المركبات الثقافية وثقافة السلطة

المركبات الثقافية وثقافة السلطة
        

يطرح الكاتب في هذا المقال كيف يمكن للسلطة أن تسيء استغلال المركبات الثقافية.

  • التسلط هو سوء استخدام السلطة  والتخلي عن الأبعاد القيمية
  • من الطريف أن تضم سيرة أعضاء السلطة سردا استعراضيا للمشاكسات
  • حجر الحريات والتوسل بأساليب فريدة للقضاء على الخصوم

          تولت الزمام في العراق خلال الفترة 1968-2003 سلطة, مع أنها تبنت وثيقة عمل ورفعت شعارات, إلا أن مجمل أطروحاتها الفكرية وأساليب تعاملها, خلال تلك الفترة, قد ظهرت في صور يمكن النظر إليها على أنها عناصر ثقافية كان هدفها الأول أن يستمر الإمساك بالسلطة والتحكم بمصير المجتمع. لذا كانت طرائق تعاملها مع الآخرين من الأفراد والجماعات والدول فريدة في ذاتها بحيث آلت الأفكار والأساليب إلى ثقافة فرعية sub-culture متفردة. ومع أن تلك الثقافة اتخذت لمكوناتها مفردات محددة  في مضمونها إلا أن ترتيب تلك المفردات على السلم الثقافي كانت تتباين بين فترة وأخرى فكانت بعض العناصر تعلو على السلم الثقافي لتنخفض أخرى تبعا لمتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.

          ومع أن الثقافات تصنف تبعا لمعايير متعددة, فإن واحدا من المعايير يتوزع بها إلى ثقافات رفيعة, وأخرى خفيضة. والنظرة المتأملة إلى ثقافة السلطة في العراق خلال تلك الفترة يكشف أنها لا تعدو أن تكون من النوع الأخير.

          واستنادا إلى ما تشكل من عناصر ثقافية في ثقافة السلطة يمكن استخلاص عدد من المركبات الثقافية   cultural complex حيث إن المركب الثقافي هو مجموعة من العناصر الثقافية المتكاملة أو هو بناء من العناصر التي تنتظم حول موضوع معين داخل ثقافة عامة أو ثقافة فرعية. وتعطي هذه المركبات صورة عن طرائق السلطة وأساليبها في التفكير والعمل والتنفيذ.

بين نزعة التسلط والنزوع إلى التوريط

          ويتكشف لنا, لدى التحليل, أن تلك المركبات تتمثل في عشر منظومات, هي:

          1. نزعة التسلط Authoritarianism

          فرضت السلطة وجودها على المجتمع العراقي, وعمدت منذ عام 1968 إلى الكشف عن بعض أطروحاتها وأساليب ممارستها للسلطة. ولكنها - من الناحية العملية-  تجاوزت إدارة السلطة إلى ممارسة (التسلط).

          وقد جاء ذلك بالرغم من أن الاستنارة الفكرية تفرض أن تتوافر (السلطة)للإنسان دون  أن تتحول إلى تسلط . فالسلطة الديمقراطية -مثلا-  لا تفرض على الإنسان تسلطا, ذلك أن السلطة تنظيم إنساني يفترض أن يوفر الحريات للمجتمعات  والشعوب ويشيع العدالة لا أن يمارس من خلاله القمع والقهر والتحكم, لهذا فإن المعادلة الإنسانية المتوازنة هي التي تضم في أحد طرفيها الإنسان, وفي الطرف الآخر الدولة التي تمتلك السلطة والتي تخضع لضوابط عرفية وقانونية.

          وهكذا, فإذا كانت السلطة Authority حقا شرعيا في إصدار القرارات المقبولة, فإن التسلط يشكل خروجا على ممارسة السلطة. لذا يشار إلى التسلط على أنه سوء استخدام السلطة Abuse of authority ذلك  أن التسلط يفرض الخضوع على الناس بقوة غير مستمدة من إرادة المجتمع.

          وإذا كانت السلطة ذات أبعاد أخلاقية وتشير إلى النفوذ المعترف به فإن التسلط يحمل التخلي عن الأبعاد القيمية ويتغافل عن الأعراف وقضية الشرعية.

          وبسبب جنوح السلطة في العراق, خلال تلك الفترة, إلى التسلط, اختلت موازين الحياة, وارتبكت العلاقة بين الإنسان والدولة, خاصة أن التسلط قد اتسع ليشمل تسلط الدولة, وتسلط مؤسساتها, وتسلط جماعات على أخرى, وتسلط أفراد على أفراد, وغابت المساواة غيابا منقطع النظير, وقد قاد ذلك إلى شل العلاقات الاجتماعية, والى سيادة الخوف والرعب. وكانت الدولة تعمل على تكريس هذه المعادلة اللامتوازنة غير ملتفتة إلى ما تجر إليه من ويلات.

          2.التوريط في الأفعال Action involvement

          دفعت السلطة في العراق قطاعات واسعة من الأفراد لتسويغ الاشتراك معها في أفعال أو أدوار في مقدمتها أسلوب التوريط في الأفعال, حيث عمدت إلى أن يجد الكثير من الأفراد أنفسهم مدفوعين إلى تنفيذ ما يراد منهم, دون مناقشة, أو أن يجدوا أنفسهم في أوضاع تجبرهم على أداء أفعال بعينها, بما فيها أفعال ضد الإنسانية وبصرف النظر عن حدود اقتناعهم ; أي من خلال سلوك آلي.

          وقد تطلب هذا التوجه بذل السلطة الكثير من المحاولات على مدى فترات غير قصيرة لتوريط أعداد هائلة من المواطنين في أفعال ضد الإنسانية, أو الانتظام في فرق أو الانضمام إلى تشكيلات معينة, أو أداء أدوار غير مقبولة إنسانيا.

          وقد استغلت السلطة أوضاعا معينة لتوريط بعض القوى والقطاعات والأفراد في تلك الأفعال, إذ هي عمدت إلى التعرف على الظروف الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية للأفراد والجماعات واستغلال تلك الظروف لتكون عوامل توقع بهم في التورط.

          وقد تنوعت أشكال التوريط بحيث استغلت مواقف لا تحصى لتكريسه من خلال إقحام أكبر عدد ممكن في قضايا مستعصية ومشكلات منها ما هي ثأرية أو انتقامية .

          وعلى هذا وجد الكثيرون أنهم تورطوا في أفعال أو فعاليات قد لا يرتضونها من الناحية القيمية أو الأخلاقية أو قد لا يجدون لها تبريرات مقبولة, إذ أريد بهم جميعا أن يشعروا, دائما, بأنهم متهمون يمكن أن تثار التهم عليهم في أي وقت.

طقوس وثنية وحرمان أبدي

          3.التعلق بالطقوس Ritualism 

          إذا كانت الأديان الوثنية قبل ظهور الأديان السماوية قد افتعلت طقوسا بقصد أن تكون رموزا أو أجواءً خاصة للتأثير في الناس, فإن السلطة السياسية في العراق افتعلت شكليات رمزية لا حصر لها لإضفاء الهيبة من حولها, وتضليل الناس بها مثل طقوس الاستجابة للتطوع في التنظيمات العسكرية, أو طقوس تقديم الطاعة للمسئول الأكبر, وطقوس ردود الأفعال عند الإجابة عن موضوعات محددة, وهكذا, حتى وجدنا طقوسا لمختلف الفعاليات ابتداءً من إحضار الإجابة الشكلية للأسئلة الروتينية, دون تفكير, إلى تقديم الوزراء التحية عند قدوم الرأس الأعلى للسلطة.

          وعلى هذا فرض على المواطن ممارسة أنواع شتى من الطقوس, وفرض على المؤسسات أيضا, ومنها أجهزة الإعلام, حيث امتثلت الصحف لطقوس في كتابة المانشيت, وكتابة العنوان, واختيار صور الرأس الأعلى للسلطة, وصياغة المقالات والأخبار, كما فرضت على مؤسسات الثقافة فشمل ذلك الرسم والنحت والقصة والرواية والقصيدة والأغنية, بأن تكون كلها في خدمة السلطة والتسلط.

          وقد أسهم تكرار هذه الطقوس في تعطيل فرص الإبداع وحرية التعبير, ذلك لأن الأعمال الإبداعية النظيفة لم تجد لها فرص الظهور.. كما أن تلك الطقوس حملت معاني الخضوع والإذلال والطاعة العمياء.

          4. الحرمان النسبي Relative deprivation

          نتيجة إيغال السلطة في منح الصلاحيات والرتب, والأموال, والأدوار لعدد من الموالين وفي حجزها عن الآخرين, ساد شعور بالحرمان النسبي في أوساط المجتمع العراقي, إذ كان المواطنون يرون أنفسهم محرومين نسبة إلى تلك التي تتوافر لها المزايا والامتيازات والنفوذ.

          وقد أخلّ هذا الشعور بالأنظمة والعلاقات الاجتماعية على نطاق واسع, واستغلت السلطة ذلك في إقامة ( مستوى الردع) بين الأفراد وبين الجماعات بحيث تصورت السلطة نفسها أنها في وضع المستفيد في أي تمزق اجتماعي. إذ كانت السلطة تعامل الأفراد بطرائق مختلفة تبعا لولائهم أو نسبهم أو مواقعهم, أو أدوارهم في خدمة التسلط أو سكوتهم وقبولهم بالخضوع.

          وإزاء إمعان السلطة في تقديم العطايا إلى البعض تزايدت الأنانية لدى الكثيرين من الموالين للسلطة حتى بلغ الأمر ببعضهم إلى مستوى جنون الأنانية  egomania الأمر الذي آل إلى مشكلات اجتماعية واقتصادية عميقة في صفوف المجتمع وإلى ظهور أنماط سلوكية غريبة وشاذة

          5.المشاكسة Faction

          امتزجت في ثقافة السلطة في العراق كثير من العناصر الثقافية غير المرغوب فيها بحيث شكلت مركبا ثقافيا في المشاكسة من بين عناصره: الميل إلى الخصومة, وبث الشقاق, والتهديد, والإسفاف, والسب, والشتائم, والمشاجرة, حيث يتعاطى هذه الأساليب في السلوك جل أفراد السلطة العليا.

          ويتبادل العراقيون أمثلة شتى من الحوادث والوقائع المشاكسة التي تتواتر في سلوك كل فرد من أفراد السلطة العليا, كان رئيس السلطة يربت على كتف من يأتي بأفعال المشاكسة ضد الآخرين , خاصة أن مشاكسات غير مهذبة كان قد أطلقها مسئولون عراقيون في محافل دبلوماسية رفيعة.

          وتدخل التعميمات والتسميات Name Calling في عداد المشاكسة حيث يتردد إطلاق النعوت والتشبيهات الذميمة على الخصوم, شخصيات, أو قادة, أو دولا, ويقابل ذلك إطلاق تسميات مرغوب فيها على مواقف مفتعلة أو وهمية حتى وصفت الهزائم بأنها انتصارات.

          ويأتي هذا المركب الثقافي بسبب الفقر الفكري وظروف التنشئة الاجتماعية لأفراد السلطة.

          ومن الطريف أن حديث أي كان من أعضاء السلطة العليا عن سيرته الذاتية يتضمن سردا استعراضيا لمواقف من المشاكسات والمجازفات ضد آخرين وضد مواقف فكرية.

          وتدخل كثير من الأحداث في عداد المشاكسات بما فيها أعمال الغزو والحروب التي كانت السلطة وراء قيامها.

          6.مواجهة الآخر Facing the other

          يتمثل منظور السلطة في العراق في تلك الفترة في اعتباره كل قوة خطرا من الأخطار, لذا تنطوي كل تعبيرات السلطة عن نفسها بصورة صريحة أو ضمنية على الإشارة إلى أخطار سياسية أو فكرية, داخلية أو خارجية, رغم أن الكثير منها مفتعل أو وهمي.

          وتريد السلطة بتجسيد تلك الأخطار أو افتعالها تخويف الموالين ووضعهم تحت طائلة التحسب الدائم في مواجهة الآخر, من خلال إظهار الآخر خصما أو عدوا, وإظهار ذلك الخصم أو العدو أنه يعمل من أجل القضاء على الموالين للسلطة. وتبتغي السلطة من وراء ذلك زيادة عداء الموالين للآخرين وإشغالهم عن التمعن الناضج في القضايا والمواقف وحرفهم عن التفكير المستقيم.

          ومن جانب آخر قامت السلطة بحجب حرية التعبير عن أي من الفئات الفكرية والسياسية وضيقتها, إلى أبعد الحدود, على الموالين أيضا, وحصرت الموضوعات القابلة للطرح في مجالات وضعتها. ومنعت جميع الصحف غير العراقية من الدخول إلى القطر بما فيها الصحف التي تصدرها السلطة في الخارج أو تلك التي تقدم لها المعونات المالية. ومنعت السلطة الاستماع  إلى الإذاعات غير العراقية وذلك عن طريق توجيه التشويش الميكانيكي إليها, ومنعت بقانون التقاط, وفرضت عقوبة الإعدام على من يستخدم الهاتف النقال.

          وفي مواجهتها الآخر لم يقتصر الأمر على حجب التعبير والاتصال بل شملت حجر كل الحريات الأخرى وتوسلت بأساليب فريدة في القضاء على الخصوم, إذ هي لا تؤمن بغير إنهاء الآخر.

          7. فرض الجمود الثقافي   Cultural inertia

          يكشف تحليل مسيرة الثقافة أن السلطة كانت أكثر تمسكا بأنماط التفكير التقليدي, إذ هي عاجزة عن تجاوز ذلك النمط من التفكير, وهي أعجز عن مواكبة الارتقاء لأنها في طبيعتها, أكثر كراهية للتجديد, ذلك أنها تجد في أي فكرة جديدة محوا لأفكارها التي لا يمكن النظر إليها إلا أنها موغلة في التقليدية, وان أي مستوى جديد في التفكير يمكن أن يغمر مجمل أطروحاتها الفكرية. وعلى هذا كان خوف السلطة من الثقافات خوفا مرضيا   phobia , لهذا وقفت بوجه الثقافات المستنيرة عموما, وفرضت جمودا ثقافيا, وطوحت بالمثقفين, وحالت دون الاتصال الثقافي بالوطن العربي والعالم , إذ سدت المنافذ الثقافية أمام المجتمع.

          ومع أن وزارة للثقافة ومؤسسات ثقافية قد أنشئت, إلا أنها عجزت عن الخروج على أساليب متواترة في نطاق ضيق من العمل الثقافي.

          وفي أوائل السبعينيات كان قد اندفع عدد غير قليل من المثقفين رفيعي المستوى إلى التأليف والترجمة والإنتاج الثقافي عبر وسائل الاتصال, غير أن هؤلاء المثقفين وجدوا أنفسهم خلال فترة وجيزة قد حوصروا بسبب سيادة الجمود الثقافي الذي عملت السلطة على فرضه. وبذا ظلت حركة الثقافة, بمجمل مفاصلها, تميل إلى الانحدار, وظلت أساليب التفكير لدى الإنسان العراقي تفتقد الكثير مما يقتضيه التنظيم.. وقاد ذلك إلى جمود اجتماعي تبدت مظاهره على صعيد المجتمع العراقي, ومن بين تلك المظاهر عزوف المجتمع عن التعرض للمصادر الثقافية العراقية في الداخل, إذ تبين له أن ليس في تلك المصادر تناول فني للموضوعات والأفكار, بل هو كيل المديح المباشر للسلطة.

          8.الاجترارية والتشدق بالألفاظ The Autism and the xenoglossophilia

          تعاملت السلطة عبر عرض أطروحاتها بخطابات شتى وفقا لظروف وأحوال بعينها, وأطلقت وسائل الاتصال التابعة للسلطة على التبديلات والتناقضات في الخطابات على أنها إضافات فكرية وعمليات جديدة, وتعاملت المنظمات ووسائل الاتصال ومؤسسات التنشئة الاجتماعية معها باعتبارها إبداعات رغم أنها خطابات متناقضة يمكن أن يجمع بينها قاسم مشترك ذو شقين الأول: أنها لفظية, والثاني: أنها مقطوعة الجذور عن التراث الفكري الإنساني, إذ هي مجرد تركيبات لغوية لا تحمل دلالة.

          وتحليل أي من هذه الأنماط من الخطابات يكشف انها فقيرة في مضمونها, وذات إبهام في اتجاهاتها, إذ هي لا تعدو أن تكون اجترارية في محتواها, وهي على مستوى المضمون لا تتجاوز الزخارف اللغوية.

الولاء والفساد وجهان لعملة واحدة?

          9. الولاء Allegiance

          منذ أن حصل التغيير السياسي في العراق عام 1968 بدأت السلطة إحلال الموالين  - على قلة عددهم - في المسئوليات والوظائف دون مراعاة للكفاءة والاختصاص, وشمل ذلك جميع المواقع ابتداء بالوزير وانتهاء بالبواب, بمن في ذلك الأستاذ الجامعي وعضو المجمع العلمي.

          وتعددت شروط الولاء, كما اختلفت في فترات كثيرة, وهي لم تقصر على الانتماء الرسمي أو الموقع في التنظيم السلطوي, فحسب, بل من خلال مشاركات ومواقف متعددة, بما في ذلك ما يبديه بعض الأفراد من تودد للسلطة واسترضاء وخضوع وإذعان لها, حتى صار الاستعطاف propitiation   إحدى الظواهر في المجتمع العراقي.

          وقد قادت تلك السياسة إلى فساد الجهاز الإداري, وتردي عطائه وعجزت المؤسسات المختلفة, بما فيها الجامعات ومراكز البحوث والمعاهد والمدارس عن أداء وظائفها في المجتمع, بينما انشغلت الأجهزة الأمنية بمسئوليات من نوع آخر.

          وقد قاد ذلك إلى تفاقم الامتعاض بين صفوف المجتمع, وكان سببا في استمرار هجرة المثقفين والمختصين والعلماء إلى الخارج حيث لم تجد كل الكفاءات في العراق ظروف عمل مناسبة.

          وهكذا آلت تلك السياسة إلى تبديد أموال الدولة والتطويح بمجمل الثروات والى الانشغال باداءات غير إنتاجية وغير خدمية. أيضا, بل لتحقيق أغراض وهمية وعابثة.

          وإذا كان هذا المركب الثقافي قد ألجأ المواطن إلى الصمت, بحدود, فإنه قد قاد بالمتسلطين إلى المكابرة والتجبر .. ودفع إلى بناء المزيد من الأوهام على ركام من الرمال.

          10. التبرير  Rationalization

          عملت السلطة على المستوى التنظيمي والسياسي والإعلامي على اختلاق مبررات لمواقفها المختلفة, ولكن أغلب تبريراتها لم تعتمد أساليب صحيحة ولم تقم على أدلة, ولم تستند إلى حقائق, حيث تظهر فيها الشعارات, والانفعالات, والتسويغات, والحيل الدفاعية.

          وظهر ذلك على مختلف الفعاليات بما فيها السلوك السياسي الدولي, حيث حاولت السلطة التعامل مع العالم ومنظماته وفق منطق إيهامي, وانشغلت بالتأويلات الواهية , مما أوجد ركاما واسعا من المقولات الناجمة عن عمليات دفاعية تشكل, في مجملها, معرفة زائفة, حيث لا يشكل تبرير المواقف, في هذه الأحوال إلا محاولات فكرية يائسة لأنها تقوم على المغالطة Fallacy.

          وهكذا كانت هذه المركبات الثقافية وما تشتمل عليه, سببا في تدهور الأوضاع في المجتمع العراقي, وظهور أنماط سلوكية مفاجئة, حيث كانت السنوات التي تجاوزت الثلاثين عاما عقيمة ولم يجد فيها المجتمع غير المعاناة القاسية, إذ تخربت القيم وتحطمت معها الأبنية المادية, لذا لم يكن غريبا أن انهار التمثال في اللحظات الأولى عند فورة الزلزال.

 

هادي نعمان الهيتي