مثلما كان يحدث في كل الانتخابات التي شهدتها الكويت في السنوات
الأخيرة, ظلت القناة الفضائية الكويتية تذيع نتائج فرز الأصوات في الاقتراع الذي
كان قد جرى لتوه , والذي استمر على مدى اثنتي عشرة ساعة من اليوم نفسه.
وكأن الأمر يتعلق بحدث مماثل لذلك الذي ظلت تنقله لنا في بث مباشر
القنوات الفضائية من ميادين الحروب أو الرياضة, فجميع الأسر انتظرت حتى الساعات
الأولى من صباح اليوم التالى, ملتفة حول شاشات التليفزيون, وتعلقت حواس بعض
أفرادها نحو مواقع للإنترنت, ظلت تسرد الأرقام أولا بأول وفقا لما كان يردده الشخص
الواقف قريبا من صناديق التصويت , والذي كان يقوم وقتها بفرز الأصوات تحت مراقبة
صارمة من مندوبى المرشحين وأعين المشاهدين, لتتابع الأسر أولا بأول تقدم مرشح,
وتراجع آخر, في ترقب وانتظار يشوبه القلق الواضح والانتظار.
هكذا باتت الانتخابات الكويتية احتفالية حقيقية, تستقطب اهتمام جميع
المواطنين والمقيمين في هذا البلد الخليجى كل أربع سنوات, فيما يشد الأداء الحماسي
للبرلمان الانتباه في الكويت وخارجها.
أفق للديمقراطية
هكذا كان لابد لنا من المرور على المقار الانتخابية التي تحتشد بها
الكويت في مثل هذا التوقيت, والتى توزعت على جميع المناطق التي تضمها الدوائر الخمس
والعشرون, ففي هذه المقار, التي أقامها 246 مرشحا خاضوا المنافسة الشديدة السخونة
في العام 2003, كانت تقام بشكل منتظم ندوات انتخابية, تصل الجرأة فيها إلى حد
مدهش, فلاشيء يمكن اخفاؤه, ولاشيء يحظر من التداول, وما يتم قوله داخل المقار
الانتخابية, أو الديوانيات, وفى داخل مجلس الأمة التي تذاع جلساته في التليفزيون
ومحطات الإذاعة, وتنقله الصحف بشكل تفصيلى, قد يصيب المرء بذهول وانبهار, عبر عنه
أحد رؤساء تحرير مجلة عربية مرموقة, كان قد حضر داخل قاعة مجلس الأمة الكويتى قبل
عام تقريبا, وقائع جلسة استجواب لوزير المالية, امتدت من التاسعة صباحا حتى الثانية
ونصف من صباح اليوم التالى, ليعود بعدها إلى بلده ويكتب في مجلته (احتجت إلى عدة
أيام كي أصدق أنني كنت أشاهد برلمانا عربيا).
تراكم للخبرة
في الندوات الانتخابية, كانت ثمة متعة أخرى تنتظرنا وتستهوي الحاضرين
, ففى هذه الندوات, يقوم المرشح بطرح برنامجه الانتخابى الذي يتضمن عرضا بالقضايا
المتداولة, ووجهة نظره في طريقة معالجتها, وهى وعود يقوم جمهور الناخبين في العادة
بتقييم أدائه فيها , بعد انتهاء الفصل التشريعى, وتشهد الندوات الانتخابية في
العادة حشودا غفيرة من الناخبين الذين يفاضلون بين ناخب وآخر وفقا للخبرة
المتراكمة التي اكتسبها الناخب الكويتى عبر مشاركته في العديد من الانتخابات
السابقة, ووفق الخبرة الجماعية التي تجيد التعامل في مثل هذه المناسبات وتحدد
خيارها بوعي.
وقد كانت الانتخابات الكويتية هذه المرة مختلفة عن سابقاتها, فهي تأتي
في ظل ظروف إقليمية ودولية مغايرة, لعل من أبرزها سقوط نظام حكم طاغية العراق صدام
حسين الذي ظل على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية مصدر توتر في المنطقة, والذي
كانت مغامراته التعيسة سببا في اندلاع حروب أودت بالمشاريع التنموية الكبرى, وأحلت
بدلا منها شعورا بعدم الاستقرار.
وقد فرض هذا الشعور نفسه بقوة على الطرح الانتخابي للمرشحين الكويتيين
في الحملات التي تم تنظيمها خلال العمليات الإنتخابية وجرت في أعوام
1992و1996و1999, لمجالس الأمة في الفصول التشريعية الثلاثة : السابع والثامن
والتاسع.
فقد كان هاجس الأمن هو الأعلى صوتا في تلك الانتخابات, وكانت البرامج
الانتخابية في معظمها, تؤكد ضرورة عمل كل ما من شأنه حفظ الأمن في الكويت, والدفاع
عنها ضد المطامع التي يبديها أو يخفيها النظام الحاكم لدى الجار الشمالى.
كان هذا الهاجس يبدو مسيطرا بقوة في برامج وندوات الانتخابات التي
شهدتها الكويت, في أعقاب التحرير, وحتى الفترة التي سبقت اندحار نظام المقابر
الجماعية.
لكن الانتخابات الكويتية هذه المرة كان لها طابع مختلف تماما, وكان
الأمر اللافت فيها هو أن المتغيرات الإقليمية الجديدة فرضت أجندتها, في أعقاب
ماشهدته المنطقة من تغيير مهم في العراق قبل انطلاق الحملة الانتخابية في الكويت
بعدة أيام, إذ إن الشعارات الانتخابية التى كانت تشدد على ضرورة التركيز على
الناحية الأمنية, وتتجاهل أي اتفاق عسكري, أو تغض الطرف عن عدم وجود مشاريع تنمية
كبيرة في الكويت منذ حدوث الغزو الذي قاده صدام حسين لها, هذه الشعارات تبدلت تماما
إلى العكس, وكان صوت الاقتصاد هو الأعلى في الحملة الانتخابية الاخيرة, فيما تركزت
القضايا المطروحة في معظمها على المستقبل, وما سوف يأتي به من تحديات هائلة, بات
التعامل معها, والمشاركة في مواجهة استحقاقاتها, أمرا لابديل عنه.
اليوم القائظ
توجهنا إلى عدد من مقار الاقتراع, كان ذلك اليوم شديد الحرارة فقد بلغ
المؤشر فيه 55 درجة مئوية, كعادة شهر يوليو من كل عام, الذي يغادر فيه العديد من
أبناء الكويت إلى الخارج باحثين عن المناخ الأكثر برودة, لكن هذه المرة كان موعد
الانتخابات لهم بالمرصاد, وكان أن انتظرت العائلات حتى ينتهى هذا الجو الاحتفالي
الذي أشعلت سخونته أيام الكويت, تماما مثلما فعلت الندوات ذات الطروحات اللاهبة في
الليالي الصيفية.
ترك الجو الملتهب بصماته في يوم الاقتراع, الأمر الذي جعل الإقبال
الصباحى فيه أقل من المعتاد, لكن الأمر سرعان ما انقلب إلى النقيض, حين تدافع
الناخبون إلى المقار الانتخابية عصرا, ليمارسوا حقوقهم التي كفلها الدستور, والتى
باتوا معها أشد حرصا, على استخدامها.
توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع لاختيار 50 نائبا بعد حملة إعلامية
أنجزها المرشحون, واستمرت نحو شهرين سعيا وراء الفوز بقرار الناخب الأخير في هذه
الانتخابات, وقد بذل المرشحون جهودا كبيرة قبل إسدال الستار على حملة الانتخابات
لكسب تلك الاصوات حين ركزت حملاتهم الانتخابية بصورة أساسية على هموم المواطنين
وانحصرت أغلب القضايا في الإسكان والتعليم والتوظيف والمعوقات البيروقراطية.
تاريخ من الممارسة:
مع الساعات الأولى ليوم الاحد السادس من شهر يوليو 2003 , كانت ملامح
مجلس الامة 2003 قد بدت واضحة, حين صبت النتائج في مصلحة تغيير نسبة كبيرة من
الوجوه النيابية لمجلس الامة.
وجاءت النتائج هذه المرة بما فيها من مفاجآت وتجديد ثقة, لتتوج واحدة
من أشد الحملات الانتخابية سخونة في تاريخ الحياة النيابية التي شهدتها الكويت على
مدى الأربعين عاما الماضية, والتي تبارى خلالها المرشحون في طرح جميع القضايا,
ووصل فيها التنافس إلى درجة أذهلت المراقبين.
لكن الإنتخابات التي استقطبت اهتماما إقليميا ودوليا لافتا, مثلت حلقة
مهمة من حلقات الممارسة الديمقراطية التي تميزت بها الكويت منذ سنوات الاستقلال
الأولى.
وقد كشفت نتائج انتخابات مجلس الأمة الأخيرة عن درجة تبدل المزاج
العام للناخب الكويتي بشكل نسبي, حين بلغت نسبة التغيير في الفصل التشريعى العاشر
46% بعد أن تم استبدال 23 نائبا من الخمسين نائبا الذين كانوا أعضاء في مجلس الأمة
السابق في فصله التشريعى التاسع.
وجاءت النتائج لتشير إلى حدوث تغير كبير في رموز كانت محسوبة على
التيار الليبرالي وعدد قليل من ضمن القيادات البارزة في التيار الإسلامي, كانت قد
عايشت الحياة البرلمانية منذ مدة طويلة.
وإذا كانت الكويت قد شهدت على مدى الأعوام الأربعين الماضية وقائع
النشاط الديمقراطي لاختيار أعضاء مجلس الأمة, التي مارس فيها الكويتيون حياة
سياسية شديدة الخصوبة, تمكنوا خلالها من اكتساب خبرة واسعة في فن الممارسة
الديمقراطية, فإن معرفة الشعب الكويتي بالحياة الديمقراطية والشورى تعود إلى ما
يقرب من المائتين والخمسين سنة, حين دأب أهل هذا البلد على المشاركة السياسية منذ
أن وافق الشعب الكويتي في عام 1762م على تنصيب آل الصباح حكاما عليه وفقا للشورى
والإجماع.
ومنذ ذلك اليوم فإن الشعب الكويتي هو أول شعب عربي خليجي انتخب مجلسا
تشريعيا عام 1938, واستن دستورا وتحول من المجتمع القبلي إلى مجتمع الدولة, فيما
تكفل نظامه السياسى بتحقيق التوازن بين السلطات الثلاث, وكان للطبيعة التجارية
للمجتمع الكويتي ما قبل النفط, الفضل في خلق توازنات سياسية واجتماعية ووضعت قيودا
على احتمالات الاستبداد بالسلطة, نظرا لأن التجار وملاك السفن كانوا هم أقدر
الفئات على دفع الضرائب وتقديم الدعم المالى للحكام, الأمر الذي وضع في يدهم إمكان
التأثير الكبير على مجريات الحياة السياسية بالبلاد.
غير أن ظهور الأندية الاجتماعية والجمعيات الأدبية والثقافية مثل حدثا
فارقا في تأسيس المجتمع المدني القائم على الشورى وقبول الرأي المختلف, في الوقت
الذي لعبت فيه الدواوين دورا مهما في القضايا السياسية بالبلاد.
ومع بداية اعتماد التعليم الحديث شهدت مسيرة الكويت نحو الديمقراطية
طفرة مهمة, ففى عام 1912 تم إنشاء المدرسة المباركية بمبادرة أهلية وتأييد حاكم
الكويت المغفور له الشيخ مبارك الصباح. وفى عام 1921 تم إنشاء المدرسة الأحمدية,
وفي العام نفسه ظهرت أول مؤسسة للشورى في البلاد في زمن المرحوم الشيخ أحمد الجابر
حاكم البلاد. في الوقت الذي اعتمد فيه آل الصباح مبدأي الشورى والمشاركة الشعبية,
الأمر الذي جعل من المجتمع الكويتى أسرة واحدة مترابطة متكاتفة في السراء
والضراء.
وعقب صدور أول ميثاق للكويت, تم مباشرة تعيين أول مجلس شورى يتكون من
12 عضوا في 22 فبراير عام 1921 وكانت الرئاسة للسيد حمد الصقر فيما تم اختيار اعضاء
هذا المجلس على أساس جغرافي. لكن هذا المجلس لم يستمر لأكثر من شهرين, بسبب
الخلافات بين أعضائه الذين كان اختيارهم قد تم من قبل وجهاء البلاد وليس من قبل
الحاكم, لكن على الرغم من ذلك فإن هذا المجلس كان حدثا لافتا في تاريخ المسيرة
الديمقراطية في الكويت باعتباره مجلسا تم تنظيمه للمشاركة في صنع القرار.
تجارب متتابعة
وعقب ذلك بدأت تجربة المجلس البلدي في العام 1930, وهي أول تجربة
انتخابية تم بموجبها انتخاب 12 عضوا, استطاعت قيادة تجربة الكويت التنموية في عالم
كان قد بدأ الانطلاق نحو البناء والتعمير. وجرت انتخابات المجلس البلدى عام 1932
بعد أن صدر قانون البلدية في عام 1931. ثم تطورت تجربة المجلس البلدي الديمقراطية
وتعددت اختصاصاته حتى أصبح مجلسا مصغرا للوزراء والشورى معا بما يتناسب في أدائه
لمهامه مع طبيعة وبساطة المجتمع الكويتى آنذاك, إلى أن تم إنشاء مجلس للمعارف في
العام 1936, تولى شئون التعليم وكان له دور فاعل في إنشاء المدارس, وقد تمت دعوة
مجموعة من تجار ووجهاء الكويت لاختيار 12 عضوا لمجلس المعارف الذي تصدى لوضع أسس
بناء النهضة التعليمية الأولى في الكويت على أسس حديثة.
وتزامنا مع الفترة التي شهدت فيها الدول العربية اندفاعا نحو اللحمة
القومية والمناداة للتحرر من الاستعمار, اجتمع وجهاء الكويت وتجارها إلى أمير
البلاد مطالبين بإدخال المزيد من الديمقراطية على نظام الحكم. ليتم الإعلان في عام
1938 عن تأليف أول مجلس تشريعي يتألف من 14 عضوا, تمت الدعوة لانتخابهم بواسطة 320
ناخبا ممثلين لأهم القوى التجارية والاجتماعية في المجتمع الكويتي, وجهت إليهم
الدعوة من الأمير, و تنافس على العضوية 20 مرشحا, وقام هذا المجلس التشريعى بصياغة
مشروع أول دستور لدولة الكويت.
غير أن هذا المجلس لم يكتب له الاستمرار سوى خمسة أشهر بسبب تأثيره
على المصالح البريطانية, خصوصا فيما يتعلق بالنفط, فتنادى أفراد الشعب الكويتي في
ديسمبر من عام 1938, وأجمعوا على توحيد الكلمة وتصفية النفوس وتوسيع قاعدة ممثلي
الشعب ليصبحوا عشرين عضوا بدلا من أربعة عشر, وفى يناير 1939 بدأ المجلس الجديد
أعماله بالموافقة على الدستور الجديد, وإرساله لأمير البلاد للمصادقة عليه, لكن
الحاكم رفضه وقدم بدلا منه دستورا آخرا رأى أنه الأنسب للكويتيين, وبعد اعتراض
النواب على الدستور صدر أمر بحل المجلس التشريعي الثاني.
وفي عهد الشيخ عبد الله السالم الصباح ألغيت اتفاقية الحماية
البريطانية في 10/6/1961م بعد 62 عاما من العمل بها وأصبحت الكويت عضوا في جامعة
الدول العربية, مع نهاية عام 1961م, ثم عضوا في الهيئة العامة للامم المتحدة منذ
عام 1963م.
وكان أن صدر القانون رقم (1) لسنة 1962 الذي نص على إنشاء مجلس تأسيسى
يقوم بإعداد دستور يبين نظام الحكم على أساس المباديء الديمقراطية المستوحاة من
واقع الكويت وأهدافها, وأجريت الانتخابات يوم 6 يناير 1962 وفاز فيها 20 عضوا من
عشر دوائر انتخابية وضم المجلس في عضويته أحد عشر عضوا. وفي أعقاب ذلك بنحو شهرين
شكل المجلس التأسيسى هذا لجنة صياغة دستور البلاد , عقدت 23 اجتماعا وانجزت الدستور
ثم عرضته على المجلس التأسيسي الذي ناقشه بندا بندا حتى أقره بالإجماع في جلسة 3
نوفمبر 1962 م. وبعد ذلك قامت بتقديمه إلى أمير البلاد في 8 نوفمبر عام 1962 وصدق
عليه دون تغيير في 11 نوفمبر 1962.
أدوات دستورية
على مدى أربعين عاما هي عمر الحياة النيابية الكويتية استخدم النواب
الأدوات التي كفلها الدستور الكويتى, فقد ناقش مجلس الأمة (البرلمان) العديد من
الاستجوابات المقدمة من بعض النواب للوزراء المسئولين, كان أولها يوم 11 يونيو
1963, وقد تنوعت تلك الاستجوابات في موضوعاتها.. وأيضا في شدتها وضعفها, الأمر
الذي وصلت فيه الامور, خلال مرات ثلاث بالبرلمان إلى الحل.. وانتهت في أغلب
الأحيان بسحب المستجوب طلب طرح الثقة بالوزير أو فشله في الحصول على غالبية تتيح له
إجباره على الاستقالة.
وخلال هذه الحقبة من الممارسة الديمقراطية مارس النواب كل ما في
جعبتهم من مهارات وفنون العمل البرلماني التشريعي والسياسي, وبلغ عدد الاستجوابات
التي قدموها (حتى نهاية الفصل التشريعي التاسع الذي اختتم أعماله في الثلاثين من
شهر يونيو من العام 2003) سبعة وعشرين استجوابا خاضت في شتى المجالات. و شملت
جميع الوزارات تقريبا
وأسفر بعضها عن دفع حكومات إلى الاستقالة بأكملها مثلما حدث ( في
1/3/1998, وفى 29/1/2001), واستقال إثر بعضها الآخر وزراء (كوزير العدل في
5/5/1985) وتسببت بعض الاستجوابات في حل مجلس الأمة بذاته ( في 3/7/1986, وفى
4/5/1999).
وعلى الرغم من عدم وجود أحزاب سياسية رسمية في دولة الكويت, فإنها لا
تخلو من قوى سياسية واجتماعية غير رسمية تجمع بين أصحاب الأفكار المشتركة, وقد
استطاعت هذه مع مرور الوقت فرض حركتها ونشاطها, خصوصا بعد ان اكتسبت الممارسات
الديمقراطية من العمق - والسخونة أحيانا - ما أدى بها إلى تشكيل تيارات وتكتلات
اتخذت لها مسميات أخرى وتشترك فيها كل ألوان الطيف السياسي, تختلف وتتبارى, وتتنافس
فيما بينها, لكنها جميعا تتفانى في عشق الوطن وتحيطه بكل معاني المحبة والوفاء,
لتشير إلى سلامة المسيرة الديمقراطية وتقدمها وازدهارها يوما بعد يوم.
وخلال الانتخابات الأخيرة كانت أبرز القوى السياسية التي خاضت
المنافسة -تتمثل في التنظيمات ذات الفكر السياسي الإسلامي باختلاف مدارسهم الفكرية,
بجانب المرشحين المدعومين من عشائرهم وقبائلهم, بالإضافة إلى بعض التيارات السياسية
الأخرى مثل الليبراليين ذوي التوجهات القومية والوطنية والشيعة والمستقلين. وتنقسم
التنظيمات الإسلامية وفق مدارسها الفكرية تحت مظلة عدة تجمعات أو جمعيات أبرزها
السلفيون والإخوان المسلمون.
وكان السلفيون يشكلون قبل أكثر من خمس سنوات تياراً واحداً ينضوي تحت
ما يسمى بـ (جمعية إحياء التراث), لكنهم انقسموا بعد دخوله معترك الحياة السياسية
اليومية بسبب الخلافات إلى فريقين رئيسيين, الأول (التجمع السلفي) ويضم التيار
الأكبر من السلفيين, والثاني (الحركة السلفية). وينخرط التيار السلفي بشقيه في
العملية السياسية بعكس أغلب التيارات السلفية في بلدان أخرى.
وبالنسبة إلى الإخوان المسلمين فإن هذه الجماعة تمارس أنشطتها تحت
لواء (جمعية الإصلاح الاجتماعي), وتمثل (الحركة الدستورية الإسلامية) الجناح
السياسي لها في مجلس الأمة.
وبالتوازي مع القوى السياسية فإن منظومة القبيلة الاجتماعية تحظى
أيضًا بثقل سياسي في الانتخابات البرلمانية في الكويت, وينتشر مرشحو القبائل فيما
يقرب من 12 دائرة من أصل 25 دائرة انتخابية تغطي دولة الكويت لاختيار 50 نائبا
(نائبان عن كل دائرة) هم كل أعضاء البرلمان.
ويشارك الليبراليون أيضا في الحياة السياسية وهم خليط من عناصر قديمة
من القوميين والناصريين واليساريين وذوي الاتجاهات الإصلاحية كعنصر ثالث في الحياة
السياسية, ويتمثل هذا التيار في جماعتين: الأولى تحمل اسم (المنبر الديمقراطي),
أما الجماعة الثانية فتحمل اسم (التكتل الشعبي) وشكلها عدد من أعضاء مجلس الأمة
السابق من القوميين والليبراليين المستقلين.
أما العنصر الرابع المشكل للقوى السياسية بالكويت فيتمثل فيما يسمى بـ
(الائتلاف الإسلامي الوطني), وهو التيار الشيعي, ويتكون هذا الائتلاف من مجاميع
إسلامية ووطنية شيعية بعضها محسوب على الفكر المرجعي الشيعي باتجاهاته المختلفة,
ومنهم من يمثل الحوزة الشيعية وبعضهم يمثل التيار الوطني الديمقراطي.
وهنا تحديدا يرى رئيس البرلمان الكويتى جاسم محمد الخرافى أنه بعد
أربعين عاما من العمل البرلماني, فإن الوقت قد حان لتطوير اللائحة الداخلية نحو
الافضل من أجل المحافظة على الديمقراطية والمكاسب الشعبية, وعلى ثقة المواطنين بهذه
المؤسسة. وهو هنا يضيف إلى هذا الدور بعدا أكبر حين يشدد على أهمية دور مجلس الأمة
في توثيق العلاقات العربية قائلا : إنه مهما كانت الجروح والآلام فإن الكويت ستبقى
عربية وستظل وفية لعروبتها وحريصة على القيام بما يمليه عليها الواجب الوطني.
وفى هذا الإطار يقول الخرافى : (مهما تكن سعادتنا غامرة بزوال نظام صدام حسين, فإنه
يوجد دور علينا القيام به تجاه الشعب العراقي, الذي كان أسيراً للنظام السابق مثلما
كان الشعب الكويتي أسيراً له لمدة سبعة أشهر) متمنيا أن يعي الشعب العراقي الأمانة
والمسئولية الملقاة على عاتقه في المحافظة على وحدته وأنه لا بديل عن الديمقراطية
في معالجة الخلافات بالحكمة لمصلحة العراق الشقيق.
أدوار مؤثرة
ولايمكن التأريخ للحياة السياسية في الكويت دون تناول دور الديوانية
التي تعد أداة سياسية فاعلة في هذا المجتمع, والتى من خلالها تمارس الديمقراطية
بأشكالها المختلفة, اعتبارا من تشكيلة الحياة البرلمانية إلى صنع القرار
السياسي.
فبمقدار ما يملك المرشح من تأييد وتأثير من أصحاب الديوانيات في
منطقته الانتخابية يمهد ذلك الطريق لتيسير وصوله إلى قاعة البرلمان.
ولذلك فإن النائب في كثير من الأحيان لايستطيع أن يتوجه عكس ما قد
يفرضه عليه أبناء دائرته إذ قد يؤثر ذلك بشكل كبير على مستقبله السياسي في
الانتخابات المقبلة.
فى الوقت نفسه فإن الديوانية تشكل نوعا من أنواع المحاسبة والمراقبة
لنائب المنطقة حيث يعقد روادها اجتماعات خاصة لمناقشة نوابهم مما يعكس بصورة أو
بأخرى دورهم التشريعى غير المباشر.
وقد مكنت الديوانية الكويتية بأسلوبها البسيط في التنظيم وبنمطها
التقليدى من الدخول في عالم السياسة وكانت طرفا في صناعة القرار السياسى وتحريك
وتحديد الحركة النيابية وفي الوقت الذي عززت كذلك من دور قوى الضغط السياسي التي
تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في الدول المتقدمة, وهي بذلك أدت ومازالت تؤدي وظيفة
لايمكن تصور الوضع السياسي في الكويت دونها.
حقوق المرأة
وتظل قضية حقوق المرأة السياسية حاضرة بقوة, في كل انتخابات تشهدها
الساحة الكويتية, ومع انطلاق الحملات الانتخابية كل أربعة أعوام يعود الحديث بقوة,
ليصبح إحدى القضايا التي يتداولها العديد من المرشحين, سواء بالتأييد أو
الاعتراض.
وإذا كانت المرأة الكويتية التي تبوأت حاليا العديد من المناصب
العليا, منها منصب وكيلة وزارة ومديرة للجامعة الوحيدة في البلاد بدرجة وزير,
وسفيرة ومديرة لبلادها في هيئات ومنظمات دولية, فإن حرمانها من حقي التصويت في
الانتخابات التشريعية, أو الترشح لدخول البرلمان, يظل دافعا لحوار مستمر, تشهده
المحكمة الدستورية أحيانا, وتشهده قاعة البرلمان حين يتقدم النواب بمشروع قانون
لإعطاء النساء حق المشاركة السياسية.
وإذا كانت إحدى المحاولات قد أخفقت في اقتراع ديمقراطي أجراه البرلمان
السابق, فإن إعلان الحكومة عن نيتها إجراء تعديلات في قانون المجلس البلدى يتيح
ترشح النساء للانتخابات فيه, ويسمح للحكومة بتعيين بعض النسوة في عضوية هذا المجلس
(غير التشريعى), قد فتح المجال كي تنتعش الآمال النسائية مجددا.
وفي هذا الاطار تتساءل أستاذة القانون الدولي الدكتورة بدرية عبد الله
العوضى عن السبب الذي يدفع إلى حرمان نصف مواطني المجتمع من المشاركة الفعلية
والكاملة فيما يعرف بـ(العرس الكويتي)?, وتضيف قائلة : لماذا تمارس كل نساء العالم
حقوقهن السياسية عدا المرأة الكويتية? وهل المرأة الكويتية أقل قدرة وكفاءة ونضجا
من الرجل الكويتي? وهل ابتعاد المرأة عن المشاركة السياسية في مصلحة الديمقراطية
الكويتية التي أصبحت مميزة ليس لكونها ديمقراطية حقيقية في المنطقة العربية, بل
لأنها ديمقراطية خاصة للرجال, ومن هنا تكمن خصوصيتها التي تحسب ضدها وليس لمصلحتها?
وهل الديمقراطية تكون ديمقراطية كاملة دون مشاركة جميع المواطنين مهما حاول البعض
إيجاد التبريرات لذلك?
ختام
إن تاريخ الكويت مع الممارسة الديمقراطية هو تاريخ زاخر بكل
المقاييس, فعلى هذه البقعة الجغرافية الصغيرة وفى خلال القرون الثلاثة الماضية
تشكلت ثقافة سياسية اختص بها هذا الكيان الناشيء, في الوقت الذي لم يشهد فيه
التاريخ الكويتي نزاعات دموية تذكر بين المتخاصمين إلا ما ندر ولأسباب لا تعتبر
صراعاً بين قوى متضادة بالمعنى المعروف. بل اتسمت معظم خصوماتهم بالطابع السلمي
والتسامح, في ظل إحساس مبكر لدى الكويتيين بفكرة السيادة على اعتبار إحساسهم بأنهم
كيان صغير مستقل خارج إطار نفوذ الدول العظمى. وقد انعكست خصوصية هذا الإحساس
الفطري على سلوك الشعب الكويتي السياسي والثقافي والاجتماعي خلال التاريخ, وساهمت
في ظهور الإرهاصات الأولى لتشكيل النخبة السياسية المناضلة من أجل الديمقراطية في
وقت مبكر.
----------
خلال الانتخابات الأخيرة شهدت الساحة الكويتية ما يمكن أن يطلق
عليه حرب رسائل الكترونية (MSG ) تنتقل من هاتف نقال إلى آخر حاملة شعارات
المرشحين, ونقاطا من برامجهم الانتخابية, مع دعوات لحضور الندوات التي كانت مناطق
الكويت تحفل بها طيلة ساعات المساء.
وفى الوقت الذي فرضت تلك الرسائل نفسها على بقية الوسائل الدعائية
الأخرى, باعتبارها الأسرع والأكثر انتشارا, وربما الأكثر إلحاحا على الناخب لدفعه
إلى مغادرة مكانه والذهاب إلى مرشح بعينه في الدائرة الانتخابية التي يتبعها, فإن
هواة استخدام الرسائل الالكترونية لم يكتفوا بذلك, فالإنتخابات التي تشهدها الكويت
كل أربع سنوات هي في النهاية فرصة لهواة ابتكار أساليب وأفكار جديدة, يتم من خلالها
استخدام أحدث الوسائل, ومداعبة اهتمامات الناخبين والتعاطي مع ما
يشغلهم.