المستقبلية رؤية علمية للغد رؤوف وصفي

إننا نعيش في أكثر فترات التاريخ إثارة، إذ لم يحدث من قبل أن تغيرت حياة الإنسان بهذه السرعة أو بمثل هذه الطرق العديدة الباهرة. ولا يوجد إنسان يعرف على وجه اليقين ما الذي يمكن أن يحدث بعد عدة سنوات، لكن بعض العلماء يفكرون في الوقت الحاضر في أمور المستقبل، ويمكنهم أن يعطونا على الأقل لمحات من الأشياء التي قد نشاهدها في السنوات القادمة. والأهم من ذلك أنه بإمكانهم مساعدتنا في اتخاذ قرارات بما يجب أن نفعله اليوم، لجعل عالم الغد مكانا أفضل للحياة. ومع بداية هذا العام الجديد تفتتح "العربي" إطلالتها على صفحات علم المستقبل، لعلنا نستشرف الأفق باستنارة، ونحدد مواطئ أقدامنا بجلاء.

لا يكاد يبزغ فجر أو تشرق شمس حتى يتوصل العلماء إلى ألف اختراع مبتكر ومتفرد يدفع بحياة الناس اليومية نحو دروب جديدة في عالم المستقبل، ويضع آفاقا رائعة للزمن الآتي ومجتمع الغد. فلقد أصبحت دراسة المستقبل (المستقبلية Futurology)، أمراً مصيريا للدولة التي ترغب في أن تساير العصر وتحقق التقدم والرخاء لمواطنيها.

علم التوقع والاستعداد للغد

والمستقبلية علم يهدف إلى توقع الأحداث القادمة والاستعداد لها ومحاولة التأثير فيها، وكذلك تطوير طرق أفضل للتفكير في أمور عالم الغد، وفحص ودراسة الأساليب والوسائل البديلة للتعامل مع مجموعة كبيرة من الظروف المستقبلية المتوقعة، ويجب ألا ننسى أننا جميعا نصوغ المستقبل بما نفعله أو بما نفشل في أن ننجزه في حياتنا اليومية.

والتغير السريع الذي نعيشه في الوقت الحاضر، يعني أن المستقبل قد يكون مختلفا أكثر بالنسبة لنا عما كان للأجيال التي سبقتنا من البشر، وسوف يبدو عالم المستقبل مكانا غريبا ما لم نجهز أنفسنا له، ولكي يتحقق ذلك يجب أن نبحث عن أي بصيص لما يمكن أن يحدث في السنوات القادمة.

ونحن لا نعرف ماذا يخبئه المستقبل، لأن أحداثه غير مؤكدة الوقوع، لكن يمكننا تحديد بعض الاحتمالات المدروسة الممكنة، بحيث يمكن أن نقرر بشكل أكثر صوابا ما الذى يجب أن نفعله اليوم لصياغة مستقبل أفضل للعالم.

إن المستقبلية بالمعنى العلمي هي دراسة وتوقع وتأمل وارتياد وبحث لأحداث الغد المتوقعة، وهي كانت دائما محوراً رئيسيًا للأحوال الإنسانية. فبقاء الإنسان نفسه يعتمد إلى حد كبير جدًا على قدرته الواعية على تنظيم الأحداث الحالية في ضوء الخبرات السابقة والأهداف المستقبلية.

ولقد تطورت المستقبلية بغية مواجهة التحديات التي سببتها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، وعلاوة على ذلك فإن المنظومات المختلفة وأفرع العلوم الداخلة في هذا المجال وتشمل الرياضيات وعلم الاجتماع وعلم الأحياء وعلم النفس والإدارة.. كانت لها مساهماتها المتعددة.

وأظهرت المستقبلية قابليتها للتفاعل والاستجابة للبيئة الاجتماعية والثقافية التي إن لم تكن منبثقة عنها، فإنها على الأقل نشأت فيها. ومن ثم يمكن التنبؤ بالتطور اللاحق.

اكتشاف المستقبل

بديهي أن المستقبل مجهول لنا إلى حد كبير، ويتميز بالضرورة بأمور عديدة غير مؤكدة، ونتيجة لذلك فإنه لا يمكن تناولها أو فحصعها إلا بأكثر الطرق الحذرة غير المباشرة. وبالرغم من وجود قيود لسبر غور المستقبل، تتمثل في ظروف عدم التأكد، إلا أن الاهتمام بهذا العمل وكذلك إدراك الضرورة الملحة للقيام به، يتزايد باطراد لأسباب كثيرة، أولها أننا لا نرضى عما نراه حولنا، النتائج المتناقصة للأهداف الطموح، فقد نوعية الحياة المطلوبة، التلوث البيئي، المجاعات، تقوض النظام النقدي العالمي وغير ذلك. ونحن نتساءل دائما: ألم يكن ممكنا أن ندبر أمورنا بشكل أكثر فعالية؟ وذلك في الوقت الذي يبدو أننا فقدنا فيه التوجهات والتصورات الموحية بالمستقبل، إذ بدأت تؤثر فينا التصرفات الفردية والجماعية في بيئتنا إلى مدى أكبر مما كان يحدث من قبل.

وثانيها أن كل شيء يبدو أنه يتغير بمعدل أسرع بكثير من أي وقت مضى، وأدت سرعة التغيير في السنوات الأخيرة في كل أنشطة الحياة، إلى الإطاحة بالكثير من الأسس التي بني عليها التفكير في الماضي. ونحن لا ندري إلى أي مدى يمكننا السيطرة عليها.

وأخيرًا يبدو أننا دخلنا مرحلة جديدة من التطور القومي والعالمي، التي يجب أن تكون أنماط التقدم البديلة فيها قد درست بعناية أكبر، قبل اتخاذ أي قرار بالاختيار.

وهذه الظروف- القيود على سبر غور المستقبل والضرورة المتزايدة للتعامل مع الغد بفاعلية أكثر - تخلق قوى متعارضة إلى حد ما. فإذا كان المستقبل يحدق فينا، وهذا ما يحدث حقيقة، بحيث إن ما كان يعتبر من قبل بعيد المدى يصبح الآن قصير المدى، لدرجة أن سرعة التغير يبدو كأنها تضغط السنوات إلى شهور وأيام. وأن عملية التطور الكلي تصبح شديدة التعقيد بحيث يصعب فهمها، وعندئذ لعل أفضل رد فعل لنا أن نساير الزمن ولا نتعجل الأحداث.

ولا تعد سياسة الانتظار المرن والمراقبة ووضع الخطط المستقبلية العاجلة والاستجابة لتهديد أو انتهاز فرصة اللحظة الراهنة، سياسة سيئة تماما. فإذا أصبحت هي رد الفعل الوحيد أو المسيطر، فإن المعركة تكون قد انتهت بالنصر. إذ بينما "يُقبل" علينا المستقبل، يجب أن نحاول مواجهته حسبما يكون، ونحن أشد نظامية وأعمق بحثا وأكثر مهارة في الإجابة عن الأسئلة الثلاثة الأساسية:

* ما هى الاختيارات التي أمامنا؟
* ما هو حجم المعلومات المتوافرة لدينا؟ ومدى دقتها؟
* ما الذي نفضله في ضوء المتغيرات المتوقعة؟

وعندئذ فقط يمكن أن نستعيد المبادرة تدريجيا، ونسلح أنفسنا للاستعداد للدراسة الطويلة، بينما نصارع ضروريات اللحظة الحاضرة.

وأكثر التنبؤات الخاصة بمستقبل البلاد المتقدمة صناعيا، تتناول التغيرات والتحولات الحالية تجاه تشكيل مجتمع ما بعد التقدم الصناعي.

وكان "مجتمع ما بعد التقدم الصناعي" هو موضوع كتاب ألفين توفلر المسمى "الموجة الثالثة" ، الذي يستخدم شعار اصطدام موجات التغير. فالموجة الأولى كانت قيام الصناعة، أما الموجة الثالثة، وهي مجتمع ما بعد التقدم الصناعي، فتتضمن تشكيل مجتمع ينبني أساسًا على أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا المقترنة بها، وتصل تداعيات التغير من مجتمع ما بعد التقدم الصناعي إلى سائر مجالات الحياة وتؤدي إلى تغيير الأنماط السلوكية والأعراف الاجتماعية الأساسية في مجتمع الغد. أما بالنسبة للدول النامية، فإنها سوف تستخدم دراسات المستقبل لاكتشاف عمليات تطور. تختلف عنها فى الدول المتقدمة - حتى لو اعتمدت على التقدم التكنولوجي - مع اختيار مراحلها تبعا للاحتياجات المحلية بدلاً من تحديدها من الخارج كما يحدث في الوقت الحاضر.

الأهداف المنشودة

إن نظرتنا إلى المستقبل جديدة نسبيا في سجل الخبرات الإنسانية، وهناك اتجاه متزايد لجعل الغد موضوعًا للملاحظة المنهجية والمعرفة العقلانية.

ولهذا من المفيد تعزيز أفكار دراسة المستقبل وتنظيمها داخل إطار مترابط، وتحديد أهداف لها، والرأي عندي أن للمستقبلية ستة أهداف تسعى لتحقيقها: الهدف الأول هو تحديد واستعراض المستقبلات البديلة. ومن ناحية فإن دراسة البدائل مضاد لفكرة التنبؤ والاستغراق في تصور مستقبل وحيد محدد مسبقا، والتركيز هنا على التطورات الممكنة وما يرتبط بها من اختيارات.

والهدف الثاني يتعلق بالتعرف على درجة عدم التأكد المقترنة بكل مستقبل بديل. وبالطبع هناك بعض الأنشطة المستقبلية مؤثرة أكثر من غيرها، وأي تفسير مفيد للغد يجب أن يحدد طبيعة ودرجة عدم التأكد، وذلك بالتركيز على التعرف على المتغيرات ذات الأهمية. وغالبا ما تمثل هذه الجهود مرحلة مبكرة من التخطيط. ويتضمن الهدف الثالث تحديد المجالات الحيوية التي تعتبر نذيرًا لأمور مستقبلية، ويهتم العلماء بدراسة أكبر عدد ممكن من الدلائل والعلامات عن التغيرات المؤثرة المتوقعة، إذ إنهم يرغبون في معرفة أي الأساليب سوف يتبعون، وما هي علامات التحذير المبكرة التي يتم الكشف عنها، وهم بهذا يقللون من المفاجآت من أي نوع، إلى أقل حد ممكن والتى أطلق عليها (صدمة المستقبل). أما الهدف الرابع فيشتمل على استعراض لمجموعة متباينة من الافتراضات والنتائج التى قد تترتب عليها، وهذا يدخل في نطاق التخطيط للأمور الطارئة.

ويهتم الهدف الخامس باكتساب فهم لعمليات التغير الضمنية، ولأن فهمنا عادة لا يكفى للتنبؤ بالنتائج بأي درجة من اليقين، بسبب تأثير الأحداث والتطورات المفاجئة وغير المتوقعة، فلابد إذن من التركيز على التعرف على أنواع العمليات الأساسية لأوجه النشاط المراد التنبؤ بها، ووصفها بدقة وإلقاء الضوء عليها. وأخيرا فإن الهدف السادس يسعى إلى تقوية معرفتنا وفهمنا للوسائل العلمية المستخدمة في دراسة المستقبل، وكذلك توقعات الأخطار التى نحن على استعداد لتقبلها بغية تحقيق أهداف محددة نريدها.

وتوضح لنا كل هذه الأهداف، عدم ملاءمة أي تركيز على التنبؤ بمستقبل واحد محدد، وبالطبع هناك رغبة إنسانية طبيعية للتخلص من عدم التأكد نهائيا أو التفكير طبقا للنتائج المحددة مسبقا.

النماذج.. وصياغة المستقبل

يشكل كل منا في حياتنا اليومية ويتعامل مع نماذج Models . ويعرّف النموذج بأنه تمثيل أو تعبير عن شيء أو نشاط ما، أي أنه معنى مجرد وغالبًا كمي للعالم المدرك بالحواس، وعلاوة على ذلك فإنه يتضمن بعض الفهم للمحتوى الداخلي للشيء أو النشاط الذي يمثله. وهناك نماذج مادية وأخرى عقلية.

ولعل النماذج المادية هي الأكثر شيوعًا بين الناس، مثل نموذج طائرة أو مبنى أو منطقة جغرافية. أما النماذج العقلية فهي تصورات خيالية تجري في رأس الإنسان. وأبسط النماذج هي الثابتة، أي التي لا تحاول تمثيل التغيرات عبر الزمن. وكلما ازداد وضوح تعامل النموذج مع الزمن أو ظروف عدم التأكد، فإنه يصبح أكثر تعقيدًا. وسواء كانت النماذج مادية أو عقلية، بسيطة أو معقدة، فإننا يجب أن ننظر إليها كبدائل للشيء أو النشاط ذاته، وهي مجرد وسائل معبرة وتكمن قيمتها الأساسية في مساعدتنا على فهم كيفية تكوين وعمل الشيء أو النشاط الحقيقي، ويتوقف نجاح النماذج على المهارة التي نقوم بها لاستخلاص المعاني المجردة من الشيء أو النشاط.

وعند تكوين نماذج نافعة تراعى الملاحظة المستمرة لموضوع النموذج، وكذلك تعريف العلاقات المتبادلة بين المكونات الرئيسية للنموذج، معبرًا عنها في شكل معادلات رياضية أو وسائل وصف احتمالية كإطار للتحليل والتأمل.

وعند استخدام نماذج تساعدنا على التفكير في المستقبل، فإننا نهتم عادة بوصف وفهم عمليات التغير، وهنا يجب أن تشمل الملاحظات ليس فقط النواحي المادية ولكن أيضا احتمالات تغيرها في المستقبل.

وبالنسبة للنماذج العقلية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيجب أن ندرك ونعرف المتغيرات المهمة في هذه الأنشطة، وكيفية الارتباط المتبادل فيما بينها، وعادة تكون مثل هذه النماذج أدوات مساعدة في تنظيم أفكارنا وجعل الافتراضات صريحة وواضحة، كما يجب أن يكون تصميم واستخدام هذه النماذج متضمنا العامل البشري والتقديرات. وغالبا ما يكون ذلك في شكل مباريات Games أو محاكاة Simulation . ويقصد بالمباراة قيام خبير أو عدة خبراء بتحديد السياسات والاختيارات البديلة المستقبلية، أما المحاكاة فهي تتضمن التجربة والتشغيل لنموذج ما.

ولا شك أن استخدام النماذج وسيلة مهمة للتفكير في المستقبل، ولكنها لا يمكن أن تكون الوسيلة الوحيدة. ولعل الكثيرين يركنون إلى ما يبدو أنه وسيلة أكثر سهولة، وهي ببساطة توسيع التصورات عن الماضي والحاضر. ولا يتطلب ذلك فهم الأنشطة الكامنة، وإنما فقط اكتشاف نمط ما، والافتراض بأنه سوف يستمر في المستقبل تماما كما استمر من قبل. إننا ببساطة نحاول استنتاج مسار في دروب المستقبل بناء على دليل موجود في الماضى.

وبالنسبة لنزهات قصيرة لعالم الغد ولبيئات لا تتغير بسرعة، فإن أسلوب النماذج لا بأس به كبداية. ولكن تكمن الصعوبة في أن هذه الطريقة تفشل عندما تصبح الظواهر أكثر تعقيدًا، وتبدأ التغيرات الرئيسية في الظهور في الفترات الزمنية الفاصلة ذات الأهمية، وهذه الظروف توجد فعلاً في كثير من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

التنبؤات العلمية

لإجراء التنبؤات على أساس علمي، فإن علماء المستقبلية يستخدمون مجموعة من الوسائل والطرق التي تتراوح من التحليلات فائقة التعقيد باستخدام الكمبيوتر إلى الحدس أو الحس الباطني البسيط واليقظ.

وترتكز هذه الدراسات جميعها على التصورات المأخوذة من الإحصاءات ومناهج البحث في العلوم الطبيعية والاجتماعية. وفي التحليل النهائي فإن استخدام أو تطبيق كل هذه الوسائل والطرق، يهدف إلى المساعدة على التوصل إلى القرار الصائب السليم والتنبؤ الدقيق.

وهناك نوعان رئيسيان من التنبؤات. التنبؤات التفسيرية Exploratory المتعلقة بالمستقبل الممكن والمقبول، والتي تبدأ بالأحداث والظروف الراهنة، وتعالج أي بيانات تاريخية ذات علاقة بالموضوع ثم تطرح النتائج البديلة المحتملة للأحداث والظروف المستقبلية. أما التنبؤات المعيارية Normative فتتعلق بإنجاز وتحقيق أحداث وظروف مفضلة مطلوبة في المستقبل. وبعد تصور الغد المطلوب، فإن الباحث يرجع إلى الوراء حتى القرارات التى لابد من اتخاذها لتحقيق هذا المستقبل المنشود.

وأكثر الأساليب المستخدمة في التنبؤ بالمستقبل، تشمل التنبؤات الاستقرائية للاتجاهات Trends، التي تفترض أن الأحداث أو التطورات التي حدثت في الماضي سوف تستمر في المستقبل، وتتضمن تنبؤات دلفي Delphi، جمع وتنقيح توقعات الخبراء في مجال معين (مثلا إنتاج وتسويق النفط في دولة معينة) بغية التوصل إلى إجماع الخبراء بشأن مسار التطورات المستقبلية في هذا المجال (مثلا مدى النقص أو الزيادة في إنتاج النفط عام 2000).

أما كتابة السيناريو Scenario، فهو أسلوب شائع لتجسيد وتصوير الأحوال المستقبلية الممكنة. والسيناريو هو وصف تفصيلي مكتوب لمستقبل مفترض - وأحيانا يقال إنه شريحة من تاريخ المستقبل - ومن خلال هذا الشكل الفني، يتم التحقق من التأثير المتبادل لكل المتغيرات المتوقعة ومدى ارتباطها معًا.

وغالبًا يكون السيناريو مندمجًا في منطقة معينة من المستقبل، حيث يستخدم لتشكيل بيئة ممكنة بأقصى تفصيل يمكن للخيال أن يصل إليه.

أما تنبؤات المحاكاة Simulation فتعتمد على تصميم نماذج تحاكي السمات الرئيسية للظروف المستقبلية المحتملة، ثم دراسة سلوك هذه النماذج وصولاً إلى النتائج. وعادة يستخدم الكمبيوتر في تحليل بيانات هذه الأساليب والطرق التنبؤية.

ولا يحاول خبراء المستقبلية طرح أي توقعات غير مقبولة، وإنما يسعون إلى التنبؤ باحتمال وقوع أحداث أو ظروف معينة في عالم الغد.

في خضم رحلة متعددة الأبعاد

لقد ورثنا الكثير عن أجدادنا الذين شكلت جهودهم ومساهماتهم عبر قرون عديدة الأساس للحضارة التي نتمتع بها في الوقت الحاضر، لكننا يجب أن نواصل حمل رسالة واهتمامات الإنسان في مواجهة التحديات الجديدة، ولعلنا نقترب الآن من قمة قصة الإنسان التي بدأت منذ أكثر من مليوني عام فوق هذا الكوكب. ورغم عدم معرفتنا بالمحصلة النهائية للفترة المعاصرة التي نعيش فيها، إلا أننا نرى بوضوح أننا دخلنا في فترة من الاحتمالات المثيرة لكل من الخير والشر على السواء. ويقول بعض المفكرين المتشائمين إن الحضارة على وشك التقوض والانهيار، لكن البعض الآخر على ثقة من أننا دخلنا بالفعل في عصر جديد، لن يكون فيه الإنسان أكثر سعادة عن ذي قبل فحسب، ولكنه سوف ينشىء حضارة متطورة رائعة ستتضاءل بجانبها جميع حضارات الماضي، وسنجد أنفسنا في خضم رحلة متعددة الأبعاد داخل إطار من التقدم العلمي والتكنولوجي المذهل، حيث الواقع أغرب وأعجب من الخيال العلمي.

وسواء كنا على أعتاب عصر ذهبي أو على شفا "طوفان عالمي" فإن ذلك لم يتقرر بعد أو يفصل فيه، إذ سوف ينشأ هذا القرار من خلال اهتمامنا وقدراتنا على الدراسة العلمية للمستقبل والاستعداد لمواجهته من الآن.

 

رؤوف وصفي