محمد أمين الميداني وإبراهيم المليفي

 محمد أمين الميداني وإبراهيم المليفي
        

عدم تقدير الباحثين العرب وراء هجرتهم أوطانهم

  • عدم الاهتمام بالجانب الأكاديمي في حركة حقوق الإنسان العربية أمر مسبب للقلق
  • لم تغرني الحياة الديمقراطية في فرنسا للمشاركة فيها

          هو أحد القانونيين المتمسكين بأهمية تقديم الجوانب العلمية والأكاديمية على ماعداها من جوانب أخرى, وكأنه يقول إن نقطة البداية السليمة في أي مشروع ذي طابع صياغي هي للمتخصصين بالدرجة الأولى, في إشارة واضحة إلى أن بعض المعاهدات والمواثيق في المنطقة العربية, وبخاصة الإنسانية, صيغت دون الاستعانة بآرائهم وخبراتهم في هذا المجال. ولد في بيئة عسكرية صرفة, فوالده ضابط في الجيش العربي السوري, وجده لوالده ضابط في الجيش التركي. وربما كانت تلك النشأة السبب في نفوره من العمل السياسي وتفضيله العمل في المؤسسات الثقافية والفكرية التي تغني برأيه عن ذلك النوع من النشاط, ويقول: لو أن أحد أبنائي طلب نصيحتي بالعمل السياسي لنصحته بالابتعاد عنه, ويضيف فخورا: إن العمل السياسي الوحيد الذي مارسته هو عدم ممارسة السياسة. في أثناء تحضيره للدراسات العليا في جامعة ستراسبورغ في فرنسا تعرف لأول مرة على الصكوك الإقليمية والدولية, ومن هناك بدأت مسيرة اندماجه مع مواضيع حقوق الإنسان خطوة تلو الأخرى في وقت لم يكن لمثل هذه المواضيع صيت ذائع. وفي يوم حصوله على شهادة الدكتوراه ضاعف أستاذه المشرف على أطروحته فرحته بأن عرض عليه تولي مسئولية البرنامج العربي في المعهد الدولي لحقوق الإنسان. ليتمكن لاحقا من تأهيل الكثير من الباحثين والمناضلين في مجال حقوق الإنسان عبر ذلك البرنامج منذ عام 1987, وفي بداية الألفية تمكن ومجموعة من المشاركين في دوراته التدريبية من تأسيس منظمة عربية مستقلة تهتم بحقوق الإنسان, والأهم أن يطغى عليها الجانب الأكاديمي العلمي والتدريبي. الدكتور محمد أمين الميداني رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في ليون - فرنسا, التقت به (العربي) في العاصمة اليمنية صنعاء على هامش أنشطة الدورة العربية الثانية لحقوق الإنسان التي نظمها مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان, وهناك في أرض مملكة سبأ دار هذا الحوار المتعدد المحاور.

  • شهد عقد التسعينيات تحولات كثيرة على العديد من الأصعدة, من أهمها انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم, وما تبع ذلك من انتشار وتعاط للمفاهيم الرأسمالية على نطاق واسع, ومفهوم حقوق الإنسان الذي ربما كان محرما في الكثير من دول العالم الثالث, في يوم من الأيام أصبح منذ بداية ذلك العقد خبزا للعامة وضالة للمثقفين.
  • برأيك متى بدأ الاهتمام بمواضيع حقوق الإنسان في المنطقة العربية?

          الاهتمام بحقوق الإنسان من الناحية (العلمية) والأكاديمية جاء متأخراً في الوطن العربي, وكذلك حدث الأمر نفسه من الناحية النضالية, والسبب يعود إلى أن هذا الموضوع لم يكن يحظى باهتمامات الرأي العام في الوطن العربي, ولا من قبل الأحزاب والمنظمات النقابية, حتى أتت فترة التسعينيات وحدث التحول نحو الاهتمام بهذه الحقوق سواء كان مرئيا أو مسموعا وله ضجته.

          وقبل التسعينيات كان لمواضيع حقوق الإنسان حضور متواضع, اقتصر على المستوى الأكاديمي العلمي فقط, كي لا ننسى, فإن عددا لابأس به من الدول العربية قد صادقت على عدد من الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان, من هنا يتضح أن المواطن العربي لم يكن قد اهتم بحقوق الإنسان بسبب عدم اهتمام أجهزة الإعلام بشكل عام بهذا الموضوع.

فضائيات

  • وهل ساهمت الفضائيات العربية في نشر وتسويق مفاهيم حقوق الإنسان بين المشاهدين العرب?

          قبل أن أجيبك أود أن أعلق بأنني قصدت عندما كنت أنشر كتبي أن أنشرها في مختلف بلدان الوطن العربي. فلي كتاب صدر في بيروت وعمان والقاهرة وتونس وصنعاء, فقد لاحظت خلال تجوالي بين العواصم العربية وجود صعوبة في الحصول على نسخ لكتاب نشر في بلد عربي آخر, وسهولة في الحصول على الكتب الصادرة محلياً. فعندما آتي إلى اليمن محاضراً ثم أحيل الطلبة اليمنيين إلى كتاب نشر في اليمن, فمن السهل الحصول عليه, وكذلك الأمر في تونس ومصر. والعكس تماماً يحدث لو طلبت كتابا صدر في دولة أخرى.

          وأعتقد في موضوع حقوق الإنسان خصوصاً, ضرورة ألا يحتكر بلد عربي واحد عملية نشر كتب حقوق الإنسان خاصة أن التوزيع سيئ جدا في الوطن العربي.

          بالنسبة للسؤال, مما لاشك فيه أن المحطات الفضائية العربية لعبت دورا مهما في عملية نشر الوعي بحقوق الإنسان, ولكن دائما عندما أتابع مثل هذه البرامج أتابعها على حذر لأن فيها جانبا صحفيا وإعلاميا يريد أن يلفت المتفرج إلى البرنامج أكثر من مضمونه (إثارة), وأذكر أنني كنت في عمان وألقي فيها محاضرة في إحدى جامعاتها. ومن خلالها هنأت الحكومة الأردنية على قيامها بالمصادقة على نظام المحكمة الجنائية الدولية, وفي اليوم التالي أفاجأ بإحدى الصحف تقول الميداني يبارك للأردن توقيعه على نظام المحكمة الجنائية, وأنا بالفعل قلت ذلك كما قلت أيضا إن هناك عشر دول عربية وقعت على ذلك النظام, وهذا ليس فيه إنجاز لأن الإنجاز هو بالمصادقة على نظام المحكمة الجنائية, وعندما التقيت الصحفي الذي كتب الخبر, قال لي بعد أن شرحت له الأمر إنه لا يعرف الفرق بين التصديق والتوقيع.

          هذه القصة مثال, والأمر نفسه يحدث في بعض البرامج التلفزيونية حيث أجد أن غير المتخصص يخطئ ويعطي معلومة خاطئة للمشاهد لدرجة أنني أتمنى بيني وبين نفسي لو لم يُدع هذا الضيف لأن إعطاء المعلومة الخطأ أخطر من الجهل بها أحياناً.

محكمة عربية

  • أنت من المطالبين بإيجاد نظام آسيوي لحماية حقوق الإنسان على غرار الأنظمة الموجودة في أوربا وإفريقيا وأمريكا, يا ترى ما أهمية إيجاد مثل هذا النظام في القارة الآسيوية?

          عندما تحدثت عن مختلف الأنظمة الإقليمية لحماية حقوق الإنسان, وقلت إن لدينا النظام الأوربي والنظام الأمريكي والنظام الإفريقي, وتجاوزاً النظام العربي لحقوق الإنسان, وذكرت غياب نظام آسيوي مماثل, أردت أن أقول إن الموضوع هو أن أهمية الأنظمة الإقليمية تنبع من اهتمامها بالخصوصية الإقليمية وأيضاً آلية مثل هذه الاتفاقية.

          برأيي أن القارة الآسيوية بحاجة إلى أن تبرز خصوصيتها من خلال اتفاقية معينة أو عهد أو ميثاق يبحث في موضوع حقوق الإنسان, لأن كل تجمع إقليمي - كما ذكرت - له خصوصيته وله آلياته الخاصة المميزة, فمثلا يوجد في النظام الأوربي فقط محكمة أوربية لحقوق الإنسان, وفي النظام الأمريكي الذي يعتمد على الاتفاقية الأمريكية توجد لجنة ومحكمة أمريكية لحقوق الإنسان, وفي النظام الإفريقي توجد لجنة إفريقية وبروتوكول نص على إنشاء محكمة لحقوق الإنسان لم تكن موجودة نصاً في صلب الميثاق الإفريقي, ولكن تم اعتماد بروتوكول أضيف إلى الميثاق, وإذا أتينا إلى العالم العربي هناك لجنة خبراء متواضعة ولا توجد محكمة عربية.

          وربما من باب الفضول نتساءل: كيف ستكون الحال في آلية النظام الآسيوي? هل سيؤسسون لجنة أو لجنة ومحكمة, والمقصود هنا أن الآلية ستثري موضوع الحماية لأن الآلية في عملها الذي يقوم بالسهر على حسن تطبيق الأطراف أحكام هذه الاتفاقية, وبالتالي هي ستقدم اجتهادات كما يحصل مع المحاكم الأخرى, وكلها ستصب حتما في مجرى حماية وتطوير حقوق الإنسان.

  • ربما تكمن صعوبة خلق هذا النظام في تنوع وتفاوت الحضارات والديانات في تلك القارة الضخمة?

          أتفق معك في تنوع حضارات الدول الآسيوية وتراثها التاريخي والعقائدي ومستوياتها الاقتصادية المتفاوتة, كل ذلك يلعب دوره في غياب نظام آسيوي لحقوق الإنسان حتى الآن, إلا أن ذلك الأمر لا يمنع من النجاح في يوم من الأيام لتحقيق ذلك النظام.

  • ما قصة تأسيس المركز العربي في ليون? وكيف انتهى بك الأمر إلى تولي مسئولية رئاسته?

          - عندما بدأت دراستي العليا في مدينة ستراسبورغ اهتممت بموضوع حقوق الإنسان وحضرت أطروحة الدكتوراة التي عالجت مواضيع عدة في حقوق الإنسان, وصادف أن الأستاذ المشرف على أطروحتي كان هو الأمين العام للمعهد الدولي لحقوق الإنسان في ستراسبورغ. وهذا المعهد وقع اتفاقية تسمح بتدريس حقوق الإنسان في برامج المعهد ودوراته, وبعد مناقشتي للأطروحة عرض علي أستاذي أن أدخل إلى المعهد الدولي, وأن أتكفل بالبرنامج العربي, فبقيت في هذا المعهد منذ عام (1987) حتى عام (2001) كباحث وكمدير للبرنامج العربي هناك, واستطعت بفضل الله أن أؤسس برنامجاً أسهم بتأهيل وتدريب الكثير من الباحثين والمهتمين والمناضلين في مجال حقوق الإنسان.

          وأراد عدد من المشاركين في الدورات التي قمت بالمحاضرة فيها أن يؤسسوا منظمة مستقلة تهتم بحقوق الإنسان, وأن يطغى عليها الجانب الأكاديمي العلمي والتدريبي أكثر من غيره, وقد عرضوا علي هذا المشروع وساهمت به معهم في إعداد نظام هذه المؤسسة كمنظمة غير حكومية, وتم تأسيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في مدينة ليون الفرنسية ومديرها التنفيذي يقيم هناك.

  • ما الشرائح التي يستهدفها المركز?

          المركز حالياً لا ينظم دورات تدريبية. نظرا لقيام جهات أخرى بتنظيم دورات مثل المعهد العربي لحقوق الإنسان في تونس ومركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن. وفلسفتنا في المركز تقوم على تنظيم الندوات والمؤتمرات فيها لمعالجة موضوع أو قضية معينة, مثلا في عام 2001 نظمنا يوماً دراسياً مع معهد حقوق الإنسان في جامعة ليون تحت عنوان (نحو نظام عربي لحقوق الإنسان) ودرسنا الميثاق العربي لحقوق الإنسان من خلال مقارنته بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتسليط الأضواء عليه, فكان هذا اليوم هو بداية انطلاقة المركز في أوربا والعالم العربي ولاحقاً عندما بلغنا أن مجلس جامعة الدول العربية قرر تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان, عقدنا ندوة في العاصمة الأردنية عمان في شهر أكتوبر (2002) قمنا فيها بتقديم أوراق عمل حول هذا الموضوع ثم تبعها اجتماع في صنعاء أكملنا فيه ما قمنا به, ومن المنتظر أن تقام ندوة أخيرة لإنهاء هذه المهمة.

          من هنا, نحن لا نريد أن نقوم بعمل تقوم به مراكز أخرى, بل أن نكمل جهود المراكز الأخرى ونخطو معا نحو خدمة حقوق الإنسان.

مواقف سياسية

  • من خلال اطلاعي على سيرتك الذاتية لاحظت ابتعادك الواضح عن ممارسة أي عمل سياسي طوال حياتك حتى وأنت تعيش الآن في فرنسا, فيا ترى ما أسباب تلك (السياسة)?

          لم تغرني الحياة الديمقراطية والتعددية وجميع الأحزاب الموجودة في فرنسا لكي أنضم إلى أحدها بالرغم من أن عددا كبيرا من العرب قد انضموا إلى معظم تلك الأحزاب سواء الاشتراكية والخضر أو الشيوعية, ومنذ أن نشأت كانت أسرتي لا تمارس السياسة بأي شكل من الأشكال, فوالدي كان ضابطاً في الجيش العربي السوري, ومن قبله كان جدي ضابطا في الجيش التركي, ولكن سياستنا الوحيدة هي ألا يكون لنا دخل في السياسة.

          واليوم هناك الكثير من الشباب العربي يتجنب الخوض في المعترك السياسي بسبب ما يلاحظه من عدم انتظام العمل السياسي وتدخل المحسوبيات والعلاقات الشخصية في عمل بعض الأحزاب وأسباب أخرى كثيرة, ولو أن أحداً من أولادي طلب نصيحتي في هذا الموضوع لنصحته بالابتعاد عن الأمور السياسية حتى لو كان موجوداً في أوربا التي من الممكن العثور فيها على الكثير من المؤسسات التي تغني عن العمل السياسي مثل المؤسسات الثقافية والفنية والنوادي الفكرية, حتى في الجامعات هناك مواقف (سياسية) لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات وفي خضم المنافسة بين الرئيس شيراك ومنافسه جان ماري لوبين, قام رئيس جامعة ستراسبورغ باستقبال الطلاب للبحث في كيفية تنظيم مظاهرة يعبر فيها الطلاب عن استنكارهم لوصول شخص متطرف مثل لوبين إلى الحكم.

  • ما سر اهتمامك بالتاريخ? وكيف تحولت منه إلى دراسة القانون, والتخصص في أنظمة حقوق الإنسان?

          لقد كنت ومازلت شغوفاً بالتاريخ, وهذا الشغف متصل باهتماماتي بالقراءة واقتناء الكتب. وصادف أنني كنت أقرأ بالعبقريات لعباس محمود العقاد, وفي إحداها استوقفني قول للخليفة الأول أبو بكر الصديق قاله عندما أرسل الفارس القعقاع بن عمرو بمفرده إلى خالد بن الوليد أيام حروب الردة والذي كان يطلب المدد من الخليفة, وعندما سئل أبو بكر في مجلسه عن سر هذا التصرف, قال قولته المشهورة عن القعقاع (لا يهزم جيش فيه مثل هذا), وكانت هذه الشخصية هي فاتحة الكتابات لدي وأعيد طباعتها مرتين, لكن في الحقيقة أنا أعتبر نفسي قانونيا بالدرجة الأولى حيث إنني تخرجت في كلية الحقوق بجامعة دمشق, وسافرت إلى أوربا لمتابعة دراستي العليا إلى أن حصلت على شهادة الدكتوراة في جامعة ستراسبورغ الفرنسية.

          أما بخصوص حقوق الإنسان, فعندما كنت أحضر لدراستي العليا, وفي أثناء مراجعاتي لدروسي اكتشفت أن الدول التي لم تصادق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10/12/1948 تبلغ ثماني دول من بينها دولتان عربيتان, وتساءلت عن الأسباب, ومن هنا بدأ اهتمامي بالإعلان العالمي والشرعية الدولية, ومن ثم الأنظمة الإقليمية لحماية حقوق الإنسان.

عقول مهاجرة

  • العقول العربية المهاجرة موضوع قديم متجدد باستمرار لأنه يمثل بصورة أخرى خسارة متجددة ونزيفا في الأرصدة العربية, من خلال وجودك في فرنسا واحتكاكك بالجالية العربية, هناك يا ترى ماذا وجدت في هذا الموضوع?

          لقد فوجئت بوجود عدد كبير من العقول العربية المهاجرة في أوربا من خلال مشاركتي في اجتماعات نظمتها منظمة أسيسكو وهي معنية بالثقافة والعلوم والتربية وتجمع العقول المهاجرة للتباحث في أوضاعها ودراسة إمكان استفادة بلدانهم من خبراتهم, إن وجود هذه العقول خارج بلدانها له أسباب عدة, ربما اقتصادية أو سياسية, لكن أيضا غياب مناخ الحرية وإمكان التعبير والبحث العلمي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان, دفع هذه العقول للبقاء في مكان عملها مع رغبتها واشتياقها الدائم لأن تكون في بلدانها الأصلية, وهنا أود أن أضيف أن هذه العقول تجد هناك من يقدّر عملها وجهدها, ومع الأسف الشديد الكثير من الباحثين والمتخصصين العرب يتركون أوطانهم لإحساسهم بعدم التقدير والاهتمام بقدراتهم.

جوانب علمية

  • استكمالاً للسؤال الأول الذي طرحناه عليكم بخصوص انتشار مفاهيم حقوق الإنسان في عقد التسعينيات نلاحظ اليوم وجود حركة ناشطة للعديد من المؤسسات العربية والأفراد في هذا الميدان علماَ بأن بداية بعض تلك المؤسسات انطلقت مع بداية الثمانينيات (المنظمة العربية لحقوق الإنسان) فهل تعتقد أن مسيرة تلك المؤسسات تسير في الاتجاه الصحيح?

          خطت الحركة خطوات كبيرة في الفترة الأخيرة, وكلنا كمتخصصين ومهتمين نقدر للمنظمة العربية لحقوق الإنسان جهودها في هذا المجال, ولا ننسى بهذه المناسبة أن المنظمة تعتمد على منظمات أخرى عربية وتتعاون معها لتحقيق الأهداف نفسها, والدفع بقضية حقوق الإنسان إلى الأمام.

          والحقيقة دائما يقلقني في حركة حقوق الإنسان في العالم العربي غياب الجانب العلمي والأكاديمي في مواضيع حقوق الإنسان, وعدم الاهتمام به. فنحن اليوم لا نفتقر إلى مناضلين ومنظرين وأشخاص لهم تاريخهم النضالي المشهود في حقوق الإنسان, ولكني أتمنى من هذه الحركة ألا تهمل جانبا وتهتم بجانب آخر. وللأمانة ربما أصبح هذا الموضوع قديما, نظرا لوجود الكثير من المتخصصين والخبراء اليوم الذين يسهمون في هذه الحركة ولهم كتاباتهم القيّمة فيها.

  • نلاحظ وجود الكثير من المنخرطين في حركة حقوق الإنسان العربية كانوا في السابق مناضلين سياسيين في بلدانهم, يا ترى ما السبب في هذا التحوّل? وهل الرغبة في الانتشار والتخلص من حال العزلة له علاقة بهذا الموضوع?

          هم ليسوا منعزلين عن المجتمعات التي يعيشون فيها, بل إن الباحثين والمتخصصين الغارقين في بحوثهم ودراستهم هم مَن يتهمون بالانعزالية, وأن المناضلين السياسيين هم القريبون من الشارع العربي وهمومه, وفي المقابل أستطيع القول بأنهم قد يهتمون ببعض الجوانب ويهملون الأخرى, وربما نظراً لطبيعة عملهم, فهناك منظمات لحقوق الإنسان لا تستطيع الاهتمام بجوانب أخرى غير المفروض أن تهتم بها حسب نظامها وأهدافها, وإن كان الجميع في نهاية المطاف يلتقون بهمومهم مع بعضهم البعض.

مستويات الاهتمام

  • بحكم المهنة, أنت مطلع على الاتفاقات والإعلانات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان, وبخاصة ما يتعلق بالمنطقة العربية والإسلامية التي خرج منها إعلان القاهرة, فهل ملأ هذا الإعلان فراغا ظل شاغرا فترة طويلة?

          أقول وبكل تواضع أنني غير راض عما تضمنه إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام لأنه لا يعكس - حسب تصوري - تسامح الإسلام وعالميته, وأيضا اهتمامه بحقوق الإنسان وكرامته, فعلى سبيل المثال لا توجد هناك مادة مخصصة لحرية الاعتقاد بالرغم من أن العديد من الآيات القرآنية تتحدث عن هذا الموضوع, وأعتقد أن السبب يعود إلى أن التحضير لمثل هذه الإعلانات والصكوك لا يتم بالتعاون مع الخبراء والمتخصصين الذين هم قادرون على عرض وجهات نظر مختلفة وتجارب الأمم الأخرى في موضوع حماية حقوق الإنسان.

          وربما يكون الحل الأمثل لمثل هذه الأحوال, هو في الدعوة إلى عقد مؤتم يجمع بين المتخصصين في العلوم الإنسانية وفقهاء الشريعة الإسلامية والمتخصصين في موضوع الحماية الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان, وأن يتم تبادل الآراء والخبرات ويطلع كل طرف الطرف الآخر على معلوماته, وأن يكون بينهم عمل مشترك يتجسد في بحث مواضيع محددة تهم المجتمع العربي والدولي فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان.

مراجعة الأوضاع

  • أين نحن العرب من نظرية صراع أو صدام الحضارات? وهل لدينا القدرة على المواجهة وإثبات وجودنا?

          إن أحداث 11 سبتمبر صبت في تعزيز نظرية صراع الحضارات, وساهمت في التشكيك في حقيقة التعاون بين مختلف الحضارات بالدرجة الأولى, ونكران عطاء ومساهمات حضارات محددة, وليس من المستغرب أن أكون ضد هذه النظرية, دون أن يمنع ذلك من قيامي بالبحث عن الجذور والأسباب التي دفعت بعدد كبير من الغربيين إلى الإيمان بتلك النظرية, وكذلك السعي إلى الحوار الذي يكون عادة بين ندين, لا طرفين أحدهما قوي والآخر ضعيف, مما يتطلب منا في الوطن العربي القيام بمراجعات لأوضاعنا ومفاهيمنا وممارساتنا حتى نستطيع أن نحاور من مركز قوة لا ضعف.

          نحن نعيش مع أنفسنا علاقة غير صادقة وغير صريحة بمعنى أننا لا نواجه عمليا أنفسنا بأخطائنا وقصورنا في العديد من مراحل حياتنا وتاريخنا, ويجب أولا أن نتصالح مع أنفسنا بمعنى إذا أردنا من الآخرين احترامنا, فلنبدأ باحترام أنفسنا أولا, والاجتهاد في إيجاد الحلول يكفي بحد ذاته للخروج من الوضع الذي نحن فيه الآن كأمة ودول وعلاقتنا كأفراد.

  • أحداث 11/9 ألقت بظلالها القاتمة على جميع أنحاء العالم وفي بعض الأجزاء كانت ردة الفعل على المقيمين من أصول عربية ومسلمة سلبية, فهل حدث الأمر نفسه في فرنسا?

          يجب التفريق بين نتائج أحداث 11  سبتمبر في أوربا والأحداث نفسها في أمريكا, لأننا في أوربا لم نعان على الأقل من المواقف التي نجدها الآن في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث معاملة غير الأمريكيين والتضييق على الحريات والحد منها, صحيح أن آثار هذه الأحداث انعكست بشكل أو بآخر على أوربا وعلى المكاسب التي نجح العرب في أن يحققوها في أوربا. وإن كنت أعتقد أننا في أوربا بمنأى عما نجده في بلدان أخرى من اتهامات تكال لمجرد الاشتباه, وكلنا أمل ألا تعاني القارة الأوربية مما يحدث في تلك البلدان.

 

   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




د. محمد أمين الميداني وإبراهيم المليفي