مستقبليات... ثورة المعلومات ومجتمع المستقبل

مستقبليات... ثورة المعلومات ومجتمع المستقبل
        

          من الأقوال المأثورة عن توماس هكسلي في تدليله على صحة نظرية التطور وتفرد الإنسان العاقل دون بقية الرئيسات والآدميات بالتفكير العقلاني الهادف أنه لو أتيحت الفرصة كاملة أمام القردة لاستخدام الآلة الكاتبة, فإنها قد تفلح في إنتاج نص أدبي جيد, ولكن ذلك لن يتم إلا عن طريق الصدفة البحتة ومن خلال الاستخدام العشوائي الذي لا يمكن الاعتداد به وذلك بعكس الإنسان الذي يفكر ويخطط مسبقا مستعينا بخبراته ومعلوماته السابقة لتحقيق هدف معين ومحدد من استخدام هذه الآلة نفسها. ويستشهد كثير من المفكرين والرياضيين بهذا القول في مجال توضيح مفهوم الصدفة. وقد كان توماس هكسلي أكبر المدافعين في القرن التاسع عشر عن صديقه تشارلز داروين وعن نظرية التطور, وهو جد العالم البيولوجي الكبير جوليان هكسلي أول رئيس لمنظمة اليونسكو, والروائي البريطاني الشهير أولدس هكسلي صاحب رواية (عالم جديد جريء) التي لاتزال تعتبر أحد أهم أعمال الخيال العلمي.

          ومنذ شهور قليلة أجرى الباحثون في جامعة بليموث البريطانية تجربة لمعرفة كيف تتصرف القردة إذا انفردت بالكمبيوتر, ووصلوا إلى ما انتهى إليه توماس هكسلي من قبل وذهبوا إلى أننا إذا وضعنا أمام عدد لا يحصى من القردة عددا لا يحصى من أجهزة الكمبيوتر لفترة غير محدودة من الزمن, فإنها قد تفلح عن طريق الصدفة البحتة في أن تنتج نصا أدبيا رائعا - وهذا رأي افتراضي بحت - ولكن لو وضعنا - كما حدث بالفعل في التجربة - جهاز كمبيوتر واحدا أمام عدد محدود من القردة لمدة شهر كامل فإن المحصلة النهائية ستكون محزنة للغاية لأن القردة سوف تتعامل مع الجهاز بطرق لا تخطر على البال ابتداء من التبول عليه إلى مهاجمته, والطرق عليه بكل ما تجده أمامها من آلات أو أحجار وأخشاب إلى اللهو على غير هدى بمفاتيح الحروف دون أن ينتج عن ذلك ولو كلمة واحدة مفهومة, وهذا أمر يختلف تماما عن أسلوب التعامل العقلاني الهادف الذي يميز موقف الإنسان الذي يعرف تماما وظيفة الكمبيوتر ويدرك أنه أروع وأحدث وأكفأ وسيلة للحصول على أي نوع وبأي قدر من المعلومات عن أي موضوع في أي مجال من مجالات المعرفة, كما أنه يستطيع أن يحتفظ للإنسان بأي معلومات جديدة يريد إضافتها إلى ذلك المخزون الهائل المتنوع من المعلومات حتى يمكنه - هو أو غيره - الرجوع إليها والإفادة منها وبذلك يحقق الكمبيوتر مبدأ تراكمية المعرفة وهو مبدأ أساسي في تحديد مفهوم الثقافة الإنسانية.

          فالرغبة في المعرفة وتحصيل المعلومات هي واحدة من أهم الخصائص المميزة للكائن البشري إن لم تكن أهم تلك الخصائص على الإطلاق, وتاريخ الإنسان منذ ظهوره المبكر هو تاريخ المعرفة والعكس بالعكس. وقد ارتبط تطور المعرفة وأساليب الحصول على المعلومات وحفظها خلال ذلك التاريخ الطويل بتطور النشاط الاقتصادي والوسائل التكنولوجية التي تساعد على ممارسة ذلك النشاط ابتداء من مرحلة الجمع والالتقاط إلى مرحلة الزراعة ثم مرحلة الصناعة التي كانت تعتبر حتى عهد قريب جدا آخر وأرقى ما يمكن أن يصل إليه الجهد البشري من حيث التنظيم والإدارة وتحقيق السعادة للإنسان. ويعتبر الانتقال من كل مرحلة إلى المرحلة التالية بمنزلة ثورة اقتصادية وتكنولوجية واجتماعية وسياسية وثقافية شاملة تنعكس آثارها ليس فقط في تغيير طريقة الحياة المحسوسة الملموسة, بل وأيضا في أساليب التفكير وتراكم المعلومات والقدرة على الإفادة من هذه المعلومات لتسهيل الحياة وزيادة التفاعل واتساع نطاق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وكذا القدرة على إنتاج وتوليد معلومات جديدة تساعد على تحقيق مزيد من التقدم. وإذا كان النشاط المميز لمرحلتي الزراعة والصناعة أو بالأحرى للثورة الزراعية والثورة الصناعية هما الإنتاج الزراعي ثم الإنتاج الصناعي اللذين يعتمدان على تكنولوجيات معينة وعلى المجهود العضلي أو الفيزيقي بدرجات مختلفة بطبيعة الحال, فإن العالم يتجه الآن نحو مرحلة جديدة أو ثورة جديدة شاملة تتراجع فيها الأنشطة والتكنولوجيات القديمة لتحل محلها أنشطة وتكنولوجيات من نوع آخر, حيث تبرز الأنشطة الخاصة بالخدمات بأنواعها وأشكالها المختلفة, وما يتناسب معها من تكنولوجيات لا تعتمد على القوة الفيزيقية بقدر ما تعتمد على العمل الذهني المبدع الخلاق الذي يفيد من المعلومات المتاحة له بالفعل, ويعمل على تطويرها لإنتاج وتوليد معلومات جديدة تصلح أساسا لتوليد معلومات أخرى أكثر دقة وتطورا وتستخدم في تطوير التكنولوجيات الجديدة وهكذا, مما يبرر إطلاق كلمة (مجتمع المعلومات) على هذا الوضع الجديد ووصف المجتمع المعاصر ومجتمع المستقبل بأنه (مجتمع المعلومات) بل واعتبار العصر الحالي كله (عصر المعلومات).

المعلومات كمورد اقتصادي

          فكأن مصطلح (ثورة المعلومات) يراد به الإشارة - في بعض أبعاده على الأقل - إلى التغيرات الجذرية التي طرأت على أساليب العمل والتفكير منذ العقدين أو العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي والتي بمقتضاها أصبحت الأنشطة المتعلقة بالخدمات أكثر شيوعا وأشد فاعلية من الأنشطة والأعمال المتعلقة بالزراعة والصناعة. وقد بدأت هذه الثورة باختراع الدوائر المتكاملة ورقائق أو شرائح الكمبيور التي تلعب دورا أساسيا في تشغيل كثير من الأجهزة الإلكترونية الدقيقة التي تتحكم في حياة الإنسان المعاصر إلى حد كبير.

          ولقد تنبأ آلفين توفلر وزوجته هايدي منذ الثمانينيات الماضية بظهور عصر المعلومات عن طريق الإنترنت وذلك في كتابهما (الموجة الثالثة) وفيه يشرحان كيف أن الحضارة الصناعية الحديثة التي تقوم على الانصياع الاجتماعي والقوة الفيزيقية سوف تحل محلها ثقافة جديدة ترتكز على المعلومات وعلى تكنولوجيات تعتمد كلية على إبداعات العقل البشري لدى الأفراد, وأن التحول من العصر الصناعي إلى عصر المعلومات يمثل ثورة حقيقية بكل المعايير نظرا لما سوف يترتب على ذلك الانتقال من نتائج خطيرة للغاية. وكان توفلر يهتم بوجه خاص بالنواحي الأخلاقية في الهندسة الوراثية, ولكنه كان يرى أن سيطرة التكنولوجيا تحمل بين طياتها مقتضيات اجتماعية عميقة قد تؤدي إلى تمزيق المجتمع الإنساني. وهو رأي يلقى كثيرا من النقد والمعارضة من عدد كبير من المفكرين.

          ويتميز مجتمع المعلومات - على ما جاء في (التقرير الدولي عن المعلومات) الذي أصدرته اليونسكو عن العام 97/1998 - بعدد من الخصائص والملامح يوجزها التقرير في ثلاث خواص رئيسية هي أولا: استخدام المعلومات كمورد اقتصادي مهم, وذلك على اعتبار إمكان الاستفادة منها في الارتفاع بمستوى كفاءة المنظمات والهيئات والمؤسسات المختلفة وتشجيع الابتكار وزيادة القدرة على التنافس من خلال تحسين نوعية الإنتاج - أيّا ما يكون شكل هذا الإنتاج. والخاصة الثانية هي انتشار استخدام المعلومات بين أفراد الجمهور العام بحيث يمكنهم الاعتماد عليها في أداء مختلف أوجه النشاط اليومي والاستعانة بها في تحديد اختباراتهم, بل والتعرف بفضل هذه المعلومات على حقوقهم المدنية وإدراك حدود مسئولياتهم الاجتماعية والسياسية والارتفاع بمستوى احتياجاتهم ومطالبهم في مجال الخدمات الاجتماعية كالتعليم والثقافة. أما الخاصة الثالثة فهي إمكان تطوير (قطاع معلوماتي) داخل النسق الاقتصادي تكون مهمته تقديم التسهيلات والخدمات المعلوماتية للأفراد والمؤسسات وتطوير الصناعات المستخدمة في توفير المعلومات والحصول عليها من خلال شبكات المعلومات العالمية. ويلاحظ التقرير أن هذا القطاع ينمو بسرعة فائقة أكثر مما يحدث في أي قطاع آخر من قطاعات الاقتصاد في كل مجتمعات المعلومات بغير استثناء.

خصائص مجتمع المعلومات

          وليس أدل على تعاظم الدور الذي تلعبه تكنولوجيا المعلومات في حياة المجتمع المعاصر من التطورات التي طرأت خلال السنوات القليلة الماضية على جهاز الكمبيوتر واستخداماته. ففي أواسط القرن الماضي كان الاعتقاد السائد هو أن الكمبيوتر الذي كان يعتبر معجزة كبرى في ذلك الحين سوف تقتصر مهمته على ضبط الحقائق في المجالات العلمية والعسكرية وأنه لن يجد في الأغلب طريقه إلى ميادين العمل وإدارة الأعمال وما إليها من مجالات الأنشطة المعقدة, ولكن لم تلبث الأيام أن أثبتت خطأ هذا الاعتقاد إذ تمكن الكمبيوتر من إحداث ثورة هائلة في الإدارة العليا إلى جانب دوره المألوف في إنجاز الأعمال الروتينية المعتادة بدرجة كبيرة من الدقة, بل إنه يؤدي الآن خدمات جليلة في سياسة واستراتيجية العمل واتخاذ القرار إلى جانب الاعتماد عليه في تنفيذ الأعمال التي تحتاج إلى درجة عالية من الدقة لتحقيق النجاح, كما هو الشأن في إجراء العمليات الجراحية الدقيقة في مجال الطب وهكذا. وذلك فضلا عن استخدامه في الحصول على المعلومات من كل أنحاء العالم عن طريق ربطه بشبكات الاتصال العالمية - الإنترنت - أو حتى عن طريق الأقراص الممغنطة المدمجة (سي دي روم) في حال عدم الارتباط بشبكات الإنترنت. وهذا كله يحقق المفهوم من مصطلح (مجتمع المعلومات) الذي يتطلب تداول الآراء والأفكار والمعرفة دون قيود على نطاق العالم كله, وهو ما يعني ضمنا حرية التفكير والتعبير عن الرأي وتوفير الإمكانات التي تساعد على ذلك, وإن كانت هناك بعض محاذير تتعلق بمحتوى ومضمون هذه المعلومات وإمكان استخدامها بطرق وأساليب غير مشروعة. والمنطق الذي يحكم ثورة المعلومات هو ضرورة العمل على تيسير الحصول على المعلومات في أي مجال من أي مكان في العالم. وفي هذا الإطار يتفوق الكمبيوتر وبخاصة المتصل بشبكات الإنترنت على كل وسائل الاتصال والإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية, على الأقل لأنه يتيح للفرد حرية الانتقال بين مصادر المعلومات المختلفة والانتقاء منها دون رقيب, وذلك بعكس الوسائل الأخرى التي يتحكم فيها الآخرون, وتعبر عن وجهات نظر وسياسات مرسومة من قبل الدولة أو الهيئة التي تملك تلك الوسائل.

          وصناعة تكنولوجيا المعلومات صناعة عالية التكاليف وتحتاج إلى استثمارات ضخمة, ولذا فإن أي مشروع للاستثمار في هذا المجال لابد أن تسبقه دراسات وافية لمعرفة مصادر المعلومات ومجالات استخدامها والإمكانات المتاحة لانتشارها أي إمكانات تدفق هذه المعلومات والأهداف التي يمكن تحقيقها من هذا التدفق المعلوماتي. وهذا كله يتطلب توافر متخصصين على درجة عالية من القدرة على التفكير والتخطيط والتجديد والإدارة حتى يمكن الدخول إلى (سوق المعلومات) الرائجة التي يشتد فيها التنافس بين الدول والهيئات والشركات المهتمة بهذا النوع من (النشاط التجاري). ولكنه يتطلب على الجانب الآخر إعداد المواطن العادي أو أفراد (الجمهور العام) على أوسع نطاق ممكن وليس على مستوى المجتمع الواحد أو الدولة الواحدة لمعرفة وفهم رسالة هذا النوع المتقدم من تكنولوجيا المعلومات والرغبة في الإفادة منها لتحقيق المطالب المتنوعة بما في ذلك المطالب المادية والاقتصادية واحتياجات الحياة اليومية فيما يطلق عليه الآن اسم (التجارة الإلكترونية) على المستوى العالمي التي تفترض بدورها توافر معلومات كافية لدى الشركات المنتجة للسلع المختلفة بمتطلبات جماهير المستهلكين لذلك الإنتاج. فالعملية إذن دورة معقدة ومتكاملة ومتعددة الأطراف وتحكمها قيم والتزامات وحقوق ومسئوليات. وإذا كان هذا هو ما يجب توافره في مجال واحد محدود نسبيا هو مجال التجارة الإلكترونية, فإن هذه الشروط تنطبق - بغير شك وربما بدرجة أكثر دقة وتعقيدا - على بقية أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي تحدد صورة مجتمع المعلومات حيث تتفتح أمام الشخص العادي أبواب التعرف على مختلف أشكال نظم الحكم والعلاقات بين الشعب والسلطة وحقوق المواطن العادي السياسية والمدنية وغير ذلك مما قد يؤدي في آخر الأمر إلى تغيير صورة المجتمع بشكل جذري يترتب عليه تقارب صور وأشكال الحياة الاجتماعية في مختلف دول العالم بعضها من بعض وبذلك تكون ثورة المعلومات قد أفلحت في أن تحقق بعض مبادئ وشعارات العولمة.

سقوط الحواجز بين المجتمعات

          ويثير مسار ثورة المعلومات خلال العقود القليلة المقبلة خيال كثير من المفكرين والعلماء فيما يتعلق بوجه خاص بالأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية لهذه الثورة وما سوف يترتب عليها من تغيرات في مجالات العمل وإدارة شئون الحكم في مجتمع المستقبل المعلوماتي والمحافظة على الأمن سواء على مستوى المجتمع الواحد أم على المستوى العالمي وتنسيق العلاقات بين الدول ببعضها البعض. وقد عقد لمناقشة هذا الموضوع بالذات مؤتمر في مدينة ليملت البلجيكية في الفترة بين 25-27 أبريل عام 2001 شاركت فيه عدة منظمات دولية وإقليمية ومراكز بحوث في القارة الأوربية وبعض المراكز الأمريكية وذلك ضمن سلسلة من المؤتمرات التي تدور كلها حول مشكلة مستقبل ثورة المعلومات عام 1999 لرصد وتتبع الاتجاهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سوف تنشأ نتيجة للتحولات المستجدة وسقوط الحواجز التقليدية بين مجتمعات العالم بفضل ثورة الاتصال والمعلومات, وكان مؤتمر ليملت هو الرابع في تلك السلسلة. وقد حاول المؤتمر وضع خريطة محتملة لما يمكن أن تتأدى إليه هذه الثورة خلال السنوات العشرين المقبلة, وهي فترة قصيرة نسبيا ولكنها تعتبر حاسمة في نظر الكثيرين نظرا لتسارع الأحداث والتغيرات التي سوف تؤثر بالضرورة في مجتمعات العالم الثالث التي ينبغي أن تتخذ الاحتياطات والإجراءات الضرورية لمواجهة هذه التغيرات والتفاعل معها بإيجابية حتى لا تزداد الهوّة المعلوماتية - أو الفجوة الرقمية - اتساعا بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات الأكثر تخلفا.

          وربما كان من أهم ما توصل إليه مؤتمر ليملت هو أن ثورة المعلومات في الفترة القادمة لن تكون مقصورة على التغيرات الجذرية والفجائية في مجال تكنولوجيا المعلومات أو في درجة جودة وسرعة ودقة الأجهزة والتقنيات المستخدمة في إنتاج المعلومات وتدفقها وتحليلها وتخزينها على ما كان عليه الوضع خلال العقود القليلة الماضية إنما ستكون الثورة الحقيقية في مجال المفاهيم والتصورات. أي أن العالم سوف يعطي اهتماما أكبر لمسألة توضيح المقصود من (المعلومات) وتحديد معنى الكلمة بدقة وتبيين الهدف من المعلومات وتحديد الأولويات في مجال استخدام المعلومات مما سوف يترتب عليه إعادة البحث في نوعية التقنيات التي يمكن أن تتولى إنجاز هذه التصورات الجديدة, وأن الإجابة عن تلك التساؤلات حول المعنى والهدف والأولويات هي التي سوف تساعد على معرفة, بل وتحديد المسارات التي يحتمل أن تسلكها هذه الثورة. ويذهب بيتر دروكر وهو من أكبر المهتمين بثورة المعلومات واستخداماتها وبخاصة في المجال الاقتصادي إلى أن هذه الثورة سوف تكتسح أمامها كل نظم ومؤسسات المجتمع الحديث, وأن هذا الاكتساح بدأ بالفعل في مجال المشروعات الكبرى تجارية كانت أم صناعية, وكان لها آثارها الواضحة في تغيير النظرة إلى مسائل القيمة والثراء وأساليب تحقيقهما.

          ورغم كل ما قد تؤدي إليه هذه الثورة من تقدم في مختلف المجالات, فإن ثمة تساؤلات عما إذا كان هذا (التقدم) سيحقق قدرا من الرضا لدى الناس عما هو متوافر لهم الآن, أم أنه سيزيد من الشعور بالإحباط والتمرد على واقع الإنسان والمجتمع, وعما إذا كانت هناك فرصة لتوفير أساس صلب يمكن أن يقوم عليه تعاون حقيقي بين الدول المختلفة للمشاركة في نتائج وثمار هذه الثورة, أم أن العالم المتقدم سوف ينفرد بكل الفوائد دون العالم الثالث, وعما إذا كانت هذه الثورة تساعد على الاحتفاظ برأس المال الثقافي والفكري لدى كل الشعوب بغير تفرقة أم ستؤدي إلى القضاء على بعض الثقافات لصالح البعض الآخر وهكذا.

          وهذه كلها مجرد تساؤلات, ولكن حجم التغيرات التي سوف تحدث في المستقبل لايزال موضع تكهنات. إلا أن المؤكد هو أن المجتمع يسير نحو التزايد والتكاثر والتوالد المعلوماتي خاصة, أن التكلفة المادية للتقدم التكنولوجي المصاحب لهذه الثورة الهائلة في المعلومات تكلفة تافهة جدا إذا قيست بحجم المعلومات وتنوعها والفوائد المترتبة على استخدامها في مختلف جوانب الحياة.

 

أحمد أبو زيد   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات