مساحة ود

مساحة ود
        

عروس

          عندما عدت من العمل, قابلتني أمي وهي تمسك بمجلة, وقبل أن أدخل إلى غرفتي وأطمئن على طفلي أسرعت بسؤالي (تخيلي... من صاحبة الصورة?!), وابتسمت وهي تضع يدها على الأسماء المدونة أسفل الصورة.

          كانت الصورة لعروس يوم زفافها تتأبط ذراع العريس وقد التف حولهما الأهل والأصدقاء.

          أجبت أمي: (هل أعرفها?!).

          فقالت: (تعرفينها جيداً).

          إجابة أمي جعلتني أدقق أكثر ولكني لم أصل إلى شيء, فأزاحت أمي يدها عن الاسم.

          - (ياااه... رشا, لا أصدق, لقد تغيرت تماماً, يا الله!!).

          كانت (رشا) صديقة طفولتي, تعرفت إليها منذ التحاقي بالحضانة, وحتى المرحلة الإعدادية بالمدرسة نفسها, وكنا نركب سيارة المدرسة رقم (9) لأننا نسكن في حي واحد.

          توطدت علاقتي بها أكثر, ليس لهذه الأسباب فحسب بل لأن شقيقها كان زميل شقيقي في مدرسته أيضاً, والأغرب تماثل اسم الشقيقين (وائل). وأثناء عودتنا من المدرسة كثيراً ما كانت تحكي لي عن أمها التي تدير شركة للتصدير والاستيراد والتي تستلزم سفرها إلى أوربا كثيراً, وفي كل عام كانت (رشا) تهديني يوم عيد ميلادي هدية جميلة وغريبة من تلك العينات التي كانت تحضرها والدتها. تذكرت تلك (اللمبة) التي كانت لها أسلاك ملونة تدور عند تشغيلها وتتراقص مثل الفراشة, وقد كان ذلك غريبا ومدهشا قبل ما يقرب من عشرين عاما.

          في أحد الأيام أحضرت (رشا) معها صور حفل زفاف أخيها الأكبر, كنا نشاهد الصور في سيارة المدرسة أثناء عودتنا وكانت تحكي لي عن أمها التي وعدتها بأن تكون أجمل عروس في المدينة عندما تكبر وستجعلها ترتدي ثوبي زفاف في يوم واحد. رحت أستغرب الفكرة وأنا أتخيلها وأحكي لأمي في المساء عن (رشا) وأمها وأسألها إن كان ذلك ممكنا! وهي تضحك من أفكارنا جميعا.

          مرت السنوات مسرعة بين (أتوبيس) المدرسة والفصول والمشاجرة والتصالح والضحك والدموع دون أن ندري, حتى قررت (رشا) أن تقوم بإجراء معادلة دراسية تستطيع بها أن تهرب من صعوبة الثانوية العامة, حاولت إقناعها بالعدول عن فكرتها دون جدوى وهكذا ضاعت كل الخيوط بيننا حتى تلك اللحظة.

          وفي الحجرة أمسكت بالمجلة مرة ثانية, وأنا أداعب خصلات شعر طفلي, كانت هناك صورتان أعلى الصفحة التالية وكانت (رشا) ترتدي في كل صورة (فستان) زفاف مختلفاً تماما عن الآخر وقد كتب أسفل الصورتين (ثوبا الزفاف الأسطوريان من تصميم والدة العروس).

          ضحكت وأنا أغالب الدموع وأتخيل صديقة طفولتي وتلك الأيام, وغرقت في التخيل حتى كدت أحس برجرجة وضجيج أتوبيس المدرسة وصوت السائق الكهل والمشرفة وهما يناديان علينا لنستعد للهبوط.

 

نيفين عفيفي