رفيق المعلوف ود. علي زيتون

  رفيق المعلوف ود. علي زيتون
        

الشاعر الذي لا يعرف لغته لا يمكنه إنتاج شعر جميل

          عندما يقع المرء فجأة على ديوان شاعر كبير كديوان رفيق المعلوف, تأخذه الدهشة ويتساءل لماذا تأخّر التعرّف إلى هذا النتاج ما يزيد على نصف قرن? ولماذا لا يصدر شاعر المجموعة الأولى من أعماله الشعرية حتى يتجاوز السبعين من عمره? هل يتصل ذلك بمذهبه في النثر ورفيق المعلوف ذو مذهب في ذلك, أم أن ظروفا نجهلها قد حالت دون اتصالنا به طيلة هذه المدة?

          تدخل بيت هذا الشاعر وأنت جاهز قد أعددت أسئلة تمسك بأهم المسلكيات التي ينيرها عمله الإبداعي, ولكن بعد أن تجالسه تجد نفسك أمام تداعيات يصعب حصرها تتجاوز الأسئلة التي فرضتها المقدّمة النقدية الطويلة التي صدّر الشاعر بها الديوان.

          أنت أمام صحفي عمل في هذا المجال لمدة خمسين سنة كانت المقالة الواحدة تستغرق منه شهراً كاملاً لإنجازها. ويدل هذا التأني على همّ تجويدي قائم على احترام بالغ لكل من القارئ والعمل الأدبي معا. كيف لا, ومذهبه الشعري هو الاهتمام الشديد بالصياغة جريا على المذهب البرناسي الذي ينتمي إليه? وبرناسيّة رفيق المعلوف تذكر بأدبية الأدب التي جاء بها الشكليون الروس, تلك الأدبية التي لا تفصل الشكل عن المضمون, بل ترى فيه المضمون نفسه وقد أعيد تشكيله في محاولة تخلص الأدب من هيمنة الحقول المعرفية الأخرى.

          ويبقى أن محاورة رفيق المعلوف لا تضعنا وجها لوجه أمام مذهب شعري أو آراء نقدية فحسب, ولكنها تصلنا بالهموم الأدبية والثقافية والقومية والإنسانية لجيل الروّاد من شعرائنا. ولعلها تشكّل بسبب ذلك وثيقة مفيدة من وثائق تاريخنا الثقافي المتعلق بنهايات عصر النهضة.

          وفي هذا الحوار يلتقيه د.علي زيتون أستاذ الأدب في الجامعة اللبنانية.

  • يجب أن نؤمن لهذا الجيل كتاباً عربياً جميلاً يقرأه فيقبل عليه
  • أنا قلق, فالأدباء العرب حالياً يتجهون للكم لا الكيف
  • لا بديل عن اللجوء إلى الاجتهاد حيال متغيرات الحياة الهائلة
  • الشعر الصوفي هو وحده القابل للتأويل
  • الشاعر متملّك لثقافة عصره بامتياز. فما محطات وتحوّلات سيرتك الثقافية?

          -  تعمّقت في دراسة التراث العربي, وتابعت حركة المدارس الأدبية الحديثة بصبر. ولقد اطلعت على النتاج الأدبي الأجنبي من خلال اللغتين الفرنسية والإنجليزية, وإن كان اهتمامي بالفرنسية أوسع وأغنى. ولم يمنعني ذلك من الإطلالة الوافية على الأدبين الروسي والألماني. كما لم أنس الشرق, إذ كان لي مع الأدب الفارسي لقاء بالغ الغنى, ويبقى أن همّي الأساسي كان منصبّاً على الثقافة العربية.

  • انفتح العرب على تيارات فكرية عالمية كالوجودية وغيرها, ما كان موقفك?

          -  لا أؤمن بأن التيارات الفكرية والسياسية الآتية من الغرب ذات تأثير عميق في حياتنا.

أممية الثقافة

  • هناك مَن يرى أن الفكر والثقافة ملك البشرية جمعاء?

          -  لا أؤمن بأممية الثقافة, أعتقد أن لكل أمة حدودها الثقافية الخاصة, قد تتلاقى الثقافات وقد تتقاطع, ولكن لن تكون هناك ثقافة عالمية, عولمة الثقافة مسألة نظرية غير واقعية.

  • من أساتذتك القدماء والجدد في الشعر?

          -  تأثّرت بالشعراء القدامى جميعهم وخصوصا الجاهليين الذين كان لهم تأثير كبير في صياغة لغتي الشعرية. هذا بالإضافة إلى القرآن الكريم, وإلى الكتب السلفية القديمة التي تمتلك وهجاً لا يخبو. وكانت لي عودتي المتأنية إلى الشعراء العباسيين, المتنبي وأبي تمام, والبحتري, والشريف الرضي وغيرهم من رعيل الشعراء الكبار الذين تأثرت بصياغتهم إلى حد بعيد. ولقد اهتممت من بين الشعراء الجدد بالسيّاب وحاوي والبيّاتي. وكان اهتمامي يزداد بمقدار ما يقترب الشاعر الجديد من التفعيلة التي تحدث الرنين العميق في النفس, وإن كان هذا لا يعني أنني أمثل كل ما أتى به الشعراء الكلاسيكيون. لم أجد إلا القلائل منهم من سمق إلى درجة الشعرية الرائقة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن من بين مَنْ تخلى عن العروض تخليا كاملا قد أنتج ما هو جميل وإن كنت لا أدرج هذا في دائرة الشعر.

  • ما رأيك ببعض معاصريك: البارودي وشوقي ومطران?

          -  البارودي وشوقي شاعران كبيران, أما خليل مطران فذو لغة معقدة جدا. وهنا لا بد من أن أذكر أمين نخلة الشاعر الكبير الذي غمط حقه بسبب إيمانه العميق بتراثه. ويجب أن أذكر أيضا الشعراء العامليين الذين يتصفون بطبيعة خاصة, وينحون منحى صوفيا, ويواجهون مشكلات النفس العميقة والمتجذّرة, ومن بينهم الشيخ علي مروّة مختار جباع الذي اطلعت على ديوانه الذي يمكن أن يكون قد ضاع. ومن الجدير بالذكر أنك قلما تدخل بيتا عامليا ولا تجد فيه شاعرا. والحديث عن الشعر العاملي يصلنا بالشعر الفارسي بشعر سعدي وحافظ وإن كنت أؤمن بأن اللغة قوام الشعر. والشاعر الذي لا يعرف لغته لا يمكنه أن ينتج شعرا جميلا. وبعض المحدثين لا يعرف العربية بشكل مقبول.

          ولقد فاتني أن أشير إلى أنني أعجبت بنتاج الشيخ إبراهيم اليازجي الشعري والنثري وتأثرت به, كما أعجبت بنتاج إخواننا من الشعراء المعالفة خصوصا بنتاج الأخوين فوزي وشفيق. ومن الجدير بالذكر أن في العائلة المعلوفية اثنين وسبعين شاعراً أنتجوا ما يمثّل تراث العائلة الأدبي. وأنا أنتمي إلى المدرسة المعلوفية.

رواج التسلية

  • عزوت تراجع أدبية الصحافة إلى تحوّل الجيل عن الكتاب. كيف?

          -  الكتب التي قرأ فيها أبي وعمي ووالد زوجي, وزوجي معلوفية, طبعت في القرن التاسع عشر. وهي كتب محرّكة ومشروحة تلذ القرّاء ويستوعبها الذهن بيسر. أما الكتب التي تطبع هذه الأيام, فلا تجد فيها حركة أو ضابطا, وهذا عامل منفّر من القراءة, وإقبال الأوربيين على القراءة مرتبط بحرفهم وبطباعتهم. أما نحن, في الشرق, فمجافون للكتاب, بسبب الطباعة السيئة. نحار في كلمة ما أهي (مهندسيين) أم (مهندسَيْن). والقارئ يجب أن يفهم قبل أن يقرأ, وهذا مضنٍ لا يتحمله الإنسان المعاصر بسبب ضيق وقته.

          ثمة أمر بالغ الخطورة, فكتب التسلية هي الأكثر رواجا, والناس يقبلون على الصحافة وهي تهتم بالإثارة أكثر من اهتمامها بالحقيقة. أين من كل ذلك (المفكرة الريفية) التي إذا بدأت صفحتها الأولى لم تدعها حتى تصل إلى صفحتها الأخيرة لما فيها من حياة وجمال.

  • أنت تألم من إقبال الأبناء على الأدب الأجنبي. ما نصيحتك لهذا الجيل?

          -  لا أسدي النصيحة إلى الجيل, بل إلى الحكومة وإلى دور النشر, يجب أن نؤمن لهذا الفتى كتابا عربيا جميلا يقرأه فيقبل عليه كما هي الحال في أوربا. أعرف سلسلة مكوّنة من أربعمائة كتاب باللغتين الفرنسية والإنجليزية يتعلق بها أولادنا كما لا يتعلقون بلعبهم, ونحن حين نعثر على الجيّد باللغة العربية, نجده موجّها توجيها مضرّاً بمصالح الأمة.

  • اشتغلت بالمقالة الصحفية خمسين سنة, إلى أين تتجه المقالة اليوم? هل أنت قلق بشأنها?

          -  أنا قلق جدا, لأن الأدباء العرب اليوم مقبلون على الإكثار, وعلى الكميّ على حساب الكيفيّ. فهم مجبرون على كتابة أكثر من عشرين مقالة في الشهر من أجل الحصول على أود الحياة. وأقول: إنني بصدد كتابة مقدمة للمجموعة الصحفية الخاصة بي. وهي مجموعة قوامها تسعة مجلدات. عملت على إخراجها ثلاثة أشهر متواصلة كما يعمل الرهبان, وقامت زوجي بصفّ حروفها على الكمبيوتر تمهيداً لنشرها, وكنت لا أكتب في الشهر الواحد سوى مقالة واحدة: ومَن يكن أميناً على جودة نتاجه لا يمكنه أن ينتج أكثر من مقالة واحدة في الشهر. فالكثرة مثار للتكرار والإعادة بعيدا عن الخلق والإبداع.

الحداثة الملتبسة

  • هل قرأت أدونيس?

          -  أنا لا أؤمن بأدونيس مع أنه صديقي. بدأ شاعراً حقيقياً ممتازاً. ذهب إلى باريس, فمال عن الخط الفني الذي بدأه, وأنا لا أفهم شيئا مما كتبه في المرحلة الأخيرة. وهنالك الكثيرون ممن أقدّرهم كأنسي الحاج, الموجود في النهار, والذي يكتب خرافات أحيانا, وإن كان لديه شيء اسمه القصيدة النثرية.

          لقد التبست الحداثة علينا. الحداثة التي جاء بها زميلي يوسف الخال. كان يعمل للأمريكيين. وتوجهه السياسي يستهدف القضاء على التراث العربي كله. نشرت في مجلة (شعر) بعض مقالاتي مع عدم رضاه, فهو مضطر لمسايرة الرأي الآخر أحيانا. ومع موقفه السلبي مني بسبب موقفي الإيجابي من التراث, فإنني لا أرى ما رآه بعض اليساريين بأنه عميل أمريكي, كان معجباً بالثقافة الأمريكية, ومع إيماني الشديد بتراثنا فإنني أرى ضرورة مناقشة النصّ الديني الذي لا يجرؤ أحد على مناقشته. هذا جزء من أزمتنا الثقافية الآن. ليس المطلوب أن نخرج على النص المقدّس. المطلوب أن نقرأه قراءة جديدة متناسبة مع عصرنا وثقافتنا. باختصار أن نلجأ إلى الاجتهاد حيال المتغيرات الهائلة التي طرأت على الحياة, وسيرة الراشدين تشجّع على ذلك, خصوصا إذا اقترن الاجتهاد بالضوابط, لكي لا يصبح التجاوز هو القاعدة.

          ومع كل ذلك, علينا أن ننهل الأدب والفكر والثقافة من ينابيعها التراثية, وذلك لكي نستطيع أن نقوّم الحركات المعاصرة, فنقول إن أندريه بروتون معه حق أو لا. فإذا كان نتاج بروتون ملائما للأمة الفرنسية أو لا, نستطيع أن نتساءل إذا كان ملائما لأمتنا أم لا.

دائرة الجمال

  • هل المطلوب أن تنهل الأجيال من معين واحد?

          -  للبناية أسسها ولا تشاد على رمال. على الشاعر أن يقرأ التراث بجاهليّه وإسلاميّه, وعباسيّه, بصوفيّه ونهضويّه ليستطيع أن يتقدم ويتجاوز ما كان. لا جديد إلا على أساس القديم. ولا أطلب بذلك أن يكون الشاعر مقلّدا أو ممسوخ الشخصية. ما أريده فاعلية الحديث المتصل بالجذور.

  • ما علاقة النص الشعري بمرجعه الواقعي?

          -  يحسّنه ويجمّله ويرغّب فيه. قد يكون الواقع جميلاً أو قبيحاً, ولكنه عندما يتوضّع في النص يخرج من أسر ثنائية القبح والجمال ليدخل دائرة الجميل وحده. يرفع النص الشعري الواقع إلى مستوياته الرائعة.

  • هل تعني بذلك أن النص يعيد إنتاج اللغة?

          -  لاشك, النص يجمّلها بقدر ما هي سرّ بلاغته, وتزويج الكلمات والحروف في نغم هو من أهم أسرار البلاغة. ويجب عدم الاكتفاء بمقولة مطابقة الكلام لمقتضى الحال, تقرأ نصّاً لأمين نخلة فتشعر بأنك تتخطى الأزمنة, وأن الزمن يأكل من كتفك ومن حياتك. إنه التزويج الخلاّق للكلمات والحروف في نغم.

  • تحدّثت عن الرؤية العميقة, ما دور الرؤية في تكوين شعرك?

          -  يولد النص الشعري من حشرجة في النفس, يبدأ بكتابة نصه عندما يتملّكه إحساس بشيء غامض يؤدي إلى تولّد الرؤيا التي تمكّنه من رؤية مريم العذراء, أو زهرة جميلة في بستان, أو الإمام علي يركب حصانه وبيده سيفه, يعني أن الحال النفسية تساعد على اكتمال الحلم الذي يتقاطع مع رؤية الشاعر إلى العالم فيصبح قادرا على كتابة النص.

الحرية والخصوصية

  • هل للأخلاق دور فيما هو شعريّ?

          -  نعم, يجب ألا يكون الشعر هدّاما, وإن كان من الممكن أن يتخطى القيم والمفاهيم بحدود معينة, وذلك من باب حرص الشاعر على حرّيته وخصوصيته.

  • يتراءى لقارئ مقدمة ديوانك أن الحد الفاصل بين نتاج حركة الحداثة ونتاج ما قبلها خط رفيع مع أن هناك من يقول بأن الفارق جوهري?

          -  أريد التأكيد على شيء أساسي هو أنني لا أعتقد بأن هناك حدّا فاصلاً بين القدم والحداثة. هناك نوع من الإخراج الذي يختلف فيه القديم عن الحديث.

  • لمَ أمعنت في شرح شعرك وفق منجية متعددة المستويات?

          -  لي هدف تعليمي من وراء ذلك. عندما أقرأ شعري على من لا يفهمه, قد يطرب لموسيقى النص, ويعني هذا الطرب أنه قد حصّل المعنى جزئيا من خلال الموسيقى, ولو قرأت له شعرا عاديا لفهمه من غير أن يطرب. والمطلوب أن نقرأ له شعرا جميلا فيفهمه ويطرب له في آن معا, شرحت الديوان للجيل الذي لا يفهم العربية جيدا, وللأسف أن لغتنا تموت لأننا لا نشرحها.

  • يرى النقد الحديث أن النص الإبداعي مثار لتعدد القراءات, فكيف يقطع الشرح, عندك, دابر التأويل?

          -  أنا ضدّ هذا الرأي الذي تقول به نظرية التلقّي, الشعر الصوفي وحده قابل للتأويل. أما ما عداه فلا, والشعر الذي يؤول ليس شعرا, عندما نقرأ شعرا يجب أن نفهمه.

مفكرة ريفية

  • يكتشف قارئ نصّك أنك تشكّل مع أمين نخلة مدرسة واحدة, من أمين نخلة? ماذا يمثّل لك? وهل تشكّل معه مرحلة شعرية لها صفاتها ولها دورها?

          -  أمين نخلة شاعر مطبوع, مجدد في صياغة الشعر, برناسيّ يؤمن بجمالية المبنى شرطا أساسيا لجمالية الشعر. ومعانيه ممتازة يصوغها صياغة نادرة المثيل, فهو صنّاع من الطراز الأول, إنه ابن الشاعر رشيد بك نخلة واضع النشيد الوطني اللبناني, بيته من أكبر بيوتات الشوف وأعلاها زعامة. المهم أنه تربّى في بيت أدب وشعر. وجهه والده إلى المحاماة ليحافظ على استمرارية الزعامة في الشوف. ولكن أمينا كان يعمل في المحاماة يوما, وفي التنجيم يوما, ويكتب الشعر في يوم ثالث, تزوج من امرأة محترمة من آل الطرزي, ولكنه لم ينسجم معها ومع أهلها الذين كانوا من كبار تجّار بيروت, وأمين عباد للجمال إذا عاندته كلمة ولم تستقر مكانها في سياق نصّه ارتفعت حرارته.

          كان مدرسة بذاته وبطريقة مقاربته الشعر والأدب, وهو ثائر عظيم, و(المفكرة الريفية) آية من آيات الجمال, وهو مع كل ذلك يعاني بعض المشكلات النفسية, قضى حياته بوهيمياً لا يقيم وزناً لأي شيء. أضاع ثروته وعاش فقيراً حتى عطف عليه بعض أمراء الخليج. أنا تأثرت به, نصحني بأن أتعب على لغتي لكي أكون شاعرا كبيرا. وهكذا صرت برناسيّا, فالأدب تسعون بالمائة منه مبني خصوصا أن الشعراء لم يغادروا من متردم.

  • هل جاء التجديد في شعرك وشعر أمين نخلة بناء لرغبة في البرناسية أم أنه وليد مناخ ثقافي محدد?

          -  أنا سليل العائلة المعلوفية نسبا دمويا, ونسبا شعريا. وشفيق المعلوف يضاهي أمين نخلة في توجهه البرناسي.

الانتساب إلى اللغة

  • اعتصمت بقوة بعمود الشعر العربي مع أنك نحوت منحى تجديديا واضحا, ما السبب?

          -  لا يمكن للإنسان أن يخرج من طبيعته التي فُطر عليها, ولقد تم تجديدي بناء على التراث. ومن لا يعرف حقيقته ونسبه الثقافي لا يعرف شيئا, وكل حداثة تطرأ يجب أن تستند إلى الماضي الأصيل, ماضي الأمة وتراثها, أقرأ في جريدة (الليموند) الفرنسية نصا لشاعر من منطقة بريتانيا الفرنسية وأتذوقه. ومع ذلك فإنه لا يمكنني أن أنسج على منواله. فلكل لغة عبقريتها التي يتحدّر منها بيانها وبديعها ونحوها وصرفها وجماليّاتها كلها. والحداثة يجب أن تنتسب إلى لغتنا لا إلى أي لغة أخرى.

  • شكّل الخيّام في (خيمة الخيّام) مرآتك إلى الوجود, ما سبب قلة اعتمادك على هذه التقنية الفنية في شعرك?

          -  الخيّام مدرسة, نصّه عميق, والناس يعتقدون إنه سكّير وبوهيميّ, هذا خطأ. الخمر عنده كما هي الحال عند المتصوّفة رمز شعري وعرفانيّ. كان الخيام عالما ومفكّرا, قرأته بعمق فوجدت أنه شيخ الصوفية وإمامها. يمثل المناخ الثقافي الشرقي بأبهى تجليّاته. وهذا ليس غريبا بالنسبة إلى الفرس الذين برز بينهم شعراء كبار.

          وقصيدتي في الخيّام متعددة الأبعاد, متعددة الأصوات كالسيمفونية, وفيها الكثير من الذاتية والعمق التاريخي.

  • أخذ الديوان اسمه من قصيدة (وادي الشجن) التي تعبّر عن إدانتك اتفاق الحكم الذاتي المؤسس على مقولة (غزة أريحا أولاً). هل يشكل ذلك علامة ما?

          -  لذلك دلالة شديدة الحضور في حياتي وشعري, عندما وقعوا على اتفاقية أوسلو سقطت القضية إلى مستوى المصالحة مع الزور. كيف نحاور مَن سرق الأرض, وزوّر التاريخ, ورمى بشعبنا إلى الطرقات, وخرّب المنطقة كلها مدعوماً من قوى عالمية غاشمة, الإسرائيليون وراء كل ما حدث في لبنان, وكل النكبات التي حلّت بالعالم العربي بعض صنيعهم. وجزّار كشارون يحصل على 75% في استطلاع الرأي الإسرائيلي, وهو رجل سلام عند بوش غير مسموح أبدا لأي فلسطيني بأن يمدّ له يده.

          وقصيدة (حوار وادي الشجن) تعبير عن همّي الأعمق في الحياة, وتعبير عن صفاء نظرتي إلى الفن.

مؤتلف ومختلف

  • تحمل بعض القصائد المنضوية تحت عنوان (مدائن صالح) همّا إنسانيا واضحا, كيف يتراءى لك مصير البشرية على الأرض?

          - تعبّر هذه القصائد في (مدائن صالح) عن انحطاط الإنسان المعاصر ونكبة الحضارة البشرية المعاصرة, وتخلّفها, وتقهقرها مع كل مظاهر التمدّن. وهو ليس تمدّنا حقيقياً على كل حال.

  • ويحمل بعضها الآخر همّا قومياً, إلى أين تتجه قضيتنا المركزية? وأنت متشائم أم متفائل?

          -   المشكلة كبيرة, فالعرب, بشكل عام, لم يدخلوا في عملية نقد ذاتي لوجودهم وكيانهم من أجل الشروع بعملية تصحيح تاريخية ينصهرون معها في مجتمع متطوّر. أنا متشائم جدّاَ.

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات