عن الماء في الكواكب الأخرى لضيق الوقت فهذا الأمر يحتاج إلى زمن طويل. لهذا نعلن بكل أسف عجزنا عن تقديم أي مساعدة.

          ولا نملك سوى الرجاء أن يكون ثمة حل قبل موت الناس ظمأ, وفناء الحضارة البشرية!

          بل لم يبق أمامنا سوى دعوة كل الطوائف والمذاهب الدينية في العالم لإقامة صلاة استسقاء عالمية.

توصية سرية في ختام مؤتمر طارئ للدول العظمى

          لأن الماء لم يعد متوافرا بغير الأجسام الحية, فإننا نقترح استخراج الماء من الدم كمصدر وحيد, ومعالجته لجعله صالحا للشرب!

          ولأن الحيوانات لم يبق منها سوى عدد قليل, فبقاؤها حية, يحتاج إلى أكثر من المياه المصفاة منها.لهذا يجب وضع دراسة سريعة لاستخلاص الماء من الدم البشري للذين لم يموتوا عطشا!.

 

سامر أنور الشمالي   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات