بروتين المستقبل من بذور القطن

  بروتين المستقبل من بذور القطن
        

            مهما يكن من أمر, فلن يخطئ من يتنبأ بأن ما يتخذ من بذور القطن من صنوف الطعام, سيكون في الغد القريب من أشهى وأقيم ما يأكله الإنسان.

            إن زيارة مختبر بحوث بروتين بذور القطن, هي زيارة حافلة بالأمور المدهشة والمفاجآت السارة الباهرة. منذ عهد قريب, دعي أحد الصحفيين إلى زيارة المختبر, لتجربة وجبة طعام جديدة, وخاصة جداً. ولأنها كانت (وجبة تجريبية), فقد قبل الصحفي الدعوة, وهو في حالة من الشك والتردد. على أنه ما لبث أن غيّر رأيه, حين تناول أول قطعة من الخبز مع (سجقة) واحدة, فلم يتمالك أن هتف قائلاً: (هذا خبز بديع!). قال باحث كيمياء الأغذية والتغذية: (إنه مصنوع من دقيق بذور القطن, وكذلك السجق, فهو يحتوي على قدر من بروتين البذور). وقدم إليه طبقاً من حساء ساخن, وقال: (جرب هذا..). ولشدة إعجاب الزائر صاح من فوره: (هذا شائق للغاية, ومشبع.. أهو مصنوع من بذور القطن أيضاً؟).

            قال عالمنا: (هذا صحيح.. ولكن, ألا تجرب هذه الحلوى!!). وراح يعرض عليه صنوفاً من الحلوى والكعك والبسكويت لكي يتذوقها, ولدهشته وجدها, على حد قوله (لذيذة ورائعة, بحيث يصعب أن يتخيل المرء أنها تحوي أي قدر من بذور القطن).

            فيما بعد, كتب الصحفي: (كانت الوجبة كلها مدهشة.. فقد برهن الباحثون على أن صنوف الطعام المتخذة من بذور القطن, ليست فقط مصدراً غنياً للبروتين, ولكنها لذيذة الطعم أيضاً.. لكم أتمنى أن يعرف الناس, سر هذه البذور العجيبة المغذية!!).

بذور في طابور البروتين

            في إعداد طعامك اليومي, ينبغي أن يوضع البروتين في الصف الأول.. فهو أصل من أصول الغذاء الرئيسية. وإن الأصلين الآخرين (من سكرى, أو من دهنى),إن هما زودا الأبدان بالطاقة من مثل حرارة وحركة, فإن البروتين إنما يبني هذه الأبدان بناء, وهو الذي ينشئ أعضاءها إنشاء.

            وإن البروتين ليبدو بنظر باحثي التغذية على نوعين: بروتين حيواني, وبروتين نباتي.

            وتقتضي تنمية البروتين الحيواني, توفير قدر هائل من الطعام النباتي.. فالرطل الواحد من لحم البقر, يحتاج إنتاجه إلى ما بين 10 و12 رطلاً من الذرة. ومن أجل هذا, فالبروتين الحيواني, هو الأغلى ثمناً, وهو الأندر وجوداً في كثير من الأنحاء.

            ولأن البروتين له هذا الخطر العظيم في الغذاء, ولأن تكلفة البروتين الحيواني, تفوق قدرة شعوب الأرض الفقيرة على الشراء, فقد وجب استنفار العلماء. وقد ظل العلماء حتى الآن, يستهدفون في بحوثهم توفير مصادر جديدة, غير تقليدية للبروتين أو تحسين نوعية ما لدينا من بروتين نباتي. ومنذ بضع سنوات, بدأ باحثو التغذية يفكرون في بذور القطن, وما تنطوي عليه من بروتينات. وبحثاً من وراء بحث, أخذت تتراكم لديهم الكثير من الحقائق عن الإمكانات التكنولوجية والتغذوية الباهرة لهذه البروتينات, بعض هذه الحقائق جديد, خرج لتوه من المختبرات, وبعضها الآخر.. ولكن انتظر حتى تحكم بنفسك.

            بذور القطن Cotton Seeds, ليست فقط مصدراً لأهم محصول سليلوزي في عالمنا, وهو القطن, بل هي مصدر مهم أيضاً للبروتين, ولزيوت الطعام. ولإعطاء فكرة عن مكونات بذور القطن المقشورة الغذائية, نقول إن عينات منها حُللت, فخرج التحليل بالأرقام الآتية, في المتوسط: 6.28% ماء, و24.34% كربوهيدرات, و5.38% رمادا, و37.62% دهنا, و32.66% بروتينا. ولأنها غنية بالدهون, فقد استخدمت في استخراج أنواع من زيوت الطعام. إن البذور تعطي بالاستخلاص نحو ثلث وزن مكوناتها الصلبة زيتاً, أما الدقيق المتخلف عن نزع الزيت, فهو الكسب mial. وهذا منتج بروتيني مهم, حين قام الباحثون بتحليله كيميائيا, حصلوا على هذه الأرقام:

            6.37% ماء, و36.26% كربوهيدرات, و7.10% رمادا, و4.08% دهنا, و52.56 في المائة بروتينا. إن أخطر ما في الكسب, أن به قدراً من البروتين أكثر مما في أي محصول آخر من المحاصيل النباتية. ومن أجل هذا, تبوأ مكانة عالية في تغذية وإعلاف الحيوان.

            ولكن, في السنوات الأخيرة, بدأ نقاش يدور بين العلماء, حول جدوى هذا الاستعمال. فالكثير من الباحثين, لا يستسيغون إهدار هذا المنتج البروتيني الثمين, بتقديمه إلى الماشية, وهي التي لا تزيد قدرتها التحويلية على عشرة في المائة.

            وإذن, فقد تساءلوا, غير آسفين: ألا يمكن أن نلغي الدور الوسيط الذي يقوم به الحيوان في تحويل البروتين النباتي إلى بروتين حيواني؟ ثم تساءلوا: ولماذا لا نقوم باستخلاص البروتين النباتي مباشرة من بذور القطن, ثم نضعه على موائد الآكلين؟

انسف الجوسيبول.. أولاً

            لم تكن هذه أول مرة يأمل فيها الباحثون, أن تهب بروتينات بذور القطن, لمساعدة الإنسان. غير أنهم كانوا يواجَهون - في كل مرة - بعقبة كأداء, تتمثل في مادة فينولية صفراء.

            إنها (الجوسيبول) Gossypol, تلك التي يتراوح تركيزها ما بين 0.6, و2.4 في المائة, في البذور. والمشكلة هي أن هذه المادة تؤذي صحة الإنسان.

            وبهذه المناسبة, فإن استخلاص الزيت من البذور, يدفع بالجوسيبول, للتراكم بصورة أكبر في الكسب. صحيح أن قدراً يسيراً منها, يبقى في الزيت الخام, ولكن عمليات التنقية تتكفل بتطهير الزيت من أي مكروه. وكذلك, لا بد أن نذكر, أن رجال الصناعة أجروا تعديلات في عمليات التصنيع, ساهمت في خفض تركيز الجوسيبول في الكسب الذي يوافق تغذية الحيوان. إن أنواع الكسب المختلفة تحتوي ما بين 0.046, و0.449 في المائة من الجوسيبول, بحسب طريقة استخلاص الزيت من البذور.

            ولكن تبقى المشكلة في تركيز الجوسيبول الحر, الذي يرضى عنه باحثو تغذية الإنسان. إذ تقتضي أصول التغذية, ألا يتجاوز 450 جزءا في المليون (0.045 في المائة).

            لقد ظلت هذه المعضلة تؤرق علماء التغذية لزمن طويل, ولكنهم ما لبثوا أن طرحوا اليأس جانباً, فقد ابتكر بعض الباحثين, طرقاً كيماوية وتكنولوجية مدهشة, تكفل الوصول إلى الحد الآمن المطلوب, كما شرع آخرون في إجراء تحسين وراثي لبذور القطن, بغية توليد سلالات جديدة, عديمة الجوسيبول Glandless Cottonseed.

            وعند هذه النقطة, أصبح في مقدور باحثي كيمياء الأغذية والتغذية, أن يضطلعوا بالأمر, ويترجموا دقيق بذور القطن, وما ينطوي عليه من بروتينات, إلى عشرات المنتجات: خبز, لحم, بسكويت, حليب, جبن, أغذية أطفال, حلويات, ولقد فعلوا ذلك ببراعة وحذق.

            إن البروتينات على نوعين, بروتينات درجة أولى, وبروتينات درجة ثانية, البروتينات الحيوانية, التي توجد في الحليب والجبن والكبد وصفار البيض ونحوه, هي من بروتينات الدرجة الأولى.

            في حين توجد بروتينات الدرجة الثانية, الأقل قيمة, في أغذية نباتية, مثل حبوب القمح والأرز والذرة, ومثل الفول واللوبيا وبذور القطن ونحوها. ولعل سائلا الآن يسأل عن البروتينات النباتية: لماذا هي أقل في قيمتها عن البروتينات الحيوانية؟ ونسمع عالم الكيمياء الحيوية, يقول إن السبب يعود إلى تركيب البروتينات النباتية, فواقع الأمر أن هذه البروتينات تفتقر إلى بعض الأحماض الأمينية الأساسية. وهي أحماض يعجز عن تخليقها جسم الإنسان, وكذا الحيوانات وحيدة المعدة وصغار المجترات والدواجن وما إليها. وإذن, يتعين توافرها في غذائها. والحال غير هذا في البروتينات الحيوانية.ولكن, هل هذه الصيغة صحيحة تماما؟

            عندما أعاد خبراء التغذية النظر, وجدوا أن من الأوفق, أن نقول, إن كل بروتين نباتي على حدة, كبروتين القمح أو الأرز أو الذرة أو الفول أو بذور القطن مثلا, سيكون قاصراً بمفرده عن إعطاء كل الأحماض الأمينية الأساسية.. ولكن - وهذا بيت القصيد - لو أننا خلطنا أغذية نباتية, بطريقة علمية, بحيث يكمل بعضها بعضا في الأحماض الأمينية الأساسية, سنصل في النهاية إلى بروتين (درجة أولى), كامل القيمة الحيوية, مثل البروتين الحيواني تماماً. المفاجأة, هي أن بروتين بذور القطن, حين يخلط بدقيق الحبوب, يفي تماماً بشروط الترقية الواجبة!

من يدعم الخبز والعجائن؟

            تؤلف الحبوب في العادة أكثر ما تحتويه وجبات الإنسان. وهي تعطي الناس من الطعام نحواً من 80 في المائة من الطاقة التي ينفقونها في العيش. على أن أضعف ما في الحبوب, ما تحتويه من بروتين, من حيث الكم والنوع أيضاً. فمثلا الأرز يحتوي على 7 في المائة فقط من البروتين, والذرة 9 - 10 في المائة, وبالمثل يحتوي القمح على 8 - 14 في المائة. وفوق ذلك, فهذه بروتينات تعاني عجزاً في بعض أحماضها الأمينية الأساسية. فالذرة تعتبر فقيرة في الليسين والتربتوفان, والأرز والقمح فقيران في الليسين والثيرونين, والذرة الرفيعة فقيرة في الليسين. أما الموقف في حالة بذور القطن فهو, بالطبع, أفضل من ذلك بكثير.

            إذ يصل المحتوى البروتيني في دقيق البذور منزوعة الزيت, إلى 52.56 في المائة. وهو يمتاز بوجود مقادير جيدة من الأحماض الأمينية, لاسيما أحماض الليسين والتربتوفان, وهي التي يفتقر إليها بروتين الحبوب. ولأجل هذا, كان خلط بروتين بذور القطن مع دقيق الحبوب, هو من الأهمية بمكان, لإعادة الاتزان, كماً ونوعاً, إلى بروتين الحبوب.

            لقد ظل باحثو التغذية, على مدى السنوات الماضية, يجرون بحوثاً معمقة في هذا السبيل. وخرجوا من بحوثهم بنتائج تطبيقية مبشرة.

            ثمة دراسة مهمة أجريت على خبز القمح المدعم, أظهرت أن إضافة 5 أجزاء من دقيق بذور القطن إلى 95 جزءا من دقيق القمح, يعطي خبزاً أغنى في البروتين, بنسبة زيادة بلغت 19 في المائة, موازنة بنظيره المصنوع من دقيق قمح بمفرده. والمدهش, أن خبز القمح المدعم, احتفظ بطعم الخبز الطبيعي, الذي يعرفه الآكلون.

            دراسة أخرى أبانت أن الخبز المصنوع من 8 أجزاء من دقيق بذور القطن, مع 4 أجزاء من الحليب منزوع الدهن, مع 100 جزء من دقيق القمح, كان أعلى في قيمته, وأجود في مواصفاته عن خبز مصنوع من كميات الحليب, ودقيق القمح نفسها, ولكن من دون إضافة دقيق بذور القطن. وعلى كعك الذرة, المسمى (Corn Tortillas), والمعروف على نطاق واسع في المكسيك, ودول أمريكا الوسطى, وأمريكا اللاتينية, أجريت دراسات بقصد تدعيمه بنسبة 10 في المائة من دقيق بذور القطن. وبعد إجراء التجارب, تبين أن الإضافة حققت تحسيناً ملموساً في المنتج, شمل كل خواصه الطبيعية والعضوية الحسيّة, فضلاً عن قيمته الغذائية. فقد رصدت زيادة في الحمض الأميني المحدد الأول (الليسين), بحيث أصبح مساوياً لمقررات منظمة الأغذية والزراعة الدولية, كما حدثت زيادة في الحمض الأميني المحدد الثاني (التربتوفان). ولوحظ أن معامل هضم الكعك المدعم, كان أعلى بكثير عن نظيره للمنتتج غير المدعم.

            دراسة تغذوية أخرى, أظهرت أن تدعيم العجائن الغذائية, بنسبة من دقيق بذور القطن تتراوح بين 8 و10 في المائة, من شأنه تحسين القيمة الحيوية, وزيادة معدل إفادة الجسم من البروتين (PER) Protein efficiency ratio.

            إنها بروتينات مدهشة حقا, فهي الأفضل لدعم دقيق الحبوب.

            في معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا, قام عالم التغذية الشهير (سكريمشـاو) Scrimshaw, وزمـــلاؤه في معـــــهد أمريـــكا الوسطـــى وبنـــغـــا للتــغذيــة (Institute of Nutrition of Central America and Panama), بإعداد خلطات غذائية للأطفال, تحتوي على كل الأحماض الأمينية الأساسية, على نحو يماثل البروتين الحيواني. ثمة صفة مهمة تميز هذه الخلطات, هي احتواؤها على نسبة تبلغ 38 في المائة من دقيق بذور القطن, فضلا عن 3 في المائة من مسحوق الخميرة, وواحد في المائة من كربونات كالسيوم, و58 في المائة من دقيق ذرة أو دقيق أرز أو خلطة منهما تعادل هذه النسبة, كما تحوي 4500 وحدة من فيتامين (أ).

            لقد سمي هذا المنتج الغذائي (إنكارينا) Incaparina (التسمية مأخوذة من الحروف الأولى لاسم المعهد, ومن كلمة هارينا, التي تعني بالإسبانية - دقيق)..

            والواقع أن أحدا لم يكن يتصور مطلقا أن الإنكابارينا, لديه قدرات غذائية وصحية إلى هذا الحد: إذ وجد به 27,5 في المائة من البروتين الحيوي, كما تبين أن قيمته البيولوجية Biological value, لا تقل عن 72 في المائة, أما قيمة Nitrogen retention, لبروتيناته, فكانت مكافئة للقيمة المناظرة لبروتينات الحليب. هذا مدهش!! ومضى الباحثون قدما لاستكشاف المزيد من قدراته, بعد أن أضافوا إليه الماء, ليصير مشروباً لذيذاً وصحياً, قدموه إلى الأطفال الذين يعانون سوء التغذية في جواتيمالا, بمعدل ثلاث مرات في اليوم.

            وما هي إلا شهور ثلاثة, حتى كانت صورة الأطفال تخلب الألباب, فقد تحسنت صحتهم, وصارت على أوفق حال. أما تفسير ذلك, فقد أظهرته نتائج تحليل المشروب, فالكوب الواحد منه, يكافئ في قيمته الغذائية قيمة كوب من الحليب, كما أن بالمشروب من السعرات الحرارية ما يزيد على ما تحتويه ثلاث أوقيات من اللحم, وهو يغطي ثلث حاجة الأبدان اليومية من البروتين. والحق أن (الإنكابارينا) لم يكن يمتاز بوفرة مخزونه من البروتين فحسب, بل إنه ليمتاز أيضا برخص سعره, موازنة بأسعار الحليب المجفف, أو الحليب الطازج, أو البيض الكامل الذي يحتوي على القدر نفسه من البروتين.

            ومضى الباحثون يقدمون (الإنكابارينا) في دول أخرى فقيرة, يشيع بين أطفالها سوء التغذية أو نقصها, وتكررت قصة النجاح نفسها مرة أخرى, ومرات. وكان ذلك إيذانا بمولد معجزة غذائية, مادتها - ياللعجب - من بذور القطن.

            مع الارتفاع الدائم لكلفة إنتاج اللحوم, يتوقع خبراء التغذية, أن يتحول اللحم الصافي إلى خليط من اللحم والبروتين النباتي. والواقع أن الكثير من المطاعم في الولايات المتحدة وأوربا, بدت - منذ سنوات - في تقديم همبورجر مصنوع من اللحم وبروتينات الصويا, وبذور القطن. وهاهم علماء تكنولوجيا اللحوم, يؤكدون على قيمة مصنعات اللحوم, كالسجق والهمبورجر والفرانكفورتر, التي صنعت من بروتينات بذور القطن, كمادة مالئة أساسية, فقد نجحوا في تجهيز خلطة جديدة للسجق, ذات قيمة غذائية وحيوية رفيعة, وهي تحتوي على 14 في المائة من مسحوق الحليب, كمادة مالئة, بدلا من دقيق بذور القطن. ونجحوا أيضا في إعداد مصنعات لحوم, بها10 في المائة من معزول بروتين بذور القطن Cottonseed protein isolate (منتج بروتيني تتراوح نسبة البروتين فيه بين 80 و90 في المائة), وكانت تجارب التغذية التي أجريت, هي البرهان العملي على رفعة شأن هذه المصنعات, فقد أبانت أن معدلات النمو, وقيم التوازن النيتروجيني, لكل من مصنّعات بذور القطن, ومصنّعات لحم البقر - بنسبة 100 في المائة - كانت متماثلة, إلى حد كبير. لقد ثبتت بروتينات بذور القطن أقدامها في عالم مصنعات اللحوم, لاسيما بعد أن رحب بها الآكلون. فالواقع أنها إذ تضاف بنسب مضبوطة إلى المنتجات (كبديل للحم), لا تؤثر البتة في نكهتها, أو لونها, أو قوامها, أو طراوتها. وفوق ذلك, فهي تخفّض من أسعار المنتجات. إن هذا النجاح هو باعث الأمل, وهو الذي يطلق العنان لخيال المرء, في عالم جديد ورخيص من مصنعات اللحوم.

الجبن... من بذور القطن

            ويأتي في أعقاب ذلك مباشرة أمل جديد, في عالم الحليب وصناعة الأجبان, إذ يتوقع خبراء التغذية, أن الجبن التقليدي, سوف يكون في السنوات القادمة متوافراً, ولكن أكثر من نصف الجبن سيكون مصنّعاً من بروتين النبات. ثمة صنوف من الأجبان, يمكن تصنيعها من حليب دقيق بذور القطن. وهي لذيذة تكاد تستسيغها كل الأذواق. إن الفكرة - ببساطة - هي وضع ماء في جهاز للخلط الميكانيكي, مقدار ثلثيه, ويكون الثلث الأخير من دقيق بذور القطن. لعدة دقائق, يضرب الخليط, فتظهر رغوة كثيفة على سطحه, كأنما هي الكريمة, التي تعلو سائلا أبيض كالحليب. وهنا يتجلى كرم حليب بذور القطن وسخاؤه: فهو إذ يضاف بنسبة 20-30 في المائة, إلى حليب بقري أو جاموسي, مع قليل من حمض لاكتيك, أو كلوريد كالسيوم, على درجة حرارة 70 درجة مئوية, تتكون (الخثرة) ويحدث التجبّن المطلوب, وهو يعطي جبناً طرياً (توفو) تذوّقه, فيعجبك طعمه, وتحلله فتجد به وفرة من البروتين. ولربما يشجعك هذا النجاح على تصنيع صنف آخر من جبن قريش, بأن تضيف إلى قدر من حليب بقري فرز, نسبة من حليب بذور القطن, تبلغ 20-25 في المائة. لقد أكلت من توفو بذور القطن, ومن الجبن القريش, فوجدتهما تضارعان خير نظائرهما.

            وتستطيع بروتينات بذور القطن أن تقدم الكثير, فهي تستخدم لأغراض التغذية, ولأغراض التصنيع أيضاً. ويعود ذلك إلى ما لديها من سمات تكنولوجية عالية, يرضى عنها صانعو المنتجات. لقد وجد - على سبيل المثال - إن إضافة قليل من البروتين إلى مكوّنات الكعك, يساهم في خفض لزوجة العجين, ويكسب المنتج صفات أجود. هذا لأن للبروتين قدرة أكبر على الاحتفاظ بالماء. ولأن لديه سمات جيدة للخفق, أصبح هدفاً لصانعي الحلوى والعجائن الغذائية.

            ولأن من طبيعته خفض نسبة الزيت الممتص, فهو يضاف بنسبة 2-3 في المائة إلى مكوّنات العجائن المحلاة والمقلية في الزيت, وأنواع الحلوى كالبقلاوة ونحوها, حتى يزيد من مقاومتها لامتصاص الزيت. وقد أصبح واضحاً بعد تجارب كثيرة, أن إضافة دقيق بذور القطن إلى المنتجات الغذائية, يساهم في تأخير تزنخها, ويطيل من فترة صلاحيتها, إلى حد كبير. ويعود ذلك إلى ما تنطوي عليه بذور القطن من مركبات طبيعية مضادة للأكسدة, لاسيما مادة توكوفيرول.

            وفي مصنعات اللحوم, تلعب بروتينات بذور القطن دوراً مهماً كمستحلبات emulsifiers, وكمواد نافشة للحجم extenders, أيضا.

            وثمة خواص عملية أخرى, مثل صفات الجيل, والقدرة على تكوين الرغوة وثباتها, ودرجة تجمع البروتين.. ونحوها... كلها تؤكد على أننا أمام مصدر بروتيني, ليس مهما في التغذية فحسب, بل ومهم في صناعة الأغذية, على نحو لا يمكن تجاهله.

لئلا نهدر بروتينات المستقبل

            لن تستولي عليّ الدهشة إذا ما بدأ الآكلون في الاستعاضة عن جزء من طعامهم التقليدي, بطعام جديد مصنوع من بذور القطن. بل ربما أصبح في مقدور شعوب العالم النامي - على وجه الخصوص - التأهب لاستقبال هذا الوافد الجديد, الذي سيبدل أنماط التغذية والاستهلاك, إلى حد كبير, فهذه الشعوب, هي أحوج ما تكون إلى طعام بروتيني رفيع القيمة الغذائية, ورخيص. ولحسن الحظ, فإن الطعام المطلوب, مما تنتجه حقولهم, في كل عام. ذاك أن ثمانين في المائة من بذور القطن, تنتج في حقول البلدان النامية, وأن ما ينتج في العالم من بذور القطن, يربو على 40 مليون طن كل عام. وهي تنطوي على ما يزيد على 8 ملايين طن من البروتينات الغذائية القيّمة, ينتظر استخلاصها والاستفادة منها, ووضعها على موائد الآكلين.

            فهذه ثروة غذائية, تستحق بجدارة لقب (بروتينات المستقبل), وتستأهل بذل مزيد من جهود الباحثين, واهتمام صانعي القرار... فالواقع أن الامكانات الهائلة لبروتينات بذور القطن, تبدو مثيرة حقاً للخيال!!

 

فوزي عبدالقادر الفيشاوي   






لن تتكرر أزمة اللحوم وجنون البقر عندما تكون اللحوم من بذور القطن!